بعد أن خرج مقال تحليلي من "لاماب" يتناول بشكل موضوعي الخطابات الشعبوية لدى بنكيران، طلع علينا السيد أفتاتي بمدفعية بدون مشاة وتصريحات طاعنة في لاماب ومديرها وإدارتها لمجرد أنها نشرت مقالا ينتقد بشكل متوازن الممارسات الشعبوية في خطابات وسلوكات بنكيران، وقد قرأنا المقال مرات عديدة لنستفسر عن هذا اللغط فوجدنا منهجا تحليليا ينسب الأقوال لأصحابها، ويحترم أعراف الكتابة وأدبياتها، ووضع الأقواس بالنسبة للمصطلحات والعبارات الثقيلة من قبيل " الشعبوية" و "العفوية" و " الخطابات المرتجلة"، كما قدم كاتب المقال مصادره ومراجعه لينسب لكل قائل قوله فلا تبقى المواقف معلقة في السماء، فما الذي أغضب أفتاتي وبوانو وزملائهم ممن وصفا هذا المقال بأنه ضرب تحت الحزام، وجعل أفتاتي يندفع في دونكيخوطيته ( مع احتراماتنا للمضامين النبيلة التي يرمز إليها دون كيخوطي وزميله سنشو بنثا في الرواية العالمية لثربانتس) إلى القول في تصريحه لموقع فبرايركوم : "إن هذا العمل يذكرني مما كانت وربما لا زالت تقوم به وزارة الداخلية عبر قسم الإعلام ببعث تقارير تركيبية وتحليلية تبعثها لبعض الصحافيين الذين لهم علاقة بها....إن لاماب يجب أن لا تبقى بوقا للمخزن وأجهزة المخابرات، وأن العقل الأمني وشخص واحد هو الصدر الأعظم الذي يحرك الوكالة ضد بنكيران."، وما يثير النقاش حول تصريح أفتاتي هذا هو قوله :" هذا يذكرني..." سائلين السيد أفتاتي عن أي ذاكرة لك تتحدث بها عن الداخلية وتعاملها مع لاماب؟ ذلك أنه لا ينكر أحد أنه حينما كان اليسار الديمقراطي يناضل ويتعرض للاعتقالات والتعذيب والمضايقات والإقصاء كنتم أنتم وزملاؤكم في صف الداخلية عبر تهجماتكم المنظمة سبا وضربا وملاحقة وقتلا لمناضلي اليسار(بنجلون والمعطي بوملي وآيت الجيد بنعيسى) والفعاليات الديمقراطية الأمازيغية، واتهامكم لها بالكفر والزندقة والتآمر مع الخارج، فضلا عن الضرب و الجرح والقتل من داخل الساحات الطلابية استهدافا لفصائل اليسار والحركة الأمازيغية من داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وإذا كان هناك تعاون سابقا بين الداخلية ولاماب، فإنه كان في خدمتكم وكنتم أنتم أكبر مستفيد منه، وذلك التعاون هو الذي غطى على جرائمكم، كما غطى بالأمس القريب على فضيحتكم العظمى رفقة نور الدين بوبكر في طلبكم الحماية الفرنسية ضد الدولة المغربية، وبناء عليه كان عليكم رفع أسمى آيات الشكر والحمد لذلك التعاون بين لاماب والداخلية مادام قد قوى عظامكم ونمى أسنانكم ولسانكم لتتحدثوا بصوت مسموع الآن، كما قدم لكم جرعات ودفعات إعلامية وسياسية غير مسبوقة منحتكم سرعة( تي جي في) سياسي لقضاء المآرب وبمجانية مطلقة وخدمتكم انتخابيا أيضا، أما الداخلية على عهد البصري فهي الرحم الذي خرجتم منه وبه إلى الوجود الحزبي السياسي، والبصري هو والدكم الروحي الذي عليكم زيارة قبره والترحم عليه باستمرار، ذلك أن تنسيقه مع الدكتور الخطيب المتهم باغتيال الشهيد عباس لمساعدي قائد جيش التحرير، هو الذي منحكم الوجود السياسي الحزبي، ولذلك من العار عليكم أن تواجهوا البام بالقول بأنه صنيعة الداخلية التي خرجتم من رحمها سالمين غانمين، وإذا ما عدنا إلى مقال لاماب الناقد لشعبوية بنكيران يبقى السؤال: " أين هو الإشكال في هذا المقال؟" هل في منبره؟ أم في مضامينه؟ أم أن السيد بنكيران فوق النقد؟ هل يحتوي المقال على كذب أو ادعاء؟ لكن الظاهر أن مصداقية مضامين المقال جعلت أعضاء حزب بنكيران من أصحاب المدفعية بدون مشاة إلى القول:" إن لاماب هي مؤسسة تحت إدارة بنكيران ولا يحق لها أن تنشر مقالا ينتقده"، هذا الجواب المدفعي يحمل بدوره عبوات ناسفة تفجر أفواه أصحابها المراوغين من ذوي مقاصد المكر السياسوي (حامي الدين بووانو أفتاتي...) فهؤلاء برلمانيون في حزب الحكومة، وينتقدون رئيس حزبهم وحكومتهم متى شاؤوا، أي أن قاعدة النقد للحكومة من الداخل مسموح بها لهم فقط ومحرمة على غيرهم، وحتى نقد بنكيران يجب أن يبقى سلعة في أيديهم فقط، ولا يجوز للآخرين ، لأنه تبين أن نقدهم هذا هو توزيع للأدوار وعدم وضع البيض كله في سلة واحدة، ولذلك عليه أن يتم بشفاههم الرطبة التي تمثل دور الكومبارس السينمائي في االلعبة السياسية، ولا يجوز شرعا ولا سياسة أن يكون نقدا حقيقيا ولا معمقا ولا تعدديا ولا ديمقراطيا، لأن النقد الحقيقي قد ينسف ويعري مقاصد النقد الانتخابي للكومبارس الحزبي، الذي يقوم به أفتاتي وحامي الدين وبوانو وبلاجي، ولعل ما يبين تحريم هؤلاء للناس ما يحللونه لأنفسهم من منطلق عدم إيمانهم بالممارسة الديمقراطية، فرئيس لاماب الذي يشتغل تحت وصاية بنكيران لا يجوز له أن يسمح بنشر مقال ينتقد فيه شعبوية رئيسه بنكيران، أما أفتاتي وحامي الدين وبلاجي وبوانو ممن ينتمون لحزب ومنهم من يوجد في الأمانة العامة لهذا الحزب الذي يقود رئيسه الحكومة الذي يشتغل بدوره تحت رئاسة ووصاية رئيس الوزراء الذي هو ملك البلاد وأمير المؤمنين، فلا أحد يسائلهم أو يمنعهم عن نقدهم لملك البلاد ولرئيس الوزراء الذي يشتغلون تحت قيادته ووصايته الدستورية والدينية والسياسية والوطنية، بل أكثر من ذلك أن يوقعوا العرائض مطالبين فيها بحذف مراسيم البيعة، هذه هي المعادلة التي يريدون أن يوصلونا إليها بأصوليتهم الراغبة في هدم الدولة من الداخل والخارج، مع العلم أننا نؤكد أنكم على الرغم من أنكم أثرتم اللغط حول نشر مقال نقدي وموضوعي لبنكيران في لاماب، فإنه لم يمنعكم أحد من منقاشتكم لمسألة البيعة، ولكن ما يؤلمنا في نقاش الريسوني ونقاشكم للبيعة أنه نقاش لا يرتقي إلى " الخلاف العالي" حسب اصطلاح الفقهاء، ولم نلمس فيه أهلية علمية في تصريحات الريسوني ولا استدلالات فقهية ولا تاريخية ولا سياسية ، حتى في نقاشاتكم، مع أننا نكرر بأنها ليست إجبارية لكم من الذين يصرحون كراهيتهم لها مصداقا لقوله تعالى: " أنلزمكموها وأنتم لها كارهون"، ولذلك قلنا لشيخكم الريسوني الذي عارض تكرار البيعة مع العلم أن الرسول نفسه كان قد تلقى عدة بيعات (العقبة والحديبية والرضوان...)، قلنا للريسوني ونكرر لكم القول: إن فلسفة إقامة البيعة كل سنة هو ترك بابها مفتوحا لمن أراد الارتداد والخروج منها أمثالكم، فلا يقيدكم بها أحد حتى موتكم، كما لا نخفيكم القول بأن هذه اللخبطة السياسية التي تمارسونها أصبحت ثقيلة ومرة حنضلية في مرارتها، وإن كانت هناك مقاصد انتخابية في تبنيكم تارة خطابات على شكل نيران صديقة، وذلك حينما تخرجون وتنتقدون عبر توقيع عرائض تستهدف بيعة إمارة المؤمنين، كما تصفون لاماب بالقول " إنها بوق للمخزن وأجهزة للمخابرات، وأن الصدر الأعظم هو من يحرك الوكالة ضد بنكيران..." في خضم كلامكم هذا يخرج بنكيران وحاشيته من زملائكم إلى القول: إن هناك أوساط خفية تريد الإيقاع بين بنكيران والملك. فهل توجد مدافع أكبر من مدفعيتكم هذه الموجهة للملك إلى الإيقاع بين الجهتين؟ وإذا كنتم تحبون رئيسكم بنكيران وتهاجمون لاماب بمجرد نشرها مقالا ينتقد شعبويته بأدب رفيع فلماذا تهاجمون حكومته ولا تنضبطون لمساطره وتطبخون الطبخات للإيقاع وتعدون الوقيعة والواقعة الخافضة الرافعة؟ فماذا تريدون إذن من إحراج وزيركم هذا ؟ أم أنكم مكلفون بمهمة؟ وفي الأخير نقول بأن هذا الدرس الإعلامي الذي أريد من خلاله ذبح لاماب بسكاكين أصولية، على الرغم من عنفه ودمويته فقد كان مفيدا، كما كان جوابا شافيا لسؤال الأستاذ ادريس بنعلي " ما جدوى البيعة؟" فجدواها يا سيد إدريس هو أن تتمتع بحريتك التي تكتب فيها مقالات ناقدة ولا يسائلك أحد عليها، وجدواها أيضا ألا يحكمنا أمثال هؤلاء الذين يجلدون لاماب لمجرد سماحها بنشر مقال نقدي لشعبوية بنكيران، وجريمتها أيضا مقال تم السكوت عنه- قد آلمهم- لرئيسها السيد الهاشمي الإدريسي يرى فيها الضرورة الحضارية للبيعة في المغرب .