السماح لفيلم الخروج ..ملوك و آلهة للتوزيع في قاعات المغرب بعد منعه عودة إلى الصواب بعد خطأ كان سيسجل في دفتر الأخطاء .. ما الذي حدث بعد منع الفيلم مثلما حصل في دول أخرى لها حساسيات و ضيق أفق في الرؤية للفن و الثقافة؟ تحرك المجتمع المدني وكتب سينمائيون و ممثلون و نقاد وكتبت الصحافة و تحرك كل الغيورين عن صورة البلد و صورة السينما و قالوا لا يمكن للمنع أن يكون طريقا صحيحا..لا يمكن للمنع أن يشكلا حلا لقضايا تحتاج إلى نقاش و حوار في أجواء الحرية ..المنع يولد الإقصاء والعنف. ما الذي وقع بعد منع الفيلم؟ المنع تتبعه دائما الرغبة في البحث عن الممنوع والمحظور..و هذا ما حصل و بدأنا نشاهد تعليقات وكتابات عن الفيلم يشترك معظمها في كون الفيلم لا يستحق المنع و لا يمكن أن يمنع لعدة أسباب.. الناس تبحث عن الممنوع و العالم الأزرق و الفايسبوك و المواقع الالكترونية موجودة لتوزع الفيلم و تقرصنه وتعرضه و تبيعه مكان الآخرين.. رأينا كيف تحرك الرأي العام و هاهي ثمار التحرك يتم قطافها في أوانها. إنها عودة إلى جادة الصواب عودة إلى الطريق المستقيم . القاعدة الذهبية تقول أن كل ممنوع مطلوب في السوق..أكبر سوق للحشيش في العالم لا يوجد في هولندا التي تسمح ببيع الحشيش بل يوجد في كابول قرب المسجد الأعظم في البلد الذي يمنع و يحضر و يعاقب و يخلط الدين و الكلاشينكوف بالسياسة.. الممنوع مرغوب و مبحوث عنه بالريق الناشف..أتذكر كيف كنا نبحث في فترة و نحن تلاميذ عن رواية الخبز الحافي لمحمد شكري .كانت الرواية مفقودة و كنا نبحث عنها لنقول بعزة و افتخار لمن لم يقرأها: لقد قرأنا الخبز الحافي..آآآآه نعم قرأناها . كان البحث عنها يحركه المنع أكثر من أي شي آخر.. كانت المكتبات تعرض روايات أخرى عديدة لكتاب آخرين لكننا كنا نلح و نصر على الخبز الحافي لأنها ممنوعة.. حدث نفس الشيء في فترة المراهقة الفكرية مع كتاب آخر عنوانه " نقد الفكر الديني لصادق جلال العظم. كان الكتاب ممنوعا لكن البحث عنه لا يهدأ و كنا نوزعه بيننا مثل معدن نفيس قادم من كوكب آخر..قرأنا الكتاب في تلك الفترة و لم يكن يحتوي على تلك الأشياء التي تخيلناها عن نقد الدين..كان الكتاب شيئا عاديا لكن المنع هو من صنع منه نجما وسط الكتب.. المنع يمنح إشهارا مجانيا للكتاب و الفيلم و المسرحية و اللوحة التشكيلية و ديوان الشعر..كل الكتب التي منعت في التاريخ تعطش الناس لقراءتها و البحث عنها ..هنري ميلير نال شهرة عالية جدا في أمريكا و العالم بسبب منع رواياته من التداول في فترة من حياته ..المنع قدم خدمات للكاتب المتمرد قدر ما خدمته عبقريته في الكتابة الروائية. التكنولوجيا اليوم قتلت فكرة المنع من أساسها. كيف تمنع شيئا يمكن لك قراءته و مشاهدته في اللحظة ذاتها في الأنترنيت و شبكات التواصل الاجتماعي.لذلك كانت فكرة منع فيلم فكرة مشوهة ناقصة عقلا و منطقا وحكمة وتبصرا وبصيرة. كانت فكرة المنع خطأ سيسجل في دفتر السيئات و الآن صححنا الخطأ و خير الخطائين التوابون. عاشت السينما حرة ساحرة ..عاشت السينما التي تمنح تلك الرغبة في الحياة و تواجه الظلام و الموت و المنع. البقاء للأصلح و الأجمل.