نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب        في لقاء مع الفاعلين .. زكية الدريوش تؤكد على أهمية قطاع تحويل وتثمين وتسويق منتجات الصيد ضمن النسيج الإقتصادي الوطني    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    الذهب يواصل مكاسبه للجلسة الرابعة على التوالي    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    استئنافية ورزازات ترفع عقوبة الحبس النافذ في حق رئيس جماعة ورزازات إلى سنة ونصف    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    مقتل 22 شخصا على الأقل في غارة إسرائيلية على غزة وارتفاع حصيلة الضربات على تدمر السورية إلى 68    ترامب ينوي الاعتماد على "يوتيوبرز وبودكاسترز" داخل البيت الأبيض    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    كيوسك الخميس | 80 في المائة من الأطفال يعيشون في العالم الافتراضي    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية        اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    الفتيان يواصلون التألق بالفوز على ليبيا    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    بوريطة يستقبل رئيسة برلمان صربيا    الحكومة تتدارس إجراءات تفعيل قانون العقوبات البديلة للحد من الاكتظاظ بالسجون    مجموعة سويسرية تعزز حضورها في الداخلة بالصحراء المغربية.. استثمار متزايد في الطاقات المتجددة        ولد الشيخ الغزواني يهنئ الملك محمد السادس بمناسبة عيد الاستقلال    ارتفاع طفيف في تداولات بورصة الدار البيضاء    العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية تقرر تغيير توقيت انطلاق ديربي البيضاء    توقعات أحوال الطقس لنهار اليوم الأربعاء    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية    تفاصيل نجاة فنانة مصرية من الموت        نادال مودعا ملاعب التنس: " أريد أن يتذكرني الناس أنني كنت شخصا طيبا قادما من قرية صغيرة قرب مايوركا"    تلاميذ مغاربة يحرزون 4 ميداليات في أولمبياد العربية في الراضيات    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    روسيا تبدأ الاختبارات السريرية لدواء مضاد لسرطان الدم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ادريس هاني يكتب عن فوبيا الانتصار السوري
نشر في تليكسبريس يوم 23 - 05 - 2013

إذا كنا سنحلّل الوضع السوري بعيدا عن مقومات الجيوستراتيجيا الغربية في الشرق الأوسط، فسوف نجد أنفسنا تائهين في التبسيط الممل، وستضحك علينا الأجيال القادمة. فبعد عامين من صمود سوريا أمام محاولة الإطاحة بها من قبل خصومها، بات واضحا ما لم يكن واضحا في بداية الأزمة حينما لم يفهموا جواب الأسد على سؤال الصحافة،على إثر سقوط نظام حسني مبارك، حينما قال: سوريا ليست هي مصر؟؟؟هل فهم المعاندون الذين ضحكوا يومها ضحكتهم الصفراء والسوداء ماذا يعني الاستثناء السّوري؟ ولا شكّ في أنّ من سمّوا أصدقاء سوريا يعيشون اليوم نكسة كبرى بعد كلّ هذه الجهود والخدمات التي صرفت في سبيل تغيير النظام السوري بنظام آخر تأكّد من تجارب ما يعرف بالربيع العربي بأنّها دول بديلة تعاني الهشاشة، كما أنّ البديل الجاهز لسوريا هو نظام الإخوان المسلمين. وتبدو معركة القصير معركة حاسمة بالمعنى والموقع الاستراتيجي لهذه المعركة.

ما يجري اليوم في سوريا له أهداف كثيرة. وهي كلها أهداف لا علاقة لها بإسقاط النظام. لأن قصة التدخل انتهت منذ شهور. واحدة منها استنزاف الجيش السوري لأنه منظومة عسكرية غامضة في نظر إسرائيل وحلفائها. وهم يريدون أن يضطروا سوريا لإظهار كل إمكاناتها العسكرية. وسوريا أذكى من ذلك. فهي لا تظهر إلى القليل. اليوم دخلت الأزمة مرحلة جديدة. فالحل السياسي لم يعد خيارا مفتوحا. هناك سقف محدد لذلك. فسوريا ستدخل مرحلة جديدة من الحسم. في انتظار بعض الترتيبات لكي تفاجئ المسلحين بمستوى جديد من الجحيم السوري. بالأمس القريب بات العالم مشغولا بكوريا والتحدي النووي. وكوريا الشمالية هي ورقة ستفاجئ أصدقاء المسلحين في سوريا أنفسهم باعتبارها من أصدقاء سوريا الحقيقيين. إنّ السؤال المطروح اليوم بإلحاح: ما هو مصير المسلحين اليوم؟ إنه بالفعل مصير دراماتيكي. اسألوا عن مصير هؤلاء ولا تسألوا عن مصير دولة دوّخت العالم خلال أكثر من سنتين من المواجهة السياسية والعسكرية. ألا يكفي هذا؟؟؟وهنا تبرز مسألة دور حزب الله في هذه المعارك كما تروج اليوم في وسائل الإعلام، أو بالأحرى في وسائل إعلام تحتكر صناعة الخبر ضدّ سوريا فيما يتمّ تدويره على شاكلة ما يسميه أحد الزملاء بتدوير زبالة، على سائر وسائل الإعلام الأخرى بما في ذلك الإعلام الغربي. إنّ الحديث عن تدخّل عناصر من حزب الله اللبناني في الشّأن السوري كان دائما رائجا في وسائل الإعلام وعند المعارضة السورية منذ الشهور الأولى للأزمة. وكان ذلك محاولة لإخفاء التحاق الكثير من الجماعات المتطرفة من لبنان بالمقاتلين السوريين. كانت جماعة الأسير وغيرها أول الجماعات اللبنانية التي عملت على تقديم الدّعم للمسلحين السوريين.واستمر هذا الوضع خلال أزيد من عامين. كانت المعارضة في الخارج تتحرّش بالحزب في محاولة لجلب التعاطف من دول كثيرة تعتبر الحزب وإيران عدوّا استراتيجيا لها.

خلال الشهور الأولى من الأزمة، وفي القاهرة حينما انعقد مؤتمر صحفي للمعارضة السورية في الخارج بحضور النائب السابق مأمون الحمصي تحت عنوان: صمتكم يقتلنا، كان النقاش كله يدور حول حزب الله وإيران حتى أنهم أوحوا لأنفسهم بأنّ الجيش العربي السوري غير موجود نهائيا، وبأنه عاجز عن مواجهة المسلحين. ولأنّ المعارضة كانت تسوّق في الخارج كذبة السقوط الوشيك للجيش وبأنه قريبا سينهار بعد أن نشروا حكاية انشقاق الضباط بكميات توحي بالكارثة. في الوقت الذي كانوا يعتبرون الفارين من العدالة والتجنيد الإجباري في عداد المنشقين، ليؤلفوا جيشا سموه الجيش الحر. فكان لا بدّ أن يبرروا عجزهم عن التقدم بوجود إيرانيين وحزب الله وعراقيين يقاتلون حسب زعمهم إلى جانب ما تبقى من قوات الجيش العربي السوري. كان من غرائب ما سمعت من مأمون الحمصي يومها أن السفينة العسكرية الإيرانية التي انطلقت يومها عابرة قناة السويس وصولا إلى مرفأ اللاذقية جاءت لتزويد الجيش السوري بالهراوات لقمع الشعب السوري. تدخلت أثناء المؤتمر الصحفي ذاك بعد صعوبة في انتزاع كلمة. ذلك لأنني قلت لهم بعد أن رفضوا إعطائي الكلمة بأنني ظننت أنكم بالفعل ديمقراطيين، لكن بدا لي أن الأمر ليس كذلك.كان الجو كئيبا وبدا وكأنهم يحدثون أنفسهم فقط بينما كانت وسائل الإعلام تنقل كل شيء إلاّ كلمتي التي لم يكونوا يرغبون في إيصالها. ودفعا للحرج طلب مأمون حمصي من مدير الندوة أن يعطيني الكلمة. قلت لهم: إنني لاحظت أنكم طيلة هذه الندوة تتحدثون فقط عن حزب الله وإيران ولا تتحدثون عن وضعكم الخاص. يبدو لي أنكم لا تعرفون حتى كيف تدافعون عن أنفسكم. لقد كان خطابا بالغ السّذاجة إلى حدّ ارتبك مأمون حمصي وبدأ يحاول أن يبرّر لي وجهة نظره، ليخلص إلى الاعتذار على الطريقة التي تم التعاطي بها معي نظرا لأنهم واقعين تحت ضغط العواطف والانفعالات بسبب ما يعانيه الشعب السوري حسب زعمه. هذا في حين أنّ هؤلاء لا يمثلون إلا جماعاتهم ولا يمثلون الشعب السوري. فثمة أغلبية ساحقة ترفض دخول المسلحين وتخريب البلد وهي من يهتف في كل مكان: الله محيي الجيش.

بعد تدويل القضية السّورية وفتح الجبهة الشّامية أمام كلّ المسلحين من أجناس مختلفة بتأطير من القاعدة ودعم رسمي وغير رسمي من دول إقليمية ودولية، بات من العبث الحديث عن تدخّل حزب الله في الشّأن السّوري. ذلك لأنّ الأحداث الدّائرة اليوم في مدينة القصير وأطرافها لها دلالات أكثر تعقيدا مما يسوّقه الإعلام العربي الذي يخضع لمنهجية فائقة في تبسيط الحدث. لكن قبل الحديث عن حقيقة تواجد مقاتلين لحزب الله في سوريا لا بدّ من طرح السؤّال القانوني حول هذا التواجد، إن تحقّق هذا التواجد بالفعل نوعيا وكمّيا حسب ما تذكره وسائل الإعلام. فخلال أكثر من عامين اتخذت تدابير ضدّ سوريا تناقض القانون الدّولي وميثاق الأمم المتحدة وكذا ميثاق الجامعة العربية. هذه الخروقات شكّلت على مدار عامين من عمر الأزمة السّورية ظاهرة سافرة بموجبها تمّ اتخاذ قرارات بدعم الشعب السوري لنجد في نهاية المطاف أنّ هذا الدّعم كان لجماعة النّصرة المتحكّمة في أكثر العمليات الدّائرة في الأراضي السّورية. وبموجب هذا الخرق وجدت سوريا نفسها خارج الجامعة العربية التي كانت سوريا مؤسّسا فيها.

وفي إحدى اجتماعات الجامعة العربية اقترح بقوة وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر منح كرسي سوريا للمجموعة المعارضة السورية التي تشكّلت في الخارج تحت رعاية قطر والنّاتو، وهو ما أثار حفيظة بعض الأعضاء ، حيث جاء الرد من وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي معترضا عليه من منظور قانوني. وهو ما ذكره نبيل العربي نفسه باعتبار أن هذا لا يحق الا لدولة قائمة بالفعل.. اي دولة بشعب وارض وسيادة. قال الوزير القطري ردا على ذلك: «أنتم تتحدّثون عن ضرورة الالتزام بالقانون، فيما بشار الأسد يخرق كل القوانين يومياً، لماذا لا نخرق القانون لمرة واحدة ونمنح المقعد للائتلاف السوري الآن"....هذه هي الطريقة التي يعالج بها القطري القانون. فلأنهم لا يؤمنون بالقوانين في بلدانهم يتصرفون هكذا مع الدول.. يضعنا هذا الموقف أمام الطريقة التي تفتعل بها الأزمة من الخارج. إنّها دعوى لخرق القانون لمزيد من محاصرة سوريا.خلال هذه الفترة من الخرق المستديم للقانون من قبل خصوم سوريا، تقاطر على سوريا من سائر أقطار الدّنيا آلاف المتطرّفين، جاؤوا إلى هناك بهدف إقامة إمارة شبيهة بإمارة الملاّ عمر في أفغانستان. فلقد كانوا هم أنفسهم الذين قاتلوا في أفغانستان والشيشان والصومال والعراق واليمن وليبيا، وغيرها من البؤر التي خاضوا فيها معارك من أجل إقامة إمارة للقاعدة. كانت وسائل الإعلام تخفي هذه الحقيقة إلى أن تمّ تسريبها ولم تعد اليوم أمرا خافيا.

وتبدو ازدواجية العالم اليوم فائقة الخطورة لمّا يسكت المنتظم الدّولي عن الفظاعات التي يرتكبها هؤلاء المتطرّفون ضدّ الأهالي في المناطق التي يدخلونها، وكذا ضدّ من يعتبرونهم تحت الظّن والشبهة من أعوان النّظام. وباتت الديمقراطية التي يتحدّث عنها أصدقاء سوريا في مؤتمراتهم المتكرّرة هدفا يتحقّق اليوم بالتخريب الممنهج للآثار ورهن المدنيين لتحكّم المسلحين المتطرفين الذين عملوا القتل والتمثيل بالجثث والاغتصاب في المجتمع السوري، وتم ابتكار العديد من الظواهر الخاصة كجهاد المناكحة، ومظاهر بتر الأعضاء وأكل أكباد الجثث من قبل المتطرفين. كان التّدخّل في سوريا ولا يزال أمرا طبيعيا. وحتى قبل أسابيع تمّ تفجير شاحنة أسلحة فرنسية متجهة لمشفى باب الهوى باتجاه المسلحين على شكل سيارة إسعاف، تنفجر في الريحانية قبل عبور الحدود التركية السورية . ويبدو عليها علم الجيش الحر وتركيا وفرنسا. وتظهر عصابة من النصرة يطفؤون النّار. ولم يبث التلفزيون التركي التابع لأوردوغان هذه الصورة. لكن الأهالي الأنطاكيين اعتمدوا سلاح الفايسبوك لتبليغها.

وخلال هذه الفترة فتحت تركيا أراضيها لآلاف المتطرفين القادمين من دول كثيرة. تشرف عليهم تنسيقيات تستقبلهم في اسطنبول ثم يتوجهون نحن أنطاكيا في رحلتين في اليوم بين لسطنبول وأنطاكيا.هذه التنسيقيات مرتبطة مباشرة بالرئيس أوردوغان ولا علاقة لها بمؤسسات الدّولة. ولكي تسهّل سلطات أوردوغان على المتطرفين المهمّة، رفعت التأشيرة مثلا على القادمين من اليمن ورفعت من عدد الطيران على الرغم من أنّ طبيعة العلاقات بين البلدين لا تحتاج إلى هذا الكم من الرحلات.وكان أحرى باجتماع الحلفاء ضد سوريا في الأردن أن يصدروا أمرا بانسحاب الأجانب المقاتلين في سوريا بدل أن يوجّهوه لإيران التي تربطها مع سوريا معاهدة الدفاع المشترك.

تتحدث اليوم وسائل الإعلام عن تدخل حزب الله اللبناني في الشأن السوري كما لو أنّ سوريا كانت ولا زالت بعيدة عن أشكال التّدخّل الأخرى. هذا مع أنّ في منطق الثورجية السورية يحق لكل حرافيش الدنيا أن يتدخلوا في الشأن السوري حتى الشاولين الأعور بو وانغ الملقب بيوسف. علما أنّ حزب الله هو الوحيد الذي دخل ويدخل سوريا من أبوابها وليس يأتيها من الحدود التركية أو بتنسيق مع النصرة والخارجين عن القانون. فمن النّاحية القانونية يبدو وجود حزب الله في سوريا إن وجد شأنا سياديا للدولة السورية. ولم يخف السوريون كما لم يخف حزب الله أنهما متحالفان ويخوضان تحدّيا حقيقيا ولهما مقاربة مشتركة للأزمة. ولقد كانت سياسة الحزب منذ الشهور الأولى للأزمة هي النّأي بالنّفس وعدم التّدخّل في الشّأن السوري على الرغم من قناعته بخطأ خيار المسلحين. لكن ما يجري اليوم في سوريا لم يعد قرار الشّعب بل قرار النصرة والجيش الحر المؤلّف من ألوف من الأجانب ويستقي قراراته من دول إقليمية تنسّق هي الأخرى مع تل أبيب. فمن النّاحية القانونية يبدو أن الحزب يتواجد في دولة بشكل رسمي وقانوني بخلاف ألاف المسلحين من أقطار العالم المنتهكين للسيادة والقانون السوريين.

القصير وتهويل دور حزب الله

بغض النظر عن هذه الحقيقة الواضحة، يبقى أن نشير إلى طبيعة التّهويل في مسألة تواجد الحزب في سوريا. يراد من هذا التهويل تبرير وحجب عدد من المخططات التي أربكتها عمليات القصير الأخيرة. ولبيان ذلك لا بدّ من التّأكيد على أنّ تواجد حزب الله في سوريا لا يختزل انتصارات الجيش العربي السوري الذي يتمتّع بإمكانات هائلة في مواجهة حرب العصابات التي تنهجها الجماعات المسلحة المتطرفة داخل التراب السوري.ولقد عمل الجيش السوري على تمكين الشّعب من الدّفاع عن نفسه بفتح المجال لقوات الدّفاع الشّعبي في كثير من المحافظات. وحينما بدأ نشاط الجماعات المسلحة بتدمير المشاهد المقدّسة كما فعلوا بمرقد السّيدة سكينة ونبشهم قبر الصحابي حجر بن عدي وبدؤوا يقذفون الصواريخ على مقام السيدة زينب، كان المخطّط واضحا بأنّ الهدف في المعارك السورية هو أن تتحول إلى بؤرة لنزاع طائفي يجتاح المنطقة. فإنّ عملية تدمير مقام السيدة زينب لو تحقق للجماعات المسلحة كان سيكون بداية حرب طائفية في المنطقة هائلة. وبالتأكيد هذه الحرب الطائفية كانت ستكون هي التّتويج الحقيقي لمخطط إعادة تقسيم المنطقة ضمن مشروع سايكس بيكو جديد. قامت قوات الدفاع الشعبي من الشباب السوري للدفاع عن المقام الزينبي وانظم إليها بعض المتطوعين من العراقيين واللبنانيين. وساهم الحزب في تأطير وتدريب هذه المجموعات لتأهيلها للدفاع عن بلدتها وعن المقام.

فوجود الحزب إذن له علاقة بمنطقة تعني الشأن الديني والرمزي للشيعة في العالم. وهي كانت دائما كذلك. وذلك انطلاقا من أنّ تهديم مقام ديني ورمزي لجزء من المواطنين السوريين وكذا لكل شيعة العالم ليس شرطا لتحقيق الديمقراطية وبلوغ السلطة في سوريا؟ فما الذي يريده المسلحون الأجانب من مقام ومنطقة شيعية أصلا؟ وأمّا القصير فهي حالة تستدعي وحدها تفصيلا آخر.فالقصير وقراها شكّلت دائما عنصر استفزاز للمقاومة في لبنان. حينما تموقعت فيها متاريس المقاتلين واستوطنتها مكاتب التنسيق الاستخباراتية الإقليمية والدّولية وفتحت المجال للعناصر الإسرائيلية كما تحدثت وسائل الأنباء الأجنبية، كانت قد خرجت عن وضعها الطبيعي. في الاستراتيجيا لا بد من استحضار أهمية المكان. فموقع القصير الجغرافي هو الذي يفسّر التحاق بعض العناصر من المقاومة ببعض القرى في القصير لأسباب سنذكرها تباعا. حينما تعرف أنّ القصير كانت هي البؤرة التي استعملتها كل القوى الدولية والإقليمية لتوجيه ضربة استراتيجية للمقاومة في لبنان، ندرك أنّ دخول المقاومة كان بدافع المقاربة الاستراتيجية القاضية بتوقيت المعركة وخوض المواجهة التي تستهدف وجود المقاومة في الزمان والمكان المناسبين.

القضية هنا أكبر من أن يفهمها الأغبياء الذين لا زالوا يلعقون في عظام الطائفية وعصيدة التّآمر ولا يفقهون حديثا. إنّها معركة يفهمها الكبار ولن يفهمها مرتزقة المناكحة الذين لا عهد لهم بالحرب وإنّما جاؤوا لينبشوا القبور ويذبحوا المدنيين ويغتصبوا النساء.وعليه نقول: إنّ انخراط الحزب في معركة القصير وغيرها لا يعدّ تدخّلا في الشؤون الداخلية لسوريا. ففي الوقت الذي يتدخل العالم بالمقلوب في سوريا كان أحرى بالنسبة لحليف مقاوم أن يقوم بمهامه متى اقتضت المصلحة ذلك. ثمّ إنّ الإعلام سعى منذ البداية أن يعطي مسحة طائفية للمعركة حتى يحرج الحزب من القيام بدوره في تعزيز قوة الممانعة في بعض الجيوب التي تعني المقاومة أيضا. غير أن المعركة هي أبعد من كونها طائفية. هي معركة بين مشروعين سياسيين. ولقد كان الحزب في القصير يدافع عن أغلبية السنة التي توجد رهينة في يد مسلحي النصرة والجيش الحرّ. وكان أحرى أن تصل الرسالة إلى رموز الفتنة في كل مكان بأنّ التحرش بالمقاومة هو انتحار ومغامرة خطرة تشبه اللعب بالنّار. وهي عملية جراحية تشبه أحداث 7 أيار حيث لم يكن من بديل لدرء الفتنة إلا بإجراء عملية جراحية سريعة. ويومها وقع الكثيرون في فخّ القراءات الطائفية التي أصبحت أسطوانة تسترجع كما لو أنّ لا حقّ للحزب أن يدافع عن مشروع سياسي وتحرري، لأنّ الذهنية الطائفية الهوجاء هي التي تقول لهم: إن هؤلاء لا حق لهم في مشروع سياسي أو تحرري أو اجتماعي. فكل حركة صادرة منه هي طائفية. كأن المشاريع السياسية والتحررية هي حكر على طوائف معينة. والأدهى أنهم يعتبرون نشاط التكفيريين مشروعا غير طائفي وتحرري وسياسي، ما يعني أن القيم والمفاهيم تغيرت بشكل فظيع حد الشّطط. معركة القصير رسالة لدعاة الفتنة بأنّ تجاوزهم للحدود ستكون له عواقب كثيرة. ولقد ساهمت المقاومة في تحرير جزء من الساكنة الذين اتخذهم التكفيريون رهينة يتترسون بها في حرب المدن وينشرون الكراهية ويفرضون على الناس أن ينظموا إليهم وإلا اعتبروهم شبّيحة.
ولقد حدّثنا الكثير من السوريين بلغة الجيش الحر خوفا من أن نكون من الجيش الحر، ولكن ما أن يطمئنوا حتى يلعنون الجيش الحرّ وجماعات التكفير وكل من خولت له نفسه التآمر على بلده وتدميره. لقد تحرش الجيش الحرّ بالمقاومة وقذف بصواريخه من بعض قرى القصير على البقاع وطغى وتفرعن ونسيّ أنه مجرد حفنة مسلحة من عملاء الناتو والرّجعية العربية.

إنّ الفتنة مقدور على وأدها لكن بالكيّ. ولا زال العقلاء يؤجّلون الكيّ لأنهم لا يريدون أخذ حماقات التكفيريين وأنصارهم مأخذ الجدّ.فالتكفيريون هم أقلية تستعمل سياسيا. وقوّتها الوحيدة في أنّها منزوعة الصواب والضمير والعقل. إنهم يتجهون بالمجتمعات إلى حافة الانهيار. ولو كان الجيش الحرّ والمعارضة المتعاملة مع المخابرات الغربية والإقليمية ضدّ بلدها تحبّ الشعب وتريد له الخير، لأوقفت تحريضها ورحمت هذا الشعب. إنّ النظام لن يسقط وسوريا لن تتقسّم، فماذا يريدون بعد ، إلاّ أن يبقى صنبور الدعم يواصل صبّ المال في جيوب مافيا الأزمة السورية في الخارج؟! فليس في مستطاع جيش وطني أن يوقف الحرب بينما الآلاف من المرتزقة الذين دخلوا البلاد من حدود بلدان خصيمة يمارسون القتال.هذا في حين لا زال الكثير من المشبوهين يتاجرون في هذه القضية وباسم أطفال سوريا الذين لم يخرجهم النظام وإنما أخرجهم آباؤهم الذين انخرطوا في القتال. وإلاّ لماذا يوجد ملايين الأطفال في سوريا يعيشون في سلام؟ فحينما دخل عشرات الآلاف من المسلحين بأسلحة جيّدة جدا جدا كما قالت هيلاري كلينتون إلى سوريا قصد إعلان الحرب على الدولة والمجتمع، كان من الخطأ أن يقف الجيش مكتوف الأيدي. وكان من الخطأ أن يستسلم الأسد لهذه المؤامرة وكان من الواجب على هؤلاء المقاتلين الذين جاء بهم الجهل السياسي والتطرف الديني والقهر الاجتماعي والتحريض الطائفي والخداع الإعلامي والدوافع الجنسية المعجلة في المناكحة أو المأجّلة في الحور العين، أن يتعاملوا كجنود محاربين لا كربّات الحجال يبكون كلّما تصدّى لهم الجيش.

فالذي يتوفر على أسلحة متطورة ضد الدبابات والطائرات والذي يستطيع أن يحفر الأنفاق بين البيوت والمزارع وبين المدن والقرى ويدخل ويخرج ما شاء وينسق مع كل مخابرات العالم، يجب أن لا يبكى في القتال. وعليه، فحينما ينهزمون عليهم أن ينهزموا كجنود ولا يعتبرون هزيمتهم اعتداء على المدنيين. فهل المدنيين يستطيعون تدمير الدبابات وإسقاط الطائرات وحفر الأنفاق ومواجهة جيش نظامي لأكثر من سنتين؟!لقد دخلت أخيرا قوات حماة الديار بهامات مرفوعة إلى القصير التي تغنّى بها الإرهابيون ومدّوا فيها جذورهم. فالذي جعل الإرهابيين يتمترسون داخل هذه المدينة وقراها أنّهم أدركوا أن بها مرافق حيوية سيتجنب الجيش السوري الوطني استعمال المواجهة العسكرية التقليدية ضدها. لكنهم فوجئوا بقوات خاصة واجهتهم بأسلوب حرب المدن التي تتقنها. وهنا بدأت بكائيات الجيش الحرّ. بينما علقوا هزيمتهم النكراء على حزب الله والمقاومة. ولنا أن نقول محللين الوضع والرسالة وراء كل هذا:

أولا: ليس غريبا إن كانت ميليشيات العالم اليوم جزء من المسلحين في سوريا أن يكون لقوات المقاومة دعم للعمليات الخاصة في هذه المناطق. فمن ناحية الاصطفاف فالمقاومة لا تخفي مساندتها لسوريا.

ثانيا: إن سياسة النأي بالنفس لم تفهم عند الجيش الحرّ والنصرة وحلفائهم بشكل جيد. فهم تحرشوا بالمقاومة ولم يقدروا نأيها هذا.

ثالثا: إن ما حصل في القصير هو رسالة للجيش الحرّ الذي طالما زعم أنه سيفكك المقاومة يصل إلى السيد حسن نصر الله. فيبدو أن الجيش الحرّ وصلته الرسالة الآن في عقر داره.

رابعا: إنها رسالة للأسير في طلعاته السبهللة بأن المقاومة تستطيع تفكيك وضع الجيش الحرّ في أكثر مواقعه تمترسا فكيف سيحاول الأسير أن يعبّئ جيشا حرّا في لبنان من راكبي الدراجات الهوائية.

خامسا: إن الصواريخ التي تسقط على لبنان من قبل الجيش الحر تأتي من هناك من قرى القصير. وكان هذا هو ردّ المقاومة.

سادسا: إنّ حضور جزء من قوى المقاومة هناك كان الغرض منه اجراء عملية جراحية للوضع الخطير في القصير. لكن هذا لا يعني أن الفضل كله يعود للجيش السوري الذي لقن درسا للمرتزقة في هذه المدينة.

وسف يتبيّن أنّه كلما ظنوا أنهم فعلوا شيئا إلا وضربوا على قفاهم من قبل جبهة الممانعة التي تملك من إمكانيات الصمود والتحدي والاستشهاد وخلق المفاجأة والتحكم بمسارات المعركة، ما لا يعرفه تيار المناكحة ومرتزقة الناتو والأعراب.وليس بعيدا نقلت قناة فوكس نيوز أخبارا مصورة عن وجود فرقة كوموندوس إسرائيلية في القصير تقاتل إلى جانب النصرة والجيش الحرّ. مهمتها البحث عن الأسلحة الكيماوية وربما كانت تسعى لرصد وتدمير صواريخ إس 300 الروسية الصّنع.كانت القصير مرتعا للعمليات القذرة. ولقد ظنّوا أن الجيش العربي السوري لن يفكّر في تحريرها بعد أن تمركزوا فيها.فحينما تحالف الجيش الحرّ والصهاينة في القصير، تحالفت سوريا والمقاومة هناك لتكبّد الجميع خسائر فادحة.ومهما حاولت الجزيرة وأخواتها تحريف الأحداث، فإنّ الأسرى الصهاينة والضباط الأجانب الذين سقطوا في أيدي الجيش العربي السوري بالقصير سيشكلون فضيحة كبرى للمسلحين ومن يدعمهم.

هل حقّا الأسد معزول؟

لقد سبق أنّ عقّب الائتلاف السوري الذي لا يمثل إلاّ نفسه وبعض الموتورين على خطاب الأسد الأخير، بأنّ هذا الأخير معزول عن الواقع. أولا، دعنا نقول بكل بساطة من هم الذين مع الأسد. إنهم كالتالي:

أغلبية الشّعب التي ترفض التدخل والحرب الأهلية وتسليح المعارضة

الجيش وهو من الشعب وإليه وليس ميليشيا من طشقند أو أفغانستان

مع الأسد دولتان تملكان الفيتو في مجلس الأمن، واستعملتاه بالفعل

معه أكبر دول العالم من حيث المساحة والديموغرافيا: الصين والهند

في المجال الأوراسي الذي يقول عنه الجيوستراتيجيين أن من يهيمن على أوراسيا يهيمن على العالم، يوجد أغلبه مع الأسد: الصين وروسيا والهند وإيران وكوريا الشمالية الشّمالية، ترى ماذا بقي من آسيا؟؟؟؟

مع الأسد أقوى ما في آسيا كما ذكرنا وأقوى ما في أفريقيا بدء من جنوب أفريقيا وأقوى ما في أمريكا اللاتينية البرازيل وفينيزويلا ...

لقد قسّمت سوريا العالم إلى قسمين أخذت منه الأهم. أي نصف العالم الواعد في القوة والتنمية وليس نصفه الذي يواجه أزمات اقتصادية ويواجه منعطف انهيار قطبيته الوحيدة في العالم. وأخير وليس آخرا، مع سوريا قضية مقنعة وأشبه ما تكون بقضية رومنسية، هي الكرامة العربية ومواجهة الاحتلال والممانعة. ترى ماذا بقي لغير سوريا؟ يستطيع بشّار الأسد كما فعل في لقاء تلفزيوني سابق أن يحكي بالقيم التي لا تؤمن بها مشيخات الخليج. إنه يعتبر أنّه يتحدث اللغة المنسية للشعوب العربية. بينما هم لا يملكون قرارهم. وهذه قضية لا تقدر بميزان في العلاقات الدولية. فالذي لا يملك قراره ليس مؤهّلا لمواجهة دولة تملك قرارها. والذي لا يحمل ثقافة ديمقراطية لا يمكن أن يجود بها على شعب هو أعرق منه في الثقافة السياسية.

يبقى أنّ بشّار عند كلّ طلّة يحرج بني قينقاع العرب. فهو يتكلّم لغة لا يمكن ولا يملك أحد الشجاعة أن ينطق بها. وهو يبدو أكثر ثقافة وأقل عجرفة سياسية من أولئك الذين جاؤوا بصندوق باندورا الديمقراطي لتخريب المنطقة. لقد اعتبر أنّ لا قيمة للسلطة والحكم إذا لم تكن منوطة بمشروع وهدف. وحذّر من أنّ النّار ستتداعى على الجوار إذا لم يتخذوا تدابير مسؤولة لمنع تسلّل الإرهابيين. وبأنّه كان من الصعوبة إقناع العالم بأنّ سوريا تواجه منذ البداية مشروعا تخريبيا مسلّحا. إنّه تحدّث على أنّ قوة سوريا مستمدّة من الشعب لا من الدّولة.لقد كان خطاب رجل دولة يعرف ما يقول ويتحدّث كبطل قومي منتصر. نعم، سوف يحتفل التاريخ كثيرا في المستقبل بقوة هذا الخطاب في زمن الذّلة والمسكنة العربية. وسيكون مصير كل الثرثرة العربية ضدّ سوريا هو مزبلة التّاريخ. لقاء الأسد في آخر لقاء تلفزيوني هو الخطاب الأخير في مسلسل الأزمة. لأنّ ما يعقبه من خطابات لن تكون سوى تتويجا للانتصار الكبير.

معارضة لا تملك قرارها

حينما زار الخطيب طهران نزولا عند رغبة الحوار واجه الكثير الضغوطات. لقد قال للإيرانيين : إني جئتكم ومع ذلك لا أضمن إن كنت سأقتل. التحكم بقرار الائتلاف ورؤساؤه هو ما تعكسه الطريقة التي تمّ بها فرض رئيس من دون انتخاب. فرض القطري على الائتلاف غسان هيتو كرئيس للحكومة الانتقالية في لقاء إسطنبول. وهيتو من أصول كردية غادر سوريا منذ 1964م، يعني قبل مجيء الأسد. فالأسد غير مسؤول عن اغترابه. عاش في الولايات المتحدة الأمريكية وحمل الجنسية الأمريكية وشغل مناصب مهمة في شركات أمريكية. بالنسبة لكثير من المعارضين المحتجين على طريقة اختيار هيتو من دون انتخاب هو أنه ليس شخصية سياسية مخضرمة. لكن كل هذا لا يهمّ.أما الذي يهمّ هو أنّ الربيع الأعرابي يقبل برؤساء يحملون الجنسية الأمريكية أو اشتغلوا في أمريكا مثل هيتو ومرسي. وهم يفرضون حتى في سوريا أن تكون الحكومة في يد الإخوان. لكن الطامة الكبرى أن المعارضة الخارج احتجت من خلال انسحاب 12 عضو في الائتلاف كرد فعل على فرض هيتو من دون انتخاب. الجماعة حتى في حكومة افتراضية عجزوا أن يطبقوا الديمقراطية. فكيف إذا ظفروا بحكومة واقعية؟

عراقيل قطرية لحلّ الأزمة السورية

عملت قطر منذ السنوات الأخير على إعادة هيكلة استراتيجيتها. وعهدت بهذه المهمة إلى مؤسسة راند . وبالفعل حصل نوع من الفورماتاج للسياسة القطرية. لكن يبدو أن هذا الجهاز بدا يتعرض في الفترات الأخيرة إلى الفيرسة، مما يعني أنّه في حاجة إلى الميزاجور أو إن اقتضى الأمر فرمطة جديدة. إن المهارات التي طبقت في مجال التنمية والإعلام وما شابه لا يوازيها تطور في العقليات والفهم والتصور السياسي للقبيلة القطرية. ومن الأمثلة على ذلك تعاطيهم مع الشؤون الخارجية بعقلية المؤامرة والبيع والشراء. صحيح أن العالم فقد كل المعايير الكبرى للأخلاقيات السياسية. لكن الجماعة أسرفوا كثيرا حتى ظنوا أنّ العالم كله أصبح سوقا لتصريف بضائع السياسة. ولقد كشف سلوك القبيلة القطرية في التدخل في الشؤون السورية وتحدي ميثاق الجامعة العربية في إصدار بيان لطرد سوريا من الجامعة العربية وكذا في نصب ممثل عن الائتلاف في السفارة السورية في الدوحة ومحاولة اعطاء مقعد سوريا الشاغر في الجامعة العربية للائتلاف وأيضا في تسليح المعارضة والسعي لتأليف حكومة سورية في الخارج الخ. والآن يب

دو أنّ القطري يخوض معركة تتحكم بها اعتبارات سيكولوجية وقبلية وثأرية وكذا نزعة حرق اليابس والأخضر حتى لا تدفع قطر ثمن خطيئتها الكبرى في سوريا. لكن المهم هنا والأخطر أنّ أمريكا باتت هي الأخرى تنظر بنوع من الانزعاج للسلوك القطري. ويبدو ان الجماعة لا يفهمون ما معنى أن تكون دولة ما محورا جيوسياسيا؟ فهذا يعني أن لا تكون هناك مبادرات تعاكس الموقف الجيوستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية. صحيح أن القطري يعيش مرحلة حرجة وخوفا من المستقبل. وهو يخوض حربا استباقية على سوريا لأنه لا يتوفر على ضمانات ما بعد انتهاء الأزمة السورية. الروسي تحدث بما فيه الكفاية وهدد القطري في لقاءات مع المعارضة ومع الخطيب.وفيه كان لافروف قد بعث برسائل تهديد بالغة الأهمية. فهو يتهم قطر بالدولة المارقة. ثم هناك معلومات وقعت في يد الاستخبارات الروسية عن تحضيرات وتدريبات لقوات كوموندوس لاغتيال الأسد، تجري التدريبات في الأردن. وهذا ما جعل لافروف كما نقل القيادي في المعارضة لجريدة السفير قول لافروف بأن سعي قطر لتوسيع رقعة الحرب قد تدفع الأردن ثمنه غاليا، مما قد يؤدي إلى ردة فعل سورية قد تكون نتيجته محو الأردن من الخريطة. في تلك الأثناء أعرب لافروف أيضا للمعارضة بأنه إذا ما تعرضت سوريا لأي تصعيد من هذا القبيل فسيقدم الروسي لدمشق 500 طائرة وأسلحة متطورة لمواجهة الاعتداء. كان لافروف قد أبلغ رسالة روسيا إلى واشنطن بقوة.

فما لا تفهمه قطر في الاستراتيجيا يشبه طريقتهم في مخالفة القانون. فهم يتجاوزون الخطوط الحمراء التي ستضطر واشنطن نفسها لوضع حد لتصرفات قطر، باعتبارها محور جيوسياسي مارق. إنّ القطري يريد بلبلة المنطقة ولا حدود لما يقوم به الآن. بينما واشنطن تدير اللعبة الجيوستراتيجية وفقة نظرية الألعاب مع احترام الحدود. حينما تصبح قطر عاملا في زعزعة استقرار المنطقة والوصول بها الى حالة الانفجار، حينئذ ستكون تجاوزت حدودها كمحور جيوسياسي. اليوم قطر في خطر. وكل ما يحصل هو أن هذه الأخيرة تنتظر استجابة من القيادة السورية مطمئنة لعلاقات طبيعية ومضمونة للمستقبل بعد أن خسروا الرهان.

إن واشنطن اليوم غير متفرغة لمحاورها. ولكنها تمر من مرحلة انتقالية على مستوى خططها الجيوستراتيجية. وستضطر بعدها إلى إعادة النظر في محاورها الجيوسياسيين في المنطقة. وستكون حينئذ قطر بمعية تركيا هي الخاسر الأكبر في هذه المعركة. إن قطر وهي ترقص في سياستها رقصة المطر، تبدو اليوم أكثر من أي وقت في خطر.ومن هنا نفهم سبب الإصرار القطري على قطع الطريق أمام كل محاولة للمصالحة. لقد بات حتى رموز المعارضة يخشون من الحديث عن المصالحة والحوار، لكن قطر اليوم باتت تتحرك بأجندة تفوق دورها كمحور جيوسياسي لأمريكا. فهي تخشى من أي مصالحة يخرج منها النظام السوري سالما غانما وتخرج هي "بلا حبّ ولا تبن".فالأمر يبدو أشبه بحالة المقامر حينما يخسر اللعبة، فهو يفكر في قلب الطاولة. بعض المصادر من داخل قطر تتحدث عن أن الموقف بات شخصيا، أي لمعرفة القطري بأن لا بد أن يختفي أحدهما : إما هو وإما الأسد. وبأن بقاء الأسد معناه حتما الإطاحة بالقطري.وهذا سرّ الهوس القطري بتأزيم الوضع في سوريا. وهي بسبب هذا الهوس سوف تثير مشاكل إقليمية غير محسوبة العواقب. مثلا لدينا معلومات عن وجود تكديس لأسلحة جد متطورة هي اليوم موجودة داخل العراق بتمويل قطري. وهناك سعي لنقل الأزمة إلى العراق. وفي المرحلة الثانية إلى الأردن.

ما ذكرناه سابقا كان له شبيه بما سيسفر عنه مؤخرا لافروف فيما ذكرت جريدة السفير نقلا عن معارض سوري بارز، نقل كلاما لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يصف فيه الدور الذي تقوم به قطر في مواجهة المساعي الديبلوماسية الروسية بالمروق حيث قال المعارض: «لافروف بات ينظر إلى قطر كدولة مارقة، وإنها ستدفع ثمناً غالياً إذا ما استمرت في هذا الدور. ويشعر الروسي أن قطر تتصرّف كدولة غير مسؤولة، وإنها تسعى إلى دعم «الإخوان المسلمين» للإمساك بسوريا، وإنها في سياستها الحالية، تخاطر بتفجير إقليمي واسع".كما ذكر بأنّ الوضع سينعكس على دول أخرى. وإذا ما تورطت الأردن في الأمر فربما حسب المصدر نفسه قد تنمحي من الخريطة نهائيا. تسعى قطر لتشكيل حكومة قبل انعقاد اجتماع الجامعة العربية. كما تصرفت قبل ذلك خارج القانون لما سلمت السفارة السورية للائتلاف. كما حاولت الأمر نفسه بالنسبة لمقعد سوريا في الجامعة العربية قبل أن يتصدى لها السفير العماني وأيضا نبيل العربي الذي اعتبر ذلك بخلاف القانون. لا بدّ أن تؤخذ حركات القطري بالريبة هذه الأيام. فهو يتصرف خارج القانون ويسعى لإذكاء الفتن وحشر الأنف في قضايا كل الدول. إنه عراب زعزعة الاستقرار في المنطقة. ويبدو اليوم وضعه حرجا. لأنّ كل خططه قريبة المدى اصطدمت بالصمود السوري. بالفعل لقد حاول الانتقام وإهانة الأسد كما فعلوا في ليبيا، غير أنّه واجه خيبة أمل كبرى.

الهروب من الجحيم السوري

يبدو أنّ النصرة ستغرق في سوريا.فالمطلوب اليوم في سوريا هو غير إسقاط النظام، لأنّ الذين يحرضون على تجميع الخلايا النائمة للقاعدة من سائر البلاد العربية والإسلامية في سوريا إنما يسعون لإقبارها. وهذه رغبة الجميع.إنّ عقوبة سوريا الوحيدة اليوم هي أنها تتكبّد ضريبة تنظيف العالم من القاعدة والإرهاب. هذا ما يريدونه لها بعد أن عجزوا عن الإطاحة بالنظام وتدمير الجيش. من ناحية أخرى تبدو دعوى استمرار تسليح المقاتلين في سوريا، مجرد رفع لمعنويات المتدفقين من المقاتلين الجدد وإعطاؤهم مزيدا من الأمل لتوريطهم في الجحيم السوري. إنّ كثيرا من التنظيمات الإرهابية وكثيرا من المحاور الجيوسياسية ستدفن في المستنقع السوري. وقد كان قرار القمة العربية بحق الدول الأعضاء في الجامعة تسليح المعارضة ليس إلا تعبير عن خوف من المستقبل يؤرّق القطري وتوريط للدول العربية بحيث يصبح قرار تسليح القاعدة والإرهابيين في سوريا موزعا بين القبائل العربية ولن يبقى القطري وحده في الصورة. بالموازات هناك تحريض شقّ احتياطي من علماء السعودية على نبذ فكرة الجهاد فيما يسميه بالحروب الداخلية الأهلية. وهذا بداية تهييء الرأي العام للانسحاب وتعويم القضية بين العرب وحماية ظهورهم.

لقد وجدت أمريكا أفضل طريقة للهروب بماء الوجه من هزيمتها في سوريا، وذلك بالاتفاق مع روسيا لحثّ المعارضة على القبول بالحوار مع النّظام. في التوقيت نفسه تعلن النصرة ولاءها للظواهري. هذا يعني أنّ النصرة التي تتقدّم العمل المسلح في سوريا باتت أمام وضعية حرجة: أي الكشف عن هويتها الحقيقية. لكن لم التوقيت نفسه بالضبط؟ إن النصرة المتحكم فيها أمريكيا كان لا بد أن تعلن ذلك لكي تشكل سببا موضوعيا لهروب أمريكا وكذا لحماية ظهرها أثناء الهروب.هذا التمييع للمشهد هو الفوضى الخلاقة البديلة عن الفوضى الخلاقة القديمة.أما بالنسبة إلى تركيا فالأمر واضح. تأكّد أنّ المطلوب اليوم هو إعادة نشر قوة الردع بين أمريكا وروسيا في المنطقة.فبطاريات ستينغر في الأراضي التركية تقابلها صواريخ اسكندر وكذا إس 300 الروسية.من جهة أخرى، ولأول مرة في تاريخ حركة ال (بي كي كي) يصدر أوجلان قرارا بوقف القتال. تركيا تعيد مئات اللاجئين السوريين إلى سوريا. السماح للسعودية بدور جديد في لبنان كراعي لتشكيل الحكومة. لا شيء من دون ثمن. التسوية تسير بحبكة تحمل خصائص لعبة الأمم في الشرق الأوسط. ربما ستخرج السعودية بقليل من الخسائر في الموضوع السوري بالمقارنة مع قطر. أما يتامى القاعدة والمسلحين الأغبياء فهم أعواد جهنّم السورية. جوهر الأزمة السورية انتهى قبل شهور. أما عوارضها وتداعياتها فستحددها طبيعة اللعب على أوراق كبيرة لا دخل للصغار فيها. إعمار سوريا سيخرج من كيس الخليجي: السعودية والإمارات والكويت وغيرها. قطر ستبدأ في العدّ العكسي في اتجاه المجهول السياسي.

الحرب على سوريا انتهت

الحرب التي كانت تستهدف وجود النظام السوري انتهت منذ شهور. واليوم هناك حرب استنزاف تستهدف إمكانات سوريا العسكرية والمدنية. بينما ستكون سوريا هي الرّابح في حرب الاستنزاف كما ربحت حرب الوجود. لأنّها طهّرت البلد من خلايا الخيانة النائمة واليقظة. وأدخلت الجيش في دورة جديدة من التدرب والمواجهة والجهوزية والخبرة. لقنت العالم درسا في الصمود يجعل التحرش بسوريا ليس نزهة بعد أن جرّبوها. الجيش السوري لم يخسرإمكاناته ولم يحارب بكل إمكاناته. حصلت سوريا على ثقة روسيا ودول البريكس وكانت بؤرة لتغيير العالم من القطب الواحد إلى أقطاب متعددة. صاروخ إس 300 الذي لم تجرأ روسيا أن تسلمه لإيران سلّمته مؤخرا لسوريا وعاد نيتينياهو من موسكو بخيبة أمل.

الإعلام العربي لا زال يكذب
ل
ا زال الإعلام العربي يتحدّث عن أن الجيش يقتل الأطفال والنساء كما لو أنه لا يقتل المسلحين طيلة عامين من الحرب؟لم يدخل الجيش إلى منطقة سكنها المسلحون المرتزقة إلاّ وتباكى فيها الجيش الحرّ. فهل هو جيش البكّائين أم جيش للحرب؟إنّ معركة القصير معركة حاسمة تأتي تتويجا لإنهاء عملية التطهير اللازمة للمدن والقرى السورية من عبث المسلحين الذين تفوقوا في أكل أكباد الموتى. لقد حوّلوا مدينة القصير منذ تموقعوا فيها إلى بؤرة للاستخبارات التركية والصهيونية في محاولة للإجهاز على المقاومة في الجنوب. وهذا ما يعني أنّ الجيش الحر ما هو سوى أداة رخيصة في يد لاعبين إقليميين ودوليين. لكن المقاومة كاملة الجهوزية أيضا خاضت معركة 7 أيار ثانية لإجراء عملية جراحية سريعة في القصير. إنّ المقاومة والممانعة أختان لا يفرق بينهما إلا الشيطان. لقد تبخّر الحلم الأسود لعراعير الظّلام. لن يدخلوا الشّام بعد اليوم ولن يجدوا ريحها.

أي عرب وأي عروبة؟

شكلت الأزمة السورية اختبارا قاسيا للقريب والبعيد. لم نكن نمجّد في سوريا يوم كان الجميع يتقاطر عليها هربا من القمع والاضطهاد أو بحثا عن المصالح. كانت سوريا قلب العروبة النّابض يومها حتى في نظر المنافقين. أما وقد وضعت سوريا أمام التحدي كان لا بدّ أن نتصدّى بعد أن لمسنا تراجع الحماسة في نفوس بعض المحسوبين على القومية.وجدناهم وكأنّ الطير فوق رؤوسهم، يهمسون بجبن ويتقلّبون في المواقف ويهربون من الواجهة بعد ان كانوا مرضى بها.ليست العروبة فذلكة ديماغوجية.العروبة يجب إعادة اكتشافها لأنها انتماء رمزي تحدده منظومة قيم كبرى. تلتقي مع القيم الإنسانية المفقودة في دنيا العالم. يعني جوهرها المروءة. فأن تكون عربيّا يعني أن تكون صاحب مروءة أو لا تكون. فلقد عاش قوم بين العرب منذ الجاهلية الأولى، أكلوا أكلهم وعاشوا عيشتهم ونظموا قصيدهم ولبسوا عقالهم، لكنهم لم يكونوا يوما في ميزان العروبة عربا.

ليس العروبة أن تنطق العربية، ولكن العروبة أن تحسن كيف تنطقها وتشعر بها حينما يتزلزل قلبها النّابض. وقلبها النّابض اليوم هو سوريّا. اليوم تعني العروبة أن تكون سوريّا أو لا تكون.إنّ حمى الأوطان يتوقف على وعي ونضال رجالها. ما فيه بلد حارسه الرّب إلا إذا حرسه رجاله. الله ليس عنصري في الأوطان. نحن نسأل عن ماذا يصنع الرجال بأوطانهم وليس العكس. الوطن ليس هو التراب. هو مأوى الوجود الرمزي لجماعة تؤمن باجتماعها السياسي والثقافي. وهي بهذا توفر الخيمياء السوسيو- تاريخي والسياسي الذي يحوّل التراب إلى أيقونة حضارية راسخة في المكان، وراسخة في الزمان.إني أراه رأي العين. ذلك الاحتفال البهيج في ساحة الأمويين والسبع بحرات وسائر الساحات في المحافظات والبلدات السورية، بالنصر الكبير على مؤامرات الرجعية وجراثيم الإرهاب المخربين. وسيبقى الأسد بقوة الشعب الذي اكتشف فيه قائدا صلب المراس وشهما قل له نظير في بيئات النعاج العربية.كم سيكون مهما أن تعيد سوريا اكتشاف ديمقراطيتها الحقيقية، لتمنح الأسد بالانتخاب السياسي ما كان له بموجب الانتخاب الطبيعي. أتمنّى من الأسد أن يعطي الأعراب درسا في الديمقراطية والإصلاحات وينقل الحرج إلى منطقتهم. حفظ الله سوريا الحبيبة من كل سوء. وحفظ الله الشعب السوري الذي تحاول عصائب الشّر أن تتسلّط عليه. وحفظ الله حماة الديار الأبطال الذين ضربوا بيد من حديد على المعتدين.والموت للرجعية وقهر النّفط وعبثيته السياسية.إنهم يخافون من انتصار سوريا اليوم، لأنهم يدركون أنّ لهذا الانتصار تداعيات جديدة على المنطقة وعلى العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.