انتشرت صور تهشيم قبر الراحل إدريس بنزكري في الكثير من المواقع الالكترونية والجرائد الورقية، وهو تهشيم لا يمكن أن يفهم إلا في سياق السجال المحتقن الذي تعرفه البلاد، أو بالأحرى هذا التربص الذي تمارسه القوى المحافظة ضد كل تعبير يخالف منطقها وحقائقها... تربص لا سجال، لأنه ما من أحد يقارع الحجة بقرينتها، ولا المقال بصنوه... هناك فقط تهجم وشتم وسباب وفي حالات عديدة فتاوي تهدر دم الآخرين لا لشيء سوى كونهم يفكرون بشكل مختلف... في واقعة المرحوم ادريس بنزكري، وفي غياب معطيات دقيقة لا يمكن أن يوفرها سوى تحقيق قضائي جدي، يكشف عن طبيعة الفاعل وخلفياته من وراء هذا السلوك، يطرح السؤال الكبير: كيف اختفى الراحل ادريس بنزكري من المشهد السياسي برمته؟ ومن له الهدف من تغيبه الرمزي عن مسار بناء هذا الوطن؟ قبل أن يعمل معتوه أو حامل رسالة ما على الاعتداء المادي على قبره بداية هذا الأسبوع... بداية شهر فبراير، أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان حزمة مكونة من 15 فيديو و3 كراسات بلغات مختلفة، تعرف بمحتوى الحزمة، تحت عنوان برنامج جبر الضرر الجماعي بالمغرب، منجزات في مسار العدالة الانتقالية، وهي حزمة في غاية الأناقة وبإخراج باذخ دون التعريف بالجهة المستهدفة من هذا الانجاز الجميل ودون، وهذا هو المهم هنا، الإتيان على ذكر إدريس بنزكري ، وهو سلوك يثير الاستغراب والدهشة لما كان للراحل من دور شبه مركزي في هندسة مسلسل الإنصاف والمصالحة وما تلاه من برامج لجبر الضرر الفردي والجماعي... بدا ذلك واضح قبل هذا التاريخ، بإهمال الاحتفاء بذكرى رحيله، وخفوت إشعاع المؤسسة التي تحمل اسمه... مع ما يوازي ذلك من ارتفاع الأصوات التي تستنكر التراجع أو إهمال إعمال الكثير من مقتضيات الواردة في توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة وبوادر النكوص الذي يعرفها المشهد السياسي المقرونة بحالات تجاوز تفيد احتمال تكرار ما جرى على مستوى الاعتقال السياسي ومصادرة حرية التعبير، وهي مساءل لم يخض فيها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المؤتمن الوحيد لحدود الساعة على إرث إدريس بنزكري... تهشيم قبره بهذه الصورة، هو محاولة لنقل هذا القتل الرمزي إلى ممارسة واقعية ومادية، قد تكون مضمرة لتحالف بين قوى عديدة كانت مختلفة بشكل جذري مع المسار الذي رسمه الراحل من أجل طي صفحة الماضي وبناء مغرب مختلف يتسع الجميع أو بعض من رفاق الأمس الذين تم استيعابهم من طرف ماكينة الدولة بمعداتها الصالحة منها والفاسدة، وأصبح إرثه يشكل عبئا عليهم، يحاولون ركنه في أول منعرج يصادفهم... ليس الهدف هنا هو التعامل مع الراحل بقداسة يرفضها المنطق والعقل، كما كان سيرفضها حتما لو قيض له الإدلاء برأيه حولها، لكنها أساسا إشارات لهذا التنكر الممنهج لرجال منحوا الوطن الكثير من دمهم وحياتهم، وعبدوا له الطريق كي ينحو صوب مرفئ النجاة في شروط عصيبة كانت ستكون قاصمة لظهره... لعل واقعة التهشيم التي أصابت القبر، فرصة كي ينتفض فكر بنزكري للواجهة مرة أخرى... لعل في ذلك ما يمكنه إسعاف الوطن مرة أخرى...