اذا كان الهدف من تنفيذ احكام الاعدام بالرصاص، او بحد السيف، في حق 37 متهما بالارهاب في المملكة العربية السعودية هو "ارهاب" الآخرين، ومنعهم من الاقدام على اي اعمال احتجاج، او هجمات، وعنف ضد النظام ومؤسساته ومصالحه، فان ما قد يترتب عليها من ردود فعل، ونتائج قد تكون عكسية تماما. من المؤكد ان العهد السعودي الجديد الذي بدأ بتولي الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة قبل عام تقريبا، يريد ان يعزز الانطباع الذي يقول بأنه "عهد الحزم" وممارسة سياسة القبضة الحديدية، والتخلي عن سياسة "المهادنة" التي اتبعها الملوك السابقون، واول تطبيق لهذا "التحول" جاء من خلال اعلان الحرب في اليمن لمواجهة التحالف "الحوثي الصالحي" تحت ذريعة مواجهة النفوذ الايراني، وها هو يدشن مطلع العام الميلادي الجديد بهذا العدد الضخم من الاعدامات التي لم يحدث لها مثيل منذ عام 1980، حيث جرى اعدام 63 متشددا اسلاميا اقتحموا الحرم الملكي الشريف بقيادة "الداعية" جهيمان العتيبي. الحزم ضروري وعلى درجة كبيرة من الاهمية، شريطة ان يأتي في التوقيت المناسب، ويمتلك اصحابه ادوات القوة وعناصرها، وفي اطار استراتيجية محكمة، وفي ظل ظروف اقليمية ودولية ملائمة، ولا نعتقد ان هذه الشروط، او معظمها، متوفرة حاليا في الحالة السعودية، فليس من الحكمة خوض حربين في الوقت نفسه، واحدة في سورية، واخرى في اليمن، لمواجهة النفوذ الايران، في وقت يتعزز هذا النفوذ باتفاق مع الولاياتالمتحدة، والدول الست العظمى، تنهي حصار امتد لما يقرب من الثلاثين عاما، وتلقي دولة عظمى مثل روسيا بكل ثقلها العسكري والسياسي خلف النظام السوري، وتخوض حربه مباشرة ضد معارضيه المسلحين، وتتراجع العوائد النفطية، وتتسم سياسات الحليف الامريكي التاريخي بالتردد والارتباك. اعدام 46 سنيا متهمين بالتشدد، وتبني فكر تنظيم "القاعدة"، والاقدام على احتجاجات وتفجيرات، بصورة مباشرة او غير مباشرة، بين اعوام 2003 الى 2006، من اجل التغطية على اعدام الداعية الشيعي نمر النمر، المتهم بالتحريض على احتجاجات سلمية تطالب بالديمقراطية، وحقوق الانسان، على غرار ثورات الربيع العربي الاخرى التي حظيت وتحظى (في سورية) بدعم القيادة السعودية، لن يخفي الحقائق، ولن يمتص حالة الغضب والاحتقان في اوساط ابناء الطائفية الشيعية، بل قد يؤدي لاول مرة الى توحيد "الغضبين" السني والشيعي معا، واقدام خلايا متطرفة من الجانبين على ردود فعل انتقامية في الوقت نفسه. الاضطهاد والاقصاء والقمع في المملكة العربية السعودية هي الممارسات الوحيدة، التي يمكن القول، بانها تتم ليس من منطلقات مذهبية او طائفية، لانها لا تفرق بين سني وشيعي عندما يتعلق الامر بالمطالبة بالحريات والاصلاحات والعدالة، ولكن لا بد من الاعتراف بان ابناء الاقلية الشيعية كانوا الاكثر معاناة، وتعرضوا طوال عقود لمعاملة تمييزية اقصائية، وكمواطنين من الدرجة الثانية موضع شكوك في ولائهم، ومن يقول غير ذلك، مكابر يتعامى عن الحقيقة. لا نريد ان نستبق الامور، ولكننا نكاد ان نجزم بأن تنفيذ احكام الاعدام هذه ستترتب عليها اعمال انتقامية، وردود فعل خطيرة، مما قد ينعكس سلبا على امن المملكة واستقرارها، ويصب المزيد من الزيت على نار مشاكلها الامنية المتفاقمة، ويزيد من ضخامة حجم ملفها المتعلق بغياب الحريات والقضاء العادل، ناهيك عن استقلاليته، وانتهاك حقوق الانسان. ان اكبر اعداء السعودية هم الذين يأتون من صلب نظامها، ويتبنون مثل هذه السياسات والمواقف التي تفاقم من ازماتها، وتفجرها حروبا في الداخل، الى جانب حروبها الاخرى في الخارج، التي ما زالت في بداياتها، وتستعصي على الحزم والحسم معا، وقد تمتد لعقود. حروب الخارج مكلفة بشريا وماليا وسياسيا وعسكريا، لكن حروب الداخل، اذا ما اندلعت، هي الاكثر كلفة على الصعد كافة، خاصة عندما تتفجر في الوقت الخطأ، وفي ظل احتقان شعبي كبير، واوضاع اقتصادية مأزومة، وبطالة مرتفعة. من جرى تنفيذ احكام الاعدام بهم لهم حواضن وامتدادات شعبية وقبلية وطائفية، مثلما لهم انصار في الداخل والخارج، ولا نعتقد ان من اتخذ القرار، حسب حساباته جيدا، تماما مثلما فعل عندما ورط بلاده في حروب خارجية، واليمنية منها خاصة. ايام المملكة القادمة صعبة، بل صعبة جدا، ونكتفي بهذا القدر.