-مقدمة: حظي موضوع الأسلوبية،قديما وحديثا،باهتمام واسع من لدن النقاد العرب والغربيين1.بيد أن تطور الحقل اللساني أدى إلى تعميق مسألة الوعي بمسألة الأسلوبية،حيث حاول علماء اللغة المحدثون دراسة الانتاجات النصية(أدبية كانت أو لغوية)،لذاتها بعيدا عن مؤثرات المحيط الخارجي(نفسية كانت أو اجتماعية أو تاريخية...).وبمقتضى ذلك،انصبت اهتماماتهم على النص بغية اكتشاف أسراره الداخلية،واستنطاق صمت المعنى الكامن فيه من خلال توظيف المنهج اللساني،مما اكسب دراسة هذه الانتاجات كثيرا من "العمق"و"الدقة" والموضوعية"،في الطرح والنظر والتحليل المنهجي.وبهذا المعنى،فان محاولة فهم أساليب الأدباء،وطريقة تناولهم للقضايا الأدبية،قد أدى إلى اصطدام المنهج اللساني بعقبات اجرئية في مرحلته التطبيقية:من قبيل اختلاف وجهات نظر النقاد العرب المعاصرين على مستوى المسلك المنهجي لدراسة النص الأدبي،فبينما أكد فريق على أهمية استلهام روح قواعد النقد العربي القديم لتحقيق"الموضوعية"،ألح الفريق على حيوية توظيف المنهج اللساني توظيفا شموليا في دراسة النص،فيما رأى الفريق الثالث أن لا سبيل لإدراك"الموضوعية"إلا بتمثل أسئلة التراث والحداثة،والجمع بين الآليات البلاغية والأسس اللسانية لاستجلاء البنيات الأدبية التي تميز النص الأدبي،إذ"...ما التراث إلا موجود لغوي قائم الذات باعتباره نصا،وإعادة قراءته تجديد لتفكيك رسالته عبر الزمن،وهي بذلك إثبات لديمومته"2. وعلى ضوء ذلك،فان القراءة التاريخية المتجددة للنص التراثي تعد،بحق،آلية من آليات الوعي العميق بهذا التراث،واختيار مدى ،تفاعله،أو عدو تفاعله،مع منجزات التفكير اللساني الراهن،المتميز بالأصالة والعمق المعرفيين. ومن خلال معاينة،أو جرد نسبي،لأهم ما كتب في موضوع الأسلوبية قديما وحديثا3،نقف على حقيقة مؤداها ارتباط هذا الموضوع ،من جهة،بالتراث العربي الإسلامي خاصة ما يتعلق منه بالإعجاز القرآني،والدراسات البلاغية القديمة،والتراث النقدي بصفة عامة،على يد كبار النقاد كابن قتيبة،والخطابي،والرماني،وعبد القاهر الجرجاني،والآمدي،والقاضي الجرجاني،وقدامة بن جعفر وغيرهم.كما أن هذا الموضوع يمت،من جهة أحرى بصلة قوية لحقل اللسانيات،من حيث ارتباط الأسلوبية، من الناحية المنهجية،بالمفاهيم والمصطلحات اللسانية.فهل يمكن القول إن الأسلوبية صنو البلاغة العربية القديمة،أم أن الأسلوبية شيء آخ؟ما وجه الشبه بين البلاغة والأسلوبية،وما وجه الخلاف بينهما؟وإذا كانت الأسلوبية تمثل نقلة نوعية في مجال الدراسات البلاغية العربية القديمة،فما جدوى تطوير البلاغة؟وما هي الانجازات العلمية،والتراكمات المنهجية التي حققتها الأسلوبية في دراسة النص الأدبي؟ 2- أهداف الدراسة: الهدف من هذه الدراسة هو استجلاء الآثار الأسلوبية في بنيات التراث النقد العربي القديم،من خلال إعادة قراءته أسلوبيا.بعبارة أخرى،إن المسعى المنهجي يتحدد أساسا،في استقراء السمات الأسلوبية من القضايا النقدية التي تبلورت في التراث النقدي من أجل فهم "عميق" للنص الأدبي لاكتشاف معانيه،وأبعاده،على اعتبار أن الأسلوبية اهتمت بالبناء الداخلي للنص،كما وجهت اهتمامها إلى السياقات الخارجية التي تساعد على فهمه. والجدير بالذكر،أن عملية الإبداع الأدبي،بمختلف مستوياتها وتشعباتها،تؤدي إلى خلق أنواع من "الانحرافات" أو الانتهاكات"أو "الانزياحات"أو الخرق"،على مستوى الأنظمة الداخلية للنظام النحوي،نتيجة ضغوط سياقات الكلام،وهي التي تمثل الظواهر الأسلوبية التي تحضر،بدرجات متباينة،في الانتاجات النصية التخييلية4.ومن أبرز تجليات هذه الظواهر،يمكن أن نذكر البعد الصوتي،والتركيبي،والدلالي.على أننا في هذه الدراسة سنقتصر على البعد الأول فحسب،لاعتبارات منهجية. 3- البعد الوظيفي التشكيلي للصوت: يعتبر الصوت ظاهرة طبيعية من السهل إدراك أثرها،وان كان من العسير جدا فهم جوهرها،على اعتبار"أن كل مسموع يستلزم وجود جسم يهتز،على أن تلك الهزات لا تدرك بالعين في بعض الحالات"5وهذا يعني مدى الارتباط العضوي بين الظاهرة الصوتية،والجانب الفسيولوجي للإنسان.وهي ظاهرة تتأسس على ذبذبات وتموجات منبعثة من داخل المتكلم عبر فمه،حيث يندفع النفس من الرئتين مارا بالحنجرة،مما يولد اهتزازات متدفقة من الفم أو الأنف،فيحملها الهواء في صورة موجات إلى أن تصل إلى أذن المتلقي.6.ومن هنا،فالاهتزازات الصوتية تشكل المعطيات الأولية التي تقوم عليها الألفاظ التي تعتبر بدورها الوحدات الأولى للبنية التركيبية.وعلى هذا الأساس،تعد ظاهرة(الفونيم)-باعتبارها أصغر الوحدات الصوتية ذات المرجعية الدلالية-من القضايا التي استرعت انتباه كل اللسانيين المحدثين وعلماء الأسلوب.يقول رينيه ويليك،"إن دارس الأسلوب لا يمكنه التقدم في حقله ما لم يلم بالنحو بكل فروعه،وبالصوتيات وعلم الأصوات الدالة،وبالصرف والتركيب وعلم المعاجم وعلم المعاني"7.كما سلط اللغويون والنحاة العرب القدماء الأضواء على الظاهرة الصوتية،سواء من حيث مخارجها أو صفاتها،وفي مقدمتهم سيبويه-إمام النحو العربي-الذي انطلق من خلفية لسانية لدراسة وتصنيف الأصوات على مستوى المخارج،مبينا أن جماليات الصوت مرتبطة بصفاتها العامة،كالجهر والهمس الشدة والرخاوة أو التوسط،وبصفاتها الخاصة وهي مجموعات صوتية صغيرة كأصوات الإطباق واللين والمد والاستطالة والتفشي والصفير والغنة.وقد تكون هذه الصفات الخاصة أصواتا مفردة كالتكرار وغيره.8. أما صاحب الخصائص- العالم اللغوي ابن جني-فقد عقد (باب امساس الألفاظ أشباه المعاني)،لرسم معالم العلاقة الموجودة بين الوحدات الصوتية والبنيات الدلالية،بحيث إن أي تحول في وحدة اللفظ ينجم عنه تحول في المعنى.يقول في هذا الصدد:"اعلم أن هذا موضع شريف لطيف،وقد نبه عليه الخليل وسيبويه،وتلقته الجماعة بالقبول له والاعتراف بصحته."9.ومن هذا المنظور،فقد ركزا بن جني على وظيفة الوحدة الصوتية ،بحيث إن قوة اللفظ تولد قوة موازية لها متمثلة في قوة المعنى،بل إن قوة الوحدة الصوتية للأفعال المزيدة تنتج عنها مبالغة في بنياتها اتلدلالية10. كما اهتم العلماء القدماء بظاهرتي الخفة والثقل-باعتبارهما ظاهرتين صوتيتين-الذين ربطهما صاحب كتاب العين11بأوضاع مخارج الحروف،بحيث ان الثقل في الألفاظ يرجع إلى"البعد الشديد أو القرب الشديد،وذلك أنه إذا بعد البعد الشديد كان بمنزلة الطفر،وإذا قرب القرب الشديد كان بمنزلة الشيء المقيد،لأنه بمنزلة رفع اللسان ورده إلى مكانه،وكلاهما صعب على اللسان،والسهولة من ذلك في الاعتدال،ولذلك وقع في الكلام الإدغام والإبدال.12". وقد جوبه رأي الخليل هذا بانتقادات كثيرة:فابن سنان الخفاجي بين أن التنافر لا يرتبط بشدة البعد،فرغم أن حروف (ألم) بعيدة المخرج،فهو ليس متنافرا ذلك أن الهمزة تنطلق من أقصى الحلق،واللام تنبع من الوسط،فيما الميم تخرج من الشفتين،مشددا على أن التنافر يمكن أن ينبثق من شدة القرب ليس إلا.فالأصوات ،على هذا الأساس،تشبه الإدراك البصري،إذ الألوان المتباينة أحسن في النظر من الألوان المتقالربة13. والجدير بالذكر، أن هذه المعايير النقدية الذوقية التي صدرت عن هؤلاء العلماء الكبار،تعد لبنة لأساسية لاستجلاء جذور الأسلوبية في بنية التراث النقدي العربي القديم،وخطوة متقدمة لفهم حقائق النص الأدبي ومستوياته الصوتية التي يمكن توزيعها إلى مستويات خاصة وعامة: المستويات الصوتية الخاصة:وهي المرتبطة بجنس أدبي خاص ولا تتعداه إلى غيره من الأجناس الأدبية،وتتمحور فيما يلي: أ-الوزن: يعد الجرس الموسيقي من المقومات الأساسية للكتابة الشعرية،فهو مما يقوم به الشعر،باعتباره الإطار التنظيمي الضابط للخصائص الصوتية في اللغة."فتأثير الوزن-إذن-يكون في تحقيق الكلمات ودعم فاعليته،ويبرزها ويوجه الانتباه إلى صوتها،في الشعر الجيد تكون العلاقة بين الكلمات جد وثيقة".14. ومن هنا،يتجسد الإيقاع الشعري على مستوى البنية المعجمية للإنتاج النصي التي تخلق علاقات تركيبية خاصة فيما بينها.فتوالي الحركات والسكنات يفرز نغما موسيقيا معينا.والوزن الشعري،رغم تماثله على مستوى مبدأ التناسب مع النظام الموسيقي،فانه يختلف عنه على مستوى الأداة لأن أداة الشعر"تتكون من كلمات دالة تنطوي على معان مباشرة أو غير مباشرة،حسب نوع العلاقات التي تنتظم فيها.وارتباط الأداة الشعرية بنظام متميز من الدلالة،لا يجعل من الوزن الشعري مجرد محاكاة الفن الموسيقي،بل يجعل موسيقى الشعر نابعة من طبيعة أداتها الخاصة،من حيث الإمكانات الصوتية لهذه الأداة،إذا ألفت في علاقات،ومن حيث دلالة هذه العلاقات الصوتية على غرض من الأغراض أو معنى من المعاني15". ويمكن اعتبار الجهد العروضي الذي بذله الخليل على مستوى دراسة موسيقى الشعر،المنطلق الأساس لتقييم الإنتاج الشعري العربي،من حيث أوزانه وأسراره الجمالية التي ترقق الأحاسيس وتسحر الوجدانات.ومن هذه الزاوية،شخص الخليل قضية الانحراف،أو عدم التناسب الحاصل أحيانا بين الإيقاع الموسيقي وأدواته اللغوية،مما يدفع الشاعر إلى تبني إستراتيجيتين مختلفتين: -إستراتيجية انتهاك الأوزان المعيارية،مع ما يولده ذلك مكن علل وزحافات.هذا بالإضافة إلى إستراتيجية انزياح المعجم عن سياقه الأصلي،فتنشأ عن ذلك الضرورات الشعرية16.ويمكن تلخيص مظاهر الضرورة الشعرية والزحافات،في المد والجزر الذين يتخللان الكتابة الشعرية،وما تستلزمه من مكونات موسيقية ولغوية.ومعلوم أن الضرورة من القضايا الأسلوبية التي انشغل بها الدرس النقدي العربي القديم.يقول سيبويه:"اعلم أنه يجوز في الشعر ما لا يجوز في الكلام،ومن صرف ما لا ينصرف،يشبهونه مما ينصرف من الأسماء،لأنها أسماء كما أنها أسماء،وحذف ما لا يحذف،يشبهونه بما قد حذف واستعمل محذوفا."17.وعلى مستوى ظاهرة الصورة الشعرية،تظهر مدى أصالة الشاعر وخصوصياته الفنية،وان كان النحاة يعتبرونها عجزا منه،لأنه ينتهك القواعد التأسيسية والمعايير البنائية حفاظا على الوزن الشعري أو القافية الشعرية. تأسيسا على ما سبق،يبدو البعد الوظيفي التشكيلي للأوزان الشعرية على مستوى تقرير المعنى في وجدان المتلقي،على اعتبار أن لكل بحر شعري –في رأي حازم القرط اجني-وزنا تلائمه حالات نفسية معينة،"فالعروض الطويل قد تجد فيه –أبدا- بهاء وقوة".وتجد للبسيط بساطة وطلاوة،وتجد للكامل جزالة وحسن اطراد،وللخفيف جزالة ورشاقة،وللمتقارب بساطة وسهولة،وللمديد رقة ولين مع رشاقة،وللرمل سهولة،ولما في المديد والرمل من اللين كانا أليق بالرثاء وما جرى مجراه منهما بغير ذلك من أغراض الشعر."18. وتظل هذه المحاولة التقويمية للأوزان الشعرية محدودة،لطابعها النظري،فهي لم تترجم إلى ممارسة فعلية،بدليل أن البحور الشعرية تعاقبت على الأغراض بدون مراعاة لهذا المعيار. ب-القافية: في إطار تقنين النقاد العرب القدامى للقصيدة العربية القديمة،اشترطوا أن تكون القافية"كالموعود به المنتظر،بتشوفها المعنى بخفة اللفظ وبقسطه،وإلا كانت قلقة في مقرها،مجتلبة لمستغن عنها"19.والقافية النموذجية-باعتبارها المقطع الصوتي الذي يلزم أواخر أبيات القصيدة-عند القدماء هي التي يفطن إليها القارئ بالسليقة والموهبة قبل إتمام البيت،مما يجعل عمليتي الإنتاج وفعل القراءة يسيران وفق خطية متوازية.ولاستيعاب دلالات القافية وفهم أبعادها،يقترح المرزوقي توفر الشاعر والناقد على طول الدربة ودوام المدارسة20،حتى يتمكن الأول من النسج على منوال الأوائل ومذهب عمود الشعر،فيما يوفق الثاني في تقييم الآثار الشعرية وإصدار الأحكام بشأنها،على أساس المعايير النقدية النموذجية المأخوذ بها(معيار الوصف،معيار اللفظ،معيارا لتشبيه،معيار الاستعارة،معيارا لبناء الفني،ومعيار الوزن والقافية). وعلى هذا الأساس،فالقافية خاصية شعرية محضة،بخلاف الوزن الذي يشمل الشعر والنثر أحيانا،لأن الشعر"قول موزون مقفى"21. أما الحدود" الجغرافية"للقافية عند الخليل،فهي تبدأ بآخر ساكن في البيت الشعري إلى أقرب ساكن يليه مع المتحرك السابق له.بينما يرى الأخفش أنها تتمثل في الكلمة الأخيرة من البيت الشعري. ونحن نلاحظ،أن الخليل وضع تحديده للقافية من منظور صوتي،يتمثل في مراعاة انسجام الحركات بالسكنات،في حين بنى الأخفش رأيه على مسألة عدم تجزئة الكلمة،مما دفعها إلى القول إن الكلمة الأخيرة من كل بيت شعري- بغض النظر عن طولها أو قصرها-هي القافية22..وقد اعترض ابن رشيق على رأي الأخفش هذا،معتبرا أن القافية قد تكون حرفا واحدا متمثلا في حرف الروي،كما في قول المتنبي: حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي فبمقتضى رأي الأحفش،ف" بي" تمثل القافية24،وهو رأي قد يؤدي إلى اختلال نظام قوافي القصيدة الواحدة واختلاف انسجامها الموسيقي.إن وصف القافية انطلاقا من طولها أو فصرها- في منظور إبراهيم أنيس-ضرب من التكلف والصنعة،ذلك أن القافية لا تحد"قي أطول صورها،وإنما الواجب أن يشار إلى أقصر تلك الصور،والى أقل عدد من الأصوات يمكن أن تتكون منه.فمن السهل أن تقول إن القافية لا يصح أن تقل عن عدد كذا من الأصوات التي تتردد في أواخر الأبيات،وليس من السهل أن نزعم أن عدد أصواتها لا يزيد على قدر معين لأنه لو أمكن أن تتكرر أصوات نصف شطر دون إخلال بالمعنى،ودون تكلف أو تعسف،لصح أن تسمى كل تلك الأصوات المكررة قافية25.،مع العلم أن الانسجام الصوتي الداخلي الذي تخلقه القافية على مستوى القصيدة،يحدث وقعا جماليا انفعاليا في نفسية المتلقي،إما في صورة محزنة حينا،أو في صورة مبهجة حينا آخر،أو في صورة متحمسة في حالة ثالثة. ج- السجع:باعتباره اتفاق الفاصلتين على حرف واحد على مستوى الكتابة النثرية.يقول ابن الأثير:"اعلم أن الأصل في السجع هو الاعتدال في مقاطع الكلام،والاعتدال مطلوب في جميع الأشياء،والنفس تميل إليه بالطبع"26.فالكاتب يشير في هذا النص إلى القيمة الأسلوبية والشحنة الجمالية التي يولدها السجع.لذلك،فالنفس الإنسانية ترغب فيه بطبيعتها لما فيه من إيقاع صوتي ودبيب داخلي يزيد المعنى فاعلية وحيوية،شريطة عدم الإسراف(لأن خير الأمور أوسطها) حتى لا يفقد النص رونقه وجماله. ولما كان القارئ ينتشي ويتلذذ بالنسيج الداخلي للنص الأدبي،فان السجع لا ينبغي أن يتجاوز بعده الوظيفي،باعتباره أداة وضوح للمعنى.فإذا "صورت في نفسك معنى من المعاني ثم أردت أن تصوغه بلفظ مسجوع،ولم يواتك ذلك إلا بزيادة في ذلك اللفظ أو نقصان منه ،ولا يكون محتاجا إلى الزيادة ولا إلى النقصان،وإنما تفعل ذلك لأن المعنى الذي قصدته يحتاج إلى لفظ يدل عليه،وإذا دللت بذلك لا يكون مسجوعا إلا أن تضيف إليه شيئا آخر أو تنقص منه.فإذا فعلت ذلك فانه هو الذي يذم من السجع،ويستقبح بما فيه من التكلف والتعسف"27. وكلما كان السجع متجانسا مع المعنى ،متميزا بالسلاسة والسهولة،إلا وكانت النفس أميل إليه.ولذلك،اعتبر بعض النقاد القدماء،فواصل الآيات القرآنية نمطا من السجع،رغم إيمانهم العميق،بالبعد الاعجازي للقرآن الكريم،وتميزه عن سائر الكلام البشري.فلو كان السجع مذموما بطبعه"لما ورد في القرآن الكريم،فانه قد أتى منه بالكثير حتى ليؤتى بالسورة جميعها مسجوعة كسورة الرحمن وسورة القمر وغيرهما.وبالجملة فلم تخل منه سورة من السور."28. وقد اعترض ابن خلدون على هذا الرأي:ففي سياق حديثه عن الكلام المنثور بنوعيه المسجوع والمرسل،اعتبر أن القرآن"وان كان من المنثور إلا أنه خارج عن الوصفين،وليس يسمى مرسلا مطلقا ولا مسجعا،بل تفصيل آيات ينتهي إلى مقاطع يشهد الذوق بانتهاء الكلام عندها،ثم يعاد الكلام في الآية الأخرى،ويثني من غير التزام حرف يكون سجع ولا قافية"29..ومن هنا فابن خلدون،ينفي أن يكون السجع من السمات الأسلوبية التي تميز القرآن الكريم،وذلك مخافة تشبيه كلام الله عز وجل بكلام البشر،رغم الاختلافات الجوهرية الموجودة بينهما.وعليه،فالسجع يكتسي قيمة صوتية موسيقية مرتبطة بالبنية الدلالية التي تمارس نوعا من التأثير الفني ،مما يضمن المشاركة الوجدانية للمتلقي. 2- المستويات الصوتية العامة:المتضمنة في جميع الأجناس الأدبية،والمتمثلة في الأنماط الصوتية التالية: أ-الحروف بين الحركات القصيرة والطويلة: يتكون الكلام البشري-كما هو معلوم- من حروف هجائية وحركات قصيرة وطويلة.على أن الحركة- من منظور علم الأصوات-تتميز عن الحرف بضوابط معينة.فإذا كان الحرف تتحدد سماته الخاصة على مستوى الصوت الذي يحدث عندما يقوم في جهاز الصوت حاجز يعترض النفس فيجتازه،فان الحركة تنفرد بخاصية إعدام حاجز في جهاز الصوت.أي أن الهواء يمر بهذا الجهاز بكل حرية30. كما أن الحروف تختلف فيما بينها على مستوى البنية الصوتية من حيث مخارجها:فالحروف الشفهية لها أشكالها النطقية المتباينة عن الحروف الأسنانية واللثوية والحلقية وغيرها.أضف إلى ذلك،فان أصوات الحروف تختلف على مستوى صفاتها اذا كانت مخارجها واحدة.فالحرف الشديد يختلف عن الرخو،فعند النطق بحرف شديد يكون جهاز الصوت منغلقا،بينما يفتح عند النطق بحرف رخو. وقد يكمن الاختلاف بين الحروف بارتعاش الوترين الصوتيين عند النطق بالحرف المجهور وعدم ارتعاشهما عند الهمس. والجدير بالذكر،أن اختلاف مخارج أو صفات الحرف من المكونات الأساسية التي تطبع النص الأدبي بخصائص صوتية معينة:فالحروف المهموسة(كالسين مثلا)تولد داخل النسج النصي بعدا موسيقيا متسما بالهدوء والهمس.يقول البحتري في مطلع سينيته المشهورة التي تصف إيوان كسرى31: صنت نفسي عما يدنس نفسي وترفعت عن جدا كل جبس فنحن نلاحظ أن هذا النغم الموسيقي الداخلي ناجم عن تكرار السينات المتوازي كسرة السكنات،الشيء الذي أضفى على القصيدة نوعا من الهدوء وكثرة الهمس.وكلما كثرت الحروف الحروف المجهورة في البيت الشعري،إلا واختلف النغم الموسيقي،لما يتميز به الجهر من ثقل وقوة في الصوت.يقول امرؤ القيس:مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من عل فتكرار الراءات المجهورة المد غمة،أكسب البيت حركية خاصة متفاعلة مع بنيت النص الدلالية.ومعلوم أن خصوصيات النص الأدبي الفنية و الإيقاعية تتأثر بمخارج الحروف وصفاتها.ولذلك،فجدلية تنوع الحركات الإعرابية واختلافها تضفي طابعا موسيقيا نغميا على النص.يقول الطيب الكوش في هذا الصدد:"المقابلة بين الحركات القصيرة والطويلة في الكلمات العربية هامة في إيقاع اللغة العربية وموسيقاها ولاسيما في الشعر،وهو ما يسمى( الإيقاع الكمي)33.وقد كان أبو عبيدة نقلا عن ابن جني سباقا إلى هذا المعنى بقوله:"إذا طال الكلام خرجوا من الرفع إلى النصب،ومن النصب إلى الرفع(...)لتختلف ضروبه وتتباين تراكيبه.34. وخلاصة هذا القول،إن الكلام إذا طال قد يؤدي بالقارئ إلى الملل والسآمة.ولهذا فمحافظته على حيويته ونشاطه مرهونة بتنوع الحركات الإعرابية من الضمة إلى الكسرة،ومن الكسرة إلى الفتحة،ومن الألف إلى الواو،ومن الواو إلى الباء.وهذه النظرة النقدية اللغوية الدقيقة ترتبط عضويا بفلسفة اللغة وجمالها وطبيعتها. ومن حيث البعد الوظيفي للحركات الطويلة منها والقصيرة،فواضح أن حركتين قصيرتين تعادلان من حيث المدى حركة طويلة.وفي ذلك يقول ابن جني:"اعلم أن الحركات أبعاض حروف المد واللين، وهي الألف والياء والواو.وكما أن هذه الحروف ثلاث،فكذلك الحركات ثلاث،وهي الفتحة والكسرة والضمة،فالفتحة بعض الألف،والكسرة بعض الياء ،والضمة بعض الواو.وقد كان متقدمو النحويين يسمون الفتحة الألف الصغيرة والكسرة الياء الصغيرة،والضمة الواو الصغيرة،وقد كانوا في ذلك على طريق مستقيمة.35. وعليه،فالحركات الإعرابية تلعب دورا وظيفيا موسيقيا مؤثرا في النتاج النصي الأدبي،خصوصا على مستولى المعنى وتحققه،كما أشار إلى ذلك ابن جني36،والزجاجي في قوله:"إن الأسماء لما كانت تعتور ها المعاني فتكون فاعلة ومفعولة ومضافة ومضاف إليها،ولم تكن في صورها وأبنيتها أدلة على هذه المعاني،بل كانت مشتركة جعلت حركات الإعراب فيها تنبئ عن هذه المعاني.37. وبذلك، فالحركات الإعرابية محددة للمعاني من جهة،وموجهة لمقاصد المنتج أو المتكلم من جهة ثانية،ورافعة للبس ومزيلة للغموض من جهة ثالثة.والى هذا المعنى ذهب عبد القاهر الجرجاني بقوله إن الألفاظ"مغلقة على معانيها حتى يكون الإعراب هو الذي يفتحها."38.هذا،بالإضافة إلى كونها(أي الحركات الإعرابية)وسيلة اعتدال للكلام39،مما يؤكد قيمتها الصوتية. وقد حظيت الحركات الطويلة-باعتبارها ظاهرة صوتية متميزة-عن الحروف الصحيحة الساكنة،وبفعل تأثيرها الموسيقي عن النص الأدبي –بنصيب وافر من الاهتمام في الخطاب النقدي العربي الحديث.يقول الباحث إبراهيم أنيس:"لم يفرق أصحاب العروض بين حروف المد كألف المد وواو المد وياء المد حين تكون كل منها في حشو البيت،وبين أي حرف صحيح مشكلا بالسكون مثل(ب،س).في حين أن الدراسة الصوتية تؤكد لنا أن مثل هذه المساواة في زمن النطق لكل نوع منها غير معقول،بل تسجل الأجهزة الحديثة أن حرف المد النطق به يكاد يبلغ ضعف الحرف الصحيح حين يكون ساكنا."40. وبالفعل ،فقد أسهم اكتشاف الوسائل والأدوات الحديثة،المتسمة بالدقة والشمولية،في تشخيص الحركات،وبيان قيمتنها الوظيفية على المستوى الصوتي.وفي هذا الإطار،تناول الدكتور إبراهيم أنيس ثلاثة نماذج من القصائد تختلف فيها نسبة ورود حروف المد قلة وكثرة،وتوصل إلى خلاصة مؤداها أن كثرة ورود حروف المد في القصيدة،تؤدي إلى خلق انسياب موسيقي فيها،مما يجعلها متسمة بالرقة والسهولة،ثم يلي هذا النوع تلك القصيدة التي تساوت فيها نسب ورود حروف المد مع الحروف الصحيحة الساكنة."41. ومعلوم أن إبراهيم أنيس يقتفي،في هذا الإطار،أثر النقاد القدماء الذين استحسنوا قصيدة ابن زيدون المشهورة-وذلك لكثرة ورود حروف اللين فيها-" التي مطلعها: أضحى التائي بديلا عن تدانينا وطاب عن طيب لقيانا تجافينا ب- النسق التكراري: ينفرد التكرار بوظيفة بلاغية صوتية لأنه يضخ دماء جديدة في شرايين العملية الأسلوبية.ولهذا،فمعاينة التشابهات الصوتية،سواء على مستوى الحروف أو الألفاظ المفردة أو التركيب،تبين مدى مساهمة تلك التشابهات في خلق المعنى وتفجير طاقاته.43 وبفعل هذه الوظيفة التي يكتسبها التكرار،فقد اهتم به الخطاب النقدي العربي القديم اهتماما كبيرا،لكونه ظاهرة صوتية متميزة يعتمد على" التنويعات اللغوية التي لها دلالة فنية قد تأتي من توافق الحروف أو تخالفها أو تأتي من توافق الكلمات أو تخالفها،أو تأتي من توافق الجمل أو تخالفها."44 وهذه التنويعات تعد،بحق،مؤثرات لغوية لارتباطها الوثيق بنفسية الباث والمرسل إليه. ومن زاوية التخالف والتوافق،فالتكرار أقرب ما يكون للبعد الدلالي ،منه للبعد الصوتي،الذي أسهم مساهمة فعالة في بلورة شحنة موسيقية انفعالية بحكم انسجامها وتناسقها في النسيج النص.ومن أبرز المظاهر التكراربة التي تؤدي وظيفة صوتية دلالية: 1- الجناس: وهو تشابه لفظين في الشكل واختلافهما في المعنى،وهو ظاهرة تكرارية صوتية بحيث قد يصل التشابه إلى حد التطابق الكمي والكيفي كما في قوله تعالى:"ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة"45. ونحن نلاحظ أن لفظ "الساعة" قد تكرر مرتين بمعنيين مختلفين(القيامة/الزمن)،رغم تماثلهما في الشكل.وهذا النوع من الجناس يسمى "جناسا تاما"46.وقد يختل شرط من شروط التطابق،إما على مستوى الحروف،أو في تراتبها ،أو على مستوى مط الحركة،فيكون حينئذ جناسا غير تام أو ناقص،كما في قول أبي العلاء المعري: فالحسن يظهر في بيتين رونقه بيت من الشعر أو بيت من الشعر فالمفارقة تظهر بين لفظي ( الشعر والشعر)،لوجود علاقة استبدالية بين حركتي الشين(الفتحة/الكسرة) في اللفظتين،مع ما يستتبع ذلك من تأثيرات فنية على المتلقي. 2- المقابلة العكسية: وهي عملية إنتاجية جديدة للنص الأدبي،مع مراعاة خصوصياته الصوتية،وتغيير بنياتها الدلالية بهدف خلق المتعة الفنية48،كقولهم:"إذا لم يحدث ما ترضى فارض بما يحدث". وهذا التشكيل اللغوي يتميز بخاصية تكرار نمطي متمثل في تركيب الكلمات بصورة مغايرة لما في السابق،فتتقابل الصورتان شكليا ومعنويا وتتناسبان ،مما يخلق إيقاعا مزدوجا يرفع من قيمة النص الأدبي،وقد اعتبر قدامة ابن جعفر ظاهرتي التقابل والتناسب من نعوت المعاني49.يقول أبو الطيب المتنبي في هذا الإطار: فلا مجد في الدنيا لمن قل ما له ولا مال في الدنيا لمن قل مجده ذلك أن عجز البيت يعكس صدره من حيث الدوال والمدلولات،الشيء الذي أدى إلى خلق تناسب موسيقي بينها. كما يعد التصريع بين الألفاظ من المظاهر التكراري،لأن"(...)الفحول والمجيدين من الشعراء القدماء والمحدثين يتوخون ذلك ،ولا يكادون يعدلون عنهن وربما صرعوا بأبيات أخر من القصيدة بعد البيت الأول،وذلك يكون من اقتدار الشاعر وسعة بحره،وأكثر من كان يستعمل ذلك امرؤ القيس لمحله من الشعر،فمنه قوله: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ثم أتى بعد هذا البيت بأبيات فقال50: أفاطم مهلا بعض هذا التدلل وان كنت قد أزمعت صرمي فاجملي ثم أتى بأبيات بعد البيت فقال51: ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي بصبح وما الإصباح منك بأمثل ويعد هذا المسعى المنهجي النقدي دعوة صريحة إلى استخدام الصور البديعية الشكلية بمختلف أبعادها.ومن هنا،فالإيقاع المنبعث من التماثل والتقابل يمثل المستوى الأفقي لموسيقى الشعر،فيما يشكل تكرار القوافي المستوى العمودي،مع العلم أن الشعر الحديث يتميز بهيمنة المستوى الأفقي لموسيقى الشعر من خلال تكرار مجموعة من الحروف والكلمات ،مما يؤدي إلى خلق توافقات صوتية وموسيقية داخلية. الهوامش : 1-يعد شيخ النقاد وأبو الفلاسفة أول من تناول الأسلوب بالدرس والتحليل وذلك في كتابيه"فن الشعر" و"الخطابة".كما يعتبر شارل بارلي(1865-1947)،أول من وضع مبادئ الأسلوبية على أساس القيم الفردية (الكلام مع التركيز على الطابع العاطفي للغة).انظر صلاح فضل،علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته،دار الشرق القاهرة،ط1،1998،ص:18.هذا بالإضافة إلى الباحث كريسو –وهو أحد تلاميذ بالي- الذي يرى أن العمل الأدبي شكل من أشكال التواصل،والعناصر الجمالية فيه مردها إلى رغبة المؤلف في شد انتباه القارئ وإمتاعه.انظر محمد كريم الكواز:علم الأسلوب،منشورات جامعة السابع من أبريل،الزاوية،ليبيا،ط1،1426ه،ص:67.كما لعبت المدرسة الألمانية،زيادة على رموز المدرسة الفرنسية السالفي الذكر،دورا كبيرا على مستوى الدراسات الأسلوبية.وهكذا طابق كارل فوسلر(1872-1949)،بين اللغة والفن من خلال تركيب الجملة لغويا في الأدب بوصفه عملية فردية.انظر محمد عبد المطلب،البلاغة الأسلوبية،الشركة المصرية العالمية للنشر،لو نجمان بيروت ،ط1،1994،ص:181.كما أن النقاد العرب خلال العصر العباسي اهتموا بالموضوع نفسه من زاوية دراسة الإعجاز القرآني،الذي ارتبط بترسانة مصطلحية ومفاهيمية محددة من قبيل النظم،أو الطريقة والمذهب.انظر شكري عياد،مفهوم الأسلوب،فصول الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة،مج1،ع1،أكتوبر 1980،ص:50. 2- عبد السلام المسدي،مباحث تأسيسية للسانيات،مؤسسة عبد الكريم بن عبد الله للنشر والتوزيع،تونس،ص:24،(د،ط). 3-على مستوى الخطاب النقدي العربي،يمكن توزيع دائرة اهتمام الأسلوبية العربية الى ثلاثة محاور: أ-التيار البلاغي:حيث شعر بعض النقاد بجمود البلاغة العربية المقتصرة على تكرار الأمثلة التقليدية،وعدم مسايرتها للواقع اللغوي.ومن أبز ممثلي هذا التيار:أمين الخولي الذي يرى أن البلاغة فن للقول ،ولذلك ربط العمل الأدبي بشخصية قائله،من خلال دراسة التركيب والألفاظ والأساليب دراسة بلاغية،واستقراء سماتها الجمالية.انظر عدنان بن ذريل،الأسلوب واللغة،مجلة المعرفة،وزارة الثقافة والارشاد القومي،سوريا،س18،ع205-206 مارس/أبريل،1979،ص: .188 كما يعد الأستاذ احمد الشايب من رواد هذا التيار البلاغي الذي حاول ترهين وتوظيف الآليات البلاغية وفي تحليل النصوص الأدبية.انظر أحمد الشايب،الأسلوب،مكتبة النهضة المصرية،القاهرة،ط8،1991،ص،3-4 .هذا بالإضافة إلى الناقد السوري عدنان بن ذريل الذي اعتبر"أن الدراسة البلاغية اليوم هي دراسة الأسلوب أو لنقل هي الدراسة الأسلوبية للنصوص الأدبية".انظر ندوة الأسلوبية،مجلة فصول،الهيئة المصرية العامة للكتاب،القاهرة،مج5،ع1،أكتوبر،1984،ص:219.كما يعد كل من محمد عبد المنعم الخفاجي ومحمد السعدي فرهودي،وعبد العزيز شرف،من المدافعين عن هذا التيار البلاغي:الأسلوبية المعاصرة بالنسبة إليهم لا تكاد تختلف عن نظرية النظم التي قعد لها الإمام عبد القاهر الجرجاني.ومن هنا،ف ترجموا هذه الرؤية إلى واقع منهج ،الأسلوبية والبيان العربي،الدار المصرية اللبنانية،القاهرة،1412ه /1992 ،ص:5،(د،ط). ب- التيار اللساني:ومن أبرز ممثليه الباحث التونسي عبد السلام المسدي الذي اعتبر أن الأسلوبية نشأت في أحضان اللسانيات(دي سوسير وتلميذه شارل بالي)،نافيا وجود أي شكل من أشكال الأسلوبية قبل التفكير اللساني،بحيث لا يمكن التأصيل- في زعمه- للفكر الأسلوبي من خلال التراث النقدي العربي الإسلامي.انظر عبد السلام المسدي،ندوة الأسلوبية،مجلة فصول،م،س،ص:216.وعلى هذا الأساس،وجه الناقد السوري عدنان بن ذريل نقدا لاذعا للمسدي متهما إياه بالمغالطة في اصطناع الجدل.انظر،الأسلوبية والأسلوب،مجلة المعرفة،س18،ع:113،نوفمبر 1979،ص:62.ومن اقتفوا أثر المسدي الناقد المصري صلاح فضل الذي يرى أن علم اللغة الحديث وعلم الجمال هما الأبوان الشرعيان للأسلوبية.انظر صلاح فضل،علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته،م،س،ص:5.وبذلك،انطلق كل من المسدي وصلاح فضل من الآليات اللسانية الحديثة في مقاربتهم الأسلوبية،بدعوى أن هذه الأخيرة هي الوريث الشرعي للأسس البلاغية. ج- التيار البلاغي اللساني:ومن خصائص هذا التيار توظيف الآليات البلاغية اللسانية في دراسة النص الأدبي من خلال الجمع بين مكونات التراث و"منجزات الحداثة"،أو بين البلاغة واللسانيات من أجل توسيع آفاق البلاغة القديمة،وإلحاقها بركب الدراسات اللغوية والأدبية الحديثة.ومن ممثلي هذا التيار:محمد عبد المطلب صاحب كتاب (البلاغة والأسلوبية)،ومصطفى ناصف مؤلف كتاب" اللغة بين البلاغة والأسلوبية"وحمادي صمود مؤلف كتاب" الوجه والقفا في تلازم التراث والحداثة"الذي اعتبر أن مهمة الأسلوبية هي ترميم الثغرات الكامنة في الدرس البلاغي العربي القديم.انظر حمادي صمود،المناهج اللغوية في دراسة الظاهرة الأدبية،سلسلة اللسانيات،أشغال ندوة اللسانيات واللغة العربية،نظمه مركز الدراسات والأبحاث الاقتصادية،تونس،13/19 ،دجنبر 1978 ،ص:232.كما يعد الباحث محمد الهادي الطرابلسي من المدافعين عن هذا التيار،الذي اهتم بالأسلوبية التطبيقية،مستخدما منهجا مزدوجا،أو صيغة توفيقية تجمع بين القديم والجديد(الاستئناس بالفكر الأسلوبي العربيس وخصوصا المنهج الإحصائي،بالإضافة إلى الأسس البلاغية والعروضية في سياق دراسة خصائص أسلوب الشوقيات)،مبينا "أن بعض العلوم المحدثة ليست في كثير من الحالات،إلا صورة جديدة لما كان قد ظهر من معارف في حظيرة العربية في صورة أخرى.فالعنصر المتغير هو زاوية النظر،وطريقة العمل ومدى الاختيار وحد الانتشار".انظر محمد الهادي الطرابلسي،إطار التطبيق في الأسلوبية العربية،أشغال ندوة اللسانيات 23/28،دجنبر 1981،ص:267.أما تمام حسان-وهو أحد ممثلي هذا التيار البلاغي اللساني-فقد تناول بعض المصطلحات البلاغية(كالفصاحة،والبلاغة والمعاني،ومقتضى الحال والحسن،والقبح،وغيرها)في علم الأسلوب لمعرفة مدى ائتلاف هذه المفاهيم البلاغية مع النظريات الأسلوبية الحديثة.انظر تمام حسان،المصطلح البلاغي،فصول،مج3/4/5،أبريل شتنبر 1987،ص24. وفي هذا الإطار،فقد ألف تمام حسان كتاب"البيان في روائع القرآن" عالم الكتب،القاهرة،1420ه،2000م،محللا من خلاله الآيات القرآنية على ضوء اللسانيات الحديثة،وموظفا الآليات الصرفية والنحوية والبلاغية،فمثل الكتاب،بحق،صورة تطبيقية جديدة لتحليل الأسلوب القرآني. 4- محمد عبد المطلب ،البلاغة والأسلوبية،م،س،ص:305. 5-إبراهيم أنيس،الأصوات اللغوية،المكتبة الأنجلوالمصرية،1999،ص:9(د،ط). 6-م،س،ص:10. 7-رينيه ويليك،مفاهيم نقدية،ترجمة جابر عصفور،عالم المعرفة،المجلس الوطني للثقافة والفنون الكويت،ع70،1407ه/1987،ص:431. 8-تامر سلوم،نظرية اللغة والجمال في النقد العربي،دار الحوار اللاذقية،سوريا ،ط1،1983،ص:36. 9-ابن جني،الخصائص،تحقيق محمد علي النجار،دار الكتب المصرية 2/152،(د،ت،ط). 10-ابن فارس،الصاحبي في فقه اللغة،تحقيق عمر فاروق الطباع،مكتبة المعارف بيروت،ط1،1993،ص:257-258. 11-ليس غريبا أن يبلور الخليل بن أحمد الفراهيدي(ت175ه)،هذه الرؤية النقدية المتميزة لما يتمتع به من قدرات نقدية هائلة،خصوصا وأنه وضع وأسس علم العروض لدراسة موسيقى الشعر،انظر ميزان الذهب للسيد أحمد الهاشمي،تقديم محمد التونجي،مؤسسة المعارف،بيروت،ط1،2000. 12-الرماني،النكت في إعجاز القرآن،ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للرماني والخطابي وعبد القاهر الجرجاني ،تحقيق محمد خلف الله،ومحمد زغلول سلام،دار المعارف القاهرة،ط4،ص:96(د،ت،ط). -ابن سنان الخفاجي،سر الفصاحة،دار الكتب العلمية،بيروت،ط1،1982،ص:54.13 14-رينيه ويليكوأوستن وارين،نظرية الأدب،ترجمة محيي الدين صبحي،المجلس العلمي لرعاية العلوم الاجتماعية والفنون الأدبية،ص:225،(د،ت،ط). 15-جابر عصفور،مفهوم الشعر،مؤسسة فرح للصحافة والثقافة،ط4،1990،ص:189. 16-أحمد الشايب،الأسلوب،م،س،ص:70. 17-سيبويه،الكتاب،تح،عبد السلام هارون،مكتبة الخانجي،القاهرة،ط3،1988،1/26. 18-حازم القرط اجني،منهاج البلغاء وسراج الأدباء،تحقيق محمد الحبيب بلخوجة،دار الغرب الإسلامي،بيروت،ط3،1986،ص:.269