أثارت تصريحات وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل، التي هاجم فيها المملكة المغربية، إضافة إلى تونس ومصر، استياء كبيرا في الجزائر ناهيك عن المغرب، ووصفها مثقفون وإعلاميون بأنها « فاقدة للاتزان ومسيئة ». وتساءل مراقبون عن أسباب وخلفيات ما يصفونه بالتهجم المجاني لمساهل على ثلاث دول شقيقة، المغرب ومصر وتونس، وتساءل الصحفي شريف رزقي « لماذا اللجوء إلى اختلاق مشاكل غير موجودة مع دول الجوار، أليس حريا أن يهتم مسؤولونا بمعالجة المشاكل المتعددة والشائكة على مستوى الجبهة الداخلية، بدلا من خلق مشاكل مع دول الجوار ». من جهته، قال الكاتب محمد أرزقي فراد إن « الجزائر غائبة كليا عن الساحة الدولية بسبب مرض الرئيس (عبدالعزيز بوتفليقة)، وهو ما جعل مصالح الجزائر معطلة، ويبدو أن وزير الشؤون الخارجية، يسير في اتجاه معاكس لمفهوم الدبلوماسية، الذي يعني خدمة الوطن بطرق سلمية هادئة تتجنب خلق التوتر ». كما كتب الصحفي عبد الوهاب بوكروح المتخصص في الشؤون الاقتصادية « ليس من المفيد زيادة التوتر سواء في الجبهة الداخلية أو مع دول الجوار، لقد لاحظ الجميع التصريحات الكارثية للوزير الأول، لقد دفعت بالدينار للانهيار بسبب زيادة عدم الثقة، قبل أن يطلب منه التزام الهدوء وعدم زيادة التوتر، ثم ها نحن نلاحظ تصرفا غير مسؤول من وزير خارجيته، لا المكان ولا الزمان في صالح الجزائر لإعلان تصعيد اللهجة مع دول الجوار وخاصة مع الشقيقة المغرب ». وأضاف مساهل « الجزائر ليست المغرب، كثيرون يتحدثون عن المغرب وتواجده في أسواق الدول الأفريقية لكن في الحقيقة المغرب لا شيء من ذلك، الجميع يعرف من هي المغرب هي منطقة تبادل حر مفتوحة أمام الشركات الأجنبية لفتح مصانع وتوظيف بعض المغاربة ».وكان مساهل قد قال في مؤتمر اقتصادي عقدته منظمة رجال الأعمال الجزائريين إن البنوك المغربية تقوم بتبييض أموال المخدرات الحشيش في الدول الأفريقية، بحسب ما نقله إليه رؤساء أفارقة. ورفض مساهل اعتبار المغرب نموذجا للتوغل الاقتصادي في أفريقيا وقال « المغرب ليس المثال الذي يحتذى به في أفريقيا بالنظر لاستثماراته، المغرب لا يقوم باستثمارات في أفريقيا عكس ما يشاع، بل إن بنوكه تقوم بتبييض أموال الحشيش، هناك قادة أفارقة يعترفون لي بذلك ». وأشار إلى أن الخطوط الجوية المغربية لا تقوم بنقل المسافرين فقط لكنها تنقل أشياء أخرى أيضا، في إشارة إلى نقل المخدرات بحسبه. وهاجم مساهل مصر وقال إنها دولة تقضي كل الوقت في طلب القروض من صندوق النقد الدولي أو من جهات أخرى، بخلاف الجزائر التي لا تطلب استدانة من أي طرف، وتطرق أيضا إلى تونس، وقال إنها تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة. وانتقد المحلل السياسي بوعلام غمراسة، وفق ما أورد موقع « العربي الجديد »، تصريحات مساهل ووصفها بالسقطة الدبلوماسية غير المفهومة. وبيّن الأستاذ في كلية الحقوق أن « تصريحات وزير الخارجية عبد القادر مساهل ضد الأشقاء في المغرب، تتناقض تماما مع سياسة ومبادئ ومواقف الجزائر الخارجية المبنية على التعقل والحكمة وعدم التشهير ». ودفعت هذه الأزمات الجزائر إلى إغلاق حدودها البرية مع المغرب منذ عام 1995، بعد طرد المغرب للرعايا الجزائريين وفرض التأشيرة، ولم تنجح كل محاولات التقارب السياسي بين البلدين، إذ مازالت الحدود البرية مغلقة حتى الآن بعد 22 سنة من قرار إغلاقها. ولم تبد تونس أو مصر موقفا رسميا بشأن تصريحات وزير الخارجية الجزائري، لكن مخاوف جدية في الجزائر من أن تثير التصريحات أزمة مستجدة مع تونس التي تتميز علاقاتها مع الجزائر بالارتباط الوثيق، ومع مصر التي ظلت العلاقات السياسية معها مباينة في أكثر من ظرف. وتساءل غمراسة « كيف لوزير الخارجية الذي جاب دول الخليج منذ فترة قصيرة ينصحها بالتعقل والحكمة وسياسة حسن الجوار وحقوق الجار على الجار في أزمة قطر يصرح اليوم بتصريحات تتنافى كليا مع ما كان ينصح به غيرنا وتتعارض كليا مع مواقفنا وسياستنا الخارجية، وخلق لأزمة مع المغرب الشقيق نحن في غنى عنها ولنا من الأزمات ما يغنينا ومن الفوضى على كل حدودنا ما يكفينا ».وتوقع أن تكون تصريحات مساهل باجتهاد شخصي منه ولا تعكس مواقف أصحاب القرار في الجزائر. ولم تبد الأحزاب السياسية في الجزائر موقفا إزاء التصريحات المثيرة لمساهل، لكن قيادات حزبية عبرت عن بالغ استيائها من هكذا تصريحات، واعتبرتها هروبا للأمام ومحاولة لإثارة قلاقل هامشية وقال القيادي في حزب حركة مجتمع السلم، نصر الدين حمدادوش، إن « هناك سقطات دبلوماسية وتصريحات رسمية غير مسؤولة من بعض الوزراء تخصّ الشأن الوطني والدولي، تزيد من حالة الاحتقان، وسوء الجوار، لنظامٍ يزايد على الشعب بالوطنية، ويريد أن يقتات من الأزمات ». وقال المتحدث باسم حزب جيل جديد، إسماعيل سعيداني، إن « تصريحات مساهل لا يمكن أن تمثل الدولة الجزائرية، لم تكن الدبلوماسيةالجزائرية بهذا المستوى، وهي المعروف عنها الحكمة والاتزان، ولا أعرف لماذا يسارع المسؤولون في الجزائر إلى مهاجمة المغرب في كل مرة ».ومن شأن هذه التصريحات أن تزيد من عمق الأزمة بين البلدين منذ السبعينيات بسبب قضية الصحراء، وتاليا بسبب مشكلات أخرى تتعلق بالمخدرات والحملات الإعلامية المتبادلة وغيرها.