أتفهم مطلب منظمة التجديد الطلابي إعلان البرنامج المرحلي منظمة إرهابية، ولا اعتراض لي على ذلك. لكن كيف كيف يمكن للدولة أن تقوم بحل شيء غير موجود حتى الجن الأسود ليس بمقدوره أن يقوم بذلك، فكيف بالدولة. أنا أيضا كنت ذات يوم طالبا في الجامعة، وقد دوخني القاعديون. كنت أريد أن أنتمي إليهم، لكنهم أفقدوني عقلي. كان في الجامعة مليون فصيل قاعدي، وكلما رسيت على واحد، تفاجأت ببيان يقول لي إنه ليس الأفضل. وإنه فعل كذا، سنة كذا. وكان يستقطبني قاعدي إلى فصيله، فأجده في الغد، التحق بآخر. وكنت تائها، لا أستقر على قرار. ناهيك عن المؤتمرات، وما حدث فيها، ومن خان ومن استسلم ومن تجذر. كان تاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغربة مثل متاهة، الداخل إليها مفقود، ولحد الساعة أستغرب كيف تمكن هؤلاء الطلبة من ضبط كل البيانات والمواقف وقراءة كل تلك الأوراق. كانت طويلة ومملة ومعقدة، وتحتاج إلى باحث مختص، بينما لم أكن قادرا على إتمام واحد منها. أتذكر الأسماء فقط ولم تكن لدي القدرة على التمييز أتذكر السيخ والكراس في الرباط أما في فاس ومراكش ووجدة، فحدث ولا حرج، كل ثلاثة لهم فصيل قاعدي، وإذا لم يظهر إسلامي، فقد كانوا يتشاجرون في ما بينهم. وكان بين الفينة والأخرى يظهر طلبة منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وكانوا جميلين ومهذبين ولا يطلبون منك السجائر، كما يفعل القاعديون. كانوا أبناء مدن، وبينهم بنات جميلات. على عكس القاعديين الذين كان معظمهم قادما من القرى، وقد وجدوا ضالتهم في ماركس، ليستولوا على المدن، بعد الثورة، التي سوف تخرج من مقصف الكلية. كان من العيب ألا تكون قاعديا لكنها كانت مهمة صعبة، وقد تمضي أربع سنوات في الجامعة، دون أن تستوعب كيف اخترت هذا الفصيل دون غيره. وكان من المستحيل أن تراجع دروسك وتأخذ على عاتقك مراجعة تاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في نفس الوقت. كنت منبهرا بهم، وأراقبهم يوميا وهم يهددون النظام القمعي والطبقي المخزني، ويشيرون بالأصبع إلى القوى الرجعية والإصلاحية والتحريفية، وفي غمرة انشغالهم بالصراعات التي بينهم، كانوا ينسون المخزن، ويحاربون بعضهم البعض. أعرف بعض القاعديين الذين لم يبرحوا الحي الجامعي قط. سكنوا فيه، ومرت سنوات كثيرة دون أن يغادروه. وقد رأيت بأم عيني من تزوج منهم في الحي الجامعي، وكان مطبخهم هو مطعم الحي، وغرفة نومهم هو ملعب الحي الجامعي لكرة القدم، وخاصة في الليل، ونادرا ما كانوا يخرجون لرؤية المغرب. ونادرا ما التقوا بالمخزن في الشارع كانوا يسمعون عنه فقط، ويحاربونه في الحلقيات. ولذلك لم يقضوا عليه. وأعرف بعضا منهم ظل طالبا إلى الأبد، وقد حصل على الإجازة، لكنه رفض أن يغادر الحي الجامعي، إلى أن تتحقق الثورة. ولذلك أندهش اليوم من مطلب منظمة التجديد الطلابي فلا أحد بمقدوره أن يحل فصيل البرنامج المرحلي فهو غير موجود وليس منظمة ولا يمكن حله ولا فكه ولا منعه إنه على يسار حزب النهج ويعتبر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان منظمة بورجوازية وحقوق الإنسان ترف صالونات وتحريفا وتنازلا عن العنف الثوري وقد سلطهم الله على حزب النهج الديمقراطي الذي يقلل من شأن كل أحزاب اليسار ويعتبره نفسه الحزب الوحيد الذي يمثل شعب اليسار الحقيقي فجاء البرنامج المرحلي لينتقم منهم ويحولهم هم أيضا إلى خونة وعملاء للمخزن وحتى لو استمعت الدولة إلى منظمة التجديد الطلابي وحتى لو اقتنعت فلا يمكنها أن تقوم بأي شيء فهم قاعديون بلا قاعدة وينام الواحد منهم وفي الصباح يجد نفسه في فصيل قاعدي آخر ولا بد أنهم سيدوخون الدولة والمخابرات والسي أي إي والكا جي بي ومنهم من ينهي مرحلة تعليمه الجامعي ويصبح موظفا في وزارة الداخلية وينجب الأولاد ويتحالف مع المخزن وهذا هو برنامجهم المرحلي ومن عجائبهم أنهم مليون فصيل وعددهم دائما قليل يختلفون ويتقاتلون ومن الصعب أن تعرف لماذا يفعلون ذلك ولا ننتبه إليهم ولا نسمع بوجودهم إلا إذا ارتكبوا جريمة وقتلوا طالبا. ولا أحد أظنه يعترض على حلهم واعتبارهم منظمة إرهابية لكنهم غير موجودين. لقد دوخوني وحالوا دون أن أكون يساريا راديكاليا إنها مهمة شاقة أن تختار فصيلا منهم وتنتمي إليه ومن تمكن من ذلك عن اقتناع فلا بد أنه قام بمعجزة ولذلك ولأسباب أخرى فضلت أن أصبح يمينيا بلا قاعدة ولا بيانات ولا فلاحين ولا عمال ولا صداع رأس ولا كازا سبور فالمارلبورو ورغم كل الشعارات تبقى هي الأفضل هي وكل شقيقاتها الامبرياليات الرأسماليات الشقراوات وإذا قتلتك فلن تفعل ذلك بسيف ولا ساطور بل بورم خبيث وبسرطان لا يمكنك أن تطالب الدولة بأن تعتبره تنظيما إرهابيا لأنك أنت الذي استدعيته وقدمت له جسدك لينخره ويميته بالتدريج وليس بشكل راديكالي وعنيف وثوري.