مرحبا بك سيادة رئيس جمهورية فرنسا، فرنسوا هولاند، في المغرب رغم أنك كسرت تقليدا فرنسيا كان يجعل من ساكن الإليزي الجديد يزور أول ما يزور المغرب، ورغم أنك فضلت الجزائر أولا قبل مجيئك إلى المغرب وأنت الاشتراكي القادم إلى الرئاسة بعد مدة طويلة على مغادرة الشيخ فرنسوا ميتران للسلطة. إننا في المغرب لسنا عاطفيين إلى درجة أن نلومك على هذه التغييرات البروتوكولية الموروثة عن رؤساء اليمين الفرنسيين، لكن في المقابل نلفت انتباهكم، سيد هولاند، وأنت واحد من السياسيين الفرنسيين الذين يعرفون بلادنا جيدا، ويعرفون حاجياتها أفضل من بعض أبنائها.. نلفت انتباهكم إلى أن أمورا كثيرة تغيرت في المملكة الشريفة، وأن النخب الفرانكفونية التقليدية، التي كنتم تعولون على خدماتها حتى لو تعارضت مع مصالح بلادها، لم تعد بالقوة والنفوذ الذي كانت عليه، وأن في المغرب اليوم جيلا جديدا ينتظر منكم إصلاحات عاجلة للاختلالات التي تطبع ميزان العلاقات بين باريس والرباط. بلا شك سمعتم عن حركة «STOP TGV» وما أثاره هذا المشروع من جدل إعلامي وسياسي، حتى أن أربعة وزراء من الحكومة الحالية كانوا ضده، حيث رؤوا فيه ترضية مبالغ فيها لساركوزي بعد فشله في الحصول على صفقة طائرات «رافال». ورغم أن السيد رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، طمأن سفيركم لما جاء عنده بعد أسابيع من تشكيل الحكومة نصف الملتحية، يسأله وهو قلق عن احتمال تغيير سياسة المملكة تجاه فرنسا، فإن هناك ما يدعو إلى القلق على صحة وعافية علاقات تقليدية وعريقة كانت ولاتزال تربط فرنسا بالمغرب. فرنسا التي احتلت المغرب في العهد الاستعماري، وقتلت أبناءه، وقُتل وسط جنودها مغاربة ذهبوا معها إلى الحرب ضد الألمان وضد الفيتناميين، ورغم ذلك، إلى الآن، لم يسبق لأي رئيس فرنسي أن اعتذر إلى المغاربة، دعك من تعويض البلاد عن مآسي «عهد الحماية»... هذه صفحة في التاريخ لم تقرؤوها بعد، وهناك صفحات أخرى من الحاضر وجب الانتباه إليها. فرنسا صديقة للمغرب، وتدافع عن جزء من مصالحه في أوربا، وتدعم موقفه في قضية الصحراء، وتسدي إلى المملكة نصائح، بعضها مفيد جدا لمسار التحول الديمقراطي، وسيّاحها هم رقم واحد بين زوار المملكة، وشركاتها تستثمر في المغرب أكثر من شركات أوربية وأمريكية أخرى، وأكبر عدد من الطلبة الذين يدرسون في فرنسا قادمون من المغرب، هذه كلها حقائق ونقط إيجابية في علاقتنا. في المقابل، نحن أكثر بلاد بعد فرنسا ترعى لغة موليير وتصرف على تدريسها في فصول الدراسة المبكرة، وتعتمدها لغة رسمية في الإدارة والمقاولة وعالم المال والأعمال، وهذه الوضعية التفضيلية للغة الفرنسية اختيار سياسي وليس ثقافيا، لأن الجميع يعرف أن لغة العلم والتواصل والتكنولوجيا اليوم هي الإنجليزية، وقريبا ربما تصير الصينية أو الإسبانية. 50 ألفا من رعاياكم المقيمين بيننا يحظون بكل فرص العمل والاستثمار والتحرك دون قيود، ودون عنصرية ولا حساسية، على عكس رعايا المملكة في بلادكم، الذين عانوا تحرشات اليمين المتكررة، ومازالت آثار السياسة العنصرية لساركوزي تمس استقرارهم واستقرار أسرهم، وهؤلاء ينتظرون منك التفاتة إنسانية قبل أن تكون سياسية شعبنا الذي يعرف جله شيئا من لغتكم وتاريخكم ومكانتكم في العالم، محروم من زيارة «لاتوريفيل» وجادة «شانزيليزي» لأن إجراءات الحصول على تأشيرة بلدكم أصعب من شروط دخول الجنة. كل عام لا يحصل إلا حوالي 160 ألفا من أفراد النخبة على تأشيرة دخول بلادكم، والباقون يحرمون منها وكأنهم جميعا متهمون ب«الحريك». سيادة الرئيس، لا نطلب من فرنسا أن ترعانا كأبنائها، نريد علاقات متوازنة شعارها «رابح رابح». في المغرب 19 بنكا، 11 منها يوجد فرنسيون داخلها. أكبر شركة تربح في المغرب هي «اتصالات المغرب» التي تستأثر فيفاندي الفرنسية ب53% من أسهمها. أهم مشترياتنا من باريس، من السلاح إلى قطع الغيار إلى المأكولات الفاخرة... ولهذا يحق لنا أن نخاطب فرنسا، التي يدق قلبها إلى اليسار في هذه المرحلة، باللغة التي تفهمها أكثر من غيرها، علاقات متوازنة بين دول الشمال ودول الجنوب ممكنة، والتعايش بين ديمقراطية الغرب والديقراطية الناشئة في الجنون ممكنة، والخروج من مباراة الدفاع عن المصالح المشتركة والجميع رابح أمر ممكن كذلك.