تتعدد القيم التي تتفاعل مع المناخ الديمقراطي، وتمتد لتمس كافة جوانب الحياة، لكننا سنكتفي بإبراز تلك القيم التي ترتبط ارتباطا عضويا بالديمقراطية، ويتعلق الأمر بالفردية والتسامح والمغايرة والحوار. 1. الفردية : هي من الأسس التي ساهمت في إبراز الليبرالية، وفي تحرير الفرد من القيود التي سادت خلال المرحلة الإقطاعية، وهي تنطلق من القناعة التي يتقعد عليها المجتمع الديمقراطي، ألا وهي الإيمان بمركزية الفرد وسموه، ومن ثم التأكيد على أن الفرد بحكم أنه شخص عاقل وحر، ينبغي أن يعتبر كمركز لكافة المبادارات والمسؤوليات. وهي تكمن في أن الفرد قيمة بحد ذاته مرتكزا على المساواة في حريته وحقوقه مع الأفراد الآخرين، مما يعني أن السلطة ينبغي أن تشكل أداة لخدمة هذا الفرد، وتمكينه من الاستفادة الفعلية على قدم المساواة من جميع الحريات والحقوق، كما يتطلب سياسيا حماية الأقلية من هيمنة الأغلبية، فإذا كان صحيحا أن الممارسة الديمقراطية تعتمد على حكم الأغلبية، فإن ذلك لا يلغي أهمية الاستماع لرأي الأقلية، وإدراج مقترحاتها من خلال آليات مناسبة، لأنها في العمق تعبر عن توجهات أفراد ينبغي أن تصان مصالحهم. إلا أن الاعتراف للفرد بهذه الأهمية لا يعني مطلقا استقلاليته الكاملة فبحكم انتمائه لمجتمع ما، هو مطالب في نفس الوقت بالالتزام بالضوابط الموضوعة بشكل ديمقراطي، كما ينتظر منه المساهمة إيجابيا في كافة الجهود الرامية إلى تطور ونماء هذا المجتمع. 2. المغايرة : يستند الحق في المغايرة على فكرة محورية فحواها وجود مصالح متضاربة داخل المجتمع، تبلورها اتجاهات وتيارات متنوعة، ويتركز هذا المبدأ في حرية التعبير، التي تشكل الضمانة الأساسية لإقرار الديمقراطية داخل المجتمع، ويتحقق هذا في ضرورة توفير مناصب ومنابر إعلامية متعددة، سواء تعلق الأمر بتلك المكتوبة أو المرئية أو المسموعة، كما يرتكز على ضرورة تمكين المجتمع المدني من التعبير عن ذاته بوسائل متساوية، مما يطرح ضرورة وجود شفافية إدارية ومالية في ما يتعلق بالجمعيات والمؤسسات المجسدة لهذا المجتمع، فمعرفة المواطن لأساليب التسيير، والقائمين عليها ومصادر التمويل يمكنه من ضمانات للتعامل معها بوعي وثقة كبيرة. إن ترسيخ هذا الحق يعني تنظيم المجتمع بشكل شفاف يسمح لكافة القوى السياسية أو غير السياسية، من التعبير عن وجودها انطلاقا من مكانتها الحقيقية، ومدى تمثيليتها للفئات والمصالح الناطقة باسمها. 3. التسامح : إن الاعتراف بالحق في المغايرة لا يمكن أن يأخذ مضمونه الحقيقي دون مبدإ آخر وهو التسامح الذي يعني بالأساس الابتعاد عن الغلو والتطرف المطلق ومحاكمة النوايا، والأفكار المسبقة في الضبط الاجتماعي، فكلما شاعت ثقافة التسامح كلما تمكنت كافة التناقضات من التعبير عن وجودها، ومن تم ترسيخ التلاحم المجتمعي، وتقوي الشعور بالانتماء إلى كيان معين. ولا ينبغي أن نتصور التسامح على أساس أنه إطلاق العنان للرغبات والمطالب المختلفة، بل إنه يتطلب وجود ضوابط ترتكز على نوع من التوازن بين الحقوق والواجبات، فالتسامح لا يعني الصفح عن الأخطاء والتقصير في أداء الواجب، بل إن المحاسبة الموضوعية شرط لا محيد عنه لبناء مجتمع ديمقراطي عقلاني ومسؤول، فالتسامح يعني بالأساس الإيثار دون تسيب أو تمييع للحقوق والواجبات. 4. الحوار: الحوار يعني سلبا نبذ الاستبداد بالرأي واستعمال الإكراه والعنف في تغليب الرأي الوحيد، وإيجابا إعمال الحوار، ليس فقط كمجرد مطية للنقاش أو ربح الوقت، بل كأداة لتجاوز الخلافات والبحث عن حلول متفق عليها، وهذا ما يؤدي إلى إقرار التعددية في جميع المجالات، وخاصة في المجال السياسي، ويفترض هذا الأمر تدبير المشكلات التي تواجه المجتمع من خلال تنوير الرأي العام، وإحاطته علما بكافة الجوانب المتعلقة بمسألة ما ، كما يتطلب فتح نقاشات واسعة لسير مواقف الاتجاهات المختلفة، والبحث عن تسويات، إما من خلال التوافق أو الحلول الوسطى .compromis إن إشاعة الحوار كأسلوب حضاري ينبغي أن يتم من خلال إدراجه ضمن المؤسسات الاجتماعية الأساسية، كما هو الأمر بالنسبة للعائلة أو المؤسسة التعليمية، إن الديمقراطية كمنظومة شاملة من القيم والمبادئ تتغذى وتغذي في نفس الوقت ، منظومة حقوق الإنسان ، ومن تم لا مناص من تحسين أدائها ومردوديتها باستمرار، حتى تنغرس في المجتمع، وتتمكن من تحقيق التنمية المستدامة ، وإشباع متطلبات الفرد والجماعة وتلك هي غايتها القصوى. إن التنمية تتطلب مواطنين واعين بحقوقهم ومتمسكين بها، لأنها ستكون استجابة للمتطلبات التي تفرضها حقوق الإنسان مثلما أن التنمية هي حفز على هذه الحقوق، ومن ثمة ذلك التوازن والتلازم بين مواطن موقن بحاجاته التي يعتبرها حقوقا غير قابلة للسلب، وبين نظام اجتماعي مدعو للاستجابة لهذه الحاجيات وتلبيتها، فالمجتمع الآسن، في عصر الانفجار الديمغرافي لا يستطيع أن يلبي حاجات الناس ولا أن يستجيب لمطالبهم التي أصبحت بمثابة حقوق مشروعة، إنه مجتمع متخلف بمعنى أنه ليس قادرا على الاستجابة لحاجات الناس بل يمكن أن نذهب إلى حد القول بأن خطاب حقوق الإنسان هو في النهاية خطاب فارغ إن لم يكن مرتبطا بجهود تسعى إلى تلبية وتوفير الحاجات الأساسية للناس، وهي التلبية التي تجعل الإنسان قادرا على الانتقال إلى الإحساس بإنسانيته أولا، فخطاب حقوق الإنسان في مجتمع عاطل وجائع، في مجتمع يشكو من الفاقة وانخفاض المستوى الاقتصادي والتعليمي يبدو وكأنه مجرد ترف فكري لا طائل من ورائه. دليل مرجعي في مجال حقوق الإنسان ذ.الكبير بن حديدو