رفع مصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان مذكرة إلى الأمين العام للحكومة بشأن مشروع قانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح، والشبكات المماثلة، الذي يتضمن حسب التسريبات التي تناسلت حوله منذ يوم أمس الاثنين، مقتضيات خطيرة تضيق على حرية الرأي التعبير، الشيء الذي حذا بالعديد من النشطاء إلى الدعوة لإسقاطه. وقدم الرميد في مذكرته مرافعة قانونية تبرز عيوب هذا المشروع وعدم تناسبه مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وخاصة ما ورد في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومع الدستور المغربي نفسه.
وأكد الرميد أن كل المعايير الدولية ذات الصلة تشدد على أن الدولة ينبغي أن تلتزم بحماية جميع أشكال التعبير ووسائل نشرها بما فيها الأشكال السمعي البصرية، ووسائل التعبير الإلكترونية والشبكية. وأن القيود المسموح بها للدول للحد من هذه الحرية هي استثناء على القاعدة العامة التي تخص الحرية. وأشار الرميد أن أي استثناءات على هذه الحرية يجب أن تكون متلاءمة مع اختبارات صارمة تتعلق بالضرورة والتناسب، وأن لا تستعمل لتبرير كبح أي دعوة إلى إقامة نظام ديمقراطي وتحقيق مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. وأن لا يمنح القانون الأشخاص المسؤولين عن التنفيذ سلطة تقديرية مطلقة في تقييد جرية التعبير، وأن لا تكون وسيلة لقمع أو حجب معلومات عن الجمهور، أو لمقاضاة الصحفيين أو الباحثين أو الناشطين، أو المدافعين عن حقوق الإنسان. وأكد الرميد أن هذه الاستثناءات يجب أن لا تشمل أيضا حظر ممارسة المعارضة السياسية ونقد الشخصيات العامة وكل ما يتصل بذلك. استغلال الوضع الصعب للبلاد وشدد الرميد على أن الوضع الصعب الذي تجتازه البلاد، يتطلب وحدة الصف واجتماع الكلمة، وتعبئة طاقات الأمة وراء مؤسسات البلاد بمعنويات مرتفعة وحس وطني قوي، كما أنه وبالنظر إلى أن المرحلة التي نعيشها تعبأت فيها طاقات واسعة من المواطنين لمواجهة كل الأخبار الزائفة، وكشفها والتنكير على أصحابها الشيء الذي يبعث على عدم ملاءمة إصدار أي قانون يفضي إلى إضعاف ثقة الناس واجتماع كلمتهم، بل واعتبار أن الحكومة استغلت الظروف الصعبة التي تمر منها البلاد لتمرير قانون يقيد حرية التعبير والرأي. وأبرز الرميد ن هذا المشروع إذا استثنى في المادة 4 الإصدارات الإلكترونية التي تهم الصحفيين فإنه سيؤدي إلى مفارقة غير مقبولة، وتتجسد بحسبه، في أن الفعل الواحد الذي يأتيه شخصان، سيخضع أحدهما لقانون الصحافة بما تضمنه من ضمانات على خلاف الشخص الآخر الذي سيخضع لهذا القانون، كما أن التمايز سيكون أيضا على مستوى العقوبات، بين عقوبات مخففة في قانون الصحافة، وعقوبات مشددة في هذا المشروع، وهو ما لا يستساغ طبقا لم نص عليه الدستور في الفصل السادس. وأوضح الرميد أن المشروع عندما اعتمد صيغة الإدارة أو الهيئة المعينة المكلفة بالإشراف على ضبط الخدمات المقدمة من طرف شبكات التواصل الاجتماعي في المواد 5 و6 7 وما بعدها، لم يحدد ماهيتها وكيفية تشكيلها ونصها القانوني المرجعي، وهو ما يفيد أن الحكومة لا تملك تصورا عن الجهة التي ستقوم بهذه المهمة الأساسية، مما يتعين معه إنجاز تصور واضح في الموضوع لرفع هذا الغموض. معضلة الترخيص والتوقيف وأكد الرميد أن اشتراط المادة 6 لإحداث شبكات التواصل الاجتماعي الحصول على ترخيص تسلمه الإدارة أو الهيئة المعينة، يطرح إشكالا يتعلق بمسطر الترخيص وشروط منحه وسحبه، فضلا عن كون هذه الشبكات لا وجود مادي لها بالمغرب، مما يثير السؤال حول الكيفية التي سيتم بها ضبط موضوع يرتبط بشبكات دولية لا تقع تحت سلطة الدولة المغربية. وأكد الرميد أن ما تضمنته الفقرة 2 من المادة 8 من مقتضى يعطي لمزود الخدمة سلطة التحقق من عدم مشروعية محتوى معين وحذفه أو توقيفه أو تعطيل الوصول إليه بفتح الباب أمام المزودين لإعمال سلطات واسعة كان ينبغي ألا تكون إلا للقضاء، وهنا كان يمكن الاكتفاء بالتوقيف المؤقت إلى حين بت القضاء في الموضوع. وأضاف ” أنه يلاحظ أن الفقرة 03 التي ورد فيها “حذف أو حظر كل محتوى إلكتروني وذلك في آجال 24 ساعة من تاريخ تلقي الشكاية” لم تحدد مصدر الشكاية هل الإدارة أم الأغيار؟. وشدد الرميد على أن ما ورد في الفقرة 6 من المادة 8 بخصوص "الاستجابة الفورية لكل طلب تقدمت به الجهات القضائية أو الأمنية…،" يجعل الباب مفتوحا على نطاق واسع لممارسة صلاحيات خارج الرقابة القضائية. واقترح الرميد في مذكرته تعويض عبارة "الجهات القضائية أو الأمنية"، بعبارة "الجهات القضائية والجهات الأمنية التي تعمل تحت رقابتها”. الدعوة للمقاطعة وأشار الرميد أنه يلاحظ أن “المادة 17 عاقبت على الدعوة إلى مقاطعة المنتجات والسلع بعقوبة تتراوح بين 6 أشهر و3 سنوات في حين أن المادة 15 عاقبت على التحريض على ارتكاب الجنايات والجنح بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 299-1 من القانون الجنائي، والتي حددت العقوبة ما بين 03 أشهر وسنة، فهل خطورة الدعوة إلى مقاطعة المنتجات أكثر من خطورة التحريض على ارتكاب جناية . واقترح الرميد مراجعة حدي العقوبة بتقليصها، كما اقترح على مستوى التجريم، أن يبقى في حدود إعاقة الممارسة للنشاط الاقتصادي. الأخبار الزائفة وأشار الرميد أن مقتضيات المواد 19 و20 و21 و22 التي تنص على تجريم نشر وتقاسم وترويج محتوى إلكتروني يتضمن أخبارا زائفة ومعاقبة الجميع بعقوبة واحدة، دون التمييز بين الناشر والمتقاسم والمروج ودون اعتبار لعنصر سوى النية من عدمه، فيه تسوية غير مستساغة لأفعال متباينة ومختلفة، فليس من صنع خبر زائفا عن سوء نية، كمن تلقاه وتقاسمه لحسن نية. ويضيف الرميد ” أنه كان ينبغي التمييز بالنسبة للخبر الزائف، بين من يختلقه ويصنعه من جهة، وبين من ينشره أو يروجه أو يتقاسمه بسوء نية، ولكنه يساهم في توزيعه للغايات المشار إليها في مقتضيات المشروع، من جهة ثانية، وهذان الصنفان معا يستحقان العقوبات المقترحة لهما”. وأبرز الرميد أن المادة 19 من المشروع التي تهم تجريم الأخبار الزائفة تعاقب على ذلك بالحبس من 3 أشهر إلى سنتين وغرامة من 1000 إلى 5000 درهم أو إحدى هاتين العقوبتين بمجرد النشر، أما إذا أخل الخبر بالنظام العام أو أثار الفزع بين الناس فإن العقوبة تكون مضاعفة، غير أن الفصل 72 من قانون الصحافة، يكتفي بعقوبة بالغرامة التي تتراوح بين 20000 و200000 درهم دون عقوبة الحبس، ويتشرط لقيام الجريمة عنصر سوء النية، ويجعلها عقوبة شاملة للحالتين المشار إليها في المادة 19 من المشروع. وأكد الرميد في هذا الباب “أنه من شأن إقرار قانونين بعقوبتين مختلفتين لأفعال إجرامية واحدة بناء على التمييز بين المواطنين على أساس الانتماء إلى فئة الصحافة من عدمه أن يجسد خرقا واضحا للدستور في نصه عليه في الفصل 6 الذي ينص على أن "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيه السلطات العمومية، متساوون أمامه، ويلزمون بالامتثال له. التستر على تجاوزات المسؤولين وأوضح الرميد أن المادة 25 من المشروع التي تجرم نشر أو تقاسم أو ترويج محتوى إلكترونيا يتضمن عنفا او اعتداء جسديا على شخص قد يفهم منها أن الغاية هي التستر على التجاوزات في حق المواطنين، من قبل القائمين على إنفاذ القانون، وتأمنيهم للإفلات من العقاب. واقترح الرميد تعديل هذه المادة وقصرها على الاعتداءات ذات الطبيعة الإرهابية أو الجرائم الفظيعة.