حلقوا لحيهم، واقتنوا الجوز والفستق والتمر ومواد التنظيف...وفجأة اختفوا من الدوار والحي.. فيهم البستاني والبائع المتجول كواحد من المنتمين إلى جوقة "الفراشة" المغلوب على أمرهم، وفيهم أيضا بائع الثوب والطبيب المحامي.. أغلبهم يقطنون شمال المملكة ولهم سوابق في الاعتقال والانتماء إلى جماعات دينية.. "فبراير.كوم" تحكي رواية بضعهم. هذا مسار متطوعين مغاربة اختاروا المشاركة في القتال الدائر بين نظام بشار الأسد والمجموعات المسلحة. من الرباط إلى دمشق، الرحلة متعبة لكن الكثيرين منهم ذللوا كل صعابها باسم "الجهاد". وقبل أن يغادر المتطوعون المغرب حصلوا على تزكية دينية من توقيع شيوخ سلفيين مغاربة باركوا "الجهاد المحمود" في سوريا ودعوا إلى "نصرة" المقاتلين فيها. حسب بعض الشهادات استقتها "فبراير.كم" من مصادر مطلعة، يتعلق الأمر بمغاربة الصدفة وحدها لا تكفي لتفسر لماذا ينحدر أغلبهم من نفس المنطقة، من نواحي تطوان، طنجة، الحسيمة وبالضبط إمزورن... يحكي أحد مصادرنا أن أربعة شبان من إمزورن وصلوا إلى سوريا عبر الحدود التركية، وذلك منذ فاتح غشت الماضي، هدفهم واحد الجهاد ضد نظام بشار، ودون الحاجة لذكر أسمائهم الكاملة فمحدثنا صرح أن ل"مغاربة سوريا الجدد" توجهات سلفية واضحة وأغلبهم لم يصل سن الثلاثين بعد، كما أن لبعضهم سوابق في السجن، إذ أن المدعو حكيم مثلا كان معتقلا سابقا ضمن خلية تطوان بتهمة "نية الهجرة للعراق لالتحاق بجماعة الزرقاوي" فكان مصيره أن عُذب ورفاقه بمعتقل تمارة السري، ليرمى به في السجن لسنتين. يضيف محدثنا أن حكيم حلم بالهجرة و"الجهاد" في بلاد المسلمين لم يبرح باله، ورغم أن عناصر الأمن السري المغربي لم "تُقصر" في ملاحقته وإعداد تقارير حوله، فقد استغل انشغال عناصر المخابرات المغربية بملفات أهم، ليمضي في سبيل تحقيق حلمه. المجاهد حكيم حسب المعلومات التي استقتها "فبراير" يعمل كبائع متجول، لديه "فراشة" بأحد شوارع إمزورن، أما مستواه التعليمي فبالكاد بلغ المرحلة الثانوية، إلا أنه لم يهجر طاولة الدرس إلا ليستقر بين رحاب كتب سيد قطب التي دائما ما لوحظ وهو يتأبطها حتى في غمرة انشغاله بتجارته. حكيم ليس وحده من لبى نداء "الجهاد"، فالحال ينطبق على شباب آخر قصد ذات الوجهة، كحال "عبد الله" سليل عائلة ميسورة وملتزمة حسب ما روت عنه مصادرنا، فلم تغره أموال أسرته في أن يختار لنفسه تجارة تقيه شر السؤال، فقد أغراه "الاستشهاد" في ساحة القتال إبان الغزو الأمريكي للعراق، غير أن حداثة سنه أجلت حلمه إلى أن تحقق غير بعيد عن العراق، بالضبط في ريف دمشق. حسب ذات المصادر، فقد خفتت حدة الوشايات وتقارير الاستخبارات المغربية، طالما أن عدو سوريا ليس أمريكا بل من سوريا عينها، وهو ما جعل "حسن" يقدم على الانخراط في الجيش السوري الحر، غير أن لحسن أحلاما تعود لأيام الغزو السوفياتي لأفغانستان، وهي الفترة التي سطعت فيها أيقونة المجاهدين أسامة بن لادن الذي شغل الدنيا بسعيه للآخرة وزهده عن الملايير التي ورثها، فكان النموذج الذي يحتدي به العديد من شباب البلدان الإسلامية، منهم من جاوره بأفغانستان سنوات الثمانينات، ومنهم من اكتفى ب"فرع" القاعدة ببلاد الرافدين فاختيار القتال ضمن ميليشيات أبو مصعب الزرقاوي، ليأتي الرعيل الأخير من فوج المجاهدين المغاربة الذي اختار الساحة السورية. حسب المقربين من "حسن" أحد المهاجرين إلى سوريا، فلم يلاحظ على هذا الرجل الثلاتيني أي علامات تطرف، بل يشهد الجميع عن دماثة أخلاقه وخجله الزائد. كان حسن تاجرا في الثوب. غادر مقاعد الدراسة قبل المرحلة الإعدادية..شيء ما تغير في مزاج حسن قبل أن يختفي أثره...ما عاد متحمسا لبيع الثوب .. اقتنى ما تيسر من الفواكه الجافة، الجوز والتمر والزبيب..ولم يغل مواد تنظيف اقتناها بالجملة لعله يحتاجها فيما بعد، وحلق ذقنه إلى أن صارت لحيته خفيفة الملمس. وعلى صعيد آخر تواصل وسائل الإعلام عرض أخبار مغاربة توجهوا إلى سوريا للمشاركة في القتال الدائر بين نظام بشار الأسد والمجموعات المسلحة، منهم من قضى نحبه في المعارك هناك إلى جانب الجيش السوري الحر كالشاب رشيد وهبي من مدينة سبتة الذي أعلنت صحيفة الباييس الإسبانية نبأ وفاته، ومنهم من لايزال "يجاهد" متنقلا بين جبهات القتال في حلب ودمشق وحمص. أعمارهم مختلفة وينحدر عدد منهم من مدينتي تطوان والفنيدق شمال المغرب، وبعضهم من عاش مهاجرا في أوروبا قبل أن يعتزم السفر إلى سوريا. آخر ما تناقلته وسائل الإعلام جاء في تقرير لوكالة رويترز عن طبيب الأسنان المغربي أحمد، يعمل في باريس ونشأ في عائلة مغربية متدينة، وأصبح يضع ثقته في "حكمة كبار رجال الدين لكبح جماح طوفان الغضب في سوريا"، أو أبو قتادة المحامي المغربي الذي تلقى تعليمه في إيطاليا وقضى أسبوعين في حلب ليكتشف أن الحرب في سوريا ليست معركة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، وأن "أنهار من دماء السنة ستسيل في سوريا قبل تحرير سوريا من طغيان الأسد".