هل أحزاب الاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية والاستقلال جادة فعلا في تقديمها لمقترح قانون يجرم التطبيع، أم أنها تمزح فقط وتتسلى، وتجاري حزب العدالة والتنمية في شعبوبته. هناك اليوم ما يشبه الهرولة للحاق بحزب العدالة والتنمية ومنافسته في أسوأ ما فيه وهو الضحك على ذقون المغاربة.
تقول تلك الأحزاب إن الإسلاميين يتفوقون علينا بالمزايدة في كل ما هو فارغ وغير مؤثر ويجلب الأصوات ويدغدغ المشاعر في نفس الوقت، ولن نخسر شيئا إذا ما قلدناهم وأدنا نحن أيضا هذا التطبيع وجرمناه، فهو في نهاية المطاف مجرد كلمة فضفاضة، ولا وجود لها في الواقع وفي المعيش اليومي للناس، وليست زيادة في الرواتب أو تشغيلا لعاطلين أو رفعا من نسبة النمو أو تحقيقا لتقدم المغرب.
يقولون لن يصيبنا ضر إن نحن جرمنا التطبيع، بل العكس سنبدو أبطالا، ولن نترك العدالة والتنمية يزايد لوحده، وسنقتسم معه أرباح مناهضة التطبيع.
كما لو أن إجماعا حصل بين الأحزاب على استهبال المغاربة، مادام هذا الاستهبال يمكن أن يفضي إلى نتائج وإلى أخذ نصيب من هذه العكعكة التي لا يجب أن تبقى حكرا على طرف واحد دون غيره.
لكن ماذا يعني حقا هذا التطبيع وتجريمه؟
هل يعني مثلا القبض على رئيس الحكومة وهو يسلم على إسرائيلي؟
هل يعني توقيف أي مغربي عائد من إسرائيل، أي من فلسطين، حيث لا مفر من ختم جواز الدولة العبرية.
هل يعني شق قلب اليهود كي نميز بين الحمائم والصقور، وبين أنصار السلام و أعدائه؟ ومن يجب مصافحتهم ومن لا؟
هل يجب التنكر لكل روابطنا مع اليهود المغاربة في إسرائيل تحت طائلة تطبيق مقترح ذلك القانون ؟
هل يعني مقترح القانون وقف كل تعامل سياسي وتجاري مع إسرائيل؟
هل يعني رفض المصلحة الوطنية من أجل عيون ذلك المرصد الغريب؟
هل يعني أن نكون أكثر فلسطينية من الفلسطينيين الذين يتفاوضون مع إسرائيل ويشتغلون في مصانعها ومعاملها وإدارتها ويتلقون رواتبهم من حكومتها ويحملون جواز سفرها ووثائقها الرسمية؟
كأن لجنة التشريع لا شغل لها، وكأن الأحزاب انتهت من كل شيء، وحققنا في هذا البلد الرفاه والثراء لنقرر معاقبة من يقترب ويتعامل مع الإسرائيليين.
لقد اخترع كلمة التطبيع أنظمة عربية قمعية في طريقها إلى الزوال كانت تصور لشعوبها أن الإسرائيليين يتحرقون شوقا للتعامل مع العرب في مصر وسوريا والجزائر وتونس والمغرب وليبيا.. وأنهم يبذلون المستحيل من أجل ذلك، وأنه يكفي أن نغلق عيوننا ونقفل الأبواب جيدا ونزيد من منسوب الجهل ونمتنع عن قراءة الإسرائيليين ومشاهدة أفلامهم، وها نحن سنحرر فلسطين، وها هم الإسرائيليون يشعرون بالعزلة وينتهون من تلقاء أنفسهم.
بهذا التجهيل الممنهج من طرف أنظمة عربية شمولية وقمعية تمكن الإسرائيليون من معرفة سلوكات وطباع وآداب وفنون خصومهم، بينما ظل العرب يناهضون التطبيع ولا يعرفون شيئا عن إسرائيل، إلا خوارق رأفت الهجان وذكاء العرب الخارق.
أمر غريب حقا أن تلعب أحزاب ديمقراطية وحداثية بهذه الورقة.
أتفهم نضال ويحمان ونضال المرصد، فهذه هي مهنته ولا يجيد عملا آخر غير هذا.
وأتفهم العدالة والتنمية الذي يموت إن لم يلعب هذه اللعبة
لكن من العيب أن تهرول أحزاب محترمة خلف ويحمان والعدالة والتنمية وباقي الشعبويين
رغم أن بنكيران يعرف أن مقترح قانون كهذا مستحيل في دولة كالمغرب
ورغم أن باقي الأحزاب تعرف أن ذلك غير ممكن
فهم يلعبون بمشاعر الناس، لئلا تبقى المشاعر حكرا على جهة دون أخرى.
فماذا سنخسر في النهاية، هيا نناهض ونجرم التطبيع. إنه مجرد كلمة.