عام من السجن لخمسة، وستة أشهر نافذة لأربعة والمجموع "تسعة رجال "، أدين لهم بجزء من حريتي ويدينون لي بالجبن والضعف وقلة الحيلة، لا يتجاوز أكبرهم واحدا وعشرين سنة تركوا مقررات البكالوريا على الطاولة، ودفاتر التحضير ومعادلات رياضية غير محلولة، وخرجوا للاحتجاج استجابة لنداء الشارع في مسيرة مرخص لها، ودعما لمطالب الثلاثي النقابي لموخاريق والأموي والعزوزي، انتزعوا أنفسهم من فروضهم المنزلية ليؤدوا فرض كفاية سقط عن غيرهم من الشعب المغربي. في ذلك اليوم خرج الالاف من المحتجين في مسيرة ضد حكومة بنكيران للمطالبة بالحوار الاجتماعي الذي لم يتحقق منذ كان " التسعة رجال" في بطون أمهاتهم. احتج الجميع، صرخوا، وبحت أصواتهم، رفعوا يافطات مكتوب عليها " نريد عملا"، " ارفعوا الحد الأدنى من الأجور"، " زيدونا في الأجور زيدونا هادشي ما يكفينا"، " الحوار الاجتماعي مسرحية" يافطات لا زالوا يحتفظون بها من مناسبات سابقة ينفضون عنها الغبار فقط وشعارات لا تتغير في بلد "الاستقرار" حيث أجمعت كل القوى على ثباته من اليسار المخزني إلى اليمين الخوانجي، ومن الدولة العميقة إلى تاريخ النقابات العريقة.
دخل الثلاثي النقابي إلى منازلهم بعد أن اطمأنوا أن صوره وأسماءهم واضحة بالبند العريض في الصفحات الأولى من الجرائد الوطنية، وفي الجهة المقابلة لم يعد " التسعة رجال " لاستكمال دروسهم بل اقتيدوا إلى السجن مع معتقلي الحق العام. كانت التهمة رفع شعارات مناوئة للنظام، لكنهم توبعوا بتهم ممارسة العنف، وإهانة موظفين عموميين، وتنظيم مسيرة غير مرخص لها.
وفي الوقت الذي يترشح الاتحاد التونسي للشغل لجائزة نوبل للسلام بفضل دوره الكبير في الوساطة الناجحة بين الإسلاميين والعلمانيين إثر الأزمة التي عصفت بالبلاد في أعقاب خلافات بين الأحزاب اليسارية وحزب النهضة الحاكم، واغتيال اثنين من قادة الأحزاب اليسارية بأيدي إسلاميين متشددين و تشكيل حكومة انتقالية وعقد إنتخابات تشريعية جديدة، تعجز النقابات المركزية المغربية الدفاع عن معتقلين خرجوا تحت لوائها، ولا تقدر على تحمل مسؤوليتها الأخلاقية في التفاوض والضغط على الدولة للإفراج عنهم بل وتكتفي ببلاغ على سلمية المسيرة المرخص لها قانونيا من أي أعمال عنف، وينتهي الملف ويستمر الحوار الاجتماعي إلى أجل عير مسمى. نقابات غير قادرة على إخراج تسعة " براهش" من السجن في الوقت الذي تتباهى بكونها تمثل البروليتاريا كقوة عاملة وطبقة أساسية من مكونات المجتمع المغربي.
"التسعة رجال" هم ضحية لبراديغمات الثابت والمتغير "للانتقال الديمقراطي"، بين أجر ثابت للطبقات الفقيرة والمتوسطة ومتغيرات كثيرة لأسعار تلعلع في سماء " بنكيران" الذي رفع محاربة الفساد شعارا لولايته فكان أول الخارقين له بتواطؤ مع العفاريت والتماسيح في حلب جيوب الفقراء وامتصاص دمائهم، فقراء أعطوه صوتهم راجين في بياض لحيته ما يبيض أيامهم السوداء. فما كان لهم إلا أن باض لهم زيادات في أسعار المحروقات، والمديونية، والمواد الغذائية، ودانون لمن استطاع إليه سبيلا. "بنكيران" الذي يريد امتصاص ما تبقى من سنتيمات في اخر جيب من جيوبنا لإنقاذ مكتب الماء والكهرباء للفاسي الفهري هو نفس الفاسي الذي أوصل الجامعة المغربية إلى الحضيض وسيوصل فاتورات الماء والكهرباء إلى كوكب زحل.
بنكيران رفع كل الأسعار وبالمقابل تبرع على المغاربة بانخفاض مهم في ثمن الفياغرا ليساعدهم على" تقييم" سياسته و "توسيع" قنوات التواصل استجابة "لضعف" القدرة الإستهلاكية.
"التسعة رجال" هم ضحية لوزير العدل الملتحي مصطفى الرميد تاريخيا ودينيا عن الأحكام القاسية والمخزنية التي اتخذت في حقبته وحقيبته الوزارية، مشارك فعلي في خرق قوانين العدل الإلهي من حزب يحارب الفساد بالمرجعية الإسلامية، فأين الإسلام من الظلم القضائي والإنساني والقانوني الذي تعرض له معتقلي "السادي" من أبريل.
"التسعة رجال" هم ضحية لحكومة رفعت شعار "لنحارب الفساد" فكانت أولى المتسامحين مع ناهبي المال العام، وسحل المعطلين أمام البرلمان، والإفراج عن البيدوفيليين الدوليين، ومحاكمة صحافيين بقانون الإرهاب، وتجريم الإضراب، وقمع المتظاهرين، و"تشويههنا" في أكثر الجرائد انتشارا عبر العالم ليظهر اسم مغربنا الحبيب شامخا في "واشنطن بوست" في أقل من أسبوع كدولة تتعسف على الصحافيين والمعتقلين السياسيين.
"التسعة رجال" ضحية للعفاريت والتماسيح، والاتحاد الاشتراكي وشباط، والهمة، وهسبريس، وسميرة سيطايل، وكريم التازي وماطيشة وعلى كل الأعداء الوهميين الذين خلقهم بنكيران لتجديد شعبيته ولعب دور الضحية الذي يتحامل الإنس والجن على إفشال مشروعه الحكومي. هي مسرحيات بهلوانية تحاك علنا لتشغل الرأي العام عن قضايا أنوزلا ومعتقلي السادس من ابريل والحاقد وتقارير التعذيب الصادرة عن أمنيستي والمراتب المتدنية في التقارير الدولية للنمو والبؤس وارتفاع عتبة الفقر، واختلال المنظومة التعليمية. بوليميكات فارغة في الوقت الذي فرغت فيه عيون أمهات المعتقلين التسع من الدموع حزنا على أبناء ضاع مستقبلهم الدراسي والنفسي والصحي أيضا.
أحداث كثيرة تحدث و"التسعة رجال" لا زالوا في السجن. الوردي الذي تلد النساء على عتبات مستشفياته كل همه أن يعتذر رشيد شو لأنه أهان مهنة الممرضات، وزارة الثقافة تمنح 60 مليونا سنتيما من جيوبنا (للبيغ أوالبيق أوالبيدق) وتعتقل الحاقد في نفس الأسبوع بتهمة إهانة رجال الأمن وتعنيفهم، الخلفي يمارس وصايته الأخلاقية على الإعلام، والملك يشرف على إطلاق وتدشين مشاريع هامة تروم تنمية القدرات الرياضية والمهنية للشباب بالفقيه بنصالح.
وبين كل حدث وحدث "التسعة رجال" في السجن ونحن معشر الفاسبوكيين نشاهد مباراة للبارصا والريال ونتذكركم ونتألم فنكتب " فري كولشي"، نشاهد البطولة الوطنية وتفوز الرجاء على المغرب التيطواني بخمسة لصفر، ثم تفوز تطوان بالبطولة فنمارس العنصرية على بعضنا ثم نعود ونتذكركم ونكتب فري كولشي، البعض يكتب فري سامبسون، الاخرين فري بوضاض، اخرون فري الحاقد وننتهي بفري كولشي. أصدقاؤكم يتحملون مشاق السفر إلى عين السبع في كل محاكمة املين أن تكون الأخيرة حاملين كاميراتهم لتصوير لحظات العناق فلا يكون لهم ذلك ويعودون إلى الفاسبوك ويكتبون فري كولشي...مؤخرا نظموا مسيرة في الرباط ليتضامنوا معكم وعادوا محملين بالصور التذكارية رافعين شارات النصر ومبتسمين في وجه العدسة اللاقطة.
صورهم جميلة في البروفايلات وتحت الصورة "فري كولشي". أنتم مدينون لنا بالضعف وقلة الحيلة. وفي مواجهة دولة تفترس أبناءها لا نملك من الأسلحة إلا "الهاشتاغ"، "والصورة" و"شارة النصر" وإن استطعنا التعبير جيدا تكتب جمل عاطفية جميلة على الفاسبوك... وأنتم الرجال الحقيقيون لا زلتم قابعون في السجن.