في منتصف الأسبوع المنصرم، شهدت مدينة أبها كبرى مُدُن منطقة عسيرجنوب السعودية، عملية تنفيذ حكم بالإعدام في حق سبعة مُدانين في جرائم السطو المسلح. و قد أثارت عملية الإعدام السباعية ،التي تمت في الساحة الكبرى للمدينة و أمام جمهور غفير، ردود فعل دولية مُستنكرة و خاصة من طرف منظمة العفو الدولية التي وصفت حكم الإعدام و تنفيذه بأنه «وحشية مُطلقة» خاصة و أن إثنين من المُدانين كانا قاصرين وقت وقوع الجريمة (2006). مضيفة أن الحكم و الإعدام الذي تلاه «تم على أساس اعترافات تم الحصول عليها باستخدام التعذيب و عبر مُحاكمة لم يُتح لهم فيها تمثيل قانوني أو حق الطعن». بيد أن ما يهمنا في هذا الحدث، ليس هو الواقعة في حد ذاتها و لا رد الفعل من جانب منظمة العفو الدولية.فقد تعودنا على بيانات وزارة الداخلية السعودية التي دأبت من خلالها الإعلان عن تنفيذ عمليات إعدام طوال السنة في حق مُدانين في جرائم مختلفة من بينها القتل العمد أو الحرابة (قطع الطريق) أو الشعوذة و السحر أو المُتاجرة في المُخدرات أو غيرها من الجرائم المحددة في القانون السعودي. كما تعودنا على بيانات منظمة العفو الدولية التي تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام في كل أنحاء العالم أو على الأقل بتقليص الحكم بها على جرائم محددة كالقتل العمد و إحاطة المتهم فيها بأقصى الضمانات أثناء محاكمته كي يدافع عن نفسه. لكن الجديد في هذه الواقعة، هو أن عملية الإعدام تمت و لأول مرة في تاريخ السعودية، رميا بالرصاص و ليس بحد السيف كما جرت العادة منذ عقود. و قد جاءت الموافقة على استعمال هذه الوسيلة في الإعدام، بعد مخاض طويل و نقاش ديني، فوضت وزارة الداخلية في نهايته أمراء المناطق صلاحية تنفيذ الإعدام رميا بالرصاص عوضا عن حد السيف. و السبب هو نُدرة السيافين بالمملكة، إذ لا يتجاوز عددهم تسعة في مجموع البلاد واحد منهم فقط له صلاحية وطنية و إقليمية (تستعيره بعض دول الخليج الأخرى لتنفيذ أحكام الإعدام) فيما يتمتع إثنان آخران بالصلاحية الوطنية أما الباقون فلهم صلاحية العمل في منطقتهم لا غير. غير أن ندرة السيافين لم تكن كافية لاتخاذ هذا القرار، بل دخل حيز التنفيذ فقط بعد أن أجازه رجال الدين (هيأة كبار العلماء السعودية) الذين قالوا أن «تنفيذ أحكام القصاص بالرصاص جائزة إن كان أسرع في القتل من السيف، لأن الهدف هو سرعة التنفيذ» و تعكس عملية اتخاذ القرار في هذا الموضوع تحديدا، العلاقة المركبة بين الديني و الزمني في المملكة العربية السعودية.فمن المعروف أن النظام السعودي مبني على تحالف تاريخي، يعود إلى أواخر القرن الثامن عشر، بين عائلتين هما عائلة محمد بن عبد الوهاب الفقيه المتشدد و بين عائلة محمد بن سعود حاكم الدرعية الطموح، على أساس أن يضمن ابن سعود الحماية و التمويل لابن عبد الوهاب (يحميه كما يحمي أبناءه و نساءه و يقدم له خمس الغنائم) مقابل أن يقدم ابن عبد الوهاب التغطية الدينية لابن سعود. هذا الاتفاق بين الرجلين لا زال ساريا بين العائلتين إلى يومنا هذا، رغم ما يحصل في بعض الفترات من توتر ? لا يلبث أن يتبدد ? حين يفرض التطور الطبيعي للمجتمع نفسه على التكلس الوهابي و يهدد بالعصف بالنظام برمته.حينها تكون الغلبة للزمني كما حصل في منتصف السبعينات حين قرر الملك عبد العزيز السماح بإدخال التلفون للبلاد أو حين قرر الملك فيصل بن عبد العزيز إدخال جهاز التلفزيون للمملكة و هما الأمران اللذان لقيا معارضة من فقهاء الوهابية،إلا أن الملكين اتخذا قرار الموافقة ضدا على العائلة الأخرى و تم تقبل الأمر في النهاية ، تماما كما حصل في منتصف السبعينات في موضوع السماح للفتيات بالتمدرس. فنظرا لهذه العلاقة المعقدة بين الطرفين، تمر بعض القرارات بمخاض طويل و عسير دون أن يتم التجاوب مع التطور الطبيعي للمجتمع كما في موضوع سياقة النساء للسيارات التي لا زالت ممنوعة لحد الآن ، بينما لم يتطلب قرار التحول في وسيلة الإعدام، من السيف إلى الرصاص،إلا بضعة شهور. لكن المؤكد أن قرار إلغاء عقوبة الإعدام في المملكة يحتاج إلى عقود و عقود.