نظمت الجمعية المغربية للعلوم السياسية، أمس الجمعة بالدار البيضاء، ندوة حول "الكتابة والتأليف في العلوم السياسية بالمغرب"، أدلى فيها الأساتذة الباحثون محمد الطوزي وحسن رشيق ومحمد ضريف وعبد الحي المودن بدلائهم في هذا الموضوع الإشكالي والمتشعب. وتساءل حسن رشيق عن غياب التلاقح بين مقتربي الأنتربولوجيا السياسية والعلوم السياسية بالرغم من أن العلمين "يهتمان بمؤسسات هامشية"، موضحا أن الأنتروبولوجي والسياسي يشتغلان على مواد خام ليست من صنعهما، إلا أن عالم الأنتروبولوجيا "يفبرك هذه المواد عكس عالم السياسة". وهذه التساؤلات تقود، حسب رشيق، إلى طرح مفهوم "الأجندة السياسية الغائب في المغرب، الأمر الذي يؤدي إلى أننا لا نتحدث في هذا المجال إلا عن فسيفساء"، بدل عمل جماعي تناقش في إطاره الأولويات. وأوضح أن "الأجندة" بهذا الشكل أصبحت "مشتتة"، ويتطلب غيابها وتشتتها "مأسسة الحقل المعرفي"، مشيرا إلى إشكالية الأسلوب والكتابة في السياسة، التي "يجب أن يتم التفكير فيها". وقارب عبد الحي المودن، من جانبه، بعض المفاهيم والإشكالات التي كتب عنها علماء السياسة قبل أن تظهر لدى الدولة، كالإسلام واللامركزية، مشيرا إلى أن الأمر "يتعلق هنا بالتقاء بين خيارات علماء السياسة وخيارات الدولة". أما عندما يستجيب الباحث والعالم السياسي لطلب السلطة، يقول عبد الحي المودن، فإنه يخرج من مجال الخطاب ليدخل في نطاق توظيف معرفي منهجي لتطورات معينة. ونبه محمد ضريف للخلط الذي يقع بين مفهومي العلوم السياسية وعلم السياسة، فعلم السياسة هو دراسة السلطة السياسية أما العلوم السياسية فتدرس وتهتم بالمؤسسات السياسية والفكر السياسي. وتطرح الكتابة في العلوم السياسية، حسب ضريف، إشكالات تتعلق على سبيل المثال بالحدود الفاصلة بين موضوع ينتمي لحقل العلوم السياسية وموضوع يدرج ضمن القانون العام، كما يصعب ترسيم الحدود بين الكتابات في العلوم السياسية والكتابات السياسية (مذكرات الشخصيات السياسية والصحافيين). وأشار إلى ظاهرة أخرى لا تقل تعقيدا، وهي ظاهرة المحللين السياسيين التي يقع فيها خلط كبير على مستوى المفاهيم، وكذا الدراسات التي لا ينتجها المختصون في العلوم السياسية، مشيرا في هذا الصدد إلى كتابات المفكر عبد الله العروي وعبد الله حمودي صاحب كتاب "الشيخ والمريد". ولم يفت ضريف أن يبرز بعض العوائق التي تعيق الكتابة التي يمارسها المتخصصون في العلوم السياسية كعائق البحث الأكاديمي الذي يجب تحريره من التخندقات السياسية، ثم عائق الولوج إلى المعلومة، وارتهان المؤلفين في العلوم السياسية بمراكز البحث الأجنبية. وخلص ضريف إلى أن الباحث الأكاديمي يجب أن يركز على ما هو بنيوي استراتيجي ويبتعد عن ما هو ظرفي تكتيكي. أما المفكر محمد الطوزي، فركز على مفهوم "الحرفة" في مجال العلوم السياسية، الحرفة التي تتوفر على "روزنامة من المفاهيم ومعجم ومنهجيات ومواضيع". وأشار إلى أن تاريخ العلوم السياسية تطور من خلال نسق سياسي وثقافي، مضيفا أن هذا التطور ينضبط في إطار عام يحكمه ما يسمى ب"الحنطة"، أي الانضباط لبرامج مؤسساتية، عكس الغرب مثلا الذي لا تخضع فيه العلوم السياسية لأي ضوابط مؤسساتية وإنما الحكم هو إنتاجات هذه العلوم. وقال الطوزي إن الكتابات السياسية بالمغرب حديثة العهد، وقطعت مراحل قانونية وتراثية ومنهجية، مضيفا أنه ليس هناك هامش للتمرد الإيجابي في المغرب، إذ يقرأ كل تمرد كإعلان عن مشروع إدماج لعالم السياسة. إلا هذا الهامش المتمرد، حسب الطوزي، يجب أن يخضع لأخلاق "الحرفة" ولا ينزلق إلى ما أسماه ب"نزوح المفاهيم". ر/مبعوثون/ط ك/ع ع ومع