منذ صفقة مغادرة شيوخ السلفية الجهادية للسجن، توالت على البلد أحداث كثيرة غير مفهومة تتعلق بملف ما يسمى بالشيوخ، خاصة أنهم لم تتم تبرئتهم من التهم الثقيلة، وغادروا السجن فقط بعفو ملكي. وظلت معطيات مهمة مبهمة للرأي العام، خاصة في ما يتعلق في علاقة الدولة بهؤلاء الإرهابيين المتقاعدين، فلا أحد يعلم الجهة التي تكلفت بصفقة خروج هؤلاء من السجن، والعفو عنهم من ملفات ثقيلة تتعلق بتهم خطيرة، تتعلق بأمن المغاربة وحياتهم وباستقرار الوطن ككل.
فحسب رواية الدولة الرسمية هؤلاء الشيوخ متهمون بالتخطيط والتحريض على قتل عشرات المواطنين المغاربة الأبرياء، كما جندوا المئات من الشباب وشحنوهم بالفكر التفكيري الجهادي، مما تسبب للمئات من الأسر المغربية في مآسي إنسانية لازلت مستمرة إلى اليوم، تخص أسر الشباب السلفي الجهادي الذين لازالوا يقبعون في السجون، وأيضا أسر ضحايا الحوادث الإرهابية التي عرفها المغرب منذ 16 ماي 2003 إلى حادثة أركانة الدموية في سنة 2011.
فمن خلال متابعة تصريحات هؤلاء الشيوخ منذ مغادرتهم السجن إلى اليوم، يلاحظ أن منهم من قام بمراجعات سياسية وليست فكرية، وجزء قام بمراجعات سياسية وفكرية، ومنهم من لازال على نفس النهج الفكري التكفيري الرافض للدستور والدولة وللمجتمع.
مناسبة الحديث عن هؤلاء، هو خبر عودة المسمى الشيخ محمد الفيزازي وبدون شروط مسبقة إلى خطبة الجمعة على منبر مسجد طارق بن زياد بطنجة. وحسب الصحف التي أوردت هذا الخبر الغيار السار، فعودته للخطبة كانت بقرار من وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد توفيق.
قرار السيد الوزير جاء وفق المراجعات السياسية للإرهابي المتقاعد محمد الفيزازي وليس بسبب مراجعات هذا المتطرف لقناعته الدينية المتطرفة والغريبة عن تدين غالبية المغاربة.
فحسب تصريحات الفيزازي لموقع إسلام اونلاين بعد خروجه من السجن قال في حق الوزير توفيق وسياسة الدولة الدينية ما يلي:"الدعم الرسمي للصوفية في المغرب واضح جدا، فوزير الأوقاف الصوفي الذي يعمل في صالح المتصوفة بكل ما يمكنه منه منصبه، والزوايا في ازدهار منقطع النظير بسبب التشجيع الحكومي".
ولتوضيح موقفه أكثر من الصوفية ورد على لسان الفيزازي والمنشور بموقعه الخاص في نفس الحوار مع إسلام اونلاين:" الصوفية أكثر تغلغلا في المجتمع وأكثر ليونة، لكن الآفة عندهم هي البدعة في كثير من معتقدهم وتعبدهم".
فالواضح من هذا الكلام أن المحرض على الإرهاب المتقاعد، والداعية السابق إلى قتل اليساريين في فيديوهات لازالت موجودة على موقع "اليوتيوب"، لم يراجع موقفه بخصوص التدين الشعبي الذي يدين به ملايين المغاربة، ولازال يعتبر المغاربة مبتدعة وجهلة وتدينهم ناقص، كما انه يتهم الدولة بتشجيع التدين المشوه للمغاربة من خلال دعم سياسة دعم الزوايا.
والعجيب أن هؤلاء المغاربة الذين يتهجم على عقيدتهم هذا الشخص المتطرف والمشحون بأفكار مشرقية قادمة من ثقافة بدوية، فهم نفسهم المغاربة الذين سيدفعون من ضرائبهم أجر الفيزاوي نظير عمله في المسجد.
السيد الوزير الذي أمر بتعيين هذا المتطرف في مسجد بطنجة، يقامر بعقول مئات الشباب، الذين سيتلقون خطب هذا الشيخ ودروسه، فحسب كل الدارسات التي حاولت التنقيب في ظاهرة الإرهاب السلفي، فأساس الإرهاب كان فكريا ولم يكن سياسيا.
فتصويت الفيزازي على الدستور بنعم، وتهجمه على الحراك الشعبي وجماعة العدل والإحسان المعارضة ورسالة استعطافه للملك وإشادته بمدير المخابرات" الديستي"، ليست بمراجعات فكرية، بل فقط عودة للأصول التربوية لهذا الشيخ الذي تتلمذ على يد شيوخ السلطان وطاعة ولي الأمر، الذين نفسهم بغلوهم الديني وتشددهم الوهابي، هم من صنعوا أسامة بن لان والزرقاوي وإرهابيي 16 ماي وجبهة النصرة بسوريا وجماعات إرهابية عاثت فسادا في العالم كله.
فهل يدري السيد توفيق أي مصيبة اقترف بقبوله صعود إرهابي متقاعد لمنبر المسجد؟، فمن سيحاسب السيد توفيق على ثمن أي ضرر سيصيب المجتمع من غلو وفتاوى شاذة لهذا الشيخ المتشبع بالوهابية؟. وهل سيتكلف السيد توفيق بالمخاطر الأمنية التي يمكن أن يسببها تطرف الفيزازي الديني لأمن الوطن والمواطنين؟.
هذه أسئلة وأخرى، وجب على برلمانيي الأمة طرحها على وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في جلسة برلمانية، لتوضيح إقدامه على خطوة متهورة بقبول عودة إرهابي متقاعد الى منبر المسجد، بدون حتى أن يقدم هذا الشيخ على اي مراجعات على مستوى منهجه التكفيري والمتطرف والمعادي لجوهر تدين عموم الشعب المغربي.
وللتوضيح أكثر فالقناعة الدينية الوهابية للشيخ محمد الفيزازي وباقي الشيوخ وقواعد السلفيين هي حرية شخصية، مهما كانت متطرفة، مادام لم يمارسوا أي تحريض على العنف او أفعال إجرامية، لكن أن يعتلي شيخ سلفي متطرف منبر المسجد، الذي تشرف عليه الدولة فهذا شيء أخر، لان هنا تصبح الدولة ترعى وتدعم وتنشر التطرف في المجتمع عبر فتح المنابر لهؤلاء المتشددين.