واستمرت الغارات حتى بعد منتصف ليلة السبت مع قيام سفن حربية بقصف أهداف من البحر بينما استهدف هجوم آخر مبنى في مدينة غزة يضم مكاتب وسائل إعلام عربية ومحلية، مما أدى إلى إصابة ثلاثة صحفيين من قناة القدس. وقالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن صواريخ إسرائيلية دمرت المبنى الإداري لرئيس الحكومة إسماعيل هنية الذي التقى فيه يوم السبت مع رئيس الوزراء المصري هشام قنديل وضربت مقرا للشرطة. وأعلن مسؤولون طبيون أن هجومين آخرين قبيل الفجر استهدفا منازل في مخيم جباليا أسفرا عن استشهاد طفلين وإصابة عشرة شخصا آخرين، بينما استشهدت سيدة وأصيب أحد أقاربها في غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة خزاعة القريبة من خان يونس جنوبي القطاع. وبلغ عدد الغارات الجوية الإسرائيلية على مختلف مناطق القطاع -حسب التلفزيون الإٍسرائيلي- ليلة السبت نحو 180 غارة استشهد جراءها خمسة فلسطينيين وأصيب أربعة آخرون، لترتفع حصيلة السبت وحدها إلى 16 شهيدا، ويبلغ إجمالي الشهداء منذ الأربعاء الماضي 45 شهيداً ونحو 398 جريحاً. وخلال ساعات النهار قصفت الطائرات الإسرائيلية مدرسة تونس شرقي غزة بالتزامن مع زيارة وفد تونسي يترأسه وزير الخارجية رفيق عبد السلام، كما أصيب أربعة فلسطينيين في غارة على رفح، واثنان في غارة على خان يونس، وأصيب شابان بجراح بين متوسطة وخطيرة في غارة إسرائيلية على شارع النفق بغزة. وأدت الهجمات الإسرائيلية إلى تدمير خمسة محولات كبيرة مما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن نحو 400 ألف فلسطيني جنوبي القطاع حسب شركة كهرباء غزة. بموازاة ذلك قالت «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة حماس إنها لا تزال تحتفظ بقدراتها رغم الغارات الإسرائيلية المكثفة، وإن خمسة ملايين إسرائيلي «باتوا في مرمى النار» بعد استهدافها مدينة تل أبيب بقذائف صاروخية. وقال المتحدث باسم الكتائب أبو عبيدة في كلمة تلفزيونية بثتها أول أمس السبت قناة «الأقصى» التابعة لحركة حماس في غزة وهو ملثم، إن الكتائب نفذت منذ بدء التوتر مع إسرائيل قبل أربعة أيام أكثر من 900 هجمة صاروخية. وعرض أثناء الكلمة شريط فيديو قال أبو عبيدة إنه لعملية إسقاط طائرة حربية إسرائيلية بينما كانت تحلق في أجواء قطاع غزة مساء الجمعة. وذكر المتحدث أن حطام الطائرة التي أسقطت بصاروخ أرض جو لأول مرة في تاريخ الصراع مع إسرائيل سقط في بحر غزة. ولم تتعد مدة الفيديو ثلاث ثوان وظهر فيه إطلاق صاروخ أرض جو موجه إلى هدف في الأجواء ويعقب ذلك انفجار وغبار كثيف دون أن تكون صورة الطائرة واضحة للرؤية. يشار إلى أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي كان قد نفى إسقاط طائرة حربية في غزة، وقال إنها «أكاذيب تروجها حماس». في الوقت ذاته حذر أبو عبيدة إسرائيل من الإقدام على هجوم بري على قطاع غزة، مهددا إياها بأن هذا القرار «سيكون الأكثر غباء وحمقا»، مؤكدا أن القسام «لا تزال تحتفظ بقوتها ولا يزال لديها الكثير من الأوراق والمفاجآت». جاء ذلك في وقت واصلت فيه المقاومة إطلاق الصواريخ عبر الحدود، حيث سقط صاروخ على منزل في مدينة عسقلان صباح أمس، دون أن يسفر عن إصابات. وسبق أن سقط صاروخ على مبنى سكني في مدينة أسدود المطلة على البحر المتوسط ودمر عدة شرفات، وقالت الشرطة إن خمسة أشخاص أصيبوا. وأعلنت كتائب القسام مساء السبت قصف تل أبيب بصاروخ من طراز «فجر 5». كما سمع دوي انفجار في الضاحية الجنوبية من تل أبيب بعد إطلاق صفارات إنذار. وجاء إعلان الكتائب في أعقاب تصريح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي بأن منظومة «القبة الحديدية» لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى اعترضت بعد ظهر السبت صاروخا أطلق من قطاع غزة باتجاه تل أبيب. وقبيل اعتراض الصاروخ دوت صفارات الإنذار في تل أبيب، وسط حالة من الذعر. وكانت إسرائيل قد قررت نشر بطارية خامسة مضادة للصواريخ ضمن منظومة القبة الحديدية لم يكن مقررا أن تدخل الخدمة قبل 2013. في هذه الأثناء واصل الجيش الإسرائيلي نشر دباباته على امتداد الحدود مع قطاع غزة بعد يوم من قرار للحكومة باستدعاء 75 ألفا من جنود الاحتياط. وعندما سأل الصحفيون قائد القوات الإسرائيلية على حدود غزة اللواء تال روسو إن كانت هناك عملية برية محتملة رد بالإيجاب قائلا «بالتأكيد». وأضاف أن لديه «خطة ستستغرق وقتا» وأضاف «نحتاج إلى التحلي بالصبر، لن تكون لمدة يوم أو يومين». اتصالات مصرية بالإسرائيليين والفلسطينيين دبلوماسيا أعلن الرئيس المصري محمد مرسي وجود اتصالات تجريها القاهرة مع الحكومة الإسرائيلية والفلسطينيين بشأن الوضع في قطاع غزة، وقال إن هناك «مؤشرات» على إمكانية التوصل قريبا إلى وقف لإطلاق النار بين الطرفين. وتحدث مرسي - في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي يزور القاهرة ضمن نشاط دبلوماسي مكثف - عن «مساع مع كل دول العالم لكي يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار من كلا الجانبين». وأضاف «هناك مساع حثيثة عبر قنوات التواصل مع الجانب الفلسطيني وأيضا الجانب الإسرائيلي». مضيفا«لا توجد ضمانات في هذا الإطار» . وحذر مرسي من «عواقب وخيمة» في حالة تنفيذ إسرائيل لهجوم بري على قطاع غزة، قائلا «إذا حدث اجتياح بري كما يقولون فإن ذلك ينذر بعواقب وخيمة في المنطقة» . بدوره، قال أردوغان إن تركيا ترغب في أن ترى وقفا لإطلاق النار، مشيرا إلى أن «القوى العالمية لا تتدخل لوقف الهجمات الإسرائيلية . وأن الطرف الذي يملك القوة الطاغية واضح». جاء ذلك وسط تكهنات أشارت إليها رويترز بأن مسؤولا إسرائيليا قد يتوجه إلى القاهرة لتوقيع اتفاق هدنة. وقد ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية -نقلا عن مسؤول كبير في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) - طلب عدم كشف اسمه- أن الحركة لن تقبل أي هدنة من دون ضمانات، مشيرا إلى أن مصر لم تعد قادرة على إعطاء هذه الضمانات. وقال إن حماس توصلت عبر الوساطة المصرية إلى تفاهم على هدنة يوم الاثنين الماضي، لكن تم خرقها خلال 48 ساعة باغتيال القائد العسكري لكتائب عز الدين القسام أحمد الجعبري. وفي هذا السياق، عقد في القاهرة اجتماع بين مدير الاستخبارات المصرية اللواء محمد رأفت شحاتة ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل والوفد المرافق له. وقالت مصادر قريبة من الاجتماع إن حماس أكدت للجانب المصري اشتراطها أن تكون أي هدنة مع الاحتلال الإسرائيلي متبادلة ومتزامنة، وأن تقترن بتعهدات إسرائيلية بعدم تكرار الاغتيالات والاعتداءات على الشعب الفلسطيني. كما التقى مشعل في القاهرة بأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، حيث بحثا الأوضاع في غزة وسبل وقف التصعيد الإسرائيلي. وكان أمير قطر قد التقى في وقت سابق الرئيس المصري لبحث الوضع في غزة. وثمن أمير قطر الجهود المصرية لوقف العدوان الإسرائيلي، وأعلن تقديم مساعدات إنسانية عاجلة لقطاع غزة. في غضون ذلك وفي القاهرة أيضا، دعت جامعة الدول العربية في ختام اجتماعها الطارئ مجلس الأمن الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه الوضع بغزة. وعبرت عن استيائها من عدم توصل المجلس إلى وقف لإطلاق النار. ودعت الجامعة إلى وقف كل أشكال التطبيع مع إسرائيل، وإحالة المسؤولين الإسرائيليين إلى المحاكم الدولية لمقاضاتهم على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وقال الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي إن الدول العربية ستعيد النظر في مبادرة السلام العربية لأنها لم تقدم شيئا. ودعا أيضا إلى إعادة النظر في اللجنة الرباعية التي تبدو بلا جدوى، كما قال. وكان رئيس الوزراء وزير خارجية قطر حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني قد قال إن اجتماعات الجامعة العربية أصبحت «مضيعة للمال العام وللوقت»، ودعا وزراء الخارجية العرب إلى اعتماد الصراحة مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وعدم إطلاق الوعود التي لا يمكن تحقيقها. أما وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو فقال إن بلاده لن تغلق معبر رفح، وستقدم كل ما بوسعها لدعم غزة. وقد أيد الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية مساعي مصر لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية، وقرر تشكيل لجنة وزارية لزيارة غزة. من ناحية أخرى، شددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل -في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو- على ما وصفته بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، بينما اتفقت معه على «أنه يتعين الاتفاق على وقف كامل لإطلاق النار في أقرب وقت ممكن لتجنب مزيد من إراقة الدماء»، وفي محادثات هاتفية مع الرئيس المصري محمد مرسي، حثت ميركل مصر على مواصلة القيام بدورها المهم كوسيط، ودعت الجماعات الفلسطينية إلى «الوقف الفوري لهجماتها ضد إسرائيل». وفي واشنطن قال السفير الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة الأميركية ميشيل أورين إن واشنطن أعطت بلاده الضوء الأخضر لشن عمليتها الحالية على قطاع غزة. وأفاد تقرير لصحيفة نيويورك ديلي نيوز الأميركية بأن أورين قال يوم الجمعة لوسائل إعلام أميركية إن «الولاياتالمتحدة أعطتنا الدعم الكامل لاتخاذ كل الإجراءات الضرورية لحماية مواطنينا من إرهاب (حركة المقاومة الإسلامية (حماس)» . ووفقا للتقرير، فإن أورين أشار إلى أن بلاده حصلت على «دعم واضح لا لبس فيه من الولاياتالمتحدة»، مشيرا إلى أن هذا الدعم مصدره البيت الأبيض والكونغرس الذي حصلت فيه إسرائيل على موافقة كل الأطراف. ضوء أخضر أمريكي ومن جانبه، ذكر داني أيالون نائب وزير الخارجية الإسرائيلي أن الولاياتالمتحدة تساند إجراءات إسرائيل، وقال «في الولاياتالمتحدة ليست هناك مشكلة..، لكن المشكلة دائما هي الضغط على الجامعة العربية. هناك تفهم لقدرتنا على حماية سكان الجنوب وأنه ينبغي ذلك» ، بحسب ما أوردته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في موقعها الإلكتروني. وفيما أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما في وقت سابق أن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها، اعتبر البيت الأبيض أن إطلاق الفلسطينيين للصواريخ من غزة على إسرائيل شكل «عاملا مفجرا» للمواجهات بين إسرائيل وقطاع غزة التي أسفرت عن 45 شهيدا منذ الأربعاء. وقال بن رودس مساعد مستشار الأمن القومي الأميركي «نعتقد أن إطلاق الصواريخ من غزة كان عاملا مفجرا للنزاع ، ونعتبر أن من حق الإسرائيليين أن يدافعوا عن أنفسهم، وأن يتخذوا قراراتهم بشأن التكتيك الذي سيلجؤون إليه». في المقابل، انتقد وفد منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن رد الفعل الأميركي على الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة، ووصفه بأنه «في أفضل الأحوال، متحيز وضعيف» لأنه تجنب تماما حقيقة مفادها أن إسرائيل هي من بدأ التصعيد. وأضاف الوفد -في بيان نشر على الإنترنت- أن على عاتق الولاياتالمتحدة التزام أخلاقي بأن تطلب من إسرائيل عدم استخدام أسلحة أميركية الصنع لقتل وإصابة المدنيين. من جانبها إعتبرت صحيفة «ذي غارديان» أن ثمة ثلاثة عوامل رئيسية كانت تقف وراء التصعيد الإسرائيلي على غزة، الذي أسفر عن مقتل القائد الميداني أحمد الجعبري، وقالت إن أخطر تلك العوامل اختبار مصر. وأوضحت أن أقل تلك العوامل إقناعا الحاجة إلى وقف الصواريخ الفلسطينية على جنوب إسرائيل، مشيرة إلى أن عمليات تفاوض بشأن هدنة كانت تجري بين مصر وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بوساطة مصرية قبيل الهجوم الذي أسفر عن مقتل الجعبري. وأشارت إلى أن الجعبري كان الرجل الذي فرض الهدنة على بقية الفصائل على مدى السنوات الخمس الماضية في القطاع. ونقلت عن أحد المشاركين في المفاوضات لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي كان أسيرا في غزة، قوله إن الجعبري تلقى مسودة لهدنة دائمة قبيل ساعات من مقتله. وتلفت الصحيفة النظر إلى أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان تعلم هذا الدرس عندما كان يحاول التوسط بين سوريا ورئيس وزراء إسرائيل السابق إيهود أولمرت قبيل عملية «الرصاص المصبوب» الإسرائيلية في غزة أواخر عام 2008. والعامل الثاني في تقدير الصحيفة هو الانتخابات الإسرائيلية العامة مطلع العام المقبل، مشيرة إلى أن الحروب الإسرائيلية على لبنان عام 1996 وغزة 2008 و2009 وقعت قبيل الانتخابات رغم أن العمل العسكري تحول إلى هزيمة انتخابية. ووصفت الصحيفة العامل الثالث بالأخطر لأنه لا يختبر حماس أو يحقق الردع للمسلحين في غزة، بل يختبر مصر، ولا سيما أن التشكيلة الإقليمية هذه الأيام قد تغيرت. فإحدى الدولتين الموقعتين على اتفاق سلام مع إسرائيل (مصر) شهدت ثورة أتت بإسلاميين إلى الحكم، والأخرى (الأردن) تشهد حراكا إسلاميا متصاعدا، ولا يختلف الأمر كثيرا في الكويت والسعودية والإمارات والبحرين «حيث تواجه الحمى ذاتها» . وتقترح الصحيفة على إسرائيل أن تتراجع عن ضرب المسلحين في غزة وتحرص على الإبقاء على اتفاق السلام مع مصر، ولا سيما أن الربيع العربي آخذ في الانتشار. وتصدرت أخبار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الصحف الألمانية الصادرة الجمعة، حيث رأى بعض المحللين أن الضربة الأخيرة ليست سوى وسيلة لدعم الحملة الانتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بينما أشار آخرون إلى أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) باتت أقوى باستنادها إلى الدعم المصري. وتحت عنوان «إسرائيل ليس لديها ما تكسبه»، كتب المحلل السياسي لصحيفة (زود دويتشه تسايتونغ) إن بدء حرب يحتاج مناسبة محددة تتضمن جملة من المبررات، ومن القصور القبول بالادعاء أن الهجمة الحالية على غزة هي رد إسرائيلي على الصواريخ القادمة من هناك. وقال بيتر مونش إن إيجاد مبرر للحرب كان متوافر غالبا لدى إسرائيل التي ردت بتحفظ على الصواريخ التي كانت تطلق على جنوبها منذ نهاية حربها على غزة نهاية عام 2008، ورأى أن مجيء الهجمة الحالية بهذه القوة المفرطة له سبب واحد هو رغبة نتنياهو في استغلالها بالحملة الانتخابية لكسب مزيد من الأصوات في الانتخابات المقررة يوم 22 يناير المقبل. وأشار إلى أنه وفقا «لقانون الغاب السائد في الشرق الأوسط» ، قدم نتنياهو قتل أحمد الجعبري نائب قائد كتائب عز الدين القسام كانتصار شخصي، مظهرا نفسه كزعيم قوي، واعتبر أن مواصلة إسرائيل لعمليتها العسكرية بعدما أعلنته من نتائج حققتها لن تجني من ورائها سوى الخسارة. وأضاف مونش أن ضربة بهذه القوة لغزة كان معلوما مسبقا أنها ستؤدي إلى تفجير الأوضاع، مما خلق وضعا جديدا فقدت فيه إسرائيل السيطرة، حيث امتلكت حماس الكلمة الفصل بتحديد مسار المواجهة. وأشار إلى أن هدف هذه العملية هو الإجهاز نهائيا على حماس، مضيفا أن أوان تحقيق هذا الهدف ولى منذ زمن بعيد لأن الأوضاع لم تعد مثلما كانت عليه في الحرب الأخيرة، وأن وقوف مصر خلف حماس سيحمل العملية الحالية مخاطر تمددها في المنطقة. وتحت عنوان «حرب نتنياهو» ، كتبت مراسلة صحيفة (برلينر تسايتونغ) بالقدسالمحتلة أنجي غونتر إن إطلاق صفارات الإنذار في تل أبيب لأول مرة منذ العام 1991 وما أعقبه من سقوط صاروخين قادمين من غزة، أعاد ذكريات مفزعة للسكان وذكرهم بلجوئهم إلى المخابئ هربا من صواريخ سكود التي أطلقها العراق على إسرائيل إبان حرب الخليج . وأضافت أن احتفاء الإعلام الإسرائليلي بقتل الجعبري ما لبث أن أعقبته استفاقة بعد استيعاب حماس للصدمة وإطلاقها يوم الخميس 275 صاروخا على النقب والمدن المحيطة، حيث لم يؤد قتل قادة حماس يوما إلى إضعاف الحركة، فاغتيال يحيى عياش عام 1996 دفع حماس لتنفيذ سلسلة تفجيرات مميتة في قلب إسرائيل، واغتيال مؤسسسها وزعيمها الروحي الشيخ أحمد ياسين أدى إلى فوز الحركة في انتخابات عام 2006، كما استعادت حماس عافيتها بعد حرب 2009. وأشارت غونتر إلى أن الجعبري كان خصما لدودا لإسرائيل غير أنه التزم بالهدنة، ولفتت إلى أنه من غير المعروف إن كان خليفته مروان عيسى سيقبل بمثل هذه الهدنة، فلا أحد في إسرائيل يعرف هل سيمكن بعد الآن إنقاذ علاقة تل أبيب الصعبة بالقاهرة، إذ أقبر قتل الجعبري مشروعا أعدته الاستخبارات المصرية قبل أيام لهدنة طويلة بين حماس وإسرائيل. وفي مقابلة مع صحيفة (دير تاجسشبيغل)، قالت المؤرخة الألمانية هيلغا باوم حارتن إن ما يجري في غزة كان يمكن تجنبه لو قبلت إسرائيل بإشارات واضحة وجهتها حماس بشأن استعدادها للقبول بهدنة، وإن رد إسرائيل على هذه الإشارات بضرب غزة أظهر أنه ليس لديها ما تقدمه منذ عام 1967 سوى العنف والاحتلال والحصار. وأضافت أن ألمانيا يمكنها أن تلعب مع الاتحاد الأوروبي دورا في الضغط لوقف العنف والتأكيد أن إنهاء الاحتلال وإيقاف الاستيطان وتحقيق تطور سياسي باتجاه السلام سيكون لصالح كل من يعيش في المنطقة. وجهة نظر : غزة والنظام الجديد في الشرق الأوسط جاء في مقال لميشيل سنغ نشر في مجلة فورين بوليسي أن الحرب الدائرة في قطاع غزة تجري في ظروف إقليمية مختلفة بشكل كبير عن ما كان عليه الحال لدى اندلاع الجولة الأخيرة من الحرب في أواخر عام 2008 وأوائل العام 2009. فالنظام الإقليمي القديم الذي كان سائدا آنذاك ولى إلى غير رجعة وحل مكانه نظام إقليمي جديد لم تتأكد ملامحه ولم يتم اختباره بعد, وتشكل الأزمة الحالية أول اختبار له، وستميط اللثام كثيرا عن كيفية تأثير الانتفاضات الأخيرة على اللاعبين الإقليميين الرئيسيين وعلى العلاقات فيما بينهم. تم تشكيل النظام القديم في الشرق الأوسط بناء على مصالح مشتركة ويعتمد بشكل كبير على الولاياتالمتحدة, فقد اهتم التحالف الأميركي فوق كل شيء بالاستقرار ، رغم وجود اختلافات في رؤية كل جهة لمفهوم الاستقرار، فبالنسبة لأميركا كان الاستقرار يحتاج إلى إصلاحات سياسية واقتصادية، أما بالنسبة لحلفائها فقد كان ما يهمهم كثيرا هو المحافظة على الأمر الواقع المهتز بشكل متزايد. كانت إسرائيل تشكل جزءا رئيسيا في هذا التحالف، وتعاونت بشكل واضح ومكشوف مع عدد من الدول الإقليمية, و كانت الرغبة المشتركة لدى كل من واشنطن وحلفائها العرب هي مقاومة وردع إيران ووكلائها ومحاربة المجموعات الإرهابية في المنطقة, ويضيف الكاتب أن النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط أضحى مختلفا, ولكن لم يتضح مدى وكيفية هذا الاختلاف، وهناك سؤالان على وجه الخصوص يلفهما الغموض, أولهما: كيف ينظر القادة الجدد في المنطقة خاصة الرئيس المصري محمد مرسي إلى مصالحهم القومية وكذلك المصالح الإسرائيلية، علاوة على أن عدم الاستقرار أو مشاعر التطرف في المنطقة من شأنها صد الاستثمارات والسياحة التي تعتبر حيوية لإعادة انتعاش الاقتصاد المصري؟ إضافة إلى أن الحسابات السياسية للرئيس مرسي وأيديولوجية الإخوان المسلمين التي يعتنقها تشكل عقبة تحول دون حتى التعاون التكتيكي مع إسرائيل, ولكن يبدو أن مرسي وحكومته حتى حينه ينتهجون سبيل الواقعية أو ما يعرف بالبراغماتية, وسوف تكشف الأزمة الأخيرة في غزة إن كان مرسي ومعه زعماء المنطقة الآخرين يمنحون الأولوية للحسابات الأيديولوجية على حساب المصالح. أما السؤال الثاني الذي يطرح نفسه فهو المنزلة التي تحتلها الولاياتالمتحدة في النظام الإقليمي الجديد، فالتردد والتقاعس الذي أبدته في مواجهة الاضطرابات الأخيرة في الشرق الأوسط وتوجه اهتمامها إلى آسيا، أعطى الانطباع بأن الولاياتالمتحدة ليست جاهزة للاستمرار في لعب دور الوسيط في المنطقة. ويضيف ميشيل سنغ أن هذا يناسب بعض زعماء المنطقة, فزعماء كل من مصر وإيران يختلفون حول العديد من الأمور, ولكنهما يتشاركان في الرغبة بانحسار الدور الأميركي في المنطقة, ولكنه يثير السؤال المزعج بالنسبة لحلفاء أميركا بشأن الاعتماد على أميركا للعمل بحزم من أجل الحفاظ على المصالح المشتركة. أدى هذا الغموض إلى تدهور ما عرف بنظام الأصل والفروع الذي استبدل به تشكيل نظام تحالفات إقليمية أصغر تعمل بشكل مستقل كما حصل عند تدخل مجلس التعاون الخليجي في البحرين, بينما هم يتنافسون فيما بينهم بشأن الزعامة, ولعل العامل الحاسم في تحول تركيا إلى الغرب أو الشرق هو البحث عن الزعامة الإقليمية والذي يعني النأي بنفسها عن تحالفها السابق مع إسرائيل. وفي حين اتضحت المعالم الأولى للتغيير في المنطقة فإنه ليس من المسلم به استمرارها، فسوف ترد الولاياتالمتحدة على الأزمة في غزة بما يقوي من مركزها وتحالفاتها في المنطقة, وأول ذلك هو التعبير عن دعمها القوي لإسرائيل, وستعمل الإدارة الأميركية من خلف الكواليس مع إسرائيل لتحديد الأهداف الرئيسية للعملية وإنجازها بصورة سريعة وحاسمة, وبمجرد توقف القتال فإن عليهما أن يطورا مقاربة واقعية ومشتركة تجاه غزة والصراع الفلسطيني الإسرائيلي. أما الأمر الثاني فهو أن على الولاياتالمتحدة ممارسة شيء من النقاش السياسي الواقعي مع مصر وتركيا والحلفاء الإقليميين الآخرين, فأي تحالف قوي يجب أن يبنى على المصالح المشتركة وعلى أميركا إدراك أن زعماء المنطقة الجدد لا يشاركونها مفهوم تلك المصالح المشتركة, وأن حلفاءها يتصرفون وفقا لتلك المصالح, وفي هذا السياق يجب النظر إلى مساعداتها العسكرية والاقتصادية على أنها ليست من باب الإحسان أو أنها تعويض عن خدمة المزيد من المصالح الأميركية, ولكن كوسيلة سياسية لمزيد من المصالح المشتركة. أما الأمر الثالث فهو أن على الولاياتالمتحدة أن تظهر قيادة حازمة وقوية خلال الأزمة لضمان أن تكون نتيجتها هي الدفع قدما بمصالحها ومصالح حلفائها, وكانت الخطوة الأولى لإدارة أوباما إيجابية, ولكن هناك المزيد من العمل عبر الأممالمتحدة لضمان استمرارية أي وقف لإطلاق النار وتعزيز الأمن الإقليمي وتشجيع حلفاء أميركا العرب للضغط على حماس لوقف التصعيد. أما على المدى الأبعد فيجب تحويل دعمهم إلى السلطة الفلسطينية ولضمان وضع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين في مواقع أقرب للسلام منها إلى الحرب.