قاعدة لوجيستية لدعم الإرهاب على حدود المملكة مع الجارة الشرقية    إفريقيا تتوحد ضد الانفصال.. رؤساء لجان الشؤون الخارجية يعبرون عن موقف حازم    تفاصيل لقاء وزير التربية الوطنية ونقابات التعليم    جمعية بيت المبدع تستضيف الكاتبة والإعلامية اسمهان عمور    وزير الفلاحة يكشف عن خطة الحكومة لضمان تموين الأسواق في رمضان    جثة متحللة تستنفر السلطات المحلية والأمنية بسواحل الحسيمة    أشحشاح يؤطر ورشة بطنجة حول "الحقوق والحريات على ضوء الدستور المغربي"    مدن الشمال تتزين لاستقبال الملك    الجيش الملكي يواجه بيراميدز المصري    بايتاس: أزيد من 24,7 مليون مستفيد من التأمين الإجباري عن المرض خلال سنة 2024    للا أسماء تترأس حفل إطلاق "متحدون"    الفريق أول محمد بريظ يستقبل بأكادير قائد قوة البعثة الأممية بالأقاليم الجنوبية للمملكة    أهمية الحفاظ على التراث وتثمينه في صلب الاحتفال بالذكرى ال20 لإدراج "مازاغان" ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو    مجموعة أكديطال تعزز شبكتها الصحية بالاستحواذ على مصحة العيون ومركز الحكمة الطبي    القضاء يدين صاحب "سيتي كلوب" بالحبس النافذ..والتحقيقات مستمرة في تهم أخرى    إسرائيل تندد بعملية تسليم الجثامين    حكومة أخنوش تتعهد بضمان تموين الأسواق بجدية خلال رمضان    طوله 50 متراً تحت الأرض ويشبه أنفاق إسكوبار.. تفاصيل جديدة حول نفق تهريب المخدرات إلى سبتة    توقيفات بسبب العنف بالدار البيضاء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    محكمة إسبانية تغرّم لويس روبياليس في "قبلة المونديال"    حوض سبو… نسبة ملء السدود تبلغ 47ر36 في المائة    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    اختتام فعاليات المؤتمر الوزاري العالمي للسلامة الطرقية.. وهذه أبرز مضامين "إعلان مراكش"    غشت المقبل آخر موعد لاستلام الأعمال المشاركة في المسابقة الدولية ل "فن الخط العربي"    ثغرات المهرجانات والمعارض والأسابيع الثقافية بتاوريرت تدعو إلى التفكير في تجاوزها مستقبلا    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    امطار مرتقبة نهاية الاسبوع بشمال المملكة    كلاسيكو الجيش والرجاء أبرز مواجهات الدورة ال 22 من البطولة الاحترافية    إطلاق النسخة التاسعة للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    سيناريوهات ما بعد هزيمة العرب وأمريكا في أوكرانيا    بلجيكا تعتمد إجراءات صارمة لتشديد سياسات الهجرة ولمّ الشمل العائلي    شمس الدين طالبي يغير جنسيته الرياضية استعدادًا لتمثيل المغرب    امتلاك قرار وسيادة الأمة بناء ومقاومة    اختتام فعاليات النسخة الأولى من برنامج "فيفا كرة القدم للمدارس بالمغرب"    أنشيلوتي بعد التأهل لثمن نهائي دوري أبطال أوروبا: "لا تهمني هوية الخصم القادم"    انتصار قضائي لزكرياء أبو خلال ضد قناة فرنسية    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء على يد ريال مدريد    إيران تلامس ألف تنفيذ لعقوبة الإعدام خلال سنة 2024    خبير أمريكي: المغرب أبان مجددا عن نجاعة استراتيجيته الأمنية المتينة    بنعلي تتحدث لأول مرة عن "واقعة القبلة" مع رجل الأعمال الأسترالي    سينما المغرب في مهرجان برلين    احتجاجات في مراكش ضد مشاركة وزيرة إسرائيلية في مؤتمر دولي    مقتل شخصين في حادث تصادم طائرتين صغيرتين جنوب ولاية أريزونا    آبل تطلق iPhone 16e بسعر أقل وميزات ذكاء اصطناعي متطورة    نيروبي.. المكتب الشريف للفوسفاط يقدم حلوله المبتكرة بالمعرض الإفريقي للفلاحة 2025    كوريا: الرئيس المعزول يون يمثل أمام أول جلسة محاكمة بتهمة التمرد    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    وفاة المطربة آسيا مدني مرسال الفلكلور السوداني    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    رامز جلال يكشف اسم برنامجه الجديد خلال شهر رمضان    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    دراسة تكشف عن ثلاثية صحية لإبطاء الشيخوخة وتقليل خطر السرطان    صعود الدرج أم المشي؟ أيهما الأنسب لتحقيق أهداف إنقاص الوزن؟"    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"حكم الإسلاميين" يكشف عن قناعه
نشر في كود يوم 10 - 12 - 2012

يبدو أن ما كان مجرد انطباع حول مدى تمثل الكثير من الحركات الإسلامية، إن لم يكن كلها، لقيم الديمقراطية قد أضحى يتحول إلى حقيقة. إذ ما أن تمكنت من الوصول إلى السلطة حتى أخذت تظهر، يوما بعد يوم، كم كان تصورها للديمقراطية إجرائيا وتعاملها معها تكتيكيا ليس إلا. وما يحدث في "مصر الجديدة"، في هذه الأيام، يقدم مثالا دالا على هذا الاستنتاج.
فبعد شهور معدودة على وصولهم إلى قمة هرم الحكم في "مصر الجديدة"، يبدو أن "الإخوان المسلمون"، وحلفائهم في "حزب النور" السلفي، يتجهون إلى إعادة إنتاج نظام استبدادي جديد لم يعد الكثير من المصريين يترددون في وصفه بالأسوء من النظام الذي كانت قد أسقطته ثورة 25 يناير من السنة الماضية، وهي ثورة كما نعمل لم تكن الجماعة هي المبادرة بإشعالها، وإن كانت هي الأكثر استفادة من نتائجها وجنيا لثمارها..
ففي مواجهة القضاء، الذي لطالما وصف بهرم مصر الشامخ، وظل حتى على عهد الديكتاتورية السابقة حصنا منيعا في الدفاع عن استقلاليته وفي حماية حقوق الأفراد والجماعات، وضمنها حقوق "جماعة الإخوان" المحظورة وقتئذ، أقدم الرئيس الجديد على اتخاذ قرارات لم يجرأ أي من رؤساء مصر السابقين على اتخاذها، خاصة عندما تكون مثل هذه القرارات تروم تحصين أعماله من أي شكل من أشكال الطعن القضائي، وبالتالي إضفاء نوع من القداسة على رئيس يفترض أن من أهم أهداف الثورة التي جاء ممتطيا ل"صهوة جوادها" نزع طابع القداسة عن شخص الحاكم وعن تصرفاته وإخضاعها للقانون..
قبل أن يدفع قادة الجماعة في اتجاه ارتكاب المحظور، وهم يقررون محاصرة المحكمة الدستورية العليا ومنع قضاتها من ولوج مقر عملهم، في لحظة كانت فيه هذه الهيأة القضائية، وهي بالمناسبة الهيأة التي أدى أمامها محمد مرسي قسم اليمين الرئاسي، تتهيأ لبحث طعون معروضة عليها تتعلق بعمل الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع دستور جديد للبلاد والإعلان الدستوري، الذي ترفض العديد من القوى السياسية والثورية ليس فقط مضامينه وإنما أيضا التسليم بحق الرئيس في إصداره...
وحتى عندما قوبلت هذه القرارات بمواقف الرفض من لذن القضاء ومختلف القوى السياسية والثورية المتكتلة في إطار ما أصبح يعرف ب"جبهة الإنقاذ الوطني"، ونجحت هذه الأخيرة في إعادة الروح لميدان التحرير، بكل ما ترتبت عنه من احتقان كبير في الشارع المصري، وكان يعتقد أن الرئيس سيفهم أن الشارع المصري لم يعد قابلا للترويض، وسيسارع إلى نزع فتيل الأزمة، كان الجواب الذي قدمه عبارات عن قرارات ومبادرات جديدة لا تقل خطورة وتعنتا من سابقتها، وكأنه يريد أن يصب الزيت في نار الأزمة، ويعطي مبررات جديدة لمعارضيه للمزيد من تعبئة المصريين وإقناعهم بأن البطانة الحاكمة تتجه بمصر نحو المجهول.
أولا، عندما تصرف كما ولو أنه ليس رئيسا ل"جمهورية مصر العربية" وإنما للجماعة التي يشاطرها نفس المرجعية الإيديولوجية، وقد كان ذلك واضحا عندما اختار الرد على المحتجين من على منصة المؤيدين، وهم في معظمهم من "الإخوان المسلمين" وحلفائهم "الإسلاميين".
وثانيا، عندما آثر دفع الجمعية التأسيسية، وهي المنقوصة من أعضائها غير الإسلاميين وفي مقدمتهم ممثلي الأقباط والأزهر والتنظيمات والأحزاب الوطنية والليبرالية واليسارية...، إلى إخراج مشروع دستور في وقت قياسي، وإعطاء أجل محدود للمصريين للإدلاء برأيهم فيه. مع أن طبيعة هذا الدستور، "كدستور تأسيسي" وكواحد من أطول الدساتير في العالم بحكم كثرة عدد مواده (234 مادة)، لا يحتمل التعامل معه بمنطق "الأغلبية العددية"، بل يفترض التوافق حول مقتضياته، وإعطاء الشعب والقوى المعبرة عنه الوقت الكافي لمناقشته وفهمه وتفسيره، بدل أن يتم "سلقه" بالطريقة التي تجعل منه دستورا لفريق سياسي واحد، هو الفريق الذي ظل حتى لحظة قيام الثورة يعتبر نفسه ضحية الرأي الواحد المفروض قسرا على إرادة المصريين.
وثالثا، عندما عمد إلى ربط الإعلان الدستوري بمشروع الدستور، واعتبار الأول محض إجراء مؤقت سينتهي مفعوله بمجرد الاستفتاء على الدستور الجديد، فيما يشبه مقايضة سياسية الغرض منها إرغام المعارضين على توقيع شيك على بياض والقبول بدستور لم يشاركوا في وضعه، ويرفضون الكثير من مواده لتقدريهم أنها تؤسس لنوع من "الطائفية"، وتجعل من "أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر" يتمتع بصلاحيات ومهام تكاد تفوق رؤسائها العسكريين السابقين، كما تجعل من "مبادئ الشريعة الإسلامية" سيفا مسلطا على الحقوق والحريات، فضلا عن أنها تحد كثيرا من حرية التعبير بواسطة الصحافة، وتمس باستقلالية القضاء، وبصفة خاصة بالمكانة التي ظلت تتمتع بها المحكمة الدستورية العليا، بل إن بعض تلك المقتضيات تنم عن عقلية انتقامية واضحة...
رابعا، عندما غض الطرف عن الهجوم على المعتصمين في محيط القصر الرئاسي، والتنكيل بهم، بكل ما يعنيه ذلك من إجهاز على الحق في الاحتجاج كأحد أهم مكتسبات الثورة، التي يزعم الإسلاميون اليوم بأن تصرفاتهم تهدف إلى حمايتها. والأخطر هو أن لا يتم ذلك من طرف أجهزة الأمن الموكول لها قانونيا الحفاظ على الأمن العام وصيانة ممتلكات ومباني الدولة، وإنما من طرف "مليشيات الإخوان"،. وهذا ما يعني ببساطة انهيار الدولة وتحولها إلى فريسة للعصابات المنظمة ولقانون الغاب.
وما يزيد في الطين بلة هو أن تكون التبريرات التي تسوقها "مؤسسة الرئاسة" و"الحزب الإسلامي" لهذه القرارات تكاد تكون هي نفسها التبريرات التي كان يستند عليها النظام السابق في فرملة الحياة السياسية والتنكيل بمعارضيه، وفي مقدمتهم أولئك الذين أصبحوا اليوم في دفة الحكم، عندما كان يعتبرهم كانقلابيين، أو في الأحسن الأحوال كمخربين.
فالإعلان الدستوري جرى التسويق له بأنه خطوة استباقية "لحماية الثورة" من مخطط كان يجري التحضير له للانقلاب عليها وعلى نظام الحكم الذي تمخض عنها، مع أن "المتهمين المفترضين" بالتحضير لهذا الانقلاب على الثورة هم أصحابها الحقيقيون، وهم الذين كان من أشد المدافعين عن الإخوان المسلمين يوم كان هؤلاء لا يقوون على مواجهة مبارك ونظامه، وهم الذين قدموا أكثر من حسن النية اتجاه الرئيس المنتخب وأعلنوا صراحة تأييدهم لشرعية انتخابه، وصوت الكثير منهم لفائدته بهدف قطع الطريق عن "مرشح الفلول"، بل إن بعضهم ذهب أبعد من ذلك في تأييده عندما اختار العمل بجانبه ضمن فريق مستشاريه.
أما الإصرار على التشبث بمشروع الدستور كما "سلق" في الجمعية التأسيسية، والاحتفاظ بنفس الموعد المحدد للتصويت عليه، فقد فسر بالاحتكام إلى الشعب في النزاع السياسي القائم بين طرفي المعادلة السياسية (أنصار الدولة الإسلامية وأنصار الدولة المدنية). والحال أن الشعب لكي يكون حكما عليه أولا أن يكون عارفا وعالما بالأمور التي سيمارس تحكيمه فيها. فكيف يمكنه أن يضطلع بهذا الدور في ظل الفترة الوجيزة المحددة لحملة الاستفتاء على الدستور، وفي ظل هذا الاحتقان السياسي، بل الدموي، الذي زج فيه بفعل المبادرات التي اتخذها النظام الجديد؟
في وقت قدم فيه الهجوم على المعتصمين بالقصر الرئاسي، وما تلاه من أحداث دامية أسفرت عن سقوط قتلى ومئات الجرحى، على أنه من فعل "فلول النظام السابق"، حتى ولو كانت الصور الحية التي تابعها الملايين من المصريين، وغير المصريين، قد أظهرت أنصار الجماعة وهم يهاجمون خيام المعتصمين، ويرغمون بعضهم على الإقرار بأنهم ينتسبون إلى "الحزب الوطني" المنحل.
إن حقيقة هذه القرارات التي اتخذها الرئيس وجماعته ليس لها إلا تفسير واحد ألا وهو سعي الإخوان وحلفائهم من الإسلاميين إلى الإنفراد بوضع الدستور، والحرص على إخراجه وفقا لتصورهم الخاص لتدبير شؤون مصر ما بعد الثورة. وهم بذلك يضيعون على أرض الكنانة لحظة تاريخية كان من الممكن أن تكون فيها أول بلد عربي يضع دستورا ديمقراطيا لا "دستورا إخوانيا"، ويؤكدون على تصورهم "الإجرائي" لمفهوم الديمقراطية، والأكثر من ذلك يضفون نوعا من المشروعية على ما ظل يقوله المعارضون لوصولهم إلى الحكم، حينما كانوا يبررون ذلك بأن صعودهم إلى السلطة سيشكل لا محالة تهديدا لمقومات "الدولة المدنية"، ويقدرون، بالتالي، أن "استبدادا متنورا" أحسن من ديمقراطية يمكن أن تقود إلى "استبداد مظلم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.