بعد مصادقة المجلس الحكومي الذي انعقد بتاريخ 19 مارس الماضي، على مشروع قانون رقم 22.20، المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، تقدم به وزير العدل الاتحادي، محمد بنعبد القادر، أحال رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، بتاريخ 02 أبريل الجاري، مذكرة على الأمين العام للحكومة، محمد حجوي، مصدرها وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، المصطفى الرميد. وتتضمن هذه المذكرة ملاحظات وزير الدولة بشأن مشروع القانون المذكور، الذي جرى إضافته على نحو مستعجل إلى جدول أعمال المجلس الحكومي بتاريخ 19 مارس الفارط. إذ لم يوزع على الوزراء قبل انعقاد اجتماع الحكومة الأسبوعي، بل اطلعوا عليه لاحقا، ثم إنه لا يوجد له أي أثر بالموقع الرسمي للأمانة العامة للحكومة، عكس ما هو معمول به، علاوة على عدم تمكين الصحافيين من مسودته رغم إلحاحهم في طلبها. وبعد إخضاع فصول هذا النص التشريعي، الذي أثار جدلا غير مسبوق في “فيسبوك” عقب تسريب بعض مضامينه ليلة أمس الإثنين، لمشرحة دقيقة عززها بفصول الدستور وبعض المواثيق الدولية؛ حذّر الرميد في مذكرته التي اطلع “الأول” على تفاصيلها من استغلال الظرف الصعب الذي يجتازه المغرب حاليا لإصدار قانون يقيد حرية التعبير والرأي، مشددا على ضرورة الحفاظ على وحدة الصف واجتماع الكلمة. استغلال “كورونا” لتقييد حرية المغاربة يقول الرميد في مذكرته إن “الوضع الصعب الذي تجتازه البلاد، يتطلب وحدة الصف واجتماع الكلمة، وتعبئة طاقات الأمة وراء مؤسسات البلاد بمعنويات مرتفعة وحس وطني قوي، كما أنه وبالنظر إلى أن المرحلة التي نعيشها تعبأت فيها طاقات واسعة من المواطنين لمواجهة كل الأخبار الزائفة، وكشفها والتنكير على أصحابها الشيء الذي يبعث على عدم ملاءمة إصدار أي قانون يفضي إلى إضعاف ثقة الناس واجتماع كلمتهم، بل واعتبار أن الحكومة استغلت الظروف الصعبة التي تمر منها البلاد لتمرير قانون يقيد حرية التعبير والرأي”. مفارقة غير مقبولة وأكد الرميد أن هذا المشروع إذا استثنى في المادة 4 الإصدارات الإلكترونية التي تهم الصحفيين فإنه سيؤدي إلى مفارقة غير مقبولة، ويوضح أن الفعل الواحد الذي يأتيه شخصان، سيخضع أحدهما لقانون الصحافة بما تضمنه من ضمانات على خلاف الشخص الآخر الذي سيخضع لهذا القانون، كما أن التمايز سيكون أيضا على مستوى العقوبات، بين عقوبات مخففة في قانون الصحافة، وعقوبات مشددة في هذا المشروع، وهو ما لا يستساغ طبقا لما نص عليه الدستور في الفصل السادس. وأبرز وزير الدولة أن المشروع عندما اعتمد صيغة الإدارة أو الهيئة المعينة المكلفة بالإشراف على ضبط الخدمات المقدمة من طرف شبكات التواصل الاجتماعي في المواد 5 و6 و7 وما بعدها، لم يحدد ماهيتها وكيفية تشكيلها ونصها القانوني المرجعي، وهو ما يفيد بأن الحكومة لا تملك تصورا عن الجهة التي ستقوم بهذه المهمة الأساسية، مما يتعين معه إنجاز تصور واضح في الموضوع لرفع هذا الغموض. هذا علما أن مثل هذه الهيئات لا يمكن أن تختص بالإشراف على الخدمات المقدمة كما ورد في النص لأن الإشراف على هذه الخدمات يتم من قبل هيئات خارج المغرب، ولهذا ينبغي أن تقتصر مهامها على الضبط الداخلي وتتبع استعمال الخدمات المقدمة. ترخيص وصلاحيات خارج الرقابة وذكر الرميد أن تطبيق ما ورد في المادة 3 يتطلب التأكد من الإمكانيات القانونية والتقنية المتاحة لمزودي الخدمات، قبل إقرار مسؤوليتهم عما ينشر بواسطة شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح، وتعني الإمكانية القانونية هنا، هل مسموح لهؤلاء المزودين بالاطلاع على المراسلات التي يعطيها الدستور حماية خاصة؟ وهل يمكنهم مراقبة هذا النوع من النشر؟. وأما الإمكانيات التقنية، فيقصد بها، هل يمكنهم من الناحية العملية والتقنية مراقبة كل ما ينشر أو يتم تداوله عبر الوسائط المذكورة؟ ومن جهة أخرى، هل يمكن للمزودين تقنيا التحكم في مسألة حذف المحتوى غير المشروع أو منع نشره وتداوله؟ وكذلك، ما الأمر بالنسبة للذين يستعملون اسم نطاق أجنبي، هل يمكن التحكم فيه تقنيا لهذه الغاية؟ واقترح الرميد بدل الحديث في المادة 4 عن منصات الأنترنيت التي تقدم محتوى صحفيا أو تحريريا يستحسن تسميتها بالصحافة الالكترونية كما ورد في القانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر (المواد 2 و33 وما يليها. ملاحظة أخرى توقف عندها الرميد في مذكرته، تتعلق بما ورد في الفقرة 6 من المادة 8 بخصوص “الاستجابة الفورية لكل طلب تقدمت به الجهات القضائية أو الأمنية…،” وهو ما يجعل بحسبه الباب مفتوحا على نطاق واسع لممارسة صلاحيات خارج الرقابة القضائية، واقترح تعويض عبارة "الجهات القضائية أو الأمنية"، بعبارة "الجهات القضائية والجهات الأمنية التي تعمل تحت رقابتها. الحبس والغرامة ضد دعاة المقاطعة كشفت مذكرة الرميد معطى خطير جدا، من شأن تمريره بالصيغة التي جاء بها من طرف الحكومة أن يُدخل جميع المغاربة إلى السجون. فقد ورد في مذكرة الرميد أن المادة 17 تعاقب على الدعوة إلى مقاطعة المنتجات والسلع بعقوبة تتراوح بين 6 أشهر و3 سنوات حبسا، بينما تعاقب المادة 15 على التحريض على ارتكاب الجنايات والجنح بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 299-1 من القانون الجنائي، والتي حددت العقوبة ما بين 03 أشهر وسنة. في هذا الصدد يتساءل الرميد: هل خطورة الدعوة إلى مقاطعة المنتجات أكثر من خطورة التحريض على ارتكاب جناية؟ ويقترح وزير العدل الأسبق مراجعة حَدي العقوبة بتقليصها، كما اقترح على مستوى التجريم، أن يبقى في حدود إعاقة الممارسة للنشاط الاقتصادي، تماشيا مع فلسفة القانون رقم 12.104. الأخبار الزائفة.. بين الناشر والمروج أكد الرميد أن مقتضيات المواد 19 و20 و21 و22 التي تنص على تجريم نشر وتقاسم وترويج محتوى إلكتروني يتضمن أخبارا زائفة ومعاقبة الجميع بعقوبة واحدة، دون التمييز بين الناشر والمتقاسم والمروج ودون اعتبار لعنصر سوى النية من عدمه، فيه تسوية غير مستساغة لأفعال متباينة ومختلفة، فليس من صنع خبر زائفا عن سوء نية، كمن تلقاه وتقاسمه لحسن نية. ويضيف الرميد " أنه كان ينبغي التمييز بالنسبة للخبر الزائف، بين من يختلقه ويصنعه من جهة، وبين من ينشره أو يروجه أو يتقاسمه بسوء نية، ولكنه يساهم في توزيعه للغايات المشار إليها في مقتضيات المشروع، من جهة ثانية، وهذان الصنفان معا يستحقان العقوبات المقترحة لهما”. وأضاف المسؤول الحكومي في مذكرته أن المادة 19 من المشروع التي تهم تجريم الأخبار الزائفة تعاقب على ذلك بالحبس من 3 أشهر إلى سنتين وغرامة من 1000 إلى 5000 درهم أو إحدى هاتين العقوبتين بمجرد النشر، أما إذا أخل الخبر بالنظام العام أو أثار الفزع بين الناس فإن العقوبة تكون مضاعفة، غير أن الفصل 72 من قانون الصحافة، يكتفي بعقوبة بالغرامة التي تتراوح بين 20000 و200000 درهم دون عقوبة الحبس، ويتشرط لقيام الجريمة عنصر سوء النية، ويجعلها عقوبة شاملة للحالتين المشار إليها في المادة 19 من المشروع. ولفت المصدر ذاته إلى أنه “من شأن إقرار قانونين بعقوبتين مختلفتين لأفعال إجرامية واحدة بناء على التمييز بين المواطنين على أساس الانتماء إلى فئة الصحافة من عدمه أن يجسد خرقا واضحا للدستور في نصه عليه في الفصل 6 الذي ينص على أن "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيه السلطات العمومية، متساوون أمامه، ويلزمون بالامتثال له”.