يسعى هذا المؤلف لمقاربة مفهومين في الغالب ما يقع خلط كبير سواء في تمثلهما أم في توظيفهما السياسي: مفهوم الإرهاب ومفهوم العنف السياسي، وذلك من خلال بحث كل مفهوم على حدة، وتحديد العلاقة التي تربط بين المفهومين، ورصد دلالات هذا الخلط على المستوى الوطني والدولي، ومن ثمة تأسيس أرضية منهجية للتمييز بين المفهومين بناء على معايير منهجية واضحة. ومن خلال هذه المقاربة النظرية والمنهجية، يستحضر الباحث رشيد مقتدر الحالة المغربية من خلال تفجيرات 16 ماي وتفكيك شبكة بلعيرج، لتتبع المفهومين وأثر الخلط الذي رافقهما في التوظيف السياسي والإعلامي على إبعاد القارئ من تفسير ظاهرة الإرهاب في المغرب وفهم محدداتها، كما يخصص الباحث جزءا من مؤلفه لمناقشة تداعيات تفجيرات 16 ماي وشبكة بلعيرج، ويناقش ضمن هذا الجزء أثر هذه الأحداث على موقع الإسلاميين في المشهد السياسي المغربي وعلاقتهم بمكونات هذا الحقل. قضايا منهجية وإشكالات نظرية في تقدير الباحث رشيد مقتدر، تتميز المقاربات التي تناولت أحداث 16 ماي بندرة التحليل والتفسير، وإن كانت تقدم معلومات وافرة عن الحدث، ويعزو ذلك إلى أمرين: 1 ـ أنها لم تأخذ مسافة كافية من الحدث، وأنها بقيت مرتهنة للصدمة التي أحدثها الحدث ومنفعلة به. 2 ـ أن كثيرا منها استصحب القراءة السياسوية، وقرأ هذه التفجيرات في ضوء حاجاته ومواقعه وتطلعاته السياسية، وهو ما يفسر قوة الصراع الإيديولوجي والسياسي بين الفرقاء السياسيين على مستوى تفسير الظاهرة وتوظيفها سياسيا. وتطمح خ محاولة رشيد مقتدر- أن تنأى بنفسها عن الانفعال بالظاهرة، وأن تتعامل مع الظاهرة كحدث موضوعي، بالالتزام بالقواعد المنهجية المتداولة في العلوم الاجتماعية، وإن كانت المسافة الزمنية عن الحدث غير كافية في نظر الباحث للتمكن من الفهم العميق للظاهرة في تناقضاتها الجزئية والكلية. أما عن الإشكالات التي يقاربها المؤلف، فيلخصها الباحث في أربعة: 1 ـ وتتعلق بفهم ما يحيط بهذه التفجيرات من أسئلة، من وراءها ؟ جهات أجنبية أم داخلية؟ ما هي مرجعياتها وتصوراتها السياسية والإيديولوجية؟ وما هي الرسائل التي تريد إيصالها ؟ وما هي مسؤوليات كل من الدولة والأحزاب مؤسسات المجتمع المدني وباقي القوى الثقافية والعلمية والدينية؟ 2 ـ وتتعلق بالدوافع التي أدت إلى هذا النوع من الإرهاب؟ 3 ـ وتتعلق بالجانب التفسيري للظاهرة، وبحث تداعياتها على مختلف الفاعلين السياسيين وانعكاسها على مواقفهم ورهاناتهم الآنية والمستقبلية. 4 ـ وتتعلق بالشأن الديني بعد تفجيرات 16 ماي وموقع الدين في المنظومة الاعتقادية والقيمية للمجتمع وداخل النظام السياسي والمجتمعي. جذور فكرية ومرتكزات إيديولوجية يميز رشيد مقتدر في هذا الصدد بين التيار الإسلامي الحركي وبين التيار التكفيري، ويرى أن التناقض بين التيارين بنيوي ومرجعي يستند على القطيعة، ويرى أن إيديولوجية التكفير قد ساهم في بنائها عدة منظرين، لكنه يركز على اثنين منهم، سيد قطب من خلال تأسيسه لمفهومين مركزيين وهماالحاكمية لله، والجاهلية (معالم في الطريق)، وعبد السلام فرج من خلال إعادة بنائه لمفهوم الجهاد من خلال كتابه الجهاد الفريضة الغائبة ليكون أداة لإقامة الخلافة الإسلامية وقبل ذلك نواتها الأولى: الدولة الإسلامية. في مقاربة المفاهيم حسب رشيد مقتدر لا زال مفهوم الإرهاب وكذا العنف السياسي في حاجة ماسة إلى تكاتف المجهودات لإعادة تحديد مضمونهما ومحتوياتهما وأبعادهما، فبعد عرضه لنشأة المفهوم وسياقه في التجربة الغربية، وكذا تعريجه على الاستعمالات التي وردت بها لفظة الإرهاب في التراث العربي الإسلامي، يخلص مقتدر إلى أن التعاريف المقترحة للإرهاب تتباين وتتداخل، لكنه يؤول إلى اختيار تعريف يقدر بأنه يتميز بنوع من التجرد والقابلية للتعميم ويتضمن أغلب العناصر المختلف حولها وهو التعريف الذي يعتبر أن: الإرهاب السياسي هو فعل تغييري يرتكز على العنف ويرمي الفاعل من خلاله إلى رفض سيطرته ونفوذه عبر إشاعة الخوف والهلع بترويع المجتمع أو الدولة أو هما معا للاستجابة إلى مطالب ورغبات معينة إما من أجل الحفاظ على الوضع الاجتماعي أو السياسي القائم أو من أجل تقويمه وتصحيحه وتغييره جذريا أو نسفه برمته وعلى الرغم من الصفة التجردية التي يتميز بها هذا التعريف إلا أن الباحث يلاحظ أنه يبقي على الخلط بين الإرهاب والعنف السياسي بحيث يأخذان في التعريف نفس المعنى والدلالة، ويرى مقتدر أن معالجة تداخل هذين المفهومين يعتبر من بين الإشكالات التي تواجه الباحثين، وهو ما يتطلب وضع معايير موضوعية ومنهجية للتمييز بينهما، فالدولة الحديثة تحتكر ممارسة العنف المادي والرمزي، وقد تمارس أشكالا من الإرهاب بذريعة المحافظة على الاستقرار والأمن العام للمجتمع، والإرهاب قد يمارس في شكل عنف سياسي من طرف تيارات سياسية محلية معارضة كما هو الحال بالنسبة للجزائر، وقد يأخذ أشكالا مؤسساتية كإرهاب الدولة التي تمارسه إسرائيل في حق الفلسطينيين أو الإرهاب الذي مارسته أمريكا في غزوها للعراق، وقد يأخذ الإرهاب أيضا شكلا همجيا كما هو الحال في تفجيرات 16 ماي. ولذلك، فالإرهاب يتماهى مع العنف ويتداخل معه ويتمايز ويختلف عنه حسب السياقات والظروف المحيطة، ويؤطر رشيد مقتدر المقاربات التي تناولت العلاقة بين الإرهاب والعنف السياسي كالآتي: 1 ـ مقاربة رافضة للإرهاب شكلا ومضمونا، وتعتبره ذا وظيفة سلبية كيفما كانت ، ويرى مقتدر أن من سلبيات هذه المقاربة أنه تساير الطروحات الرسمية وتفرغ الإرهاب السياسي من محتواه النضالي المشروع. 2 ـ مقاربة تعتبر أن للإرهاب دورا أساسيا في الصراع حول السلطة وتفعيل دينامية الحراك السياسي والاجتماعي، وهي قبل أن تصدر حكما بإدانته، تبحث عن دوافعه ومبررات القيام به، ويرى مقتدر أن من سليبات هذه المقاربة، وإن كانت تطمح لتكون أكثر موضوعية، أنها تخلط بوعي أو غير وعي بين العنف السياسي وبين الإرهاب، كما تعترضها العديد من الصعوبات في التمييز بين الفعل الاحتجاجي والفعل الإجرامي. في معايير التمييز بين العنف السياسي والإرهاب بعد أن يفصل في أشكال الإرهاب السياسي: إرهاب الدولة(الإرهاب من القمة)، وإرهاب الإفراد والجماعات (الإرهاب من القاعدة) وبعد أن يعرج على أنواع الإرهاب السياسي (المحلي والدولي) يضع رشيد مقتدر أربعة معايير منهجية للتمييز بين الإرهاب وبين العنف السياسي، ويتناول تفجيرات نيويورك والدار البيضاء من خلالها. المعيار الأول: الغاية الإيديولوجية للعنف السياسي، ويرى أن الجماعات التي تتبنى مشروعا مجتمعيا وتنتهج العنف السياسي كرد فعل على الهيمنة والقمع والإقصاء التي تمارسها الدولة لا يمكن تصنيف عملياتها ضمن الأعمال الإرهابية حتى وإن كانت مخالفة للقانون، لأن الفعل الإرهابي لا غاية له سوى سفك الدم، ويقدم الباحث في هذا الصدد نموذج الجماعات الإسلامية المسلحة في الجزائر التي مارست العنف السياسي واعتمدت المواجهة المسلحة كرد فعل ضد إرهاب الدولة وانقلابها على الخيار الديمقراطي. المعيار الثاني:الهدف السياسي: فالعنف السياسي يبتغي تحقيق أهداف سياسية كبرى وسامية كما هو الحال مثلا في المقاومة العراقية، بخلاف الإرهاب التي يستهدف الأفراد وقتل الأبرياء والمدنيين أو قتل النساء والشيوخ والأطفال. المعيار الثالث: أخلاقية العمليات والتنفيذ: فما يميز العنف السياسي عن الإرهاب هو مراعاة البعد الأخلاقي والإنساني في التنفيذ، ذلك أن المجتمع يميز بين هذه العلميات ويقيسها إلى نبل القضايا المدافع عنها، بحيث يميز بين العمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين وبين العلميات التي تضعف النظام السياسي وتضغط عليه من أجل تغيير طبيعته القمعية. المعيار الرابع: معيار قبول أكثرية المجتمع لهذه الأعمال: فالمجتمع عبر الوعي الجماعي هو الذي يقيم أخلاقيا ويحدد اجتماعيا وفقا للنسق القيمي والاعتقادي هذه العمليات وهل تدخل في إطار العنف السياسي المشروع أو ضمن الأعمال الإرهابية المستنكرة. وعلى الرغم من تحقق بعض معايير التصنيف ضمن العنف السياسي في حالة تفجيرات نيويورك كالدواعي الإيديولوجية والهدف السياسي إلا أن استهداف المدنيين وقتل الأبرياء يجعلها ذات طالع إرهابي مميز، أما تفجيرات 16 ماي فلا يبدو حسب رشيد مقتدر أن معيارا من معايير التي تسمح بتصنيفها ضمن العنف السياسي المشروع قد توفر، فالهدف الإيديولوجي يتميز بالغموض، والهدف السياسي غائب، فضلا عن ظهور إجماع لا يستثني الإسلاميين في إدانة هذا الفعل الإرهابي، وهو ما يعني أن تفجيرات 16 ماي تدخل ضمن العمل الإرهابي المشين. تداعيات الفعل الإٍرهابي على مكونات الحقل السياسي بعد إبدائه للعديد من الملاحظات الأولية بخصوص شبكة بلعيرج وملابساتها، وبعد تعريجه على الأسس الإيديولوجية والفكرية لهذه الشبكة، والتي ربطها بالهوية الحركية الثورية المقتبسة من فكر سيد قطب، تناول رشيد مقتدر مسألة اعتقال القيادات الإسلامية السياسية في هذا الملف وقضية حل حزب البديل الحضاري من الناحية السياسية والحقوقية، كما ساق المسار التاريخي والسياسي لكل من البديل الحضاري والحركة من أجل الأمة، وانتهى في نهاية الفصل إلى مناقشة تداعيات تفجيرات ماي وتفكيك شبكة بلعيرج على مكونات الحقل السياسي، وأكد بهذا الصدد أن المؤسسة الملكية لم تغير استراتيجيتها في الدمج التدرجي للإسلاميين الإصلاحيين ماداموا يعترفون بشرعية النظام الحاكم، وأن الحصار والتأزم الذي طبع العلاقة بين الإسلاميين الإصلاحيين عند أحداث 16 ماي وبعدها لم يدفع السلطة لحل حزب العدالة والتنمية وأن الإسلاميين بفهمهم لموازين القوى وإدراكهم لطبيعة المرحلة استطاعوا أن ينتجوا خطابا أكثر مرونة وواقعية مما جعلهم يربكون مراهنات بعض الأطراف السياسية على حل الحزب ودفع النظام السياسي إلى إعادة النظر في إدماجهم السياسي. أما بخصوص ملف بلعيرج، فيؤكد مقتدر أن تجربة العدالة والتنمية لن تتأثر وأن استراتيجية الإدماج ستستمر، في حين ستنتهج سياسة رفض الترخيص القانوني لأي حزب إسلامي، والتعامل بنوع من الصلابة مع التيارات الإسلامية الحركية المتشددة إلى حين تخليها عن طروحاتها، وإعادة النظر في إدماج القوى الإسلامية المعتدلة وفقا لنتهج مماثل لتجربة العدالة والتنمية، أو البحث عن طرق بديلة بعد التيقن من صدق النوايا والرغبة في العمل في إطار الثوابت السياسية للبلاد.