لاشك أن أي مترشح يستعد في هذه الأيام لاجتياز إحدى مباريات ولوج مراكز التربية والتكوين تشغله مجموعة من الأسئلة تشكل في الغالب بالنسبة إليه مجتمعة تحديا أكبر يتعلق عموما بالمواضيع التي سيمتحن فيها فيما يتعلق بعلوم التربية والحياة المدرسية وانفتاح المدرسة على محيطها عموما , خاصة بالنسبة للطلبة المتخرجين صيف هذه السنة من مختلف الجامعات والمعاهد , الذين لم تتح لهم بعد فرصة للتكوين المستمر أو العمل في ميدان التعليم المدرسي الخصوصي , دون الأخذ بعين الاعتبار خريجي كلية علوم التربية . والمترشح كأي مواطن مغربي له تمثلاته حول المؤسسة التعليمية المغربية , وكذا المشاكل التي يعانيها قطاع التعليم ومساره المتعثر حيث لم يجد بعد طريقه الصحيح الذي يحقق الحد المعقول من الجودة الكفيل بضمان مستوى مقبول لدى المتعلمين في مختلف المواد من جهة , وتمكين كل خريج من الظفر بوظيفة أو فرصة شغل حقيقية تمكنه من الاندماج الفعال في المجتمع من جهة أخرى , ولعل تركيز جلالة الملك في خطابه الأخير على مشكل التعليم يبين أن قضية التعليم تشكل أولوية كبرى , لأنه الأساس الذي تقوم عليه التنمية ببلدنا في مختلف الميادين . يرى الباحث المغربي محمد ضريف في مقال نشره مؤخرا بإحدى الجرائد المغربية أن تركيز جلالة الملك في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب على قضية التعليم مرده لكون الملك يعتبر التعليم قضية وطنية وليس مجرد قطاع أو مجال عمومي , فهو (التعليم) بحسب جلالته القضية الوطنية الثانية بعد قضية الوحدة الترابية , فإصلاح التعليم وضمان جودته السبيل الأساس للتدبير الأمثل للثروة البشرية التي يزخر بها المغرب . عندما نتحدث عن رهان إصلاح التعليم وتحقيق جودته , يتبادر لذهن كل واحد منا خاصة المترشح لاجتياز المباريات السابقة الذكر, الإجراءات العملية الضامنة لركوب هذا التحدي , أولها"المنهج" المتبع في تعليم النشء , وهو ما يصطلح عليه في علم التربية بالبيداغوجيا , وسعيا لتبسيط المفهوم , ارتأيت نعت هذا المصطلح بالمنهج دون استعراض التعاريف الواردة بصدده . وإذا كان لكل منهج بصفة عامة مرجعيته أو الخلفية التي ينبع منها , فإن الميثاق الوطني للتربية والتكوين يشكل الفلسفة التربوية أو الإطار المرجعي للمناهج والبرامج المتبعة في السياسة التعليمية بالمغرب . 1) الميثاق الوطني للتربية والتكوين : يشكل بحق المحطة الحاسمة التي عرفها مسار إصلاح المنظومة التربوية بالمغرب الذي ابتدأ منذ بداية الاستقلال إلى يومنا هذا , فالميثاق الوطني للتربية والتكوين هو حصيلة عمل اللجنة الملكية الخاصة التي ضمت مختلف الهيئات والفعاليات بالمجتمع المغربي , التي اضطلعت بوضع مشروع هذا الميثاق لمراجعة مناهج التربية والتكوين المغربية . ينقسم هذا الميثاق إلى قسمين رئيسيين : القسم الأول : يحتوي المبادئ الأساسية التي تمثل المرتكزات الثابتة لنظام التربية والتكوين والغايات الكبرى المتوخات منه , وحقوق وواجبات كل الشركاء والتعبئة الوطنية لإنجاح الإصلاح . القسم الثاني : يضم ستة مجالات للتجديد موزعة على تسع عشرة دعامة للتغيير . ° المجال الأول : نشر التعليم وربطه بالمحيط الاقتصادي . ° المجال الثاني : التنظيم البيداغوجي . ° المجال الثالث : الرفع من جودة التربية والتكوين . ° المجال الرابع : الموارد البشرية . ° المجال الخامس : التسيير والتدبير . ° المجال السادس : الشراكة والتمويل . يعتبر الميثاق الوطني للتربية والتكوين المجسد للفلسفة التربوية بالمغرب , حيث تم تنفيذ الكثير من الإصلاحات انطلاقا من دعاماته الأساسية , وتبني الكثير من المستجدات لعل أهمها إعادة النظر في المنهج العام المعتمد في التربية والتكوين , حيث اعتمد المنهج بيداغوجيا الكفايات عوض بيداغوجيا الأهداف التي كانت سائدة من قبل . 2) بيداغوجيا الكفايات : ورد في الميثاق الوطني للتربية والتكوين بصدد الحديث عن الغايات الكبرى , أن نظام التربية والتكوين يضطلع "بمنح الأفراد فرصة اكتساب القيم والمعارف والمهارات التي تؤهلهم للاندماج في الحياة العملية , وفرصة مواصلة التعلم , كلما استوفوا الشروط والكفايات المطلوبة , وفرصة إظهار النبوغ كلما أهلتهم قدراتهم واجتهاداتهم ." ص 10 . من خلال النص السابق الوارد في الميثاق يتبين أن المقاربة المنهاجية التي استقر رأي المغاربة بعد بحث طويل على اعتمادها لتنفيذ المشروع التربوي هي بيداغوجيا الكفايات , وهي تهدف إلى أن ينطلق" إصلاح نظام التربية والتكوين من جعل المتعلم بوجه عام , والطفل على الأخص , في قلب الاهتمام والتفكير والفعل خلال العملية التربوية التكوينية . وذلك بتوفير الشروط وفتح السبل أمام أطفال المغرب ليصقلوا ملكاتهم , ويكونون متفتحين مؤهلين وقادرين على التعلم مدى الحياة " ص 10 .فهذا التوجه البيداغوجي الجديد يهدف إلى تركيز الأنشطة والمواد التعليمية على المتعلم حيث تتمحور كل الأنشطة حوله كفاعل أساسي . بذلك يصبح المتعلم فاعلا رئيسيا يبني المعرفة بذاته لذاته ويؤثر في زملائه للغرض نفسه , وهنا يطرح المترشح سؤالا أساسيا يتعلق بدور الأستاذ في ظل البيداغوجيا الجديدة . فالمدرس يعتبر مسهلا لعمليات التعلم الذاتي وليس ناقلا للمعرفة في إطار بيداغوجيا الكفايات, فهو يلعب دور الوسيط بين المتعلم والأنشطة التعلمية من خلال ما يوظفه من طرائق بيداعوجية واستراتيجيات التعلم لتوفير شروط التعلم الذاتي للمتعلم . يتضح من خلال ما سبق ذكره أن بيداغوجيا الكفايات تختلف عن بيداغوجيا الأهداف التي كانت سائدة من قبل في المنظومة التربوية المغربية اختلافا جوهريا , فبيداغوجيا الأهداف كانت تركز على محتوى التعلم وتهمش المتعلم أو بالأحرى تركز على سلوكه كرد فعل أثناء التعلم , فالمدرس ينتهج خطة للدرس تقوم على تجزيء الأهداف إلى سلوكات قابلة للملاحظة وقياس مدى تحققها خارج شخصية المتعلم , وتبعا لذلك يختار المدرس الطرائق والوسائل البيداغوجية دون مراعاة شخصية المتعلم أي وفق ماتمليه عليه الأهداف التي خططها . وبذلك فبداغوجيا الأهداف تقوم على تراكم المعارف وتجميعها لا على بناء الكفايات والقدرات التي تمكن المتعلم من أن يبقى فاعلا مدى الحياة يستثمر مكتسباته القبلية للتصرف الفعال في كل وضعية مستجدة بالنسبة إليه . فالعملية التعليمية التعلمية بصدد بيداغوجيا الكفايات عملية تفاعلية لأنها تنطلق من وضعيات تعلمية تجعل المتعلم يؤثر في زملائه ومدرسه ويتأثر بهم , على خلاف الحالة التي كان يعيشها في بيداغوجيا الأهداف التي اعتبرته عنصرا سلبيا لأنها تركز على مدى تحقق الأهداف وليس على النمو في شخصية المتعلم وتطوير قدراته . هذا الاختلاف الجوهري بين بيداغوجيا الأهداف وبيداغوجيا الكفايات لا يعني التعارض الكلي بين المقاربتين فبداغوجيا الكفايات حاولت تجاوز نقائص بيداغوجيا الأهداف فكلتا المقاربتين تنطلقان من علم النفس كخلفية نظرية عامة لهما , بيد أن بيداغوجيا الأهداف اقتصرت على علم النفس السلوكي الذي يفسر التعلم عند الطفل اعتمادا على تنائية مثير / استجابة , فالتعلم من هذا المنظور تعديل في سلوك الطفل وليس تطوير لملكاته وقدراته العقلية . أما بيداغوجيا الكفايات فتفسر التعلم لدى الطفل من منظور علم النفس المعرفي , فلا تركز على جانب السلوك في المتعلم فحسب بل ترتبط بمفهوم التصرف الشامل , الذي يضم السلوك بالإضافة إلى الملكات العقلية الباطنية للمتعلم . انطلاقا من هذا المنظور حاولت بيداغوجيا الكفايات إعادة بلورة نظرة شمولية تعيد النظر في المناهج والبرامج والوسائل , بهدف بناء الكفايات لدى المتعلم التي تمكنه من التصرف المناسب في كل وضعية تعلمية , وليس تكديس المعلومات كما كان سائدا بصدد بيدغوجيا الأهداف . 3) تعريف الكفاية : للتقرب أكثر من بيداغوجيا الكفايات لابد من تعريف الكفاية . يعرف فيليب بيرينو الكفاية بأنها "القدرة على التصرف بفعالية أمام زمرة من الوضعيات بغية السيطرة عليها , لأننا نمتلك في الوقت نفسه المعارف الضرورية والقدرة على تعبئتها في الوقت المناسب بدراية لرصد وحل مشكلات حقيقية " . نستشف من خلال هذا التعريف لمفهوم الكفاية تركيز فيليب بيرينو على جانب القدرة على التصرف لدى المتعلم أثناء كل وضعية تعلمية من خلال ما اكتسبه سابقا من معارف وقدرات بالإضافة إلى قدرته على تعبئتها . فالكفاية من هذا المنظور لاتنبني على تكديس مختلف الموارد المعرفية (معارف , مهارات , خبرات ,مواقف , قيم ... ) بالنسبة للمتعلم ولكن من خلال قدرته على تعبئتها وتوظيفها لحل ما يواجهه من مشكلات . أما لوبترف فيعرف الكفاية بكونها "القدرة على تكييف التصرف مع الوضعية , ومواجهة الصعوبات غير المنتظرة , وكذلك قدرة الحفاظ على الموارد الذاتية للاستفادة منها أكثر ما يمكن , دون هدر للمجهود . إنها القدرة والاستعداد التلقائي بخلاف ما يقابل ذلك من تكرار بالنسبة للآخرين " . تعريف كزافيي روجيرس : الكفاية هي "إمكانية الفرد التعبئة بكيفية مستبطنة لمجموعة مدمجة من الموارد بهدف حل وضعية مشكلة " . أو بالأحرى كل الوضعيات المشاكل التي قد تواجه المتعلم . تلتقي التعاريف السابقة في كونها تكاد تتفق على أن الكفاية ليست مجرد امتلاك للموارد بل القدرة على تعبئة وتجنيد وتوظيف هذه المكتسبات لحل ما يستجد من وضعيات بالنسبة للمتعلم , فالكفاية هي القدرة على ابتكار الأجوبة الجديدة التي تفرضها كل وضعية على المتعلم . من خلال ما سبق يتضح أن بيداغوجيا الكفايات تطرح تصورا جديدا للتعلم يكون فيه المتعلم المحور الأساس , قصد إخراجه من سلبيته المتمثلة في تكديس المعارف والمعلومات بشكل يعزل بعضها عن بعض , فالتعلم بالكفايات يقتضي الربط بين مكتسبات المتعلم وتوظيف ذلك في الوقت المناسب لذلك حاولت بيداغوجيا الكفايات إعادة النظر في البرامج والطرائق والاستراتيجيات التعليمية والوسائل وفق هذا التصور . 4) أنواع الكفايات : تنقسم الكفايات كما هو متفق عليه إلى قسمين : أ كفايات نوعية : هي الكفايات المرتبطة بمادة دراسية معينة , أو بميدان مهني مهاري معين , من الكفايات النوعية مثلا : تمكن الطفل من القراءة التلفظية للحروف العربية وكتابتها . ب الكفايات المستعرضة أو الممتدة :وهي الكفايات التي لا ترتبط بمجال أومادة معينة , بل يتم تعبئتها بصدد ميادين ومواد مختلفة , من بين الكفايات الممتدة : امتلاك آليات التفكير العلمي , وهي كفاية يمكن توظيفها لحل كل الوضعيات المشاكل ذات الطابع العلمي . 4) بعض الاستراتيجيات والطرائق البيداغوجية المحققة للكفايات : ° الوضعيات المشاكل : قلنا سابقا إن بيداغوجيا الكفايات تتجاوز بيداغوجيا الأهداف في كونها تنطلق من وضعيات تعلمية لبناء الكفايات , ومن بين الوضعيات التي تعتمدها بيداغوجيا الكفايات الوضعيات المشاكل, وهي من بين الطرائق الفعالة التي تشد انتباه المتعلم وتثير الرغبة لديه من خلال تلغيز المعرفة , فالمدرس يطرح أمام المتعلمين وضعيات مشاكل تبدو صعبة لكنها قابلة للحل تتلاءم مع مستواهم الصفي , ويستحسن أن يوظف التلاميذ مختلف مواردهم : معرفية , حسحركية , تواصلية ...فالمراد ليس هو حل هذه الوضعية فحسب بل توظيف مكتسبات التلاميذ بهدف بناء كفايات جديدة . ° البيداغوجيا الفارقية : تعتبرمن الاستر اتيجيات الفعالة المحققة للكفايات وهي بحسب هالينة برسمسكي بيداغوجيا " تعتمد إطارا مرنا حيث تكون التعلمات واضحة ومتنوعة بما فيه الكفاية حتى يتعلم التلاميذ وفق مساراتهم في امتلاك المعارف أو المعرفة الفعل " . تهدف البيداغوجيا الفارقية إلى مراعاة الفوارق الفردية الموجودة بين المتعلمين من حيث المكتسبات المعرفية داخل الفصل الواحد , هذه الفوارق تعتبر معضلة يواجهها كل المدرسين , بل كل الطاقم التربوي داخل المؤسسة الواحدة ,و تجعل المسار العام للتعلم يعرف تدبدبا خطيرا , قد يعصف بالمردود العام لهذه المؤسسات . لذلك فكر خبراء التربية في جعل التلاميذ يطورون مكتسباتهم حسب مستوياتهم المختلفة , ومن بين الطرق الفعالة للتعلم وفق البيداغوجيا الفارقية , تقسيم التلاميذ إلى مجموعات داخل الفصل الواحد وفق مستوياتهم المختلفة على أن تقوم كل مجموعة بإنجاز المطلوب وفق مستواها في ظل التفاعل الفعال بين كافة التلاميذ ومدرسهم . ° التقويم : رغم تعدد التعاريف التي جاءت بصدد التقويم , فإنه في إطار بيداغوجيا الكفايات يتمحور حول كل الأنشطة التعلمية التي تقدم للتلاميذ وتمكن الاستاذ من كشف التعثرات التي تواجه المتعلمين , أي تقويم مدى تحقق استثمار وتحقق الكفايات . التقويم التشخيصي : يكون في بداية كل درس أو وحدة من الوحدات الدراسية , أو في بداية السنة الدراسية , وذلك لبناء وضعيات مناسبة للانطلاق . التقويم التكويني : إنه يمثل كل التمارين والأنشطة التي تقدم للتلاميذ وتمكن الاستاذ من الوقوف على تعثرات التلاميذ ومعالجتها , إذا أمكن , أو تسجيلها إذا تعذرت معالجتها في أفق اتخاذ قرارات مستقبلية لتجاوزها . لذلك فليس الغرض من التقويم التكويني تقدير نقط في حق التلاميذ ولكن التأكد من مدى استثمار التلاميذ لمكتسباتهم وتطوير كفاياتهم وحثهم على تحسين مجهوداتهم . التقويم الإجمالي : هو الذي يقوم به الاستاذ في نهاية كل درس , أو وحدة دراسية , أو في نهاية كل أسدوس أو دورة أو في آخر السنة , وتنجز في الغالب أثناء التقويم الإجمالي تمارين وواجبات تقدر من خلالها نقاط ودرجات للتلاميذ . رغم أن الكثير من المهتمين يرون أن النوع المطبق من أنماط التقويم في إطار بيداغوجيا الكفايات هو التكويني إلا أن واقع الممارسة يدل على وجود الأنواع الثلاثة للتقويم في ظل منظومة تربوية مغربية لازالت تقوم على نظام الكوطا . ° الدعم التربوي : إذا كانت أنشطة التقوبم تهدف إلى الوقوف على التعثرات المختلفة والمتنوعة التي تعترض المتعلمين خلال سيرورة تعليمهم , فإن أنشطة الدعم تهدف إلى معالجة هذه التعثرات , فالدعم استراتيجية لتحسين المردود , من خلال أنشطة تعمق فهم التلاميذ وتطورمهاراتهم , فالتفاوت العادي في مستويات المتعلمين من شأنه أن يدفع العديد منهم إلى العزوف عن الدراسة وبالتالي الفشل , ثم التسرب , لذلك تحتم الرسالة التربوية على كل مدرس في قلبه ذرة من الوطنية أخذ حصص الدعم مأخذ الجد لإصلاح ما يمكن إصلاحه في ظل الوضعية المتردية لنتائج التحصيل ببلدنا . وأنشطة الدعم ينجزها الأستاذ في الغالب بناء على شبكة التقويم التي يعتمدها لتسجيل تعثرات التلاميذ . ° بيداغوجيا المشروع : من الاستراتيجيات المحققة للكفايات , ويعرف الدكتور الغالي أحرشاو أستاذ علم النفس بكلية الآداب والعلوم الانسانية بفاس المشروع بكونه " انخراط في المستقبل وتفتح على آفاقه ...فهو عبارة عن خطة يعتمدها الشخص لتحقيق مقاصد محددة عن طريق توقعها وتوفير الوسائل اللازمة لبلوغها " . يتضح من خلا ل هذا التعريف المعنى العام للمشروع في كونه من الطرائق الفعالة التي تمكن المتعلم من الانخراط الدائم والفعال في تطوير مكتسباته وفق نظرة مستقبلية تجعله يلج ميدان البحث والإبداع الدائم , ومقاومة الهدر المدرسي . في ظل وضع عالمي مخيف لارتفاع نسبة البطالة وفقدان الكثيرين لوظائفهم أو فرص شغلهم . وفي هذا الإطار لابد من الإشارة إلى المشروع الشخصي للتلميذ , والمشروع الجماعي الذي ينجز على صعيد المؤسسة بمشاركة كل المتدخلين في الحياة المدرسية بما في ذلك جمعية الآباء , وكلا المشروعين يفترضان توفير الوسائل اللازمة , واعتماد الطرائق الفعالة لتنظيم فضاء تنفيذ المشروع ( حجرات , قاعة للعرض , ساحة المؤسسة ...) , كما يفرضان على المدرسين وكل الفاعلين المؤثرين بالخصوص التوسل بآليات وقيم التواصل الفعالة وفق المبادئ والاختيارات العا مة للأمة ضمانا لنجاح كل أنواع المشروع , لأن مختلف أنواع الفشل قد تؤدي إلى نتائج عكسية . وعلى العموم يبقى المشروع أحد الطرائق المناسبة والفعالة لدعم التعلم الذاتي لدى المتعلم الذي يعتبر أحد رهانات بيداغوجيا الكفايات . وهناك من يعتبر المشروع البيداغوجي من تقنيات التنشيط التربوي الذي يضفي على حصص التعلم الحيوية التي تشد انتباه المتعلمين و تجنبهم الملل الذي يعيشونه عامة في ظروف التعلم العادية . ° مدرسة النجاح : تجدر الإشارة إلى أن المنظومة التربوية المغربية وفي ظل النتائج غير المقنعة في مختلف الأسلاك التعليمية , خاصة على مستوى نسبة النجاح في امتحانات البكالوريا وتراجع المستوى العام للمتعلمين في المواد العلمية واللغات الأجنبية أطلقت وزارة التربية الوطنية ما سمي بالبرنامج الاستعجالي (20092012) لإنقاذ ما يمكن إنقاذه , بناء على نتائج التقرير السنوي للمجلس الأعلى للتعليم لسنة 2008 , وتقرير البنك الدولي للتنمية الذي صنف نتائج التعليم المغربي في المراتب الأخيرة ضمن لائحة الدول العربية والإسلامية , لذلك أطلق البرنامج الاستعجالي مدرسة النجاح في إطار التصور العام للميثاق الوطني للتربية والتكوين وبرؤيا جديدة . فمدرسة النجاح حسب الميثاق هي التي تكون "مفعمة بالحياة , بفضل نهج تربوي نشيط , يتجاوز التلقي السلبي والعمل الفردي إلى اعتماد التعلم الذاتي , والقدرة على الحوار والمشاركة في الاجتهاد الجماعي " وهي "مفتوحة على محيطها بفضل نهج تربوي قوامه استحضار المجتمع في قلب المدرسة , والخروج إليه منها بكل ما يعود بالنفع على الوطن , مما يتطلب نسج علاقات جديدة بين المدرسة وفضائها البيئي والمجتمعي والثقافي والاقتصادي " . الميثاق الوطني للتربية والتكوين ص : 11 . فمدرسة النجاح من منظور الدكتور جميل حمداوي مدرسة وطنية متجددة مواكبة لكل المستجدات العالمية على المستوى العلمي والتقني والأدبي والفني . وعلى الرغم من انصرام المخطط الاستعجالي الذي أطلقته الوزارة خاصة على مستوى الإطار الزمني فإن مبادرة مدرسة النجاح لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا من خلال جمعيات دعم هذه المدرسة التي شكلت على صعيد المؤسسات التعليمية , وقامت بإطلاق العديد من مبادرات الإصلاح بفضل الدعم المادي الملحوظ الذي تتلقاه من أكاديميات التربية والتكوين . ° بيداغوجيا الإدماج : يمكن اعتبار بيداغوجيا الادماج إطارا منهجيا لإعطاء التعلم فعالية أكثر في إطار بيداغوجيا الكفايات , فهي لا تلغي بيداغوجيا الكفايات وإنما تكملها من خلال الارتقاء بالتعلمات إلى الحد الذي يجعل المتعلم أكثر قدرة على الربط بين مكتسباته لحل كل ما يواجهه من وضعيات مركبة . فالإدماج حسب المركز العالمي للتربية كيبك :"سيرورة يربط من خلالها المتعلم معارفه السابقة بالمعارف الجديدة , فيعيد بالتالي بنينة عالمه المعرفي , ويطبق المعارف التي اكتسبها في وضعيات جديدة ملموسة " . فبيداغوجيا الإدماج تروم جعل المتعلم يربط بين مختلف موارده ويوظفها في حياته اليومية , لأن مختلف الأفكار التي قد نحفظها عن ظاهر قلب مهددة بالزوال من مفكرة كل واحد منا إن لم تسعفنا في حل مشكل ما . فبيداغوجيا الإدماج حسب رائدها كزافيي روجيرس تهدف إلى تطوير المعارف المندمجة للمتعلمين في إطار كفايات قادرة على حل المشاكل الجديدة , وتمثل الكفايات وتطويرها الهدف الأسمى لبياغوجيا الإدماج . وعلى الرغم من المجهودات الكبيرة التي بذلتها وزارة التربية الوطنية لتأهيل أطرها من حيث التكوين على الخصوص في موضوع التدريس وفق بيداغوجيا الإدماج فقد تم تعليق العمل بهذه المقاربة إلى أجل غير مسمى . 5) أهم الفاعلين في الحياة المدرسية بالمغرب : أ المجلس الأعلى للتعليم : هو المجلس الذي تم تأسيسه بأمرمن صاحب الجلالة ويضم هذا المجلس أهم الأطر العليا والكفاءات العلمية والسياسية المرتبطة بميدان التربية والتعليم وتكوين الأطر , بالإضافة إلى أعضاء ممثلين عن الموظفين والمستخدمين , بمافي ذلك مفتشي التعليم والأساتذة بمختلف الأسلاك التعليمية , ومكوني التكوين المهني , وباقي موظفي التربية الوطنية غير المدرسين , وممثلين عن طلبة الجامعات وجمعيات آباء وأولياء التلاميذ . ولمعرفة مكونات هذا المجلس من حيث أعضاؤه والهيئات التي يتشكل منها يمكن الرجوع إلى كتب التشريع التربوي للإطلاع على ذلك بتفصيل . اختصاصات المجلس الأعلى للتعليم : "يستشار المجلس في مشاريع الإصلاح المتعلقة بالتربية والتكوين ويدلي برأيه في مختلف القضايا ذات الطابع الوطني المتصلة بقطاعات التربية والتكوين كما يقوم بتقويمات شاملة للمنظومة الوطنية للتربية والتكوين , على المستوى المؤسساتي والبيداغوجي والمتعلق بتدبير الموارد , ويسهر على ملاءمة هذه المنظومة مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي " . عبد الفتاح ديبون "التشريع التربوي " ص : 5 . وعلى الرغم من الطبيعة الاستشارية للمجلس فإنه يلعب دورا مهما في تأهيل المنظومة التربوية بالمغرب خاصة وأنه يبدي رأيه في كل القضايا المتصلة بهذه المنظومة التي يعرضها عليه الملك , وفي استراتيجيات وبرامج إصلاح منظومة التربية والتكوين التي تحيلها عليه الحكومة ' ويرفع كذلك للملك كل سنة تقريرا حول حالة وآفاق منظومة التربية والتكوين , وتقريرا آخر عن أنشطته خلال السنة المنصرمة . وبناء على تقريره لسنة 2008 م تم اتخاذ مشروع البرنامج الاستعجالي الذي سبق الحديث عنه في هذا البحث . ب وزارة التربية الوطنية : أهم اختصاصاتها : إعداد وتنفبذ سياسة الحكومة في مجال التعليم المدرسي وتكوين الأطر التعليمية والأقسام التحضيرية لولوج المدارس العليا وأقسام تحضير شهادة التقني العالي . إعداد سياسة الحكومة في مجال التربية للجميع لفائدة الأطفال غير الممدرسين أو المنقطعين عن الدراسة . السهر على تنظيم بنياتها الإدارية وعلى توزيع الموارد الموضوعة رهن إشارتها مع مراعاة الأولويات والأهداف الوطنية . مكوناتها : تتكون وزارة التربية الوطنية المغربية من : 1)ديوان الوزير . 2)إدارة مركزية تمارس وصايتها على الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين , وذلك طبقا للقوانين الجاري بها العمل . وتشتمل هذه الإدارة على : الكتابة العامة . المفتشية العامة للتربية والتكوين . مديرية التقويم وتنظيم الحياة المدرسية والتكوينات المشتركة بين الأكاديميات . مديرية المناهج . المركز الوطني للتجديد التربوي والتجريب . مديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية . مديرية الاستراتيجيات والإحصاء والتخطيط . مديرية إدارة منظومة الإعلام . مديرية الشؤون القانونية والمنازعات . مديرية الشؤون العامة والميزانية والممتلكات . مديرية الموارد البشرية وتكوين الأطر . مديرية التعاون والارتقاء بالتعليم المدرسي الخصوصي . قسم الاتصال . ج الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين : مؤسسات عمومية تم إحداثها في كل جهة من جهات المملكة , تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي . وتخضع لوصاية الدولة , لضمان تقيد أجهزتها المختصة بالقانون المنظم خصوصا ما يتعلق بالمهام المسندة إليها , والحرص بوجه عام على تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمؤسسات العمومية . وتحرص الأكاديمية في حدود دائرة نفوذها الترابي على تطبيق السياسة التربوية والتكوينية للدولة وفق اختصاصاتها . د نيابات وزارة التربية الوطنية : تقوم بالمساهمة في وضع وتطبيق سياسة وزارة التربية الوطنية في ميدان التربية والتعليم , عن طريق وضع وتنفيذ مشاريع تنطلق من المخططات والتوجهات الوطنية التي تحددها الوزارة , بشكل يراعي الخصوصيات المحلية والإقليمية على صعيد عمالات وأقاليم المملكة . ° مصالحها :تقوم نيابات التعليم بأداء دورها من خلال المصالح التالية : 1 مصلحة الوارد البشرية . 2 مصلحة التخطيط . 3 مصلحة الشؤون التربوية وتنشيط المؤسسات . 4 مصلحة الشؤون الإدارية والمالية . 5 مصلحة البناءات والتجهيزوالممتلكات . وتجدر الإشارة أن النيابات التي تتوفر على المصالح الخمس هي التي يفوق عدد تلاميذها 85000 وعدد أطرها التعليمية 3500 , إذ يمكن ضم هذه المصالح إلى بعضها حسب عدد الموارد البشرية . ه مؤسسات التربية والتعليم العمومي : تخضع لسلطة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في حدود نفوذها الترابي , وتقدم خدمات التربية والتعليم في سائر مراحل التعليم الأولي والابتدائي والثانوي , بالإضافة إلى العديد من الأنشطة الثقافية ودورات التكوين لفائدة العاملين بها أو بمؤسسات أخرى . يسير مؤسسات التعليم إدارة تربوية ومجالس . ° الإدارة التربوية : تتكون من : بالمدرسة الابتدائية : المدير . بالثانوية الإعدادية : المدير , حارس أو حراس عامين للخارجية , حارس عام للداخلية إن توفرت المؤسسة على داخلية أو مطعم مدرسي . بالثانوية التأهيلية : المدير , مدير الدراسة في حالة توفر المؤسسة على أقسام تحضيرية , رئيس الأشغال بالنسبة للمؤسسات التقنية , حارس أو حراس عامون للداخلية في حالة وجود داخلية أو مطعم مدرسي بالؤسسة . ° من مهام المدير : الإشراف على التدبير التربوي والإداري والمالي للمؤسسة ومراقبة العاملين بها وفقا للقوانين الجاري بها العمل . رئاسة مجالس المؤسسة وتنفيذ مقرراتها . الحرص على السير العادي لعمل المؤسسة وحماية الأشخاص بها وحماية ممتلكاتها . إعداد برنامج العمل السنوي الخاص بأنشطة المؤسسة والعمل على تنفيذه بعد دراسته من قبل مجلس التدبير وعرضه على مدير الأكاديمية الجهوية للمصادقة عليه . إبرام اتفاقيات الشراكة وعرضها على مدير الأكاديمية للموافقة عليها . تمثيل المؤسسة لدى السلطات العمومية . وضع تقرير عام سنوي حول نشاط وسير المؤسسة وعرضه على مجلس التدبير . ° مجالس المؤسسات التعليمية : مجلس التدبير . المجلس التربوي . المجالس التعليمية . مجالس الأقسام . ° جمعيات آباء وأولياء التلاميذ . ويمكن الرجوع إلى مختلف كتب التشريع لمعرفة طريقة انتخاب هذه المجالس وكذا دورها في الآداء التربوي داخل المؤسسات التعليمية إلى جانب أندية المؤسسة الرياضية والفنية , لأن هدف هذا البحث هو تقديم صورة موجزة عن المستجدات الأساسية التي عرفتها منظومتنا التربوية خاصة على مستوى إعادة النظر في المنهج العام , وانخراط المسؤولين بإرادة قوية لتحقيق الجودة المنشودة على مستوى التحصيل , وعلى مستوى ملاءمة نوعية التأهيل لمتطلبات الشغل , وانفتاح المؤسسة التعليمية على محيطها الاقتصادي . كما أطلب من كل المتتبعين ألا يبخلوا على هذا العرض بتعاليقهم خاصة وأنه مجرد محاولة بسيطة قد لا تخلو من بعض الأخطاء . المراجع العتمدة : 1)التشريع التربوي : الجزء الرابع : عبد الفتاح ديبون . 2)مجلة علوم التربية : العدد 27 شتنبر 2004م . 3)بيداغوجيا الإدماج : المفاهيم والمقاربات الديداكتيكية للممارسات الإدماجية . عبد الكريم غريب . 4)مرشدي في اللغة العربية : دليل الاستاذ : السنة الثانية من التعليم الثانوي الإعدادي . عدد القراء : 1 | قراء اليوم : 1