رفعت الأقلام وجفت الصحف، ومن لم يقرأ بعد الحوار الذي أجرته يومية المساء مع زميل لنا يدعى عبد النبي الشراط، فليسرع إلى أقرب كشك، ويشتري الجريدة، ولن يندم، ليتعرف على صحفي يفتخر بأدواره التي كان يؤديها، ويتحدث عن فلسفته وعبقريته، في الوقوف خلف كل ما وصل إليه حميد شباط، ويحكي لنا فيه عن حب شباط للنبيذ وعن الصراع السياسي حول النساء وعدد المرات التي سكر فيها الاثنان، وعن زوجة شباط المتهمة بنبش القبور لاستخراج أيادي الموتى لاستعمالها في السحر. هذا في نظري هو حوار القرن في الصحافة المغربية، وعنوان مرحلة، ومن خلاله نتعرف على الحال التي وصلت إليها السياسة في المغرب، وأي زعيم هو حميد شباط، ومع من يشتغل من الصحفيين والمساعدين. لا شيء يمكننا أن نكتبه بعد هذا الحوار، ويجب على كل الصحف أن تتوقف عن الصدور، وعلى الأحزاب أن تغلق مقراتها وتسرح مناضليها، فماذا بمقدورنا أن نضيف وندبج، بعد تصريحات الزميل عبد النبي الشراط، الذي قرر فضح نفسه وفضح زعيم حزب الاستقلال. كان زميلنا يؤلف الكتب لشباط لوجه الله ولم يكن يتقاضى درهما واحدا عن مجهوداته وعن نظريته الفلسفية العميقة، وكان خارقا للعادة يكتب الكتاب الواحد في ظرف أسبوعين أو أقل، وقد ضحى من أجل أن يصنع لنا شباط الذي نراه أمامنا اليوم كائنا سياسيا غريبا، ورمزا لمرحلة سياسية أغرب، بعد أن علمه السحر وملكة الكلام واختراع الأحاديث وتصوير الخصوم وهم يحتسون الخمر. زميلنا هذا، حسب تعريف المساء له، هو مدير المركز المغربي للتطوير والتدريب، وصاحب"دار الوطن" للصحافة والطباعة والنشر، وبما أنه استطاع أن يصنع شباط، فعلينا أن نهتم بمركزه، الذي قد يطور ويدرب كائنات سياسية خطيرة، يستفيد منها المغرب ومن تكوينها في المستقبل، وعلى الدولة أن تخصص له دعما، وتستغل طاقاته ومواهبه. لكن، لا عليك يا شباط، فزميلي هذا يظن أنه قد فضحك وعراك وكشف أسرارك، وصورك سكيرا معربدا تركض خلف النساء، ونسي أنه ليس الوحيد في هذا البلد، وأنا أيضا صحفي، ويمكنني أن أتفه كل ما قال عنك في ما يتعلق بالروج، ولن نعدم إذا تعاونا الحجج على أن النبيذ ليس حراما في الإسلام، وما علينا إلا أن نجلس إلى الطاولة ونتفاوض ونأتي بالمراجع، فكما عثرت على حديث فاس، سنجمع معا كيسا من الروايات التي تتحدث عن النبيذ في الإسلام. وأنصحك ألا تحاول تكذيبه، ولا تنفي عنك تهمة شرب النبيذ، ولا تستمع للبقالي أو الكيحل ولا أي صحفي في جريدة العلم، لأنهم لن ينفعوك، فنحن نتوفر على نصوص كثيرة تدعمنا في استراتيجية الدفاع عن النفس، ففي سنن أبي داود مثلا، عن عبد الله بن مسعود أن النبي(ص) قال له ليلة: ما في أدواتك، فرد عليه: نبيذ، فقال له النبي:"تمرة طيبة وماء طهور". وعندي في مكتبتي في البيت كتاب لعلي المقري عن الخمر والنبيذ في الإسلام، وفيه نصوص كثيرة يمكنك أن تستعين بها في الهجوم على عبد النبي الشراط هذا، الذي ظن أنه أصابك في مقتل. ومن أجل الاستئناس فقط، وقبل أن نجلس ونتفاوض ونحدد الأتعاب، أذكر لك بعض ماجاء في ذلك الكتاب، ففي حديث رواه أبو هريرة يقول النبي"إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم، فأطعمه، فليأكل من طعامه ولا يسأله، فإن سقاه شرابا، فليشربها من شرابه ولا يسأله، وإن خشي منه، فليكسره بالماء". ولترد على ذلك الصحفي، الذي كتب عنك" ورفعنا لك ذكرك" في جريدتك ووضعك في مقام الرسول الكريم، ولتفحمه وتتفهه، ولتنور الرأي العام المغربي الذي يقدرك ويحترمك، سأجري معك حوارا تقول فيه أنك كنت حريصا على تخفيف النبيذ بالماء، أو بأولماس، ففي نفس الكتاب والعهدة على مؤلفه، عن عبد الله بن مسعود أن النبي شرب في آخر حجة إلى مكة من سقاية العباس، فوجده شديدا فقطب بين عينيه ودعا بدلو من ماء زمزم فصب عليه، وقال: إذا كان هكذا فاكسروه هو بالماء. وعن ابن مسعود قال: شهدنا التحريم وشهدتم، وشهدنا التحليل وغبتم. ويذكر علي المقري أن أبا حنيفة كان يرى أن شرب النبيذ من السنة، لذا يبيح شرب الأنبذة دون تقييد للمقلدين، ويجوز عنده التوضؤ بالنبيذ عند غياب الماء لأن النبيذ طاهر. ومن النوادر التي واجهها أبو حنيفة بسبب تحليله للنبيذ أن أحدهم قال له: أيحل النبيذ وبيعه وشراؤه؟ قال: نعم. قال: أفيسرك أنك أمك نباذة؟ فقال أبو حنيفة: أيحل الغناء وسماعه؟ قال: نعم. أفيسرك أن أمك مغنية. وفي نفس الكتاب أن رجلا بالكوفة وضع على باب المسجد نبيذا بين يديه، ونادى: من يشتري رطلا بدرهم بتحليل أبي حنيفة؟ فقال له أبو حنيفة: يا رجل إنك فعلت قبيحا، فقال: ألست حللته؟ قال: صدقت، ومن الحلال أن تجامع امرأتك، ولو استحضرتها الجامع وجامعتها لاستقبح ذلك. وهذا يبرئك من تهم صديقك السابق عبد النبي الشراط، لأنه وحسب ادعائه، كنت محبا للنبيذ، وتشربه بعيدا عن أعين الفضوليين، ولذلك لا حرج عليك بدليل النص، ما دمت لم تكرع كؤوسه في اجتماعات الحزب، أو أمام الشغالين في النقابة. أما إذا استغل أفتاتي أو بنكيران أو أي خصم لك حوار القرن هذا للنيل منك، وذكروك بأنك اتهمت وزيرا في الحكومة بالسكر العلني في البرلمان، وأنك وصفت نصف الحكومة بالسكايرية، وواجهوك وقالوا لك لا تنهى عن خلق وتأتي مثله، عار عليك إذا فعلت عظيما، فيمكنك والحالة هذه أن ترد عليهم بالقول إنهم يشربون الويسكي، وهناك فرق بين النبيذ والويسكي، لا يخفى أمره على أي شريب مجرب، لأن الويسكي يصيب في مقتل، وحتى لو كسر يبقى خطيرا، أما الجلسات الرائقة والطعام الشهي واللذيذ والنديم الحلو المعشر والكلام، فلا تستقيم إلا بالروج، كما أن لا سند في الكتب ولا يوجد حديث عن الويسكي، وهذا يعني أنه ممنوع وحرام ويؤدي بصاحبه إلى التهلكة. أنا في الخدمة يا شباط، يكفي أن تتصل بي ونجلس، فلكل مرحلة رجالاتها، وأنا هو الشخص الذي ستحتاجه بعد أن تنتهي من قراءة حوار المساء العجيب، وإذا غدر بك ذلك الصحفي وخان الثقة التي وضعتها فيه، فهذا لا يعني أننا جميعا نتشابه، وسأسلك مثل الشعرة من العجين، وستظل زعيما ورعا خلوقا، شاء من شاء وأبى من أبى، ولن يتمكن أحد من النيل منك ومن تاريخك ومجدك الذي صنعته بعصامية ونضال ومثابرة وصبر على اجتياز المحن، ويا جبل ما تهزك ريح، فما بالك بقنينة روج.