لست ناقدا أدبيا، بمعنى أنني لا أمتلك الأدوات المعرفية الأكاديمية التي تمكنني من تفكيك النص، وتمحيصه و إعادة بناءه بشكل تقني، عبر دراسة شخوصه وشكل تطورها في مراحل الحكي المختلفة وإبداء الرأي حوله/وحولها ....من هذا المنظور ستكون مقاربتي لنص على الجدار،للمبدعة الجميلة حليمة زين العابدين متكئة على معايير ذاتية، صغتها من خلال قراءاتي المتعددة، والتي تمكنني من إصدار انطباع،هو ذاتي أساسا، على عمل أدبي بشكل أو بآخر.. أولى هذان المعياران هو انشدادي للنص، بشكل بسيط اعتبر أن النص الذي يُحكم قبضته على مجمل وقتي، يخرب مواعيدي المهنية والاجتماعية، يحول وجبة الفطور التي كانت على السابعة صباحا للحادية عشر، ويلغي وجبة الغذاء ويعوضها بما تيسر من الأكل في الخامسة مساء ، وينسيني مواعيدي الطبية والغرامية وحتى الفايسبوكية...هو بالضرورة نص جيد وممتاز....هذا المعيار لم يكن حاضرا في قراءتي لنص على الجدار، لسبب بسيط وهو أنني كنت مطالب بتقديم انطباع حوله، هي تجربة فريدة وأولى في علاقتي بالكتابة....
شدني النص بقوة، وقرأته 3 مرات متتالية، لكنه يصعب علي الفصل في وجداني هل هو النص أم فرحة تقديم قراءة في متن إبداع كاتبة من حجم حليمة زين العابدين ما شدني إليه...لذا استبعد هذا المعيار من تقييم هذا العمل..
ثاني المعيارين، المرتبط أساسا بلدغة الكتابة التي أعطبتني بها الحياة، والذي لا يمكن فصله عن تجربتي الأولى والوحيدة لحدود الساعة، أي كناش الوجوه، هو تلك الغيرة الجميلة التي تجتاحك اتجاه كاتب النص، وأنت تعض على شفتيك في إحساس برعشة الحب وارتخاءه، في صرخة الدهشة وقليل من الغضب ضد نفسك الكسولة، وأنت تعوي فيها: تبا هذا ما كنت أريد كتابته، حين ألمَّ بي وجع الحرف...
حين أنهيت قراءة "على الجدار"، قلبت غلافه كي أتأكد إن كنت أقرأ المبدعة حليمة زين العابدين أم أقرأني...كنت مزهوا وأنا أخال نفسي كاتب على الجدار، بمعنى آخر كانت الأستاذة حليمة كاتبة كناش الوجوه الأنثوي... كان الأمر سيكون رائعا لو كانت الكاتبة على لائحتي في الفايسبوك، وكانتِ المرأة التي أوقدت في دروب دمي كل ما نفتته من حمم في كناشي....كم كان الأمر سيكون أروع لو كنت أنا رجل البحر الذي دلف لغرفة نوم الساردة قادما من تلاطم الموج، يخبئ انكسار حبه الناتج عن سرقة البحر لحبيبته...لعلنا في تفاعل الكتابة كنا سننتج شيئا من قبيل: على جدار كناش الوجوه.. لربما للصدف محاسنها، وارتأت أن نكون بإصدارين يتقاطعان في الكثير من ملامحهما، ليدشنا أدبا جديدا يمتح من شكل آخر للواقع، ليس بالضرورة افتراضيا، الفايسبوك والكثير من المواقع الاجتماعية ليست افتراضية...في حياتي الشخصية علاقات ومعاملات ومخاصمات واقعية نشأت وترعرعت في الفايسبوك.... يستهل النص ذاته بالتنكر لهوية الساردة، شكل من نزع الهوية الحقيقية المكبلة من اجل ارتداء الهوية الخاطئة، بهدف التحرر من قيود تحيط بها واقعيا والتمكن من الإبحار والتجول وهي تضع جيماتها وتعاليقها على ما يكتبه الآخرون،نفيسة يخلف تتحول لإماجين، لكنها لا تصمد كثيرا في لعبة التخفي، سواء اتجاه "ساد" أو اتجاه القارئ، لأن ايماجين تختفي في الفصل الأول الممتد من الصفحة 9 إلى الصفحة 14 ، ليعود السارد، تارة بضمير الغائب وهو يحكي عن نفيسة بنيخلف وتارة بضمير المتكلم حين تحكي نفيسة واستثناءا حين حكت صديقتها سعاد قصة الحب الممزوج بالخوف لحظة تعرضها لابتزاز عشيق اصطادها من غرف الدردشة... ليس في النص حكاية، في النص حكايات كثيرة، فرح قليل وخيبات كثيرة، خيبة البطلة بالحب: أحبت والدتها فماتت وتركتها وحيدة، أحبت ابنها سعد، مات في بداية يفاعته وتركها ثكلى الفؤاد، أحبت الله، وغامرت بالاستحمام بالماء البارد تطهيرا لجسدها من نجاسة الحيض، فأصابتها حمى السحايا كادت تفتك بها، أحبت البحر وعند أول عناقها له كادت أن تغرق وتموت، أحبت زوجها ، لكن الشمعة البنفسجية لم تعد مشتعلة ولم تصمد البطلة كثيرا وهي تحاول الحفاظ على لهبها المتقد، أحبت رجل البحر، فانكسر لحظة كان صهيل الرغبة على أشده في حنجرة الفرس، لم ينكسر عنة وعجزا، بل انكسر لأن امرأة أخرى احتل طيفها غرفة النوم وأصاب البطلة بالخيبة والتشرد... خيبة البطلة بالثورات، توجسها من تحول ريح الديمقراطية لسحاب أفغاني، وتيهها السياسي، ينعكس في تناقض يعتمل في وعي الكثير من المثقفين المغاربة، نشجع التغيير خارج الوطن، ولا نطالب سوى بمحاربة الفساد داخليا، نطلب رحيل زعماء خالدين في بلدان أخرى، ونطلب ثورة بالملك ومع الملك هنا، تضع يدها على أصل الداء وهي تشرح ما آل اليه مدير مؤسستها، الآتي من اليسار الراديكالي و الذي تحول لديكتاتور، بفعل حاشيته التي حولته لمستبد، وتطالب برحيله، لكنها وهي تشرح الوضع السياسي ، تنتبه للتغير الذي طرأ على الأحوال في البلاد منذ بداية العهد الجديد، لكنها توعز أسباب هذا التحول للحاشية فقط ولا تعتبر أن الملك تحول كما تحول مدير مؤسستها...في النص صرخة العقل التي تنادي بمغرب تحت ملكية ديمقراطية برلمانية، حجر ركنها ملك كما عرفناه في بداية العهد جديد "تشع من عينيه نظرة حزن كلما انحنى على شيخ أو رضيع" من النص....
في النص صرخة العقل من أجل الحريات الفردية، من أجل معتقد لا يحجر عليه سيف، من أجل علاقات لا يصادرها فقهاء و لا بوليس... لا يمكن في هذه العجالة مقاربة على الجدار برمته، هو بوح بين عالم التواصل الاجتماعي، بثوراته وحبه وخيباته، وبين المعيش اليومي، بسياسته و حبه كذلك وانكساراته... حين طلبت مني الصديقة البوحسيني لطيفة تقديم انطباع حول النص، بحث عن اسم حليمة زين العابدين في لائحتي الفايسبوكية، لم أجدها، قررت أن لا أطلب صداقتك كي لا يغويني جدارك الفايسبوكي ويؤثر على انطباعي، كنت أريد طلب صداقة افتراضية في فضاء واقعي، هنا، إلا أنني فوجئت بسبقك، كدائما، وتوصلت بطلب صداقتك التي لم أتوان في عض شفة الندم حيال تباطئي في الإقدام عليها أولا... نحن أصدقاء هنا، وأصدقاء هناك، نفترش حصير المرح، لننسج قصص الحب والسياسة ...لنبني وطنا يسع لكل أحلامنا... شكرا لهذا البذخ الذي أهديتيه إيانا...شكرا للفايسبوك الذي أهدانا إياك.