كثيرون اتصلوا بمسؤولي التحرير في هذه الجريدة مباشرة بعد نزول عدد السبت والأحد المنصرمين إلى الأسواق ليسألوننا عن كواليس الرّحلة التي قادت صحافية "صحيفة الناس"، الزّميلة غزلان أمجود إلى جبال إدلب في سوريا لتعيش 11 يوما من الرّعب وسط كتائب المقاتلين من مختلف الجنسيات، قبل أن تعود بتحقيق صحافيّ نادر تحلم بإنجازه كبريات الصّحف العالمية وكبار الصحافيين.. وفعلا، نحن لم ننشر كلّ الكواليس المرتبطة بهذه الرحلة الاستثنائية، التي كان يمكن أن تضع حدّا لحياة صحافية في بداية مشوارها المهني، بل اكتفينا فقط بنشر جزء يسير مما عاشته زميلتنا غزلان في هذه المنطقة، التي تحولت إلى بؤرة مشتعلة توجد تحت "العناية المركزة" لجميع أجهزة وأنواع المخابرات في العالم. وحقيقة، نحن لم نكن نتوقع أن يأتي هذا التحقيق بالشكل الذي نشرناه أو أن يثير كل هذا الاهتمام من لدن المتابعين والقرّاء، لأنّ المعطيات والمعلومات التي وردت فيه شكلت مفاجأة لنا نحن بالدّرجة الأولى، بسبب هولها وخطورتها.
لقد كشف هذا التحقيق أن هناك شبابا من مختلف الجنسيات، بما فيها المغرب بالطبع. شباب تم التغرير بهم للقتال في ساحة حرب تم تحويلها إلى "ساحة للجهاد" بسبب الدّعاية الدينية التي رافقتها، والحماس الغريب الذي عبّر عنه العديد من الوعاظ ورجال الدين والعلماء، منهم يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.. علماء لم يتوانوا في تحريض الشّباب على الالتحاق بالمقاتلين المسلحين في سوريا ل"أنّ الله أمر بذلك"، حسب زعمهم. والواقع أن الأمر يتعلق بخدمة أجندة سياسية فيها الرابح والخاسر والمستفيد، وفيها الظاهر والخفي، لكنْ فيها الضحايا، وهم هؤلاء الشباب الذين يتركون كل شيء ويذهبون إلى ساحات الموت والقتال، فيما يذهب أبناء هؤلاء العلماء إلى الجامعات الأمريكية والغربية من أجل الحياة ولا شيء غير الحياة.
كلنا نتذكر ماذا وقع في أفغانستان قبل ثلاثين عاما، عندما تحول الشباب العرب، ومنهم مغاربة، إلى وقود للحرب. الآن يتكرّر السيناريو نفسه بأشخاص آخرين وفي سياق إقليمي ودولي مغاير لا أقلّ ولا أكثر.
لكنّ الأخطر من ذلك كله هو أن التحاق آلاف الشبان بساحة القتال في سوريا جاء بعد ذلك الملتقى الشهير في ملعب القاهرة الذي نظم من طرف الإخوان المسلمين في ذلك الوقت على عهد مرسي، وهو الملتقى الذي شارك فيه علماء من المغرب بهدف حشد وتجييش الشباب العرب وتحريضهم على الذهاب إلى سوريا. وها نحن نرى اليوم كيف أصبح الجميع، علماء وسياسيين وغيرهم، يتفرّجون على المأساة دون أن يستطيعوا التحكم في هذا "العفريت" الذي أطلقوه بأيديهم.