كان الجمهور المغربي ينتظر أن يحقق منتخبه الوطني لكرة القدم نتائج إيجابية و اللعب في الأدوار الطلائعية في الدورة الأخيرة لكأس أفريقيا للأمم. و مرد هذا الإنتظار لا يعود فقط إلى الصورة البراقة التي روجتها بعض وسائل الإعلام التي تفتقر للأسف إلى الحس النقدي في التعامل مع الجمهور و المسؤولين على حد سواء. و لكن يعود أيضا إلى التبجح الذي أظهره المدرب البلجيكي إيريك غيريتس، عندما وصف المنتخب بالعظمة و الأبهة un équipe de luxe )). فقد بدأت هذه الصورة تتشكل أمام أعين الجمهور، تحديدا بعد الإنتصار الذي حققه المنتخب الوطني على نظيره الجزائري بأربعة أهداف لصفر. و لكنه سرعان ما اكتشف الجمهور أن هذه الصورة البراقة خادعة. و أنها تخفي من ورائها الحقيقة المرة التي تفيد أن ليس لدينا منتخبا قويا يستطيع تحقيق الفرحة لجمهوره الذي طالما سانده و شجعه بقوة و حماس بالغين. فرغم أن المنتخب لم يحقق نتائج تستحق الثناء و التنويه بعد الإنتصار على الجزائر، إن لم نقل أنه حصد نتائج مخيبة للآمال خاصة هزيمته في عقر داره و تحت أنظار جمهوره، أمام منتخب أفريقي يعد من المنتخبات المتذيلة للترتب المنتخبات الأفريقية و هو المنتخب الغامبي في دورة كأس ( إل جي ). إلا أن وسائل الإعلام هذه لم تتوقف عن الترويج لهذه الصورة. و أعتقد أن الدافع وراء هذا الترويج هو أن الإنتصار على منتخب الجزائر يعد إنتصارا على منتخب قوي و بحصة عريضة 4 ل 0. غير مدركة أن المنتخب الجزائري لم يصل إلى هذه المقابلة، إلا بعد أن أصبح منهكا و متهالكا و قد إستنفد في كأس العالم و كأس أفريقيا الأخيرين ما لديه من قوة و جهد. و إذا كانت وسائل الإعلام تتحمل مسؤوليتها في الترويج لهذه الصورة الخادعة، فإن الفشل الذريع و الصادم للمنتخب، تتحمل مسؤوليته الجامعة التي تصرفت بعقلية قاصرة في عملية اختيار الناخب. و نقول أن الجامعة تصرفت بعقلية قاصرة، لأنها لم تنتبه إلى أن المدرب المحلي في الكؤوس الأفريقية يعطي أكثر بكثير مما يعطيه المدرب الأجنبي. (و الأمثلة هنا كثيرة لا يتسع المجال لذكرها) رغم أن المدرب الأجنبي يحضى بثقة أكبر و رعاية أعلى و مرتب أكبر مقارنة مع المدرب المحلي. و أن المدرب الأجنبي تعطى له الفرصة أكثر مما تعطى للمدرب المحلي. لم تنتبه الجامعة إلى أن البلد الأكثر تتويجا باللقب الأفريقي ( مصر بسبعة ألقاب ) حصل منها المدربون المصريون على خمسة ألقاب: حسن شحاتة ثلاثة. و محمود الجوهري واحد. و فهمي واحد.و أن الرتبة الثانية و هو المنتخب الغاني الحائز على أربعة ألقاب كلها بمدربين محليين ( جيامفي ) ثلاثة ألقاب، و آخر بلقب واحد. و لم تنتبه الجامعة إلى أن أحسن النتائج التي حققها المنتخب المغربي في الكؤوس الأفريقية مند عقود، كان تحت إشراف المدرب المغربي بادو الزاكي، الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الحصول على اللقب، لولا إصطدامه بالمنتخب المنظم ( تونس ) في المقابلة النهائية. لم تنتبه الجامعة و لم تدرك أن العامل النفسي الذي يلعب دورا كبيرا يفوق أحيانا العامل التقني و البدني في كرة القدم الأفريقية. يستطيع أن يوقضه و يحركه المدرب المحلي أكثر بكثير مما يستطيعه المدرب الأجنبي، لا لشيء إلا لأن المدرب المحلي بفعل الإنتماء الوطني، يمكن أن يتجاوب عاطفيا و وجدانيا مع اللاعب الأفريقي، و يستطيع أن يخلق لديه حالة نفسية عالية المعنويات. لم تنتبه الجامعة و لم تقم بجرد النتائج التي حصل عليها المنتخب الوطني بعد إقالة الزاكي، لتدرك أن كل المدربين الأجانب الذين عينتهم لم يحققوا ما حققه المدرب الزاكي الذي كان يدرب المنتخب، فقط لسد الفراغ. و لم يتم تعيينه إلا بعد أن طلب ذلك من الجامعة. و لا حتى المدرب فاخر الذي تم تعيينه قبل 25 يوما من انطلاق كأس أفريقيا. بعد أن تهرب منها الفرنسي تروسيي. و كأن الجامعة رمت بجمرة في يد فاخر ليتحملها بدافع وطني. كما يجب التذكير أنه بعد أن أهل فاخر المنتخب الوطني لكأس أفريقيا 2008 نزعت منه الجامعة المهمة، و أسندتها للمدرب الفرنسي هنري ميشيل الذي تسلمها على طبق من فضة و رمى بها في المزبلة بالخروج المبكر من دورة 2008. و جاء بعده مواطنه روجي لومير الذي لم يستطع حتى أن يؤهلنا لكأس أفريقيا. و لم تنتبه الجامعة إلى أن تأهلنا لكأس أفريقيا على يد إيريك غيرتس. حضي باحتفالية أكبر بكثير، مما حضي به تأهلنا على يد محمد فاخر. أ إلى هذا الحد نهين أبناءنا؟؟!! و لم تنتبه الجامعة إلى أن أقوى المنتخبات في شمال أفريقيا سواء على صعيد عدد الإنتصارات مقابل الهزائم، أو على صعيد المستوى الإحترافي للأندية التي يمارس فيها اللاعبون، هو المنتخب المغربي. بينما على صعيد النتائج في الكأس الأفريقية نتائجه متواضعة أمام الآخرين. و لم تنتبه الجامعة إلى أن عندها من المدربين المحليين الموهوبين و الطموحين ما يمكنهم أن يحلقوا عاليا في سماء الكأس الأفريقية. أذكر منهم جمال السلامي الذي أبان عن قدرات كبيرة سواء عندما كان يتصدر البطولة مع الدفاع الحسني الجديدي، أو عندما يتصدر الآن البطولة الوطنية بفريق الفتح الرباطي الذي لا يمتلك ما يمتلكه الفرق المغربية الكبيرة. و أذكر المدربين حسين عموتة و رشيد الطاوسي الفائزين بثنائية كأس الإتحاد الأفريقي و كأس العرش في نفس السنة. الأول مع الفتح الرباطي و الثاني مع المغرب الفاسي. إضافة إلى بادو الزاكي الغني عن كل تعريف أو تذكير. و الذي جاء تعيينه سنة 2002 فقط لملإ الفراغ بعد إقالة البرتغالي كويليو. و فتحي جمال الحاصل على الرتبة الرابعة عالميا في كأس العالم للشبان في هولندا. و أخيرا لم تنتبه الجامعة إلى أن أندية من المستوى العالي من الإحتراف لم تضع ثقتها في اللاعب المصري الحاصل على الألقاب السبعة. و وضعتها في اللاعب المغربي الذي لم يحصل سوى على لقب واحد. ( خرجة مع أنتر ميلان و أيس روما. و الشماخ مع الأرسنال. إضافة إلى النيبت الحاصل على البطولة الإسبانية مع لاكورونيا. و الحمداوي بطل هولندا مع ناديه ألكمار، وحامل لقب هداف البطولة الهولندية في نفس ألموسم... الخ) أعرف أن كرة القدم بقدر ما تحرك مشاعر الفرح في الملايين من الجماهير. بقدر ما تصدمها بقوة. و أعرف أن الجماهير المغربية الآن مصابة بنكسة عميقة و خيبة مدوية و وصل السكين العظم. و كل غضبها سيكون على الجامعة و هي محقة في ذلك. لأنها كانت تطالب بعودة الزاكي بعد النكسة التي سببها الفرنسي ميشيل. و كررت مطالبتها بعودته بعد السقوط المدوي الذي سببه الفرنسي الآخر لومير. و سبب هذه النكسة اليوم هو تحديدا الإصرار على عدم تعيين الزاكي. هذا الإصرار الأرعن الذي يتمتل في مخالفة المطلب الجماهيري، لا يمكن أن أصفه سوى بالديكتاتورية. كما أدرك أن اللاعبين المغاربة في حالة يرثى لها من الغضب و التيه: الغضب من السقوط المفاجئ و الغير المنتظر بتاتا. و التيه في البحث عن الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة التي لا يتحملون المسؤولية فيها. و أن من الإنصاف أن تقدم الجامعة اعتذارها لبادو الزاكي تم لمحمد فاخر ثم للمدربين المحليين الذين حققوا ألقابا ونتائج إيجابية و لم تعرهم إهتماما. لقد ارتكبت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم من الأخطاء ما يمكن أن يجعلها عرضة للإنتقادات التي قد تؤدي إلى إقالتها. أولا، قبلت إستقالة بادو الزاكي و هو في أوج عطائه دون أن تناقشه فيها. و هو المدرب الوحيد الذي أخرج الجمهور المغربي ليهلل بالأفراح العارمة. و جعله يحلق بعيدا بالأمل الكبير في منتخبه القوي. و لم يمن بأية خسارة في المقابلات الرسمية ما عدا المقابلة النهائية لكأس أفريقيا و ذلك أمام المنتخب المضيف للدورة، تونس. و حسب رواية بعض أعضاء الجامعة، فإن الزاكي قدم استقالته بعد شعوره بالإحباط و التذمر البالغين، على إثر الإنتقادات اللاذعة التي تعرض لها من طرف بعض وسائل الإعلام. بعد فقدان التأهل لكأس العالم. ثانيا، لم تحرك الجامعة ساكنا للدفاع عنه أو مساندته عندما استمرت هذه الإنتقادات تنهش لحمه. ثالثا قبلت استقالة الفرنسي فيليب تروسيي الذي خلف الزاكي، على بعد أقل من شهر على انطلاق كأس أفريقيا 2006 دون أن تحاسبه، رابعا نزعت مهمة التدريب من محمد فاخر بعد أن أهلنا إلى دورة 2008. و هو الذي تسلم مهمة التدريب على بعد أيام من إنطلاق منافسات 2006. ولأن الجامعة أوقعها تروسيي في حيرة من أمرها بعد أن أدخلها في سباق مع الزمن، لم تجد من ينقدها من المدربين الأجانب، فلجأت إلى المدرب المحلي، و هكذا تم تعيين محمد فاخر الذي قبل المهمة، لا لشيء إلا لدافع وطني. رغم إدراكه الصعوبة المرتقبة. و كان إقصاؤنا من الدور الأول متوقعا، و لم يجلب عليه أية انتقادات. خامسا، بعد أن حقق فاخر التأهل إلى 2008، عينت بدلا منه الفرنسي هنري ميشيل الذي تسلم التأهل على طبق من دهب، و رمى به في المزبلة، عندما أقصي المنتخب في الدور الأول.