خطابات سياسية راديكالية، ومواجهات مفتوحة مع جميع الأطراف والتيارات، وتصعيد متواصل، وماركسية لينينية ترفض المراجعة في زمن ارتداد خطاب اليسار، وبرنامج مرحلي يقولون إنه يطرح الإجابات الضرورية للمرحلة ويسع كل التيارات. هذا هو فصيل النهج الديمقراطي القاعدي، التيار المثير للجدل والغموض داخل الجامعة المغربية. «لقد تعرضت للضرب المبرح أثناء وبعد الاعتقال، ونلت وابلا من السب والشتم وهددت بالاغتصاب» هذا مقتطف من تصريح لأحد الطلبة المقربين من حزب النهج الديمقراطي الذي اعتقل أثناء اقتحام رجال الأمن لكليات ظهر المهراز بفاس صباح يوم الاثنين الماضي. «لقد كانت مشاهد مؤلمة، وتجربة مريرة»، يحكي الطالب (ه. ك) وهو يتحدث عن اعتقاله من قبل رجال أمن بزي مدني وسط كلية الآداب واقتياده إلى «السطافيط»، وبعدها إلى مخفر الشرطة بولاية الأمن بفاس، قبل أن تخلي السلطات سبيله في وقت مبكر من صباح يوم الثلاثاء. (ه. ك) يقول إنه وقع على ثلاثة محاضر لم يطلع على ما دون فيها لأن أحد رجال الأمن نهره عندما طلب الاطلاع على ما دونوه في حقه، فيما أشرف على التحقيق معه 4 رجال أمن لا يعرف إلى أي جهاز ينتمون. أجهزة الديستي ويتحدث بعض نشطاء حقوق الإنسان عن أن أجهزة «الديستي» والاستعلامات العامة والشرطة القضائية تتناوب على أخذ أقوال المعتقلين. «لقد أرغمونا على ترديد النشيد الوطني، كما طلبوا منا أن نردد عبارة «عاش الملك»»، وانهالت علينا لأكثر من مرة هراواتهم في مخفر ولاية الأمن». يضيف هذا الطالب وركز المحققون مع المعتقلين على انتماءاتهم السياسية وأنشطتهم الجمعوية وطلب منهم الإدلاء بأسماء نشطاء قاعديين ينشطون في الجامعة. أما «رموز» القاعديين المعتقلين، فقد تم عزلهم في زنزانة خاصة بهم، وتم الاحتفاظ بحوالي 12 طالبا يتهمون بتزعم الاحتجاجات التي تعرفها الجامعة، وأخلي سبيل الباقين، مع متابعة بعضهم في حالة سراح. هذه رواية طالب يساري عادة ما يشارك ضمن الإحتجاجات التي يدعو إليها فصيل النهج الديمقراطي القاعدي، أكثر الفصائل اليسارية حضورا في الجامعة وأشدها راديكالية في مواقفه السياسية. من يكونوا؟ «النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي»، «المخططات الطبقية التصفوية»، «القوى الإصلاحية والبيروقراطيات النقابية»، إنها بعض من ملامح خطاب سياسي يصفه البعض بالرافض ويسميه البعض بالعدمي، يسوقه هذا الفصيل الطلابي في فاسومراكشووجدةومكناسوتازة والراشيدية، وغيرها من المواقع الجامعية. وثائق سرية ويقدم فصيل النهج الديمقراطي القاعدي نفسه، في وثائقه ومناشره السرية، على أنه امتداد سياسي للطلبة الجبهويين، وهم تيار طلابي ظهر في بداية 70 من القرن الماضي ووصل إلى قيادة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في مؤتمرها رقم 15. وكان هؤلاء الجبهويون يقدمون على أنهم امتداد لكل من حركة إلى الأمام ومنظمة 23 مارس، وهما تنظيمان ماركسيان لينينيان لم يعد لهما وجود. ويقول نشطاء هذا الفصيل إنهم اختاروا الظهور بهذا الإسم الجديد والإنفصال على رفاقهم الجبهويين بعدما لاحظوا وجود ما سموه ب»الإرتداد» في مواقف منظمة إلى الأمام السرية داخل السجون. وأدت المواقف السياسية الراديكالية التي تبناها المؤتمر ال15 الذي هيمن عليه هؤلاء إلى تدخل السلطات لفرض ما يعرف في الأدبيات الطلابية ب»الحظر القانوني» على نقابة الطلبة والتي تعرف اختصارا ب»أوطم». ودفع هذا الحظر بالطلبة الجبهويين إلى الدخول في العمل السري داخل الجامعة، وشكلت لجان ومجالس عرفت بالتنظيمات الطلابية القاعدية، وهي نفسها التي ستشكل فصيل القاعديين بعد رفع الحظر القانوني على هذه النقابة في سنة 1978. ووصل هذا الفصيل إلى قيادة المؤتمر ال17، وشكل الأغلبية إلى جانب طلبة حزب الطليعة، وهم الذين كانوا يعرفون آنذاك ب»رفاق الشهداء». وتبنى المؤتمر 17 نفس الخيارات الراديكالية التي تبناها المؤتمر 15. كما جدد التأكيد على نفس القناعات التي عبر عنها، في مرحلة سابقة، ما عرف بالطلبة الجبهويون. لكن المؤتمر 17 لم يكمل أشغاله بسبب انسحاب الإتحاديين وطلبة التقدم والإشتراكية، وذلك احتجاجا على وجود لائحة أخرى باسم الاتحاد الاشتراكي، هي نفسها لائحة طلبة الطليعة، الذي لا يزال في تلك المرحلة تيارا من تيارات الاتحاد. فشل الؤثمر ويقول القاعديون إن هذا المؤتمر فشل بسبب ضعف التجربة، وفرض ما يسمونه ب»الحصار» على أشغال المؤتمر بالرباط. فيما يرى البعض الآخر بأن الأمر يتعلق ب»إفشال» للمؤتمر. وبين «الفشل» و»الإفشال» معارك كلامية بين فصائل اليسار الجامعي تصل في بعض الأحيان إلى استعمال الأسلحة البيضاء لحسم النقاش. وفرض ما يعرف ب»الحظر العملي» على أوطم، وهو حظر، يقول هذا الفصيل إنه لا يزال مستمرا إلى حدود اليوم. ويقصد بهذا الحظر قيام السلطات بعسكرة الجامعة ومنع أي أنشطة لنقابة الطلبة واعتقال نشطائها في أي لحظة. وفي سنة 1984 ظهر إلى الوجود تيار يساري سمي ب»الكراس»، نسبة إلى وثيقة أعدها تحمل نفس الإسم، وتم تقديمها في الذكرى الأربعين لاستشهاد مصطفى بلهواري والدريدي ومولاي بوبكر. وتضمنت الوثيقة قراءة في تجربة الحركة الطلابية واقترحت العمل الوحدوي مع ما يصفه القاعديون بالقوى الإصلاحية. وأغلب رموز هذا التيار التحقوا فيما بعد بحزب النهج الديمقراطي. وفي سنة 1986، طرحت وثيقة «البرنامج المرحلي» من قبل فصيل النهج الديمقراطي القاعدي. وقدم هذا الفصيل وثيقته على أنها برنامج للحركة الطلابية. ويشير هذا الفصيل إلى أن البرنامج المرحلي يمكنه أن يستوعب كل التيارات والمكونات. فيما يقول رفاق آخرون إن مثل هذه الإشارات توحي بأن الفصيل له ميولات للهيمنة وفرض الأحادية منذ البداية. «تيارالممانعة» وفي بداية 90 من القرن الماضي، ظهرت وثيقة أخرى بفاس عرفت ب»الكلمة الممانعة»، ساهم في صياغتها نور الدين جرير، والذي أصبح الآن عضوا في اللجنة المركزية للحزب الإشتراكي الموحد. وجاء ظهور هذه الوثيقة بعد انهيار جدار برلين وموجة التراجعات التي سجلتها المنظومة اليسارية في العالم. ويقول طلبة البرنامج المرحلي إن هؤلاء «الممانعين» قد انساقوا مع ما يسمونه مع موجة الارتداد، معيبين عليهم استبعادهم لما يسمونه ب»الثورة» واختيار «النضال الديمقراطي»، وهي قناعات أدت إلى ميلاد ما يعرف بالديمقراطيين المستقلين خارج الجامعة والحركة من أجل الديمقراطية. وقد دخل أغلب نشطاء التيارين في تجربة الحزب الاشتراكي الموحد. وحاول «الممانعون» و»الكراس» أن يتحالفوا في سنة 1989 لطرح مبادرة لهيكلة نقابة الطلاب، بتحالف مع رفاقهم المتهمين بالإصلاحية، في إشارة إلى طلاب الأحزاب اليسارية المشاركة في «المسلسل الديمقراطي»، لكنها جوبهت بمواجهة عنيفة من قبل فصيل النهج الديمقراطي القاعدي، والذي اعتبر بأن المبادرة جر للحركة الطلابية إلى «المهادنة» مع السلطات. وفي بداية 90 من القرن الماضي، شهدت الجامعة المغربية بروز الإسلاميين. وفتح ميلاد فصيل طلبة العدل والإحسان بها مواجهات دموية بين أنصار الشيخ ياسين وتيارات اليسار الراديكالي. وشهدت فاس، في سنة 1991، مواجهات عنيفة بين الطرفين خلفت جرحى ومعتقلين. وفي سنة 1993، أدت المواجهات بين الفريقين إلى اغتيال الطالب اليساري محمد أيت لجيد بنعيس، في ظروف لا تزال غامضة، هذا في الوقت الذي أدان فيه القضاء عمر محب، أحد أعضاء طلبة العدل والإحسان آنذاك، بتهمة الاغتيال. وبعد حادث الاغتيال، تراجع «الكراس» و»الممانعون» عن تصعيد المواجهة مع الإسلاميين، وفضل رفاق البرنامج المرحلي مواصلة المعركة المفتوحة، مرددين شعار «الدم بالدم». وسنويا تسجل مواجهات بين الطرفين في مختلف المواقع الجامعية. صراع مع الجميع يبدو أن فصيل النهج الديمقراطي القاعدي لا يتصارع فقط مع الأإسلاميين، فهو في صراع مفتوح أيضا مع طلاب الحركة الثقافية الأمازيغية، وهي الحركة التي يتهمها بتسويق خطاب يصفه ب»الشوفيني» الذي «يحرف الصراع من صراع طبقي إلى صراع إثني». وقد أفضت هذه المواجهات في نهاية سنة 2007 إلى وفاة طالبين محسوبين على القاعديين بكل من مكناس والراشيدية في ظروف لا زالت غامضة، بالرغم من أن طلاب البرنامج المرحلي يتهمون بعض نشطاء الأمازيغية بالوقوف وراء الاعتداءات المفضية إلى الوفاة. ونجم عن هذه المعارك وقوع ما يربو عن 20 اعتقالا في صفوف نشطاء الأمازيغية لا يزال بعضهم رهن الاعتقال بكل من مكناس والراشيدية وورزازات. مضايقات واستفزازات ومن جهتها تشتكي عدة أطر جامعية من إهانات يقولون إنهم يتعرضون لها من قبل نشطاء القاعديين. وقد تطرق أكثر من بيان لنقابة أساتذة التعليم العالي لهذا الموضوع وندد بما أسماه ب«المضايقات والاستفزازات» التي يسببها لهم هؤلاء الطلاب. ونفس لغة التنديد استعملت في عدد من بيانات بعض نقابات الموظفين. وفي كل مرة يرد نشطاء القاعديين على هذه الاتهامات بالإشارة إلى أن هذه النقابات تتحرك بإيعاز من الإدارة. أما إدارات الجامعات، فإنها تلجأ، في أكثر من مرة، إلى وضع شكايات مكتوبة ضد نشطاء الفصيل لدى الجهات القضائية، ما يؤدي إلى صدور عدد من مذكرات البحث عن هؤلاء لا يعلمون عن أمرها أي شيء إلا بعد مرور سنوات عن مغادرتهم للجامعة. وتتهم أغلب المؤسسات الجامعية نشطاء هذا الفصيل تارة بإلحاق الأذى بتجهيزات الكليات، وتارة أخرى إصدار تهديدات واستفزازات في حق بعض مسؤولي الجامعة، وأحيانا ثني الطلبة عن متابعة الدروس أو الضغط عليهم لمقاطعة الامتحانات. مسيرات الليل والنهار فاس معقل القاعديين خلال الموسم الجامعي الحالي قام نشطاء البرنامج المرحلي بأكثر من «معركة». فقد طردوا رجال الأمن لأكثر من مرة وهم يبادرون باقتحام ساحتهم الجامعية. وخرجوا في مسيرات بالليل والنهار جابت أرجاء الأحياء الشعبية المجاورة. وألحقوا خسائر في سيارات للأمن وجرحوا ما يقرب من 20 من رجال «السيمي» في مواجهة أخرى. وكادت الأوضاع أن تنفلت بسبب خروجهم في تظاهرات إبان حملات التضامن مع غزة. وتمكنوا، في الآونة الأخيرة، من إنجاح مقاطعة كل الطلبة لامتحانات الدورة الأولى في كلية الحقوق ظهر المهراز، وقبلها في كلية العلوم. هذا بعد أن قاطعوا الدروس بها بسبب ما يسمونه ب»تماطل» المسؤولين في الاستجابة لملفاتهم المطلبية. لكن الأمن باغتهم بداية هذا الأسبوع، واعتقل أبرز نشطائهم، وذلك بعد أن رغبوا في الدعوة إلى مقاطعة مفتوحة للدروس بكلية الحقوق، في وقت قررت فيه إدارة هذه الكلية استئناف الدراسة واعتبار الدورة الأولى دورة «بيضاء» رسب خلالها حوالي 16 طالب قاطع أطوارها. هؤلاء هم أهم رموز القاعديين استشهد المعطي بوملي في وجدة في نونبر 1991. ويتهم فصيل النهج الديمقراطي القاعدي بعض إسلاميي العدل والإحسان بالوقوف وراء هذا الحادث. وقد صدر حكم يقضي بسجن هؤلاء الطلبة ال12، لمدة عشرين سنة سجنا نافذة. ولا زال هؤلاء وراء القضبان بسجن بوركايز بفاس. وينحدر بوملي من بلدة كرسيف بإقليم تازة. ويقول نشطاء هذا الفصيل إنه تعرض ل»اختطاف» وهو يتابع دروسه التطبيقية، شعبة فيزياء/كيمياء. واستشهد عبد الحق شباطة داخل سجن لعلو بالرباط، وذلك بعد إضراب عن الطعام لمدة 60 يوما، وذلك في 20 غشت من سنة 1988. ويقول هؤلاء اليساريون إنه اعتقل في ميناء الدارالبيضاء حيث كان يعمل. وتخلد طذكرى استشهاده كل سنة في منزل والدته بالدارالبيضاء. واستشهد كل من عادل أجراوي وزبيدة خليفة في 20 يناير 1988 في جامعة ظهر المهراز بفاس، بعد تدخل للجيش واستعمال الرصاص لفض مسيرة طلابية تضامنية مع الشعب الفلسطيني. وقد جاء تدخل الجيش بعد خطاب ألقاه الملك الراحل الحسن الثاني، منع فيه أي تظاهرات. واستشهد كل من مصطفى بلهواري والدريدي مولاي بوبكر في إضراب عن الطعام لمدة 56 يوما، وذلك بعد اعتقالهما في إطار مجموعة مراكش، في ما يعرف بانتفاضة 1984. وكان ضمن المجموعة ذاتها حسن أحراث، والذي لا يزال يشكل أحد رموز التوجه القاعدي خارج الجامعة، رفقة نور الدين جواهري، صحفي يعمل بأسبوعية «ماروك إيبدو». وغادر أفراد هذه المجموعة السجن في إطار ما يعرف بعفو 1991. ولم يقدموا أي طلبات للحصول على تعويضات هيئة الإنصاف والمصالحة. ويعتبر القاعديون سعيدة المنبهي رمز المرأة المغربية المناضلة، بحسب تعبيرهم. وكانت هذه الشهيدة أستاذة للغة الفرنسية. استشهدت في مستشفى ابن سينا والذي نقلت إليه بعد إضراب عن الطعام في السجن لمدة 40 يوما. وتنتمي المبنهي إلى ما يعرف بمجموعة 77. واستشهد التهاني أمين في سنة 1985، تحت التعذيب بعد اعتقاله على خلفية انتفاضة 1984. وكان مهندسا. ويحكي القاعديون على أنه تعرض للإختطاف هو زوجته، فيما ترك رضيع له طفلا في تلك الفترة لوحده في المنزل، ولولا تدخل الجيران لمات الرضيع من شدة الجوع. ويورد القاعديون بأن لائحة شهدائهم طويلة، ضمن أسمائها أيضا عبد اللطيف زروال وجبيهة رحال ومؤخرا بمراكش عبد الرزاق الاكادري وعبد الحفيظ بوعبيد ومنصف العزوزي بفاس.