وأصبح للإتحاد «شباطه»، هكذا يحلو لجزء من الرأي العام المغربي وحتى من يسمون أنفسهم مثقفين وصحافيين أن يصفوا ما وقع داخل الإتحاد الإشتراكي في إشارة إلى انتخاب إدريس لشكر (59 سنة) كاتبا أولا لحزب المهدي وعمر بعدما حصل على 975 صوتا مقابل 761 صوتا لمنافسه أحمد الزايدي، وذلك في ختام المؤتمر الوطني التاسع للحزب. بعد انتخاب حميد شباط على رأس حزب الميزان ردد البعض أن الإستقلاليين اختاروا بدورهم قائدا يماثل قائد العدالة والتنمية عبد الإله ابن كيران، ويكاد يشبهه في خطابه وفي أفعاله وأقواله، لكن أيضا فيما يسمونه «شعبويته».
بعيدا عن تلك التحليلات التبسيطية والتسطيحية للأمور، لابد من طرح السؤال التالي، وهو لماذا يختار ثلاثة قادة سياسيين في ثلاثة أحزاب بينهما أمورا كثيرة مشتركة؟
الجواب الجاهز لن يكون بطبيعة الحال سوى «الشعبوية» وهي المعيار الذي يفسر به البعض اختيار القادة الجدد، فكثير من الرأي العام يتفاعل مع قفشات ابن كيران في البرلمان كما تفاعل معها في الحملات الإنتخابية وفي كل مناسبة يخاطب فيها المشاهد أو مناضلي حزبه، ويرون في طريقة تسويق خطابه ابتعادا عن المألوف والمبتذل من اللغة المحنطة. ذات الأمر بالنسبة لحميد شباط الذي شكلت خرجاته منذ صراعه مع عبد الرزاق أفيلال حول الإتحاد العام للشغالين بالمغرب مثار اهتمام، واستمر ذات الأمر بعد لحظات الحملات الإنتخابية بفاس ثم داخل حزبه حين دخل في تنافس مع العائلات الفاسية حول زعامة حزب علال الفاسي.
إدريس لشكر بدوره شهد له ذات السلوك منذ سنوات، وعرف بقربه من الشبيبة الإتحادية وبكونه العقل التنظيمي في الحزب الذي بدأ حياته به، قبل أن ينتخب نائبا عن الرباط، ويعين من 2009 وحتى 2011 في وزيرا مكلفا شؤون العلاقات مع البرلمان. هو رجل خبر دهاليز حزب المهدي وعمر ويعرف تضاريس تنظيماته ومكامن قوة وضعف البنيان السياسي لحزب الوردة، لكنه في نفس الوقت عرف كيف يقلب المعادلة لصالحه في النهاية ويبتدع لنفسه أسلوبه الخاص في الخطاب والإقناع والتعبئة.
ليس ذلك انتصارا للشعبوية وتراجعا للعقلانية، ففي هذا التوصيف تبخيس لذكاء المناضلين الحزبيين ولاختياراتهم، بل واحتقار لملكات القيادات الجديدة وقدرتها على التعبئة وحشد الأتباع بقوة الإقناع. ذلك ما يجعلنا نقول أن اختيار تلك النوعية من القيادات بداية لظهور لعقلانية جديدة في السلوك السياسي وعقلانية أكبر في تقييم ذلك السلوك من طرف الناخب والمناضل الحزبي.
من الطبيعي أن يكون للعصر قياداته بمميزات كل منهم، كما من الطبيعي أن تثور القواعد الحزبية وترفض استمرار ذات المواصفات التقليدية في شخص القائد السياسي، فنجوم السياسية بدورهم لابد لهم كنظرائهم في الرياضة والسينما وكل الفنون من توفرهم على مهارات وقدرات ابداعية تعينهم في الاقناع والتواصل، ولذلك لم يعد قيادي الأمس هو قياديي اليوم. أكيد أنه مضى زمن القيادات التاريخية التي انتهت بنهاية صلاحياتها أو بظهور موارد شرعية جديدة، لكن أيضا بداية انقلاب الكفة لصالح القائد القادر على الإقناع والإستقطاب والإستمالة بكل الأدوات والتقنيات التقليدية منها والحديثة.
كل تلك القيادات ينتظرها الكثير داخل تنظيماتها، فما ينتظر لشكر أشبه بكثير بما ينتظر شباط وحتى ابن كيران في الحكومة، فكل الأحزاب لم تستوعب بعد التحولات في محيطها، بل الرأي العام بدوره بكل فئاته وحتى مثقفيه يجد نفسه خارج فهم ما يجري من تحولات تحول دون استيعاب أننا نعيش مرحلة التغيير وبكيفية متسارعة نحو الحداثة السياسية بكل تجلياتها، تلك تطورات فرضت قيادات بمواصفات جديدة دون أن تكون بالضرورة تلك «الشعبوية» المفترى عليها.