يتحرك تحت جنح الظلام، يلبس جلبابا نسائيا ويخفي تقاسيم وجهه الصارمة بلثام، يتصيد النساء والبنات العابرات في الطرق الخالية، يستدرجهن عبر طلب المساعدة، أو تحت التهديد إلى مكان حيث يجهز عليهن دون شفقة أو رحمة ... بل يقتطع جزء من أكبادهن إرضاء لنفسه المريضة. صباح أمس السبت، قيل أنه عثر على جثة امرأة مقتولة في حي السواني بعدما تعرضت للتعذيب، قيل أن وجهها البض كان يحمل علامات الهلع وعيناها تنظران في الفراغ .. كانت عيناها تعكس صورة الخوف المجسد الذي انتزع منها بعض أحشائها تحت جنح الظلام ... لكن مر اليوم، دون أن تخرج أية جنازة من الحي، أو تتلقى مصالح الأمن بلاغا حول وقوع جريمة ما... مر اليوم .. واستمر السفاح ينتقي ضحاياه من النساء اللواتي يؤمن بالوهم قبل الحقيقة. في صباح أحد أيام الأسبوع، كانت طالبة تنتظر قدوم سيارة الأجرة للذهاب إلى مدرستها، وقف سائق في الجهة المقابلة، وكانت في المقعد الخلفي تجلس امرأة ملثمة، جلست إلى جوارها، لكن المرأة بدأت تقترب من الفتاة، وتحاول الإمساك بيدها عنوة، فطنت الطالبة لهذا التصرف الغريب، أوقفت سيارة الأجرة فورا، وفرت بجلدها سالمة إلى المدرسة، حال عودتها إلى المنزل، حكت لولدتها هذه الحادثة ... فأجابت الأم بقلبها الحنون "حفظك الله أ بنيتي، ما يكون غير السفاح" ... فانخرطت البنت في نوبة بكاء حامدة الله على العمر الجديد. وتتوالى الإشاعات، بداية الأسبوع الجاري، خرجت نساء عاريات من حمام شعبي بحي بني مكادة بعدما دخل عليهن رجل متنكر بلباس امرأة ملثمة متشحة بالسواد، حاول السفاح الإجهاز عليهن داخل الحمام، لكن النساء تمكن من الهرب ... والجاني، وهم اختفى مع بخار الماء الساخن المتصاعد في الأجواء ... تسري إشاعة سفاح طنجة كالنار في الهشيم، لا سلطة العقل تكبحها ولا تكذيبات الأمنيين توقف من زحفها على ذوي الخيال الواسع والعقول الضعيفة ... منذ أن بدأت أخبار السفاح تكتسح الآذان، سقطت لحد الساعة ثلاث نساء فريسة لهذا الوحش القادم من المجهول، لكنهن ضحايا دون أن يخلفن وراءهن جثثا أو عائلات تبكي فراقهن ... إنهن ضحايا هذه الإشاعة التي تعشش في المخيال الشعبي. تقول أسطورة سفاح طنجة، التي جاء إليها قادما من أصيلة بعد أن خلف وراءه عشرات الضحايا من النساء، أنه تعرض لصدمة نفسية عميقة حين كان يشتغل خبازا بأحد الأفران بمدينة العرائش، أو مكناس في رواية أخرى، فذات مساء، جاءت امرأة ملثمة حاملة معها طنجرة نيئة تريد أن تطهوها للعشاء، طلبت من الخباز طهوها دون أن يرى ما فيها، بعد نضج الوجبة طال انتظار الخباز وجاء موعد إقفال الفرن دون أن تظهر المرأة، فقرر الطاهي فتح الطنجرة وتذوق بعضا منها ليصعق بوجود رضيع بداخلها. هكذا تكونت للرجل عقدة نفسية تجاه النساء الملثمات وأقسم أن ينتقم من هؤلاء النساء اللواتي لا يعرفن كيف يحافظن على شرفهن، هو انتقام لهذا الطفل الذي راح ضحية أمه الباغية... هذه هي الإشاعة التي تسري من فم إلى أذن منذ حوالي أسبوع بمدينة طنجة، وفي اتصال ل "كود" مع مصدر أمني أكد أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد إشاعة لا أساس بها من الصحة، لكنها تجد قبولا لدى الناس لأنها تستجيب لصورة المجرم المثالي في الخيال المغربي، وأيضا لتزامنها مع جريمة مقهى الحافة التي لا يوجد تفسير منطقي لوقوعها لحد الساعة