أخنوش يكشف نتائج الصناعة الوطنية ويبرز مواكبة الحكومة للاستثمارات    أخنوش: المغرب المصنع الأول للسيارات في إفريقيا ونصدرها نحو 70 وجهة في العالم    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب"الأخضر"    وضع الناشط المناهض للتطبيع إسماعيل الغزاوي رهن تدابير الحراسة النظرية    تألق دياز يلفت أنظار الإعلام الإسباني    "اليونسكو" تدرس إدراج الحناء في قائمة التراث الثقافي غير المادي    درك أزمور يحبط محاولة للهجرة السرية    انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في المغرب بعد بدء عملية الاستيراد    مقتل جندي إسرائيلي في معارك لبنان    ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى منطقة الفيضانات بعد الغضب الشعبي    جدول أعمال مجلس الحكومة المقبل    حكيمي يبتغي اعتلاء العرش الإفريقي    للا مريم تترأس حفلا في ذكرى برلمان الطفل    الأمطار تعود إلى الريف وسط انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    تهم ثقيلة تلاحق "رضى ولد الشينوية"    لافروف يحذر الغرب من النووي الروسي    وزارة الصحة الروسية تطلق اختبارات سريرية لعلاج جديد لسرطان الدم    دوري أبطال أفريقيا للسيدات.. الجيش الملكي يلاقي المسار المصري وعينه على العبور للنهائي    "جون أفريك": الأرشيف الذي تعهدت فرنسا بإعادته للمغرب قد يُعزز مطالب المملكة ويُغير معالم الحدود مع الجزائر    محاولة اغتيال وزير العدل الكندي السابق الداعم لإسرائيل    النرويج.. القبض على ابن ولية العهد بتهمة الاغتصاب    حادث مأساوي على طريق القصر الكبير – العرائش ينهي حياة طالب جامعي    جماعة الزوادة في قلب التنمية الاجتماعية و الاقتصادية الحقيقية بالإقليم    الذهب يلمع عند أعلى مستوى في أسبوع مع تراجع الدولار    مساء هذا الثلاثاء في برنامج "مدارات" : لمحات من السيرة الأدبية للكاتب والشاعر محمد الأشعري    نظرية الجسد النسوي    المؤسسات والمقاولات العمومية تساهم بما يفوق 10 مليارات درهم في ميزانية الدولة    الكاف يبعد رحيمي من قائمة ترشيحات جائزة أفضل لاعب أفريقي    من حزب إداري إلى حزب متغول    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    العرائش.. نزاع حول قطعة أرضية بين سيدة وشقيقها ينتهي بجريمة قتل    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الداخلية تخصص 104 مليارات سنتيم لإحداث 130 مكتبًا لحفظ الصحة    ولي العهد السعودي يهنئ الملك بمناسبة عيد الاستقلال        الركراكي: الصبر والمثابرة أعطيا ثمارهما وتسجيل 26 هدفا لم يكن بالأمر السهل    حاتم عمور يصدر كليب «بسيكولوغ»    شبكة تسلط الضوء على ارتفاع أسعار الأدوية في المغرب    أربع جهات مغربية تفوز بجائزة "سانوفي" للبحث الطبي 2024    الشاعرة الروائية الكندية آن مايكلز تظفر بجائزة "جيلر"    تسجيلات متداولة تضع اليوتيوبر "ولد الشينوية" في ورطة    اتهمتهم بمعاداة السامية.. عمدة أمستردام تعتذر عن تصريحات تمييزية بحق مسلمي هولندا    في تأبين السينوغرافيا    ما هي الطريقة الصحيحة لاستعمال "بخاخ الأنف" بنجاعة؟    فريق بحث علمي يربط "اضطراب التوحد" بتلوث الهواء    صحتك ناقشوها.. إضطراب النوم / الميلاتونين (فيديو)    إندرايف تغير مشهد النقل الذكي في المغرب: 30% من سائقيها كانوا يعملون بسيارات الأجرة    مجموعة ال20 تعلن وقوفها خلف قرار وقف إطلاق النار في غزة    جمعية الإمارات لطب وجراحة الصدر تضيء برج خليفة في حملة توعوية لمكافحة مرض الانسداد الرئوي المزمن    نشرة إنذارية: زخات رعدية ورياح عاصفية في عدد من أقاليم المملكة    زنيبر: الاضطرابات الناجمة عن كوفيد-19 زادت من تفاقم الآثار "المدمرة بالفعل" للفساد    شركة سوفيرين برو بارتنر جروب في قطر تعلن عن انضمام مدير عام جديد إلى فريقها، لقيادة مسيرة التوسع وتعزيز التعاون الاستراتيجي، في خطوة طموحة تنسجم مع رؤية قطر الوطنية 2030    عرض الفليم المغربي "راضية" لمخرجته خولة بنعمر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المساء» تخترق شبكة تجنيد المغاربة للقتال في سوريا
أجهزة الأمن لم تكن على علم بأمرهم واكتشافهم جاء بمحض الصدفة
نشر في المساء يوم 19 - 10 - 2012

في ال20 من شهر غشت الماضي نشرت جماعة تطلق على نفسها «شبكة أنصار المجاهدين» شريط فيديو
من ثماني دقائق وسبع وأربعين ثانية على موقع «يوتوب»، يصور عملية استعداد أحد الجهاديين لتنفيذ عملية ضد معسكر «النيرب»، التابع للجيش السوري قرب حلب. التسجيل المصور أثار اهتمام استخبارات دول العالم التي جندت عملاءها وخبراءها من أجل تحديد هوية الانتحاري الذي ظهر في الشريط، غير أن المخابرات الإسبانية كانت الأسرع في تحديد هوية الانتحاري، الذي اتضح أنه رشيد وهبي المغربي، الحاصل على جنسيتها والمقيم بمدينة سبتة.
أسئلة كثيرة تبقى عالقة حول هذا الموضوع الشائك نحاول الإجابة عنها في هذا التحقيق، أولها كيف وصل وهبي وزملاؤه من المجاهدين المغاربة إلى بلاد الشام من أجل الانضمام إلى الجيش السوري الحر، ومن الذي تكلف بتدبير وتمويل الرحلة التي انطلقت من شمال المغرب، وأين كانت عيون أجهزة الاستخبارات المغربية التي تراقب حدود المملكة على مدار 24 ساعة؟
في أواسط ثمانينيات القرن الماضي انتشرت بين الشباب المغربي ظاهرة الهجرة في سبيل الله إلى أفغانستان لمحاربة الروس «الملحدين»، كانت هذه العمليات تتم ببعض المساجد تحت أنظار الأجهزة الأمنية، وكانت الجماعات الإسلامية تقوم بأنشطتها في تجنيد المغاربة وتهجيرهم بكل حرية فوق التراب المغربي. بعد أكثر من 25 سنة، وفي ظل الحرب المفتوحة على الإرهاب لم تتغير الصورة كثيرا اليوم بالمناطق الشمالية للمملكة، حيث تعمل شبكات تضم إسلاميين مشبعين بالفكر الجهادي بكل حرية في تجنيد شباب مغاربة في عمر الزهور من أجل التوجه للقتال ضد الجيش السوري وتنفيذ عمليات انتحارية.
في شارع محمد الخامس الذي يربط مدينة الفنيدق بالنقطة الحدودية باب سبتة يقع سوق للملابس يدعى «سوق المسيرة»، كثير من سكان المدينة الصغيرة يعرفون جيدا أن هذا السوق إضافة إلى قيسارية بنعمر التي تعرف وجودا مكثفا للإسلاميين يشكل نقطة مهمة لاستقطاب الشباب، من أجل تهجيره للجهاد بسوريا، تجار السوق يتهامسون خلال أوقات راحتهم حول أخبار «الإخوة»، الذين التحقوا أخيرا بمعسكرات المجاهدين من أجل قتال جيوش بشار الأسد. في هذا السوق الصغير تتم عمليات استقطاب مدروسة ومخطط لها بأحدث طرق التواصل الحديث وكثير من الإيديولوجيا الدينية التي تجعل المرشحين غير قادرين على التفكير بمنطق سليم، ويتخلون عن كل شيء في سبيل فكرة يؤمنون بها حد الموت.
تجار السوق ورغم علمهم بكثير من التفاصيل حول زملائهم الذين غادروا من أجل الجهاد ضد قوات الأسد، إلا أنهم يتحفظون عن البوح بأي شيء.
الباحث عن الفردوس
لم تكن تتصور عائلة عماد جيبار، الذي يبلغ من العمر حوالي 21 سنة وتقطن بحي البرارك الهامشي بمدينة الفنيدق، أن ابنها الذي كان شابا عاديا مفعما بالحيوية ومقبلا على الحياة سيلتحق بالمجاهدين بسوريا من أجل تنفيذ عمليات عسكرية والمشاركة في إسقاط نظام الأسد.
المعطيات التي استقتها «المساء» من قريبين من العائلة تؤكد أن عماد أكبر إخوته، غادر الدراسة من مستوى التاسعة إعدادي قبل سنتين ليلتحق بالعمل داخل سوق المسيرة إلى جانب أحد التجار من التيار السلفي، حيث تم استقطابه هناك، وبدأت تظهر عليه بشكل تدريجي علامات الانتماء إلى التيار السلفي، إذ بدأ مظهره الخارجي في التغير بشكل تدريجي حيث تخلى عن الملابس التي اعتاد ارتداءها وعوضها باللباس الأفغاني، كما تغير سلوكه مع أفراد العائلة خاصة من النساء اللائي أصبح لا يبادلهن التحية بعد أن كان في السابق يتبادل معهن أطراف الحديث.
وكان شهر ماي الماضي التاريخ الفاصل في حياة عماد، حيث سيغادر البيت في ظروف غامضة ويختفي عن الأنظار في مكان ما، قبل أن تتلقى عائلته مكالمة هاتفية صادمة أسبوعا بعد اختفائه، قادمة من الأراضي السورية يقول فيها إنه دخلها عبر تركيا انطلاقا من مطار محمد الخامس بالدار البيضاء.
العائلة اليوم تتخوف من أن يكون مصير الشقيق الأصغر، الذي عوضه في العمل داخل سوق المسيرة، نفس مصير عماد الذي غادر إلى سوريا للجهاد إلى جانب ثوار سوريا، وهو ما يثير مخاوف الأم المكلومة.
المعطيات التي حصلت عليها «المساء» من مصادر قريبة من عائلة عماد تؤكد أنه لا يتوقف عن ترديد خطاب أنه يعيش في الجنة في سوريا، وأنه ذاهب إلى الجنة التي يواعد والدته على اللقاء بها إذا ما نال الشهادة التي ذهب من أجلها.

اكتشاف أمني بالصدفة
في شهر أبريل الماضي حل شخص ينتمي إلى أحد التيارات الدينية بمدينة الفنيدق رفقة أحد الموظفين في إحدى وكالات تحويل الأموال بتطوان، الذي توفي فيما بعد في حادث اعتداء غامض على وكالة الأسفار «أكرسان أسفار» بتطوان وقاما باقتناء تذكرتي سفر ذهابا إلى العاصمة التركية اسطنبول، انطلاقا من مطار محمد الخامس لفائدة هشام ومحمد أسريح. ثلاثة أسابيع بعد ذلك عاود الشخص الذي اقتنى التذكرتين الاتصال بموظف وكالة الأسفار وطلب منه تذكرتي عودة لشخصين من مطار، صبيحة بالعاصمة التركية اسطنبول اتضح أنهما ليسا الشخصين اللذين سافرا قبل ثلاثة أسابيع.
بعد حوالي الشهر اتصل نفس الشخص بالموظف نفسه واقتنى تذكرة لشخص واحد ذهابا فقط، من مطار محمد الخامس إلى مطار اسطنبول صبيحة.
هذه التحركات أثارت انتباه الموظف ما دفعه إلى الاتصال بأحد رجال الاستعلامات العامة بولاية أمن تطوان، ليفاجأ بأن الاستعلامات لا علم لها بتوجه مغاربة إلى تركيا، وهو الأمر الذي دعاه إلى الاتصال بأحد أعوان السلطة العاملين بالحي الذي ينحدر منه المعنيون بالأمر وسأله عنهم فكتب عون السلطة تقريرا انتقل عبر السلم الإداري إلى ولاية تطوان التي لم تكن تملك أي معطيات حول الموضوع، ما جعلها تستفسر مصالح الأمن بالفنيدق التي لم تكن على علم بالأمر كذلك، وهو أمر أحدث هزة على مستوى الأجهزة الأمنية بعمالة المضيق الفنيدق، خاصة على مستوى الاستعلامات وإدارة مراقبة التراب الوطني.
وعلى إثر هذه المعطيات عقدت ولاية تطوان بجميع مصالحها الأمنية اجتماعات خرجت خلالها بقرار يقوم على إرسال مذكرة إلى جميع أصحاب وكالات الأسفار تطالبهم بمدها بقائمة مفصلة بأسماء جميع الأشخاص الذين يذهبون في رحلات إلى تركيا، سواء في إطار رحلات منظمة أو بشكل فردي للسياحة، لتنطلق رحلة البحث والتدقيق للوصول إلى أسماء المغاربة الذين التحقوا بالأراضي التركية ولم يعودوا.
اعتقال منسق الشبكة
في ال28 من شهر رمضان الماضي أوقفت الفرقة الوطنية تاجرا بسوق «المسيرة» يدعى امحمد ولاد عمر، يشتبه بكونه منسق شبكة تهجير المغاربة إلى سوريا، يؤكد أحد جيرانه من التجار بسوق المسيرة الذي تحدثت إليه «المساء» أنه كان شخصا غريب الأطوار لا يلقي التحية إلا على زملائه من التجار المنتمين إلى التيار السلفي، ويتفادى النظر إلى الآخرين رغم قرب المسافة التي كانت تفصل بين المحلين.
يحكي أحد الشباب الذين عملوا بالمحل ذاته الذي عمل به ولاد عمر أنه كان يتحرك كثيرا، وكان يستقبل بين الفينة والأخرى مجموعة من الشباب الذين يحيل مظهرهم على أنهم ينتمون إلى تيارات أصولية، ويضيف المتحدث، الذي التقته «المساء»، بعد محاولات متكررة وتردد، أنه بمجرد وصول الشباب الذين كان يستقبلهم ولاد عمر بالمحل كان يطلب منه المغادرة، والعملية كانت تتم غالبا بعد صلاة العصر التي كانوا يؤدونها داخل المسجد غير الموجود داخل السوق.
ويضيف محدثنا أنه وعن طريق الصدفة، بينما كان يريد تشغيل ألعاب الفيديو بالحاسوب، الذي كان داخل محل ولاد عمر اكتشف صورا ومقاطع فيديو يظهر فيها مجموعة من الشباب المغاربة من أبناء مدينة الفنيدق، يتدربون على الأسلحة بإحدى الغابات التي لم يستطع محدثنا تحديد موقعها، غير أنه وبخلاف ذلك، استطاع تحديد هوية بعض الشباب الذين ظهروا في الصور والذين يعرفهم جيدا، على اعتبار أنهم كانوا يشتغلون بالسوق قبل أن يختفوا بشكل غامض عن الأنظار.
لم يفاجأ تجار السوق من زملاء ولاد عمر بعد أن رأوا منظر رجال أمن بالزي المدني يقتادونه مكبل اليدين إلى المحل الذي كان يشتغل به، بحثا عن الحاسوب، الذي كان يضعه داخل المحل، وبعض الأدلة المادية، التي ربما تحدث عنها للمحققين من أجل إكمال الصورة حول المسار الذي كان يقطعه الشباب المغربي في ذهابه إلى سوريا لمحاربة قوات الأسد، رغم أن مراقبين تحدثت إليهم «المساء» يعتبرون أن المعني بالأمر لا يعدو أن يكون واجهة يقوم بدور بسيط في عمليات الاستقطاب والتنسيق، وأنه لا يملك معطيات دقيقة عن الأشخاص الذين يتكلفون بتمويل الرحلات وتنسيقها على المستوى الدولي.
العائد من الفردوس
في شهر غشت الماضي ألقت مصالح الأمن القبض على محمد ياسين الشعيري، الذي اعتبرته صيدا ثمينا مباشرة بعد عودته من الأراضي السورية عبر تركيا، والذي يعتبر خزان معلومات تبحث عنها المخابرات المغربية منذ اكتشاف ملف هجرة المغاربة للجهاد في سوريا. أصدقاء ورفاق الشعيري في تجزئة الأميرة يعانون حيرة مزدوجة فهم لم كونوا يتصورون أن الشاب الهادئ الذي تربى إلى جانبهم يمكن أن تتغير أفكاره بتلك السرعة المدهشة وتجعله ينتقل في غفلة من عائلته إلى الأراضي السورية، من أجل محاربة «الطاغوت»، كما يسميه كثير من الشباب الذين التقتهم «المساء» بمدينة الفنيدق في إشارة إلى الرئيس الأسد، غير أن دهشتهم الأكبر هي عودته من الأراضي السورية بعد أن ذهب إليها عن قناعة تامة.
أسئلة كثيرة لا تستطيع عائلة ولا أصدقاء الشعيري الإجابة عنها وفي مقدمتها كيف ذهب إلى سوريا ومن أقنعه بذلك، ولماذا عاد من هناك؟ أكيد أن أسبابا ملحة دفعته إلى العودة بعد كل تلك المجازفة، هذه الأسئلة وغيرها، وحده الشعيري والذين حققوا معه بعد اعتقاله يملكون أجوبة دقيقة عنها ومعطيات مدققة عن كيفية تجنيده وإقناعه بضرورة الذهاب للجهاد إلى جانب إخوانه في سوريا.
قائد ميداني مغربي بسوريا
في الطابق الأول من سوق «بنعمر» الشعبي يقع محل لبيع الملابس الداخلية للرجال والنساء، يقف به شيخ شارف على السبعين بلحية بيضاء يحاول أن يلبي طلبات الزبناء، اضطر الشيخ إلى العمل بالمحل بعد أن هاجر ابنه عبد العزيز المحداني ليلتحق بالمجاهدين العرب بسوريا، الذين يحاربون لإسقاط نظام الأسد، الرجل يعلم أن ابنه سافر إلى سوريا من أجل الجهاد، لكنه يفضل الاحتفاظ بهذه المعطيات لنفسه، ويجيب حين سؤاله عنه بأنه مسافر، وأنه لا يعرف إلى أين ولا متى سيعود ثم يعود بسرعة إلى عمله في ترتيب بضاعته القليلة المرتبة بعناية داخل المحل.
يحكي زملاء عبد العزيز بالسوق أنه تحول إلى قائد ميداني معروف بسوريا بسبب شجاعته وجرأته واحترافيته العالية في القتال، إلى جانب كتائب الجيش السوري الحر، وهو ما جعله يصبح قائدا ميدانيا على إخوانه من المقاتلين.
يعود أصل عائلة عبد العزيز إلى منطقة إمزورن بضواحي مدينة الحسيمة، كان يسكن بحي راس لوطة الشعبي بالفنيدق رفقة أفراد عائلته المكونة من والده العجوز ووالدته وزوجته التي تركها حاملا حينما غادر المغرب وطفليه، غادر عبد العزيز صفوف الدراسة من مستوى الثامنة إعدادي من إعدادية الإمام العزفي بالفنيدق.
يؤكد أحد أصدقاء عبد العزيز بالسوق أنه اشتغل مباشرة بعد مغادرة المدرسة بمحل عمه لبيع الملابس قبل أن ينتقل إلى محل والده، ويضيف أن مظاهر التدين ظهرت عليه قبل حوالي ثلاث سنوات، حيث أطلق لحيته وغير هندامه وأصبح مواظبا على صلاة الجماعة بالمسجد الصغير الذي يقع داخل السوق.
فؤاد الصالحي
غير بعيد عن المحل الذي كان يشتغل به عبد العزيز المحداني، يقع محل آخر لبيع الملابس الداخلية للرجال والنساء يوجد كذلك في ملكية شقيق فؤاد الصالحي الذي هاجر أيضا للجهاد في سوريا، هذا السلوك غير المفهوم من طرف الشاب الذي يبلغ من العمر 28 سنة، والذي ترك خلفه زوجة وطفلين فاجأ شقيقه الذي تحدثت إليه «المساء» وأكد لنا أنه لا يعلم شيئا بعد عن حقيقة التحاق شقيقه بالأراضي السورية، موضحا في الوقت ذاته أنه اتصل بهم مرة واحدة ليطمئنهم على أحواله، لكنهم لا يمكنهم أن يتصلوا به، لأن الرقم الذي اتصل منه ظل مجهولا.
وكأغلب الشباب الذين توجهوا إلى سوريا، فإن عائلاتهم لا تملك أي معطيات حول الطريقة التي تتم بها عمليات التحضير قبل السفر، والطريق التي يسلكها المجاهدون قبل دخول الأراضي السورية، غير أن شقيقه أكد لنا أنه قبل السفر بحوالي أسبوع اختفى عن الأنظار وأخبرهم أنه سيسافر إلى الحسيمة، قبل أن يكتشفوا من خلال مكالمة هاتفية أجراها معهم أنه بمدينة الدار البيضاء، ومنذ ذلك الحين انقطعت أخباره لمدة قبل أن يعاود الاتصال للمرة الأخيرة ويخبرهم أنه دخل الأراضي السورية للقتال إلى جانب المجاهدين بالجيش السوري الحر.
عبد العزيز الحداد
بالطريقة ذاتها اختفى عبد العزيز الحداد، الذي كان يقطن رفقة عائلته بحومة راس لوطة بالفنيدق، قبل أن تكتشف ذات صباح أنه غادر المغرب وتخلى عن عمله وعائلته طلبا للشهادة على الأراضي السورية عبر المشاركة في محاربة جيش وشبيحة بشار الأسد. كان عبد العزيز أسوة بباقي إخوانه الذين التحقوا بالجهاد في سوريا يشتغل ب«قيسارية بنعمر» داخل محل لبيع الملابس حيث تم تجنيده من طرف أعضاء الشبكة ذاتها التي جندت باقي الشباب، وأقنعتهم بضرورة ترك عائلاتهم والرحيل طلبا للشهادة وجنة الفردوس كما كانوا يؤكدون لعائلتهم من خلال المكالمات الهاتفية التي يجرونها من حين إلى آخر من أجل الاطمئنان على الأوضاع وطمأنة العائلة. وكجميع العائلات فإن عائلة الحداد لا تعرف الجهة التي تقف خلف إقناع ابنها بالسفر أو الكيفية التي سافر بها، غير أن أملا كبيرا يحذوها كما يحذو جميع العائلات في أن تنتهي الحرب الأهلية المشتعلة بسوريا من أجل عودة أبنائهم إليهم، رغم كونهم يعلمون يقينا أن السلطات الأمنية ستكون في انتظارهم بالمطار، لكنهم يفضلون أن يروا أبناءهم في السجن لعدة أشهر على أن يتلقوا مكالمة هاتفية من مجهول يخبرهم والفرحة بادية عليه بأن ابنهم نال الشهادة التي قطع من أجلها عشرات الآلاف من الكيلومترات.
عالق بين الجنة والنار
بعد اعتقال الأجهزة الأمنية محمد ياسين الشعيري، الذي عاد لأسباب مجهولة من تركيا بعد أن كان يريد الالتحاق بإخوانه في سوريا، دب الخوف في نفس عدد من المغاربة الذين اتخذوا قرارا بالعودة إلى المغرب، وحسب معطيات حصلت عليها «المساء»، فإن شابا يدعى أحمد الحدوشي، كان قد ذهب في وقت سابق إلى تركيا من أجل الالتحاق بالأراضي السورية لمحاربة قوات الأسد، لايزال عالقا في تركيا، حيث عدل عن العودة إلى المغرب مخافة تعرضه للاعتقال كذلك. وحالة الحدوشي ربما لن تكون الوحيدة على اعتبار أن بعض الشباب يفاجؤون بحقيقة الأوضاع داخل المخيمات التي ينقلون إليها، ويتخذون قرارا بالعودة إلى الوطن لكنهم متخوفون من تعرضهم للاعتقال.
ويحكي مصدر مقرب من العائلة التي يقضي ابنها فؤاد حكما بالسجن بعد أن حاول التوجه إلى العراق خلال الحرب الأمريكية على بلاد الرافدين للإطاحة بنظام صدام حسين، أن الشاب الذي يوجد في مقتبل العمر لايزال عالقا بتركيا، واقتربت مدخراته المالية من النهاية وعائلته توجد في حيرة من أمرها، ولا تعرف كيف تتصرف لكونها توجد بين نارين: العودة أو البقاء.
استقطاب بطرق متقنة
يحكي أحد الشباب من مدينة الفنيدق من الذين تم استقطابهم من طرف أفراد الشبكة، ولايزال ينشط في صفوفها إلى حدود اليوم في لقاء مع «المساء»، أن الوضع الأمني أصبح يجبرهم على التصرف بحذر أكثر بعد اعتقال محمد ياسين الشعيري وامحمد ولاد عمر خلال شهر رمضان الماضي. ويقول إن الاستقطاب يبدأ بطريقة تسلسلية تقوم على التدرج أولا بدعوة الشاب الذي يتم اختياره بعناية من داخل السوق إلى الالتزام واتباع الدين في الخطوة الأولى من خلال المحافظة على الصلوات الخمس مع الجماعة والالتزام باللباس «الإسلامي». ويضيف محدثنا أنه بعد نهاية هذه المرحلة التي تستمر لبضعة أسابيع يتم الانتقال إلى المرحلة الموالية من خلال منح الشباب كتبا دينية تحث على الجهاد والقتال في سبيل الله، وأن هذا الأمر واجب ديني وأن غاية المسلم يجب أن تكون السعي لنيل الشهادة، ثم بعد ذلك تبدأ دروس الوعظ والإرشاد التي كانت غالبا ما تتم داخل مسجد «بنديبان» الذي كان أعضاء الشبكة يحرصون على أداء الصلاة به، وغالبا ما كانت تلك اللقاءات تتم داخل بيوت مغلقة يتم خلالها حظ الشباب على الجهاد في سبيل الله بطريقة مدروسة، تسعى إلى التأثير على نفسية الشباب المجند من أجل دفعه إلى اتخاذ قرار السفر من أجل الهجرة إلى سوريا.
التجنيد للقتال في سبيل الله
بعد انتهاء العمليات التمهيدية التي يقوم به منسق الشبكة بمساعدة بعض الشيوخ تبدأ عملية الإعداد لتقبل فكرة الجهاد داخل الأراضي السورية ضد قوات بشار الأسد، ويتم هذا الأمر من خلال عرض فيديوهات صادمة تظهر جنود سوريين يقتلون المدنيين الأبرياء بدم بارد، ويغتصبون الفتيات السوريات القاصرات اللائي يتوسلن دون جدوى، يستعين المسؤولون عن التجنيد بتلك الصور التي تحسم في غالب الأحيان الأمور وتدفع حتى الشباب المتردد إلى الحسم في عملية الهجرة إلى الأراضي السورية.
بعد اتخاذ القرار تبدأ التحضيرات العملية للسفر التي كانت في البداية تتم من خلال دفع الشاب إلى الحصول على جواز للسفر إذا لم يكن يملك واحدا، ثم اقتناء التذاكر من إحدى وكالات الأسفار بمدينة تطوان ذهابا وإيابا إلى تركيا من أجل عدم لفت انتباه الأجهزة الأمنية بمطار محمد الخامس الذي كانت تنطلق منه الرحلات في اتجاه الأراضي التركية.
ويؤكد محدثنا أن تاريخ السفر يبقى سريا داخل المجموعة حتى بالنسبة للشاب نفسه الذي يشمله القرار، ولا يبلغ به إلا خلال الليلة التي تسبق موعد السفر، مضيفا أن الشباب الذين يتقرر سفرهم يتم إخبارهم بضرورة الاستعداد من خلال حرق جميع الصور التي كانت لديهم أو التي تجمعهم بشباب آخرين، الكتب التي كانوا يطالعون ومسح ذاكرة حواسيبهم والتخلص من بطاقات الذاكرة التي تكون بحوزتهم.
وتقوم التعليمات الصارمة التي يتلقاها المرشحون للهجرة على ضرورة حلق اللحية والتخلي عن اللباس الأفغاني الفضفاض، الذي يثير الانتباه والعودة إلى اللباس العادي، الذي في غالب الأحيان يكون عبارة عن سروال جينز وقميص وحذاء رياضي قبل أن تحين ساعة الصفر التي ينطلقوا معها من أجل الجهاد.
دور غامض لتنسيقية المعتقلين الإسلاميين
داخل هذا الوضع الملتبس الذي يتم فيه إقناع الشباب المغربي بضرورة التوجه من أجل الجهاد في سوريا، توضع أكثر من علامة استفهام حول الدور الذي تلعبه تنسيقية الدفاع عن المعتقلين الإسلاميين حول هذا الملف الشائك، وعلاقة منسقها في الفنيدق بالمتهم امحمد ولاد عمر، الذي تم اعتقاله شهر رمضان الماضي والذي تدافع عنه باستماتة من خلال وقفات احتجاجية أمام المسجد الأعظم للمدينة.
«المساء» وفي محاولة منها لمعرفة سر العلاقة بين تنسيقية المعتقلين الإسلاميين والمعتقل ولاد عمر اتصلت بمنسق تنسيقية المعتقلين الإسلاميين بتطوان الذي أحالنا على منسق التنسيقية بالفنيدق وطلب منا الانتظار أمام مسجد سوق المسيرة بالفنيدق قبل أن يحضر أحد الشباب يملك محلا بالسوق المذكور، وتحدث إلينا بأدب بالغ قبل أن يتوجه بنا إلى بيت منسق تنسيقية الفنيدق بحي المرجة وطلب منا الانتظار قليلا أمام الباب من أجل إخباره بالغرض الذي جئنا من أجله.
وبعد حوالي ربع ساعة ظهر الاثنان أمام الباب يتحدثان بصوت منخفض اتضح من تعابير وجهه أنه منزعج لكون زميله في التنسيقية أحضرنا إلى أمام بيته، ليدخل ويغلق الباب ويلتحق بنا الشاب الذي قادنا إليه ويعتذر لنا بأدب ويخبرنا بأن المنسق مرهق ولا يستطيع الحديث إلينا في تلك الساعة، لكونه نام متأخرا الليلة الماضية قبل أن يخبرنا بأنه سيتصل بنا بعد صلاة العصر، وهو الأمر الذي لم يحدث إلى حد كتابة هذه السطور. وهو موقف غامض من جهة مفروض أنها حقوقية، ويطرح أسئلة ملحة عن ما لدى تنسيقية الفنيدق لإخفائه بتلك الطريقة الملفتة.
الطريق السرية لترحيل المغاربة إلى سوريا
إثر التعاطي الإعلامي مع ملف تجنيد المغاربة للقتال في سوريا، وتسليط بعض الأضواء الكاشفة على عمليات التجنيد، والتدخل الأمني لمراقبة نشاط الشبكات، التي تنشط بشمال المملكة، إلى تغيير الطريق التي كان يسلكها هؤلاء الشباب من أجل الوصول إلى معسكرات التجنيد، فبعد أن كانت العملية تتم بطريقة مباشرة من المغرب إلى تركيا عبر الرحلات الجوية من مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، انتقل المسؤولون عن عمليات النقل شمالا إلى مدينة سبتة التي لم يكن يتطلب الدخول إليها قبل حملة تشديد المراقبة عبر النقطة الحدودية باب سبتة بالنسبة للمقيمين بمدينتي الفنيدق وتطوان سوى بطاقة التعريف الوطنية، وهناك يستضيفهم أعضاء التنظيم بمدينة سبتة، التي يقيمون بها بشكل متخفي قبل أن يتدبروا لهم طريقة لنقلهم بطريقة قانونية إما إلى العاصمة البريطانية لندن أو العاصمة الهولندية أمستردام حيث يجدون من يتكفل بهم هناك، ويوفر لهم تذكرة الطائرة إلى اسطنبول التي ينتقلون منها إلى الحدود المشتركة مع سوريا في انتظار الفرصة المواتية لدخول الأراضي السورية.




رشيد وهبي.. «الشهيد رقم 1»
في العمارة رقم 12 بحي البرينسيبي بمدينة سبتة يقع بيت «الانتحاري» رشيد وهبي، الذي فجر نفسه في موقع عسكري تابع للجيش السوري في منطقة إدلب، شهر غشت الماضي. الجميع داخل الحي يعرفون رشيد الذين كان يشتغل على سيارة أجرة يملكها مازالت تربط البوابة الحدودية باب سبتة بأحياء المدينة، لكن لا أحد منهم يقوى على الحديث عما جرى، فالجميع يتخوف بسبب حساسية الملف.
أمام العمارة التي يقع فيها بيت رشيد يوجد دكان صغير لبيع المواد الغذائية يقف به مغربي رفقة شابة ما أن سألناه عن رشيد حتى ظهرت عليه علامات الارتباك وأكد أنه لا يملك أي معطيات عنه إلا أنه من سكان الحي متذرعا بكونه لا يقطن بالحي وأنه يقصده فقط من أجل العمل.
غير بعيد عن البيت يقع مسجد الرحمة الذي قصده بعض السكان من أجل أداء صلاة الظهر ذلك اليوم، وما كادت الصلاة تنتهي حتى قصدنا الإمام الذي قدم لنا نصيحة من ذهب تقول إنه لن يتحدث لنا أي شخص حول الموضوع.
«المساء» نجحت في الحديث إلى بعض جيران وهبي وأحد أفراد عائلته بعيدا عن سبتة بمدينة الفنيدق الذين أكدوا لها استغرابهم من القرار الذي اتخذه بالالتحاق بالمعارضة السورية رغم أن وضعه المادي كان مريحا، إذ كان يملك سيارة الأجرة التي كان يشتغل عليها إضافة إلى شقة بأحد أحياء المدينة، وأضافوا أن وهبي الذي يبلغ من العمر 32 سنة سبق أن حققت معه المخابرات الإسبانية بعد أحداث انفجارات قطارات مدريد، وأنه لم يكن يدخل المغرب رغم أنه كان يعمل على بعد عدة أمتار من البوابة الحدودية باب سبتة، مخافة اعتقاله من طرف الأجهزة الأمنية المغربية.
وذكرت المصادر ذاتها أن عائلته تلقت نبأ وفاته عبر مكالمة هاتفية من أحد المقاتلين بسوريا ونظمت له حفل عزاء يليق ب«شهيد» ضحى بنفسه من أجل حرية وكرامة إخوانه في سوريا.



عائلة الأسد تدخل على الخط
مكنت الأحداث التي عرفتها سوريا والثورة التي يقودها الجيش الحر ضد نظام بشار الأسد شخصيات معارضة من الدائرة الضيقة، التي اشتغلت في وقت سابق مع حافظ الأسد، من العودة إلى واجهة الأحداث من خلال دعم المعارضة السورية سواء بالمال أو عن طريق تسهيل عبور مئات المقاتلين العرب، وبينهم عشرات المغاربة من مدن الفنيدق والحسيمة وسبتة. وكشفت معطيات حصلت عليها «المساء» أن أحد أفراد عائلة الأسد الذي يقيم بالساحل الإسباني متنقلا بين منتجعات مربيا وكوندا يوفر عبر سائقه المغربي دعما لوجستيا لعمليات تجنيد المغاربة للقتال في سوريا من أجل إسقاط نظام الأسد، الذي يعتبر من أشد المعارضين له، وتضيف المعطيات ذاتها أن هذه الرغبة تتقاطع مع رغبة خليجيين يترددون على الشريط الساحلي المذكور، والذين يسعون إلى الإطاحة بنظام الأسد الذي يعد من حلفاء طهران الرئيسيين في المنطقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.