لا أشك لحظة في أن المقرىء أبو زيد مفكر عظيم، رغم أن بعض الأوغاد والحساد لا يمنحونه هذه الصفة ويبخلون عليه في أن يكون مفكرا، والأروع بالنسبة لي أن للرجل أفكارا جهنمية، وآخرها تلك الفكرة غير المسبوقة، والمتمثلة في دعوته وزارة الأوقاف كي تمارس الرقابة على الأفلام والسينما. لاحظوا معي العبقرية والألمعية والفكر الذي لم يتوصل إليه أي عالم من قبل، حيث سيمنح هذا الاقتراح إذا قدر المسؤولون أهميته الفرصة لأئمة المساجد والفقهاء بمتابعة كل جديد السينما وتنقيطه، ليتحولوا بذلك إلى نقاد موهوبين، يحرمون كل فيلم لم ينل إعجابهم ويحللون الأفلام النظيفة.
ولأن المفكر عادة يكون استباقيا، فقط لا حظ فيلسوف زمانه و بحر العلوم المقرىء أبو زيد أن النقاد السينمائيين ينمسخون هذه الأيام ويتحولون إلى دعاة، وأن جريدة المساء صارت مملوءة عن آخرها بهذا النوع من المتحولين، ولذلك فكر في إلحاقهم بوزارة الأوقاف، وأن تتكفل بهم الدولة، للدور العظيم الذي يقومون به، وليختاروا نوعا محددا من الأفلام كي تعرض في المساجد بعد صلاة الجمعة.
لن يفهم صغار العقول والعوام طبعا الحكمة الكامنة خلف الاقتراح الذي تقدم به المفكر والعلامة المقرىء أبو زيد، لأن الفكر والمنطق الذي يملك أدواته، كما تعلمون، ليس متاحا للجميع، فأن تراقب وزارة الأوقاف الأعمال السينمائية، يعني أيضا باستعمال القياس، أن تراقب وزارة المالية الرقص الشرقي، وتراقب وزارة الفلاحة البرامج المعروضة في التلفزيون، ويمنح مصطفى الخلفي رخص الصيد والقنص، وتحدد وزارة العدل تشكيلة المنتخب الوطني، وأن يرسل محمد الوفا رجال التعليم لقمع رجال الأمن، وأن يتدخل البرلمانيون في الشارع للاعتراض على سلوك وزارة الداخلية، إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا تحتاج إلا إلى قليل من الإرادة من طرف الحكومة وإلى بعض تأمل كي تطبق على أرض الواقع ويستفيد منها المغاربة.
المشكل المطروح أن المشوشين يستقبلون مثل هذه الأفكار العظيمة بغير قليل من الاستغراب والسخرية، رغم أن المقرىء مفكر جدي ولا يمزح، ويستمع إليه الإخوان في حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية بتمعن واهتمام بالغين، ولا يشكون لحظة أنه مفكر عظيم لم يجد الزمان بمثله، فما العيب في أن يصبح مقر المركز السينمائي داخل وزارة الأوقاف، وما الضرر في أن نطرد نور الدين الصايل من منصبه ونعوضه بكفاءة سينمائية عظيمة مثل الدكتور مولاي عمر بن حماد، الذي يتوفر على وجه سينمائي لا نظير له، وعلى قدرة خارقة في الحديث عن الفن والدين والسياسة والأخلاق والعقيدة وكل ما لا يخطر على بال.
يريد المقرىء أبو زيد الخير للمغرب، ولذلك فهو لا يكف لحظة عن التفكير، متحديا كل من لا يصدق أنه مفكر فعلا، وخير المغرب هو أن نقلد تخلف المشرق العربي، وأن يصبح رجال الدين يحددون أي فن وسينما يشاهد المغاربة، وأن نطبع مع الرقابة ونحد من الحرية ويصبح المنع هو الأصل، وخير المغرب أن تفتح وزارة الأوقاف أبوابها لتسيطر عليها حركة التوحيد والإصلاح والسلفيون ونقاد السينما الدعاة الذين تشغلهم وزارة الاتصال وجريدتا المساء والتجديد، في انتظار أن يعثروا لهم على عمل قار في الأوقاف، تطبيقا لنظرية المقرىء، التي اشتغل عليها طويلا، وكلفته مشقة وعزلة، ولم يظهر في الصورة من جديد إلا بعد أن أتمها وصارت قابلة للتطبيق، وتثير غيرة وحسد باقي المفكرين والفلاسفة والعباقرة والعلماء في دول المعمور جمعاء.