« مساء الخير الحسن المانوزي، حيثما أنت.. فوق الأٍض، تحت الأرض، أو روحا معلقة في السماء تنتظر قبرا وشاهدا وصلاة وداع، أو حرية فقط.. تنتظر إنصافا للحقيقة، كي يكمل فعليا تصالح المغرب مع ماضيه المؤلم لخرق حقوق الإنسان، في واحد من أ?قد وأكبر ملفات المختطفين، مجهولي المصير. مثله، مثل ملف عريس الشهداء، الشهيد المهدي بنبركة، الذي يشترك معه في كل شئ. مبادئ وقيما وروحا نضالية، وأيضا في قدر ومكر الإختطاف في نفس 29 من أكتوبر، واحد سنة 1965 والآخر في سنة 1972. وكلاهما اختطف خارج سماء البلاد، في باريس وتونس. وكلاهما لا يزال مجهول المصير. مساء الخير عائلة الحسين المانوزي، كل عائلة المانوزي (عائلة الدم وعائلة الفكر والنضال). وفي أول الصف الجبلان الشامخان، الوالد الحاج علي المانوزي، والوالدة خديجة الشاو، اللذين ما لبسا ثوب الحداد قط، وظلا واقفين عند باب الحياة، وباب التاريخ، ينتظران أن يطل الحسين، ابنهما البكر، بذات ابتسامته الطفلة الخجلى، وانحناءة الكتف الوقورة.. فها قد مرت 40 سنة ولم يفتح الباب ذاك.. مر 14600 يوم، و 350400 ساعة، و21 مليون دقيقة، ومليار و 260 مليةن نبضة قلب، ولم يفتح ذلك الباب.. كم هو قاس ثمن الإختيار في المغرب، وكم هو قاس هذا العقاب المفتوح أمام عيني أب وأم ينتظران خبرا عن ابنهما البكر وعن مصيره، عمرا كاملا..».. بهذه الكلمات للأخ لحسن العسبي، انطلق المهرجان التكريمي والتضامني الكبير مع الحاج علي المانوزي (99 سنة) وزوجته الحاجة خديجة الشاو(88 سنة)، بمسرح محمد السادس بالدارالبيضاء، بمناسبة الذكرى 40 لاختطاف ابنهما البكر، المجهول المصير إلى اليوم، الحسين المانوزي. وهو المهرجان الذي سجل حضورا جماهيريا كبيرا امتلأت به كل كراسي وممرات المسرح الواسع والممتد. وكان في مقدمة الحضور قادة المقاومة وجيش التحرير وزعماء سياسيون تاريخيون بالمغرب، وقيادات حزبية ونقابية وجمعوية وحقوقية، يتقدمهم المجاهد الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي والوطني المقاوم بنسعيد آيت يدر والمقاوم الصلب سعيد بونعيلات، ومحامي عائلة المانوزي آلان مارتيني والمحامية الحقوقية التونسية راضية نصراوي. الحفل الذي انطلق بالوقوف لقراءة الفاتحة ترحما على أرواح كل شهداء المغرب من أجل الحرية والإستقلال ودولة الحق والقانون والحريات، وكذا وحدة البلاد الترابية، عرف ثلاث فقرات كبرى، تخللها عرض شريط توثيقي عن محنة الإختطاف بالمغرب مدته 25 دقيقة. ولقد أجمعت المداخلات والشهادات، على إلحاحية التصالح مع الذاكرة وعلى منطق الإنصاف وتجاوز أخطاء الماضي البنيوية في السياسة الرسمية للدولة منذ إقالة حكومة عبد الله إبراهيم ومعركة الدستور وكل مسلسلات الإنتقام من الحركة التقدمية الإتحادية، وأن الواجب اليوم، يقتضي أن يطلع أبناء اليوم، عبر برامج التعليم على قيمة النضال من أجل حقوق الإنسان والحرية والعدل، صونا لهم في المستقبل ومناعة للبلاد كلها أن لنا تاريخنا النضالي الوطني التقدمي البناء (بنسعيد آيت يدر). مثلما تم التطرق لدور عائلة المانوزي في حركة المقاومة وجيش التحرير من خلال كل أبنائها وفي مقدمتهم الحاج علي وشقيقاه الراحلان سعيد وإبراهيم الماتوزي (مصطفى الكثيري)، وأن هذا ما يجعل المندوبية السامية للمقاومين التي يترأسها تقدم للحاج وزوجته درعين تكريميين بالمناسبة. فيما تم التأكيد على أن المعركة الحقوقية في المغرب لا تزال متواصلة، وأنها لن تتوقف بدون إنهاء حقيقي لملفات الإختفاء القسري وتجاوز عقلية الإنتقام، التي تتأسس على إعطاء نقطة إيجابية باليد اليمنى وحصد الثمن السلبي باليد اليسرى، من قبيل اختطاف بنبركة واختطاف الحسين المانوزي واغتيال عمر بنجلون وإعدام دهكون وهكذا. فالشجاعة تقتضي اليوم القطع مع أساليب الماضي (المحامي عبد الرحيم برادة). أما كلمة تونس التي ألقتها المحامية راضية نصراوي فقد كانت لها وقع خاص، لأنتها آتية من بلاد البوعزيزي وأيضا لأن الحسين اختطف من تونس، وهي كلمة رصينة قوية بوضوحها الحقوقي وتضامنها الإنساني وأملها في مغرب أرسخ في الحريات وفي الإنصاف وفي المقدمة منه إنصاف أب في 100 سنة من عمره لا يطلب غير الحقيقة كل الحقيقة المادية القطعية حول مصير ابنه. ولقد ردت عليها القاعة في نشيد جماعي بقصيدة شاعر تونس الكبير أبو القاسم الشابي: « إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر... «. باقي المداخلات (ابراهيم أوشلح، ثابت خضير، بنعبد السلام باسم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عبد الحق الوسولي باسم عائلات المختطفين مجهولي المصير، مصطفى المانوزي رئيس منتدى الحقيقة والإنصاف)، قدمت تفاصيل جد دقيقة حول شخص الحسين المانوزي، وحول تطورات ملف الإختطاف والإختفاء القسري، وأكدت على دفتر المطالب الحقوقية التابثة في هذا الباب. وهي كلها المطالب التي فصلت فيها يوما قبل ذلك بالمكتبة الوطنية بالرباط، ندوة علمية نظمت بالمناسبة، واعتبرت خلاصاتها ورقة مرجعية في هذا الباب. ولقد أجمعت كل تلك المداخلات والشهادات على إلحاحية تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وعلى المحافظة على مواقع كل الأدلة المادية لمراكز الإعتقال السرية ومراكز التعذيب والإختطاف، وعلى تحديد الجهات المسؤولة عن تلك الجرائم. كان حفل المهرجان، قد استقبل من خلال تصفيق طويل وقوفا، صعود الحاج علي المانوزي الذي يجر وراءه تعب سنين عمره الذي يقارب 100 سنة ورفيقة دربه الحاجة خديجة الشاوش التي تقارب 90 سنة، والذي أكد أنه هو هو في صلابته وفي وضوح رؤيته السياسية الحقوقية، وأنه لا يطلب غير الحقيقة عن مصير ابنه الحسين ومصير باقي المختطفين مجهولي المصير، فمن ينصف عمره المديد في الإنتظار؟.. كانت تلك أقوى لحظة حقا في المهرجان كله.