{ بعد عشر سنوات على أحداث 16 ماي كيف ينظر المغاربة إلى الإرهاب؟ قبل 16 ماي كان المغاربة يشاهدون آثار «الإرهاب» على شاشات التلفزة فقط، معتقدين أنه مرتبط بدول أخرى وقضايا أخرى، لكن عندما أصبح المغرب من ضحاياه لم يصدق المغاربة أن يكون ذلك من صنع مواطنيهم، لأنهم لم يكونوا مستعدين لذلك وشكّل لهم صدمة، وهذه الصدمة مازالت موجودة في سلوكات مجموعة من الناس، «كيقولو أنا نمشي لديك البلاصة نجلس فيها نخاف يجي شي واحد يتفركع علينا»، بمعنى أن المغاربة فقدوا نوعا من الأمان وسط مواطنيهم. كذلك، أخذت هذه الصدمة أبعادا أخرى في الصراعات الاجتماعية، ينبغي أن أذكر هنا بأن أحداث ماي كانت مؤشرا على أننا دخلنا إلى مجتمع الخلاف، بالمرور من مجتمع الاختلاف الذي كان فيه نوع من الوئام والتسامح إلى مجتمع الخلاف. والآن الصدمة مازالت معالمها واضحة، وأخذت بعدا رمزيا في تكسير هذا وتكسير ذاك، في الانتماء إلى هذا الجانب الحداثي دون ذاك، بمعنى أن هناك انتحارات على المستوى الرمزي، وعلى مستوى الخطاب وعلى المستوى السياسي. وإذا حللنا الخطابات الرمزية، لأن أي عنف قبل أن يتحول ماديا يتجسد أولا على مستوى الخطاب، إذ كان المغاربة يستعملون عبارة «سير ولا نتفركع عليك» قبل الأحداث، بمعنى أن هذه الكلمات المتداولة كان فيها نوع من الإرهاب والسب والقذف وبالتالي أتت شروط موضوعية استغلها البعض، من هذا الجانب أو ذاك فتحول ما هو رمزي إلى ما هو مادي. الآن، وبعد عشر سنوات تحضر دائما تلك الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام، والتي كانت في الحقيقة صدمة عنيفة للمجتمع، أما بالنسبة للمحللين السوسيولوجيين والمهتمين بشأن المدينة فقد كانوا يتوقعون أحداثا كهذه بسبب الاحتقان الاجتماعي، الذي سيؤدي إلى استغلاله من طرف الجماعات المتطرفة لزرع البلبلة داخل المجتمع. { ماهي الانعكاسات الطويلة المدى لأحداث 16 ماي على المغارية؟ هل يمكن أن تكون من مسببات تزايد العنف في المجتمع؟ أعتقد أنه ليست أحداث 16 ماي هي التي لها تأثير، بل الاحتقان الاجتماعي، الفقر، الهشاشة والإحباط. والسؤال المطروح هنا هو هل عالجنا مسببات هذا الاحتقان الاجتماعي؟ وهل تمكنا من أدوات الوساطة الاجتماعية؟ وهل لنا استباق للأحداث؟ وهل نعمل على تأطير الشباب التأطير الصحيح الذي يلبي طموحاته؟ كل هذه الأسئلة تذكرنا بها 16 ماي كنقطة سوداء في تاريخ المغرب المعاصر. { في نظركم، لماذا تكررت هذه العمليات بعد 2003؟ هل يمكن اعتبار ذلك رسالة مفادها أن مسببات 16 ماي لم تنتف رغم كل الاجراءات التي اتخذتها الدولة؟ تكرار الأحداث بعد فترة قصيرة يعني أننا لم نخرج بعد من عنق الزجاجة، ولم نتجاوز المشكلات التي أدت إلى 16 ماي، مثلا على مستوى فهم الدين وشرحه...هناك أيضا تقديس للجهل بكل أنواعه في التطرفين معا، التطرف الديني والتطرف الحداثي أو ما سماه أركون ب»الجهل المقدس». يجب أن نذهب بعيدا لأن المشكل لم يحل نهائيا، فالتفجيرات أخذت أبعادا أخرى على المستوى الرمزي، ويمكن أن تؤسس كذلك لأفعال إجرامية، ونسمع من هنا ومن هناك فتاوى قتل المرتد وأخرى تعارض... بمعنى، نحن مازلنا ندور في دوامة العنف والعنف المضاد، والعنف الرمزي والعنف المادي، الذي يعتبر سمة من سمات مجتمع الخلاف التي يجب إيجاد حل لها من طرف علماء الاجتماع وعلماء النفس. { هل سيستمر المجتمع المغربي في إنتاج ما يصطلح عليه ب»الكاميكاز»؟ يجب أن نفهم أولا المشكل ونشخصه تشخيصا علميا، وأن نعتمد مقاربة فكرية روحية تنشئوية للأجيال؛ وبالموازاة مع ذلك يجب أن تصاحب هذه الرؤية إجراءات على أرض الواقع كتأثيث الفضاءات لتحقيق تطلعات الشباب وتوفير مدارس في المستوى وذلك بانخراط المجتمع برمته بمن فيه الشباب لبناء جو من الثقة والتسامح والائتلاف في المجتمع. إلى ذلك، يجب أن نؤسس لآليات الوساطة، وهذا ربما ليس فقط بإرادة سياسية، ولكن كذلك بإرادة جماعية من طرف جميع الفاعلين حتى نخرج من عنق الزجاجة ونؤسس لكرامة الإنسان، لأن فعل الانتحار في العمق هو اعتداء على الذات قبل أن يكون اعتداء على الآخر؛ فالانتحاري يريد أن يتخلص من ذاته ومن ذات الآخر، وهذا هو قمة اليأس، وعندما نصل إلى هذا المستوى، نحول أجسادنا إلى عبوات ناسفة تنسف الآخرين معنا حتى ننهي حكاية الحياة في المجتمع. جدير بالذكر أيضا أن المقاربة الأمنية تعاملت مع الأحداث بكل الإمكانات المتوفرة لديها، لكن هذه الأخيرة تبقى قاصرة على فهم ما حصل إذا لم تعتمد على المقاربة السايكو- سوسيولوجية والمقاربة التنشئوية، للخروج من التمثل الذي يعطيه المواطن لرجل الرجل الذي يقمع فقط. ولذلك، فأنا لا أعتقد أن المقاربة الأمنية وحدها كافية، بل يجب أن يكون هناك انخراط للمجتمع، وأن يكون الأمن جزءا لا يتجزأ منه، كما باقي القطاعات الأخرى كالإعلام وغيره..