أحمد رجل تجاوز الأربعين سنة، أمضى نصف هذا العمر في مزاولة عدة حرف وخاض عدة تجارب،لم تمكنه التجارب التي خاضها والحرف التي اشتغل بها من سد حاجاته الضرورية، وأعياه البحت عن البديل ولم تسمح له مستجدات الحياة بالسير على مهل، ولا حتى بالجلوس لأخذ نفس، وفي أحد الأيام بعد أن استغنى عنه المستخدم، وأصبح بدون شغل، وبينما صراخ زوجته يدوي في البيت وهي تلومه على ترك العمل خرج ليتنفس الصعداء فجلس بباب بيته يفكر ما العمل، ماهي إلا لحظات حتى مرت به زوبعة من الناس شباب وكهول أطفال ونساء في حماس ملتهب تهتف بأعلى الأصوات منادية بشعارات رنانة ذات قوافي موزونة وأسماء بأحسن الشيم مقرونة، توزع المنشورات يمينا وشمالا، والفوضى تعم كل ممر يمرون منه، لم يتحول بصر أحمد على هذه الجمهرة المارة من أمام بيته البسيط، وبينما هو مركز بصره، مدت إليه يد تحمل منشورات بالمئات حول بصره إلى هذه اليد وأخذ المنشورات واستغرب ماذا يفعل بها. وبعد هنيهة وبعد أن قرأ النشرة وخطر له ماخطر وبدا له الأمل يلوح في الأفق متجليا والمستقبل زاهيا التحق بالمجموعة وأخذ يهتف بما يهتفون ويوزع ما يوزعون ويتصرف بما يتصرفون، وبعد أن جاب معهم عدة دروب و دواوير عاد إلى بيته وقلبه مفعم بالحماس وعقله مقتنع بطول الأمل وجيبه مملوء بالدراهم ليس هذا فحسب بل أحضر معه أكلا مما أكل لبيته، وهمه الوحيد توزيع أكبر عدد من المنشورات. وفي اليوم الثاني والثالث و......استمر بعمله إلى أن مكنته طلاقة تعبيره وفصل خطابه وصحة جبهته واختلاطه بالناس، من صنع جمهرة خاصة به تهتف بما يقرره وتنشر ما يسطره وتأخذ من الأجر ما يقدمه، فاختار لها أحمد إسم أضافه إلى قائمة الأسماء الطويلة، ومقر وسط زحمت المقرات الكثيرة، وأخيرا استقر أحمد وطابت عيشته فقد احترف حرفة أكثر ربحا وأقل جهدا ..وأصبح راض بالوضع الجديد بعد أن كان دائم العبس، عديم البشر، وكيف لا يرضى آي شغل هذا الذي كان أحمد سيوفر من خلاله سيارات متعددة، وسكن على أحدت طراز ورصيد في ابناك سويسرا، وحصانة ضد كل خطر يقبل أو يقبل هو عليه و....... فقد اشتغل شغلا بعد كان لا شغل له.