هل صحيح أن بنكيران اختفى، أين هو، أين هو، قولوا لي، هل بلع فعلا لسانه ولم يعد يتكلم، يحكون وأنا لا أصدق، ويدعون أنه التزم الصمت، ولم يعد يفتح فمه، ولم يعد يظهر. أنا لا أتحمل المغرب بدونه، إنه ضروري ومهم، ومن باب الإخلاص والمروءة أن نسأل عنه، وأن نستفسر عن أسباب غيابه، لقد كان معنا طوال هذه المدة، وضحكنا كثيرا بسببه، وامتعضنا وشددنا رؤوسنا بجملة من جمله، وعشنا معه الحلو والمر، وأفترض أنه سيظهر اليوم أو غدا إلى جانب الرئيس الفرنسي، لا أريد أن أستبق الأحداث وأصدق كل ما يقول، فالغائب حجته معه، ولا بد أن بنكيران سيظهر قريبا، إذ لا يمكنه أن يظل مختفيا لوقت أطول، فنحن نحتاجه وإخوانه يحتاجونه والدولة أيضا تحتاجه.
من عادتي ألا أصدق كل ما يحكى ويكتب عن بنكيران، وأعتقد أن المشوشين هم الذين يروجون مثل هذه الأخبار، ولو تأكد لي بالفعل أنه فقد صوته واختفى، لبحثت عنه في كل مكان، ولفعلت المستحيل كي يتكلم، فلا قيمة لبنكيران دون لسانه، أما إذا كان اختفى فعلا، فإني سأخصص مكافأة لمن يعثر عليه، وسأعلق "وانتد" في كل مقر وفي كل مكان، إلى أن أعيده إلى المشور. قبل أيام حكت مجلة الآن عن غضبة ملكية على بنكيران، ورغم ذلك لم يرد ينكيران وظل مختفيا، حتى أفتاتي لم ينب عنه، وسكت هو الآخر، والذي عادة لا يتحمل الصمت ويتكلم قبل أن تحدثه. لا بد أن في الأمر سرا ما، إذ يمكن للإنسان أن يتخيل رئيس الحكومة وقد لجأ إلى الصمت، أما أفتاتي، لا، لا، هذا مستحيل، أفتاتي لا يصمت إلا إذا كان هناك أمر جلل.
لا أريد أن أصدق ولم أباشر بعد عملية البحث عن بنكيران، لكن المعطيات المتوفرة تجعلني أخاف وأشك، فالصحفيون يتصلون به ولا يرد، وفي آخر ظهور له قال إنه مستعد للموت في سبيل الله، وفي الأيام الأخيرة صار حلفاؤه في الأغلبية ينوبون عنه ويكذبونه، وكل يوم يخرج واحد منهم لإخافتنا وإخبارنا بأننا نقف على شفير الهاوية، وأن الاقتصاد صفر والسيولة نفدت وأن الأزمة وصلت إلى القاع، بينما لا أثر لبنكيران ولا إشارة منه تؤكد أنه مازال موجودا، وأنهم يكذبون ويتعمدون إفزاعنا، لقد خرج العنصر، وخرج نزار بركة، وخرج شباط، واحتلوا موقعك، وقالوا إن المغرب مهدد بالانهيار، بينما رئيس الحكومة غير موجود ومختف، ثم تكثر الأقاويل، ويروون أن بنكيران، وحتى إذا ظهر، فإنه لن يتكلم وسيلتزم الصمت إلى أن ينتهي المشكل وينقذ العارفون بأمر البلاد البلاد.
المغاربة في صفك يا بنكيران، امنحنا علامة وسنعثر عليك، ولا تحرمنا منك، لا تحرمنا من صوتك وكلامك الحلو، قل لنا أين أنت، هل اختطفوك، تكلم، تكلم، هل تسمعنا، اظهر وكذب وزير الداخلية ونزار بركة، لا أحد غيرك يقدر على الرد عليهم، يا صاحب أطول لسان، اظهر، لقد طال فعلا غيابك وصمتك، وبدأنا نشك، اظهر وكذب المشوشين، وقل لنا إننا نعيش في بحبوحة، لقد اشتقنا إليك، بعد أن اختفيت من البرلمان والتلفزيون والشارع وقافلة المصباح، وبعد أن ظهر وزراؤك وصاروا يهددوننا بالسقوط المدوي، مستغلين غيابك، دون أن تسمح لهم بذلك ودون أن تعطيهم الإذن، اظهر وإلا نزلنا إلى الشارع مع بوانو للبحث عنك، ولن نعود ولن نستسلم ولن نركع إلا بعد أن نراك منشرحا وتضحك وقد أعادوا إليك لسانك، الذي يسعون بكل الطرق إلى حرماننا منه.