«الكلاكلية» مفهوم قدحي جاء في سياق التجاذب والتقاطب داخل مكونات اليسار الراديكالي وفصيل الطلبة القاعديين على وجه الخصوص. كما أن هذا الاسم تم إنتاجه في خضم الصراع اللفظي بين مكونات هذا التيار الطلابي الذي احتل الجامعة المغربية لعقود خلت. بقيت علاقة القاعديين بمكونات اليسار الجديد دائما علاقة ملتبسة وغير واضحة، وظلت على الدوام تتناسل حولهم أسئلة عديدة من قبيل«من أين يأتون؟ ولماذا يختفون بعد التخرج من الجامعة؟» ظروف النشأة خرج القاعديون إلى الوجود مباشرة بعد الاعتقالات التي كانت منظمة «إلى الأمام» الماركسية عرضة لها سنة 1974. وبقي يتيم التجربة بعد أن وصل هذا التنظيم إلى قناعة أن الثورة في المغرب لا يمكن أن تتحقق على يد الطلاب، وإنما على يد العمال والفلاحين، مما حذا به إلى جعل القطاع الطلابي مجرد مرتبة ثانوية، وإلى التوجه للطبقات الأساسية التي يمكنها أن تقود النضال الثوري مع النظام القائم، لكن دون التفريط في القطاع الطلابي بحكم حيويته ونشاطه وتسيسه. وكان من نتائج إهمال منظمة «إلى الأمام» للقطاع الطلابي عدم وجود أي علاقة تنظيمية مباشرة، إذ اكتفت بالمقابل بإنشاء نواة صغيرة صلبة تشرف على القطاع من خارجه وتغذي الفصيل الطلابي إيديولوجيا بالأدبيات الفكرية دون التدخل في مساره الحركي أو تحديد طبيعة تحركه داخل الجامعة. ونتيجة لهذا الوضع الجديد، أصبحت العلاقة التي تربط التنظيم الطلابي بمنظمة «إلى الأمام» غير مركزية ولم تعد هناك سيطرة عليه وأصبح القاعديون يتخذون قراراتهم دون الرجوع إلى التنظيم ولم يعد لهم من ضابط أو من يفرمل تحركاتهم ومواقفهم، وبقي الإطار العام لفكر الحركة الماركسية هو المحدد الذي يرسم لأعضائها أفقهم وحتى معاركهم، وصاروا بفضل هذا التوجه خلال نهاية السبعينيات قوة جماهيرية كبيرة، ونشأ على إثر هذا نوع من الزعامات القليلة وظلوا متمركزين في كل من فاس ومراكش ووجدة ومدن الشمال عموما. إرث «إلى الأمام» بعد فشل المؤتمر 17 للاتحاد الوطني للطلبة المغرب الذين كانوا فيه القوة الكاسحة، دخلت المنظمة الطلابية في أزمة مفتوحة وزاد من حدتها القمع الذي سلط عليها من طرف النظام وتفعيل بنود الإصلاح الجامعي ودخول أجهزة الأواكس إلى الحرم الجامعي. واستمرت الأزمة إلى حدود 1984 حينما فتحت ما يسمى بالفصائل التاريخية، وهي الاتحاد الاشتراكي، وطلبة التقدم والاشتراكية، ورفاق الشهداء - الطليعة لاحقا- والطلبة التقدميون والقاعديون، نقاشا حول إعادة بعث الروح في الحركة الطلابية، وتقدم كل مكون من هذه الفصائل بتصوره حول إعادة الروح للجامعة وإنقاذ الحركة الطلابية من وضعيتها. وفي هذه الفترة وبما أن القاعديين كانوا تجسيدا عمليا لحركة «إلى الأمام» التي كان غالبية أعضائها داخل السجون، طرحت وثيقة سميت باسم «الكراس» ولم يفصح عن اسم مؤلفها الذي بقي اسمه طي الكتمان لدواعي أمنية. وسمي الطلبة القاعديون الذين تبنوا تلك الوثيقة بطلبة الكراس، وهو يتضمن نقطتين: خلق إجماع طلابي لمواجهة الإصلاح الجامعي وإعادة هيكلة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب من القاعدة إلى القمة على أن يتوج هذا العمل بعقد مؤتمر استثنائي في أقرب الآجال دون تحديد من يسود على الساحة الجامعية وفق أرضية توافقية بين الفصائل التاريخية. وقد خلقت هذه الوثيقة نقاشا حادا داخل مكون القاعديين وأججته الصراعات التي كان يعرفها تنظيم «إلى الأمام» داخل السجن المركزي بالقنيطرة، خاصة بين تيار السرفاتي وتيار عبد الرحمان نودا. تحكي مصادر عايشت هذه الفترة أن تيار المعتقل نودا كان مناهضا لنهج الكراس، وكانت له قناعة بأن إعادة هيكلة المنظمة الطلابية بالشكل والكيفية التي طرحتها «وثيقة الكراس» يعد طرحا يمينيا من الناحية السياسية، ولكن بدون أن يطرح بديلا عن تلك الوثيقة، وظل الصراع في هذه المرحلة يأخذ طابعا سياسيا محضا. والتوصيف الذي ظل يطلق هو يمين- يسار،إصلاحي- ثوري، ولم تكن له علاقة بما هو نقابي أو مصير الجامعة. كما أن تيار نودا لم يطرح أرضية مكتوبة تكون مرجعية للتيار الذي أسسه. وبقي الطرف المناهض للكراس يجادل بدون تقديم أرضية مكتوبة تعبر عنه. وتعمقت النقاشات والخلافات التي تحولت إلى تشرذم فيما بعد، وسيزيد من حدتها الاعتقالات التي ستتعرض لها منظمة إلى الأمام سنة 1985، والتي أثرت بشكل كبير على وضعية القاعديين ككل، بحيث لم يعد هناك من يراقب عملهم الطلابي داخل الجامعة. بروز «الكلاكلية»: في هذا الإطار سيتشكل أول تيار مناهض للكراس تم نعته من قبل منافسيه باسم تيار «السيخ» حيث نسبت زعامته لمحمد مجاهد، الأمين العام الحالي لحزب الاشتراكي الموحد، وكان ضمن هذا التنظيم أيضا محمد الجزولي من طلبة وجدة الذي سيتحول فيما بعد إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، ويشرف على لسان حالها الميثاق. وكان يدعم هذا التيار أيضا إلياس العماري الذي صار ناشطا حاليا بحزب الهمة. وكان هذا الفصيل يطلق على نفسه اسم القاعديين التقدميين. وخرج إلى النور سنة1989. وفي هذه المرحلة سيصدر رفاق السرفاتي وثيقة أطلقوا عليها وثيقة 1991 أخذها القاعديون كأساس مرجعي لتحركهم فيما بعد، وهي تمثل روح وثيقة الكراس، وتنسب هذه الوثيقة للقيادي الحالي بالنهج الديمقراطي عبد المومن الشباري. وفي نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات سيتعرض فصيل الطلبة القاعديين لحركة انشطارية سببها وثيقة الكراس التي اعتبروها طرحا يمينيا وطرحوا فيما بعد اسم البرنامج المرحلي الذي صار يعرف به هذا التيار وسط القاعديين وهو يقوم على نقطة محورية هي عرقلة ما يمكن عرقلته في الإصلاح الجامعي. وخلق جو التشاحن والتفكير داخل مكون القاعديين إلى نعت أصحاب طرح البرنامج المرحلي بالغوغاء و»الكلاكلية» الذي صار فيما بع اسما ملازما لهم. وظل «الكلاكلية» يقدمون أنفسهم باعتبارهم امتدادا لتنظيم إلى الأمام الثوري مما يفسر تصورهم وتياسرهم وبدون أن يعكسوا حجمهم الحقيقي وقوتهم وتأثيرهم داخل الجامعة وهو ما يفسره عدم وجود أي خيط رابط وناظم لهم . كان من نتائجه بروز وترسخ الروح الزعماتية وسطهم. لكن السؤال الذي بقي مؤرقا لعدد من يترصد ظاهرة «الكلاكلية» هو من أين يأتون إذا كانوا بهذا الصورة السوريالية. الجواب يأخذ منحاه عبر تمركزهم بمناطق معينة من المملكة، خاصة وجدةوفاس ومدن الشمال التي تعرف بطبيعتها الرافضة للسياسات الرسمية بسبب التهميش والإقصاء التي تعانيه تلك المناطق. كما أن «الكلاكلية» ليس لهم أي امتداد خارج أسوار الجامعة. فقبل التخرج تكون النواة الصلبة لاستقطاب هي طلبة الثانويات الذين على وشك الالتحاق بالجامعة على اعتبار أن العينة العمرية في تلك الفترة تكون متحمسة وقابلة لخطاب الرفض والتطرف. أما الملاحظة الأساسية التي تثار عن «الكلاكلية» عند الحديث عنهم فهي دوافع جنوحهم إلى العنف كممارسة ملازمة لهم الجواب عند العارفين بخباياهم يعود إلى قلة التكوين وعدم انتظامهم في أفق فكري من شانه أن يحد من تصرفاتهم المتطرفة. كما أنهم يكونون شديدي الحماس والاندفاع والتهور. على أن الشغل الشاغل لهؤلاء هو السيطرة على الجامعة ولا يهمهم ما إذا كانت مجرد مرحلة انتقالية في حياة الطالب والإنسان وأنها ليست مرحلة قارة. ما بعد التخرج السؤال الذي يثار حول «الكلاكلية» هو: أين يذهبون ويختفون بعد مرحلة الجامعة؟ بالنسبة للشق الاكبرمنهم، يلتحقون بتنظيم اليسار الراديكالي وخاصة حزب النهج الديمقراطي، وجزء منهم يبتعدون عن السياسية وينهمكون في الحياة العملية. ومنهم من يستثمر رصيده النضالي داخل الجامعة من اجل الحصول على وظائف داخل أجهزة الدولة، وخاصة في صفوف الأمن. نشطاء سياسيون من قدماء «الكلاكلية» > سمير أبو القاسم انخرط مؤخرا في حزب الأصالة والمعاصرة > محمد مجاهد الأمين العام الحالي للاشتراكي الموحد > محمد الجزولي الرئيس السابق لجريدة التجمع لسان حال التجمع الوطني للأحرار > محمد أوجار وزير سابق لحقوق الإنسان وقيادي بالتجمع الوطني للأحرار > حكيم بنشماس قيادي بحزب الأصالة والمعاصرة > عزيز بنعزوز انخرط مؤخرا بالأصالة والمعاصرة > إلياس العماري التحق هو الآخر بحزب الهمة