هذه العريضة التي أعدتها عدد من الوجوه الصحافية بعد ما صرح به الوزير مصطفى الخلفي مؤخرا في مجلس النواب، من حيث المنكر الذي يبث في القنوات العمومية والذي لا يمكن أن يتحمل مسؤوليته يوم القيامة، وهو ما اعتبر في نظر معدي العريضة بعودة الخطاب الديني... يتعرض المشهد الإعلامي، خصوصا السمعي البصري إلى حملة منهجية لإفراغه من مضمونه التنويري ومحاولة ربطه بأبعاد أخلاقية غايتها فرض الهيمنة والسيطرة. وقد عكست مداخلة وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي أمام مجلس المستشارين، الأسبوع الماضي، جانبا من هذه المحاولات التي تأتي غداة انكشاف طموح الوصاية التي أريد لما يعرف ب"دفتر التحملات" أن يمررها قبل إخضاعه لتعديلات جاءت على إثر انتفاضة المشهد الإعلامي.
إن محاولة فرض خطاب ذي مرجعية أخلاقية و دينية عبر عنها الوزير الوصي على قطاع الاتصال بالدعوة إلى ما وصفه بتغيير المنكر، على حد تعبيره، تتوخى بالدرجة الأولى إلحاق المشهد الإعلامي كفرع لدعوات تتدثر بلبوس ديني كما هو حال الأدرع الدعوية للحزب الحاكم الذي ينتمي إليه الوزير الخلفي.
هذه العودة إلى الخطاب الأخلاقي والديني تزامنت مع هجوم عنيف شنه رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، على الإعلام والإعلاميين؛ كما أنها تزامنت مع انتكاس المشاريع الإصلاحية في مختلف القطاعات، بما يوحي أن التركيز على الإعلام يخدم أجندة حزبية صرفة، و يناقض الأهداف الأساسية لمفهوم خدمات الإعلام العمومي، المستندة إلى احترام التعددية السياسية واللغوية والفكرية وإشاعة قيم التحرر ومبادئ المنافسة وحرية المبادرة.
إن دور المؤسسة التشريعية يكمن في مراقبة عمل السلطة التنفيذية، وليس استعداؤها ضد المشهد الإعلامي بمبررات حزبية وأخلاقية، وهي مطالبة برصد تنفيذ البرنامج الحكومي في هذا القطاع أو غيره. كما أن مهمتها تكمن في إقرار القوانين ذات الصلة بتنزيل الدستور والنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وقد حدد الدستور صلاحيات ومسؤوليات الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري في السهر على احترام التعبير التعددي لتيارات الرأي والفكر والحق في المعلومة في إطار احترام قيم المغاربة وقوانين المملكة، وبالتالي فإن أي محاولة لنزع هذا الاختصاص أو الإلتفاف عليه تشكل خرقا للوثيقة الدستورية.
لقد صرح السيد وزير الاتصال بأن لا يحق لموظفين غير منتخبين أن يقرروا في اختيار المنتوج الإعلامي، لكن في الوقت ذاته وباعتباره موظفا غير منتخب منح لنفسه أحقية التدخل وتوجيه المشهد الإعلامي تحت ذريعة الوازع الأخلاقي. ولو كلف نفسه عناء الانضباط لدفتر التحملات الذي صاغته وزارته قبل تعديله لأدرك أنه في وضع يتنافى وإبداء النصيحة والتباكي على ما آل إليه المشهد الإعلامي. وأسطع دليل لا تخطئه العين أن تصنيف المغرب في حرية الإعلام تدحرج الى مرتبة 147 عالميا، بسبب هيمنة النزعة السلطوية للجهاز التنفيذي في التحكم في الإعلام. وما قام به الوزير الخلفي في محاولة ربط آليات وصاية وزارته بنفوذ "حركة التوحيد والإصلاح " الدعوية إلا دليل آخر على الأهداف المتسترة في الظلام.
إن عودة الخطاب الأخلاقي والديني تكشف عن مآزق الإصلاحات التي لم تتحقق على أرض الواقع، وبهدف تعبيد الطريق أمام نفض اليد من المسؤولية عن التدهور الحاصل وهو ما جعل مصطفى الخلفي يستعين بالنبرة الأخلاقية عساها تبرر فشل تدبيره لقطاع حيوي يعتبر سيد نفسه بامتياز.
إن مسؤولياتنا كموقعين على هذه العريضة تحتم علينا دق ناقوس الخطر حيال الوصاية التي تحاول أن تفرضها وزارة الاتصال على القطاع. وما الخطاب الأخلاقي الذي تم استخراجه من متحف التاريخ إلا إحدى الوسائل التي تخفي غابة التناقضات والرغبة في التحكم وتدجين المشهد الإعلامي ليصبح تابعا، بلا شخصية أو موقف. وإذ نشجب بشدة المضمون العدائي لخطاب الوزير مصطفى الخلفي، ندعو كافة الفعاليات الى التصدي مجددا لدعوات الهيمنة والسيطرة، ذلك أن معركة حرية الإعلام والسمو بواجباته التنويرية والتربوية، لا تنفصل عن المعركة الحقيقية لكسب رهان الحرية والتقدم.