كتب الأستاذ عبد الكبير طبيح مقالا تفاعلا مع الجدل الذي خلقه مشروع القانون 22-20، الذي بات يعرف ب »قانون تكميم الأفواه »، وفيه يوضح عدم مشروعية تسريب مشروع قانون واصدار مذكرة باسم الوزير المكلف بحقوق الانسان تنتقد مسودة قانون قدمه وزير آخر في نفس الحكومة، متهما إياه بالتشويش في لحظات الإجماع التي تعرفها الحرب على كورونا. إليك النص الكامل للمقال الذي سيثسر الجدل عن الجدل: عرفت شبكات التواصل الاجتماعي أخيرا تعابير عن غضب قوي وجهته لوزير العدل في علاقة مع تسريب مسودة للقانون 20-22 المتعلق بتنظيم المواقع الالكترونية وما يدخل في حكمها. واستغل البعض المناسبة للهجوم على حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مع ان وزير العدل احتراما منه لواجب التحفظ الذي خرقه البعض، رفض الرد على الأسئلة التي وضعها عليه صحافيو جريدة الاتحاد الاشتراكي حول الموضوع. وفق ما نشرته جريد الاتحاد الاشتراكي تحت عنوان رسالة الاتحاد في عددها الصادر بتاريخ 29/4/2020. والذي حددت موقف الحزب ما يروج ضده. مما يضع أكثر من سؤال حول أسباب حشر حزب الاتحاد الاشتراكي فيما يروج اليوم. في الوقت يهتم كل المغاربة بإشادة العالم بحكمة المغرب في تدبير حالة الطوارئ الصحية وبالإجراءات التي اتخذها لمواجهة وباء CODIV 19 ومنها الإشادة التي عبر عليها رئيس حزب La France Insoumise السيد Jean Luc Mélenchon في البرلمان الفرنسي أخيرا. وفي الوقت ينشغل المواطن البسيط يوميا بالآثار المالية والاجتماعية لتلك التدابير أمام عجز واضح لبعض أعضاء الحكومة في المبادرة للتخفيف من تلك الاثار المترتبة عنها. وفي الوقت الذي لا زال نساء ورجال القطاع الصحي من أطباء وممرضين ورجال الإسعاف وكذا نساء ورجال الأمن بكل فئاتهم يرابطون في الخط الامامي لهذه الحرب غير المسبوقة. وفي الوقت الذي عاين الجميع الدرس القوي الذي قدمه مواطن من الراشيدية بعد ان توصل بالدعم المالي ب400.00 درهم، فأبى أن لا يغادر الوكالة إلا بعد ان يساهم ب100.00 من ذلك المبلغ في الصندوق الذي أسس لمواجهة هذا الوباء. في هذه الظروف بدل تعزيز وضع التضامن الوطني فضل البعض خلق حالة من التشويش والتشكيك غير مفهومة المقاصد , بالقيام بتسريب مذكرة للوزير المكلفة بحقوق الانسان. بالموازاة مع تسريب المادة 14 وحدها من مسودة مشروع 20-22 التي تتكلم على معاقبة الدعوة الى مقاطعة البضائع والخدمات. مع ان ذلك القانون يتكون من 25 مادة. -فهل ذلك التسريب مشروع ام غير مشروع. -وهل صادق الوزير المكلف بحقوق الانسان عليه ذلك القانون ام لا. -وهل مشروع قانون 20-22 يمس بالحق في التعبير المكفول دستوريا ام لا. بخصوص عدم مشروعية تسريب مسودة مشروع القانون. من غير الضروري التذكير بكون من أهم ما أتي به دستور 2011 هو تعريفه للنظام السياسي في المغرب بان اضفى عليه طابع الديموقراطية التشاركية. كما يتبين ذلك من الفصل الأول منه. والتي تعني من جملة ما تعنيه ان تسعى الحكومة الى مشاركة المواطنات والمواطنين في التشريعات التي تريد تطبيقها عليهم. لذلك فإن من الصائب بل من الواجب ان يقوم الوزراء، كل في مجال اختصاصه وليس بتطاول وزير على اختصاصات وزير آخر, . بنشر مسودات مشاريع القوانين من اجل استمزاج الراي العام بخصوصها ومشاركته في انتاجها لكي يكون مستعدا للقبول بتطبيقها عليه. وهنا نكون امام تسريب مشروع. وكمثال على التسريب المشروع يمكن ان نأخذ التداول الذي قام به وزير العدل حول مسودة مشروع التعديلات التي يراد إدخالها على قانون المسطرة المدنية والجنائية من اجل استعمال الاليات الرقمية في تدبير تلك المساطر القضائية. اذ توصل به رسميا كل الفاعلين في المؤسسات القضائية والمؤسسات التمثيلية للمحامين. بل تم تداوله حتى خارج تلك المؤسسات ليكون الاشراك موسعا. بينما المثال على التسريب غير المشروع نجد نموذج له في تداول مذكرة باسم الوزارة المكلفة بحقوق الانسان مرفقة مع رسالة من رئيس الحكومة موجهة الى الأمين العام للحكومة. وتتمثل عدم مشروعية ذلك التداول في: أولا: انه تم تسريب تلك المذكرة في تزامن مع تسريب نص المادة 14 وحدها , وهي المادة التي تجرم وتعاقب على الدعوة لمقاطعة البضائع والمنتوجات والخدمات. مما اثار رد فعل قوي من قبل شبكات التواصل الاجتماعي. وكأن القانون 20-22 يتكون فقط من تلك المادة. بينما تم إخفاء 24 مادة الأخرى التي يتكون منها القانون المذكور. ثانيا: نشر بعض المواقع تلك المذكرة ووصفها ب » مرافعة ضد قانون 20-22 « . أي ان ذلك الموقع أراد ان يبلغ رسالة للقارئ مفادها ان الوزير المكلف بحقوق الانسان غير مواقف على ذلك القانون لهذا رفع ضده وهذه هي مذكرة مرافعته. لكن بالرجوع الى تلك المذكرة نجدها تدفع الى ابداء الملاحظات التالية بخصوصها: 1-ان مذكرة الوزير المكلف بحقوق الانسان تنتقد مسودة قانون قدمه وزير آخر في نفس الحكومة. هو وزير العدل باعتباره هو المسؤول على ذلك القانون. علما ان عدم المشروعية هنا تتجلى في خرق مبدأ التحفظ لان النقاش بين الوزراء في مجلس الحكومة هو نقاش داخلي مشمول ومحمي بقواعد واعراف التحفظ الجاري بها العمل بها في كل دول العالم وفي كل العصور. ولم تجد لها استثناء , مع الأسف , إلا في تسريب مذكرة الوزير المكلف بحقوق الانسان في تزامن مع تسريب المادة 14 التي تمنع و تعاقب الدعوى للمقاطعة. علما ان من مهام الوزير المكلف بحقوق الانسان هو ضمان حماية حرمة المجالس التي هي حق من حقوق الانسان. 2-أنه من غير المفهوم ان تخصص تلك المذكرة أكثر من نصف صفحاتها أي 6 صفحات من أصل 11 صفحة, لنقل فصول من الدستور و وفصول من بعض الاتفاقيات الدولية, لم يبق المواطن العادي في حاجة لمن يذكره بها. لكون أحدث الجمعيات المحلية تتداول تلك الفصول بكل بساطة. فهل باقي وزراء الحكومة لا يعلمون ما ينص عليه دستور في بلادهم وهل لا يعلمون بالاتفاقيات التي صادق عليها بلدهم. من الأكيد انهم يعلمون حق العلم بكل بذلك. فما هي ادن الضرورة لملء مذكرة وزير المكلف بحقوق الانسان ل6 صفحات بما يعلمه الجميع. 3-أنه بالرجوع الى بيان اجتماع مجلس الحكومة الذي عقد يوم 19/3/2020 يتبين منه أن المشروع صادق عليه جميع الوزراء. وهو الامر الثابت من الإشارة الى صيغة » مصادقة الحكومة « . وهو ما يعني عدم وجدو أي اعتراض على القانون من قبل أي وزير بمن فيهم الوزير المكلف بحقوق الانسان. وانما تم الاتفاق على ادخال بعض الملاحظات من قبل لجنة تقنية وأخرى سياسية. وبالرجوع الى قانون 20-22 ,حسب الصيغة المسربة و المتداولة في شبكات التواصل الاجتماعي. نجده يتكون من 25 مادة , وليس من المادة وحيدة التي تعاقب على الدعوى لمقاطعة البضائع. وهو ما اثار غضب مستعملي شبكات التواصل تلك. وأنه بالرجوع الى رسالة رئيس الحكومة المبعوثة للأمين العام للحكومة المسربة هي كذلك, أن مذكرة الوزير المكلف بحقوق الانسان التي تتضمن ما اقترحه من تعديلات بعث بها هذا الأخير لرئيس الحكومة بعد انعقاد مجلس الحكومة وبعد المصادقة على مشروع القانون. اذ ان المجلس انعقد يوم 19/3/202 والمذكرة المسربة بعث بها الوزير المكلف بحقوق الانسان الى رئيس الحكومة يوم 27/3/2020 أي 8 أيام بعد انقاد مجلس الحكومة والمصادقة على مشروع القانون. و بخصوص ما حملته مذكرة الوزير المكلف بحقوق الانسان فيما يتعلق بالمادة التي تعاقب على الدعوة للمقاطعة نجده ضمن فيها ما يلي: « يلاحظ (يقول الوزير المكلف بحقوق الانسان) ان المادة 17 (بينما في المسودة المسربة « المادة تحمل رقم 14) عاقبت على الدعوة الى مقاطعة المنتجات و السلع بعقوبة تتراوح « بين ستة اشهر و ثلاثة سنوات الى اخره… كما اقترح الوزير المكلف بحقوق الانسان بخصوص تلك المادة ما يلي: » وفي هذا الشأن نقترح (يقول الوزير المكلف بحقوق الانسان) مراجعة العقوبة بتقليصها » « كما نقترح على مستوى التجريم ان نبقى في حدود إعاقة الممارسة للنشاط الاقتصادي « تماشيا مع فلسفة القانون رقم 12-104 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة ولا سيما ما « ورد في المواد 6 و75 و76 لكن ما اقترحه الوزير المكلف بحقوق الانسان يثير الملاحظات التالية: انه لم يعترض على تجريم الدعوة الى مقاطعة المنتجات والبضائع والخدمات , و انما يقترح فقط تقليص العقوبة على لدعوى للمقاطعة. لكنه يوافق على المعاقبة على الدعوة الى المقاطعة. خلافا للرسالة التي ارادت تبليغها بعض المواقع عندما نشرت تلك المذكرة تحت عنوان » مرافعة الرميد ضد قانون 20-22 « . لكي يترك في ذهن القارئ ان الوزير المكلف بحقوق الانسان كان ضد ذلك القانون. وضد معاقبة الدعوى للمقاطعة. لأنه اقترح فقط ان تستبدل صيغة » الدعوة للمقاطعة » بصيغة » إعاقة الممارسة للنشاط الاقتصادي » واعتبر ان هذه الصيغة تتماشى مع قانون 12-104 أي القانون المتعلق بحرية الأسعار. لكن اقتراح الوزير المكلف بحقوق الانسان ذاك يطرح اشكالين لهما معا طابعا قانونيا صرفا لا يغيب على أي أحد. الاشكال الأول: ان اقتراح الوزير المكلف بحقوق الانسان استعمال صيغة » إعاقة الممارسة للنشاط الاقتصادي » يؤدي الى تجريم ممارسة الحق في الاضراب لان الاضراب هو عمليا الدعوة الى » وقف النشاط الاقتصادي لمقاولة معينة « . مع ان الاضراب هو حق دستوري. فكيف لم يتم الانتباه الى هذا الاشكال القانوني مع ان مهام الوزير المكلف بحقوق الانسان هي تحصين الحقوق المنصوص عليها في الدستور ومنها الحق في الاضراب. الاشكال الثاني هو الإحالة الخاطئة على قانون 12-104 بدعوى ان صيغة » إعاقة الممارسة للنشاط الاقتصادي » تتماشى مع هذا القانون الجاري به العمل. مدعما هذا الاقتراح بالإشارة الى الفصل 6 و75و76 من ذلك القانون. وهي إشارة تعني بالنسبة لمن يقرأها , وخصوصا انها صادرة من الوزير المكلف بحقوق الانسان , ان القانون 12-104 هو كذلك يجرم إعاقة الممارسة للنشاط الاقتصادي. لكن بالرجوع الى القانون 12-104 نجد: 1-ان المادة 6 من ذلك القانون تتعلق بعرقلة المنافسة وليس عرقلة الممارسة للنشاط الاقتصادي. 2-ان المادة 75 تعاقب على إعاقة المنافسة. كما ان المادة 76 تعاقب على افتعال رفع او خفض الأسعار. ولا تعاقب ولا تتكلم على الدعوى للمقاطعة. أي ان القانون 12-104 الذي يطالب الوزير المكلف بحقوق الانسان باعتماده , هو قانون لا علاقة له بموضوع تنظيم شبكات التواصل الاجتماعي. لكن بالرجوع الى مسودة القانون 20-22 المتداولة , وفي انتظار صدور المشروع القانون الرسمي , نجد ان ذلك القانون يتكون من 25 مادة وليس مادة واحدة تتعلق بمنع المقاطعة التي تم تسريبها للأغراض المشار اليها اعلاه. انها تلك المواد تتعلق بما يلي: -المواد من 1 الى 4 تتعلق بالتعريف بالأشخاص المعنيين بالقانون. -المواد من 5 الى 7 تتعلق بجهة الاشراف والمراقبة على تطبيق ذلك القانون. -المواد من 8 الى 9 تحث المعنيين بهذا القانون على وضع نظام داخلي خاص بهم لهم له غرض وقائي وحمائي. -المواد من 10 الى 12 تحدد الجزاءات الإدارية لبعض المخالفات بدون حاجة الى عرضها على المحكمة. بينما المواد التي تتعلق بالمنع والتجريم والعقوبات فهي: -المادة 13 تعاقب على نشر كيفية تصنيع معدات التدمير المعدة من مساحيق او مواد متفجرة او مواد نووية او بيولوجية او كيماوية. المادة 14 وهي موضوع الاعتراض المجتمعي , تعاقب على الدعوى الى مقاطعة منتوجات او بضائع او خدمات او التحريض على ذلك. سأعود لها فيما بعد. المادة 15 تتعلق بمعاقبة التحريض على سحب الأموال من البنوك. المادة 16 تتعلق بمعاقبة الترويج لخبر زائف. المادة 17 تتعلق بمعاقبة الترويج لخبر زائف من شانه المس بالنظام العام وبأمن الدولة واستقرارها والسير العادي للمؤسسات. المادة 18 تتعلق بمعاقبة الترويج لخبر زائف قصد التشكيك في جودة وسلامة بعص المتوجات. المادة 19 تتعلق بمعاقبة الخبر الزائف الذي من شأنه الحاق الضرر بشخص ذاتي او اعتباري. المادة 20 تتعلق بمعاقبة انتحال الهوية الالكترونية للغير واستعمال معطيات من شانها التعرف عليه بقصد تهديد طمأنينة المعني بها او طمأنينة الغير المادة 21 تتعلق بمعاقبة ابتزاز أي شخص عن طريق التهديد بنشر أي تسجيل او صورة او حوار ذو طابع جنسي او غيره. المادة 22 تتعلق بمعاقبة نشر العنف والاعتداء على اشخاص. المادة 23 تتعلق بمعاقبة نشر محتوى عنيف من شانه المس بالسلامة النفسية او الجسدية للقاصرين او ذوي العاهات العقلية. المادة 24 تتعلق بمعاقبة نشر محتوى اباحي موجه للقاصرين. المادة 25 تتعلق بمعاقبة نشر محتوى يحرض القاصرين على المشاركة في العاب خطيرة. وانه يتبين من 24 مادة من القانون 20-22 انها كلها يتعلق بمعاقبة أفعال لها طابع اجرامي خطير لا يختلف أي أحد على ضرورة اصدار قانون يحمي المجتمع وافراده من تلك الجرائم. ولكن الغضب انصب على المادة 14 التي تتكلم على المعاقبة على الدعوة لمقاطعة المنتوجات او البضائع او الخدمات. فهذه المادة أمام رفضها المعلن: 1-يجب معالجتها بما يحمي ويحصن الحق في التعبير المكفول دستوريا. وان لا تكون وسيلة للتراجع على ما حققه المغرب من تقدم في هذا المجال والذي يجب تعزيزه وليس التراجع عليه. لان تقدم الدول في مجال احترام حرية التعبير هو الشرط الضروري لفرض الاحترام الدولي ولربح كل الرهانات في جميع القضايا الكبرى للمغرب والتقدم في مجال صيانة الحقوق التي نص عليها الدستور. وليس اصدار قوانين تمس وتهدم التقدم الذي حقق المغرب في العقدين الأخيرين. 2- يجب معالجتها بما يحمي ويحصن حق المواطن في التشكي من أي منتوج يمس السلامة الصحية للمواطن. إن الإرادة في تنظيم مجال معين لم يكن سابقا خاضعا لأي تنظيم, ومنها مجال شبكات التواصل الاجتماعي, يجب ان تستحضر ان تقنين حق سبق للمواطن ان مارسه بدون أي رقابة او تنظيم, يستوجب على الدولة ان تحدث بالموازاة مع ذلك, آليات تشجيع المعنين به للدخول في المنظومة القانونية الجديدة التي ستنظم ذلك القطاع وذلك: بجعل قطاع شبكات التواصل الاجتماعي مجالا لخلق مناصب للشغل لاستيعاب المهندسين والمهنين وأصحاب الكفاءات في مجال المعلوميات الذي هو مجال يعرف مواهب لا تنضب. بتحمل الدولة عبئ التشجيع على خلق مقاولات ذاتية عن طريق الدعم في التكوين في تسيير المقاولة. بتوفير الدعم ذو الطبيعة المالية لهذا النوع من المقاولات المتمثل في ادماج العاملين في كل المنظومات القانونية التي تتمتع بامتيازات ضريبية سواء منها الإعفاءات او التخفيضات وغيرها من التحملات المالية. وذلك مقابل الالتزامات الجديدة التي سيدخلها القانون على طريقة اشتغال شبكات التواصل الاجتماعي من اجل الإسراع بإدماج هذا القطاع الواعد في النسيج الاقتصادي المغربي بالنظر لما يختزنه من طاقات شابة وخلاقة وموهوبة في مجال المعلوميات , حتى لا يقع ضحية لاستغلال من أنواع مختلفة ضدا على المصلحة العامة لكل المواطنين و المواطنات.