كان كل منهما يصرخ أكثر من الآخر بأنه انتصر، وكأنهما معا، إسرائيل وحماس كانا يحاربان عدوين آخرين. وهي المرة القليلة التي يصرخ فيها القاتل والمقتول، انتصرنا. لماذا؟ لأن العودة إلى نفس النقطة من سباق المسافات الدموية، هو بحد ذاته انتصار. ولأن العودة إلى نقطة الهدنة السابقة هو بحد ذاته انتصار. وأن تبقى غزة محاصرة، ويبقى الجيش الإسرائيلي على أسوارها، وبقاء حكومة هنية تحت وابل من الطلبات الاجتماعية المؤجلة، هو بحد ذاته انتصار.. ولأن عودة الإسرائيليين إلى الشوارع العامة في انتظار صفارات الإنذار والهروب الكبير هو بحد ذاته انتصار. الحقيقة هي أن إسرائيل تريد أن تبقى الوضعية على ما عليه، بعد أن يكون الثنائي نتانياهو وليبرمان قد سجلا بعض النقط الانتخابية. والحقيقة عند الإخوة في حماس هو أن تتكرس الحكومة مخاطبا استراتيجيا وشريكا سياسيا وحيدا بعد كل مواجهات عسكرية، حتى ولو ظل الوطن موزعا بين نافذتين. والقضية هي أن الوطن اليوم لم يتحول إلى دولة مستقلة وحرة ... فهو مقيم بين سلطة تقيم على حجر أقل من طاولة التفاوض في أوسلو، وبين حلم في تدمير كلي لإسرائيل، قبيل إعلان ميلاد الخلافة!! وحماس، التي تعرف بأنها تمتلك اليوم غير قليل من أدوات الصراع المسلح التي تزرع فيها نوعا من الإحساس بالخطر وليس الرعب الكبير على حد قول المحللين - المهللين، لن تتخلى عن الخيار المسلح، مادام هو طريقتها وطريقها في أن تكون في قلب معادلة المنطقة، ومعادلة الدولة، لا سيما عندما تكون السبل السياسية عرضة هي بدورها للحرب والمحاربة والتعطيل والنسف الأممي، تحت مظلة الولاياتالمتحدة الواسعة. ولكن بعيدا عن ذلك، لا يمكن للهدنة أن تكون انتصار أبدا. لأنها تعويض سيكولوجي عن الدولة وعن السلام. فالمشكلة الأعمق هي، دائما، وقبل كل شيء، إقامة الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.