على هامش فعاليات المعرض الدولي السادس عشر للنشر والكتاب نظمت الجمعية المغربية للعلوم السياسية ندوة في موضوع «الكتابة والتأليف في العلوم السياسية بالمغرب» ساهم فيها بعض الأساتذة المهتمين بتحولات الحقل السياسي المغربي: محمد الطوزي، حسن رشيق، عبد الحي المودن، محمد ظريف، فيما تولى التعقيب على المداخلات كل من عبد الله البقالي وعبد الرحيم تفنوت وبخلاف العديد من الندوات العامة، فإن ندوة «الكتابة والتأليف في العلوم السياسية بالمغرب» أعادت الجميع الى نظام الدرس والمدرجات الجامعية والتقيد بالأجهزة المفاهيمية لمبادئ ومناهج البحث العلمي في السياسة وكذا غاياته وتقاطعاته مع تخصصات أخرى (القانون الدستوري، الانتروبولوجيا، الاقتصاد السياسي، الاجتماع السياسي... الخ) كما مكنت الندوة من طرح مجموعة من الأسئلة الحرجة مثل: هل غاية علم السياسة هي تمكين المجتمع من فهم ميكانيزمات الحكم والسلطة السياسية أم هو تقديم الخبرة عند الطلب؛ هل يمكن الحديث عن وجود تأليف سياسي بالمغرب خارج الكتابات الكلاسيكية، من يحدد موضوعات البحث والتأليف السياسي: هل هو مركز النفوذ أم الباحث؟ وماحدود الاستقلالية بين الباحث؟ والسلطة؛ هل تحول بعض الباحثين في السياسة إلى القيام بالوظيفة المنبرية في الصحافة من خلال الأعمدة والمقالات يخدم علم السياسة، ماهي حقيقة المحللين السياسيين الذين يتم إبرازهم في بعض الفضائيات العربية... إلى غير ذلك من الأسئلة. وقد اعتبر «عبد الحي المودن » أن التفكير في السياسة له ارتباط وثيق بموضوعها المركزي الذي هو السلطة والعلاقة بين الدولة والمجتمع. فالسياق الذي يوجد فيه المغرب يجعله يختلف عن بعض الدول الأخرى التي تختلف جامعاتها ومناهجها عنه بحيث أن موضوع السلطة والعلاقة بين المجتمع والدولة تسير فيه الأبحاث لصالح أن يكون تأثير للمجتمع عوض هيمنة سلطة واحدة التي هي الدولة. وأشار «عبد الحي المودن» إلى أن دراسة السياسة والعلاقة مع المجتمع كان يدرسها القانونيون والاقتصاديون، من زاوية القانون الدستوري والإداري وكذا علاقة الدولة بالمجتمع من الزاوية الاقتصادية (المخزن، الملوك...)، هذا قبل أن يبدأ الأساتذة الباحثون وطلبتهم في 25 سنة الماضية من دراسة موضوع السياسة والدولة من زوايا مختلفة (الانتروبولوجيا، علم الإجتماع..) وأصبح البحث الأكاديمي بذلك، يراكم معرفة منهجية ونظرية تظل دائما محتاجة إلى الاستقلالية عن الدولة لكي تضمن تطورها. فالباحث الذي يستجيب للدولة يدخل بحثه ضمن مجال تقديم الخبرة وليس مجال البحث العلمي مادام أنه يقدم أجوبة تقنية حول موضوع معين في إطار دراسة خبرية أو مشروع ممول ماليا. وبالنسبة للباحث «حسن رشيق» فهو يرى أن الحقل المعرفي المغربي خاصة على مستوى علم السياسة، يعرف طلاقا مع الانتروبولوجيا التي تهتم بالعمق وبالمؤسسات الهامشية، فعدم التلاقح هذا يجعل البحث غير مكتمل في الوقت الذي أصبحت فيه مناهج العلم الانتروبولوجي تغوص عميقا في فهم بعض الظواهر الاجتماعية، وهو ما ينقص مناهج علم السياسة التي تكتفي بدراسة مواضيع المركز والمؤسسات العصرية، مع العلم بأن مناهج الانتروبولوجيا تطورت وأصبحت تستحضر الجانب التاريخي. وبخصوص أجندة البحث المستقلة فهي في نظر «حسن رشيق» لا يمكن أن يكون لها وجود في غياب مأسسة للحقل المعرفي وفي غياب مراكز البحوث، أما الانتاج الصحفي أو الأسلوب الصحفي فهو يغلب عليه التسرع باعتبار أن أدواته تختلف عن الأدوات الأخرى. وجاء في مداخلة «محمد ضريف» تحديد بعض الأدوات والمناهج، فعلم السياسة هو دراسة السلطة السياسية وتاريخ الفكر السياسي، ذلك أن القانون الدستوري يمكن أن يجيب عن سؤال كيف يحكم بلد ما؛ أما علم السياسة فهو يجيب عن سؤال لماذا يحكم بلد بهذه الطريقة، علما بأن هناك دراسات علمية رصينة لا ينتجها متخصصون في علم السياسة لكنها تظل مساهمة أكاديمية ومعرفية حقيقية مثلا (العروي وحمودي). وفيما يتعلق بظاهرة المحللين السياسيين في الصحافة أو في القنوات الفضائية، فهي في نظر المتدخل تنتج خلاصات لاتتقيد بالمعايير والمفاهيم العلمية فضلا عن الخلط؛ فالشخص الذي يكون حداثيا ويساريا وإن كان لا يساوي شيئا تسلط عليه الأضواء ويصبح محللا سياسيا في الوقت الذي لا علاقة له بمناهج علم السياسة. وأوضح محمد ضريف أن الحريات الاكاديمية غير موجودة بالمغرب في الوقت الذي لا يطرح أي أحد من المهتمين السؤال حول ذلك، متسائلا هل يمكن إنجاز بحث في موضوع الصحراء بطريقة أخرى، هذا فضلا عن صعوبة الولوج إلى المعلومة. وأشار من جهة أخرى إلى أن الباحث في علم السياسة يجب أن يهتم بالقضايا البنيوية والاستراتيجية وليس بحدث ظرفي مثل الصحفي الذي يهتم بالمواضيع الآنية؛ فالباحث في علم السياسة حسب المتدخل ليس فاعلا سياسيا أو مراقبا وإنما هو صانع رأي، والباحثون في علم السياسة لا يجدون تشجيعا لنشر انتاجاتهم ، خاصة إذا كانت مستقلة بحيث أنه هناك تضييقات عليهم سواء من خلال مراقبة كتبهم في المطبعة أو عدم استدعائهم إلى قناة دوزيم أو قناة الجزيرة لأن هناك لائحة تخص أشخاصا بعينهم لا ينبغي استدعاؤهم على حد قول المتدخل. ومن جهته اعتبر «محمد الطوزي» في مداخلته أن علم السياسة هو حرفة له أدواته ومناهجه ومواضيعه كما له منطلقاته ومحدداته ويشمل العلوم الاجتماعية التي تهتم بالسياسة. فعلم السياسة حسب المنظمة العالمية للعلوم السياسية يدرس النسق السياسي والتنشئة السياسية علاوة على الثقافة السياسية. فالباحثون المغاربة في علم السياسة لا يتجاوزون المائة على أقصى تقدير بمن فيهم أولئك الذين يحضرون أطروحات. واعتبر «محمد الطوزي» أن الكتابات السياسية هي نسبيا حديثة العهد ومرت بثلاث مراحل: المرحلة القانونية التي كان فيها الجانب القانوني هو المهيمن والمرحلة التراثية التي كان فيها التراث هو المهيمن علاوة على المرحلة الحالية المتميزة بتعدد المناهج والمفاهيم. وبخصوص الكتابات السياسية الجديدة فهي تظل في نظر المتدخل غير مستلهمة للكتابات القديمة وأصبح مسار عالم الاجتماع وفشله أو نجاحه يحكمه مدى تقربه للسلطة، ويحصل للباحث النجاح الباهر إذا ما انتقل إلى السلطة من باحث إلى خبير، وتم ادماجه في دواليبها. فهامش الاستقلالية وهو الهامش المنتج للتفكير أو هامش التمرد الايجابي أصبح غير موجود بالمرة. فعلم السياسية يضيف المتدخل في علاقة وثيقة مع السلطة، فعلم الخبرة هو علم ضيق ولصيق بمركز النفوذ (Pouvoir) والتي تحتاج إلى دراسات خبرة في مواضيع مثل: الحكامة اللامركزية تقييم السياسات العمومية علم الاجتماع الانتخابي... الخ) ففي غياب الديمقراطية والاستقلالية وأخلاقيات المهنة لا يمكن تصور البحث في علم السياسة، ذلك أن الديمقراطية تساهم في تنمية استهلاك خطاب علم السياسة اضافة الى ذلك فالمغرب لا يتوفر على مراكز البحوث لرعاية الباحثين الشباب وبسبب ذلك يضطر العديد من الطلبة الباحثين إلى ولوج مدرسة (القياد) التابعة لوزارة الداخلية. وفي مداخلته التعقيبية أشار «عبدالله البقالي» إلى أن حقل البحث العلمي الجامعي يتفاعل مع مختلف التخصصات ويساهم في احداث التراكم لفهم التطورات الحادثة على المستوى السياسي تعلق الأمر بأحداث 1956 أو 1959 أو غيرها. فقراءة مضامين التطورات يفسح المجال لفهم ذلك من طرف الفاعلين متسائلا عن وجود حرفيين متخصصين يمكنهم التعاطي مع مختلف التطورات السياسية والاجتماعية الحاصلة. فلعلم السياسة أدوات اشتغاله كما للبناء والجزار والصحافي أدوات اشتغالهم. فالكتابة في السياسة يضيف عبدالله البقالي تحولت إلى حق من حقوق الانسان، ولكن في حدود معقولة، ذلك أننا أصبحنا نلاحظ أن أي واحد يمكنه أن يصبح منتجا وعالما وهذا ليس بشئ ايجابي لأن الساحة العلمية أصبحت تنهج الحرفية والتخصص. فالحق في التحليل شيء ، لكن البحث في علم السياسة له أسس ومناهج وضوابط. أما الصحافي فيظل هو الجسر الذي يحول المعلومة من مكان مغلق إلى مكان مشاع ويُمكِّن الجميع من الاستفادة من المعلومة واستعمالها، وهذا يمثل خزانا رئيسيا لجميع الأوساط بما فيها الأكاديمية، ومن جهة أخرى تساءل «عبد الله البقالي» عن السبب الذي يجعل إنتاج الأجانب يؤثر أكثر من تأثير الفاعل المحلي ، مشيرا إلى المجتمع المنغلق الذي يفتقد إلى حرية البحث العلمي ويكون فيه انحباس للعطاء المعرفي خاصة في مجال البحث السياسي والعلوم السياسية. وفي ختام مداخلته التعقيبية اعتبر «عبد الله البقالي» أن الاخلاقيات في ميادين البحث العلمي (السوسيولوجيا، علم السياسة...) هي أساسية ومحورية لضمان عملية انتاج علمي ومعرفي سليم متسائلا عن عدم وجود خارطة طريق لذلك..