لا حديث لعموم رواد المواقع الاجتماعية بالمغرب طيلة 24 ساعة السابقة، سوى على فضيحة العفو الملكي عن مغتصب الأطفال الاسباني دانيال، فهذا الإجماع الشعبي حول رفض هذا القرار أمر متوقع لان أن هناك انتهاك كرامة أطفال لا حول ولا قوة لهم، لا يملكون أية قدرة للدفاع عن أنفسهم. الملاحظ أن هذا الإجماع الشعبي المغربي لم يتحقق من مدة طويلة حول قضية معينة، فحتى عندما كانت تطرح قضايا حساسة جدا، نجد أن هناك أراء مختلفة. لكن هذه المرة استطاع خطأ العفو الملكي أن يوحد غضب كل التيارات السياسية المتناحرة وأصحاب الإيديولوجيات المختلفة والأجيال المتنوعة والنساء والرجال والشباب والمتعلم وغير المتمدرس والمهاجر بالخارج والعاطل عن العمل كما أستنكره الغني والفقير، والثوري والإصلاحي والاسلامي والعلماني والمخزني بل حتى البلطجي. كما انتشرت في الفيس بوك صفحات كثيرة وبسرعة فائقة، تدعو الى التظاهر في مدن مغربية مختلفة للمطالبة، بالتراجع عن قرار العفو الملكي، وانصاف الضحايا من العائلات والأطفال 11، ورد الاعتبار لكرامتهم ولعموم المغاربة، الذين أحسوا بانتهاكها بشكل غير مسبوق. الشارع يغلي ونفسية الناس جد متدمرة والخروج للتظاهر سينفس طبعا من درجة الاحتقان، لكنه يبقى غير كاف دون تلبية مجموعة من المطالب التي ستصالح المغاربة مع القانون والقضاء ومؤسسات الحكم من وزارة العدل إلى القصر. ولتصحيح هذا الخطأ الفادح ورد الاعتبار لكرامة الشعب المغربي، يمكن اقتراح مجموعة من الخطوات التي من المفروض على المسؤولين اتخادها. أولا: أن يصدر في أسرع وقت اعتذار ملكي على خطأ العفو عن مغتصب الأطفال، علما أن الاعتذار لا يعني الضعف والهزيمة، بل سيجعل الناس تتأكد من أن العفو لم يكن مقصودا بل فقط خطأ بشري، والملك بشر، وورود الخطأ من جانبه ممكن طبعا. الخطوة الثانية التي يمكن أن ترفق الاعتذار هو استقالة وزير العدل وأعضاء لجنة العفو جميعا بدون استثناء، لأن هؤلاء هم المسؤولون حسب منطوق القانون عن اقتراح أسماء المشمولين بالعفو في المناسبات الدينية والوطنية. استقالتهم ستكون بسبب تقصيرهم في عملهم وانتهاكهم للقانون بشكل صريح، لأن معايير العفو وفق مسطرة العفو لا تتضمن مغتصبي القاصرين. بالإضافة ان هؤلاء يتحملون مسؤولية المس بمشاعر الملايين المغاربة الذين أحسوا بالاهانة والإذلال في عز العشر الأواخر من شهر رمضان. والخطوة الثالثة المرافقة للاعتذار والاستقالة، ان تطالب الدولة المغربية، وفق الاتفاقية الأمنية الموقعة مع اسبانيا، باسترجاع المجرم الاسباني الذي شمله العفو الخاطئ أو محاكمته أمام القضاء الاسباني وفق المنسوب والمثبت عليه من جرائم من طرف القضاء المغربي. والأكيد أن العقوبة هذه المرة أمام القضاء الإسباني ستكون أقسى من 30 سنة، فبالأمس فقط حكمت محكمة بمدينة مياميالأمريكية ب 156 سنة سجنا في حق بدوفيل أمريكي، فجريمة البدوفيليا لا تسامح معها في المجتمعات الغربية. أما الخطوة الرابعة المرافقة للخطوات الثلاثة السابق ذكرها، هي مادام مسألة ورود الخطأ ممكنة، فوجب أن يسند العفو إلى لجنة يرأسها وزير العدل وتضم في عضويتها كل القطاعات المرتبطة بالمؤسسات القضائية والسجنية، لكي تتم محاسبتهم سياسيا وقضائيا في حالة تقصيرهم. فالدرس الذي وجب استخلاصه من هذه الفضيحة، هو أن ضمان استقلالية القضاء، لن تتحقق بمشاريع على الورق مهما كانت رومانسية، لكن الضامن الأول لها هو فصل واضح للسلط، والذي لن يتحقق مادام أن الملك يرأس الجهاز التنفيذي المتمثل في مجلس الوزراء ويرأس في نفس الوقت مجلس السلطة القضائية. مما يتطلب طبعا إرادة سياسية واضحة للدفع بإصلاح دستوري عبر بوابة البرلمان، الذي أتاح له دستور 1 يوليوز إمكانية تعديل بعض الفصول، لأنه بدون استقلالية القضاء، كرامة المغاربة ستنتهك كل يوم وليس فقط في قضية العفو عن المجرم الاسباني دانيال.