"شباب تازة من أجل التغيير" يستعدون لإحياء الذكرى على وقع غياب الانجازات وتغيرات في الأوضاع. دعوة لإحياء ذكرى أحداث تازة يوم تاريخ انطلاقها، نداء وجهه شباب يطلقون على أنفسهم "شباب تازة من أجل التغيير" عبر بيان توصلت "فبراير.كوم" بنسخة منه، لساكنة تازة، قصد الاحتفاء بالاحتجاج كما جاء في البيان، على ما وصفوه ب " الترقيعات الإصلاحية و الوعود التخديرية لعموم الجماهير". وطالبو في ذات البيان، بكشف حقيقة ومآل الوعود التي أطلقها المسؤولون خلال وبعد أحداث تازة، ناقلين في بيانهم استمرار نفس الأوضاع المتمثلة في " الاختلاسات و التلاعبات بالمال العام، الاحتكارات والامتيازات بمختلف أشكالها، الريع الاقتصادي و الجمعوي، التجاوزات الأمنية و الشَّطَط في استخدام السلطة، المحاكمات السُّوريالية" و" التستر على ملفات الفساد وواقع الهشاشة الاجتماعية و مختلف الأوضاع اللإنسانية، لساكنة المدينة ونواحيها". وذكر بيان "شباب التغيير" بقضية نبيل الزوهري، مطالبين بالتحقيق في ظروف وفاته ، ومحاسبة المتورطين، و التعويض المادي و الرمزي لأسرته، بالإضافة إلى مواصلة النضال كما عبروا عن ذلك حتى إطلاق المعتقلين الموقوفين على خلفية الأحداث. انطلاق شرارة المواجهات دامت شهرا كاملا الأربعاء 4 يناير 2012، تنطلق شرارة مواجهات بين قوات الأمن وشباب مدينة تازة، كان مركزها حي الكوشة الشعبي، بعد أن خرج سكانه للاحتجاج على غلاء فواتير الماء والكهرباء. مواجهات لم تنطفئ على امتداد شهر من المناوشات والكر والفر، والإعتصامات أمام مختلف مصالح المدينة، ابتداء من مقر العمالة ووصولا إلى السجن المدني للمطالبة بإطلاق صراح الموقوفين، الذين تجاوزوا العشرات، ووجهت في حقهم أحكام نافذة. قطع الطرقات الوطنية وإحراق سيارات الأمن واقتحام البيوت لم تكن الصور ومقاطع الفيديو القادمة من ساحة المعركة بتازة، تبشر بقرب انفراج الأوضاع. مشاهد ألفها المغاربة على قنوات "الجزيرة" و"العربية" وغيرهما، لاصطدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن، طيلة تغطيتها لفصول "الربيع العربي" في كل من مصر وتونس واليمن، لكن المشهد هنا من بوابة الشرق، إذ أظهرت المشاهد الملتقطة من هناك، حينها، شبابا يرشقون سيارات الأمن بالحجارة ويضعون أمامها متاريس وحواجز كي لا تنفذ إلى داخل أزقة أحيائهم الشعبية، متصدين بذلك لإمكانية اعتقالهم، أو الوصول لعائلاتهم. ولم تسلم الطريق الوطنية الرابطة بين مدينتي فاسووجدة، من لهيب التوترات داخل المدينة، وبعد التحاق أحياء أخرى بساكنة حي "الكوشة" وهي القدس والمسيرة 1، كان الغاضبون يتجهون كل ما اشتد الخناق على أحيائهم، نحو الطريق الوطنية السادسة، لقطعها، متمركزين أمام الجامعة المتعددة الاختصاصات، محدثين بذلك شللا تاما في حركة التنقل بين العاصمة العلمية والعاصمة الشرقية للملكة. ولعل السيناريو الأبرز خلال الأحداث، نقل شهادات وثقتها القنوات الرسمية في زيارة لها للمدينة، عن اقتحام للبيوت والعبث بالممتلكات الشخصية للموطنين. ولازالت الأذهان تحتفظ بكلمات ممرضة لم تسلم عبارات سخطها، ونقلها لما حدث داخل بيتها بالصوت والصورة، من مقص الرقيب، داخل القناة الثانية "دوزيم"، لتجد شهادتها منفذا إلى موقع "اليوتوب" وعبره للمواقع الإخبارية الإلكترونية، عوض نشرة الواحدة إلا ربع أو المسائية. أمتعة، مواد غذائية، أجهزة منزلية، عدادات الماء والكهرباء التي صبت الزيت على نار في تازة، كلها وحسب الصور والمشاهد التي تم تناقله قرابة سنة من اليوم، أظهرت بجلاء أن شيء ما سيقع أقوى من الذي كان قد حصل. 20 فبراير جماعة العدل والإحسان والمواقع الإخبارية الإلكترونية في قفص الاتهام وجهت أسهم الاتهام للحركة الشبابية المغربية وقبلها بالدرجة الأولى لجماعة العدل والإحسان، التي نفت على لسان ناطقها الرسمي فتح الله أرسلان أي صلة مباشرة بأحداث مدينة تازة. ولعل حجة من اتهم الجماعة، استقامت على أساس مشاركة مجموعة المجازين المعطلين، الإطار المستوعب لشباب العدل الخريجين من الجامعات، في الاحتجاجات وتأجيجها كلما هدأت الأوضاع، بالاعتصام رفقة معطلين محسوبين على اليسار الجدري، أمام مقر عمالة المدينة. ولم تسلم بدورها المواقع الإلكترونية الإخبارية من تهمة تأجيج الوضع، نقل أخبار وصور ومشاهد تظهر حالة الاستثناء الأمني داخل تازة، وتغيب رواية الجهات الرسمية المتمثلة في المصالح الأمنية، والحكومة. وهو ما دفع الوزير الوصي على قطاع الاتصال مصطفى الخلفي، للاجتماع بعدد من مديري المواقع، وسلمهم حينها ألبوم صور يظهر الخسائر التي تكبدتها الدولة ومصالحها، خاصة التخريب الذي لحق بسيارات الأمن والقوات المساعدة، التي أحرقت إحداها بالكامل خلال الأحداث. وكان رد المواقع الإخبارية حينها، إيفاد مجموعة من المراسلين لعين المكان، واعتماد الصور الحية المنزلة على مواقع الفيديوهات، والتحاق الصحافة الورقية بركب تغطية الأحداث، إذ نقلته بنفس الشاكلة، مؤكدة صدق الأنباء وخطورة الأوضاع. طفل تازة أم الصورة من غزة ؟ طفل يبكي، ويضع يده على فمه مترجيا من مصوره، إخفاؤه عن مظاهر العنف واقتحام البيوت. صورة تم تناقلها بقوة عبر مختلف وسائل الإعلام، سرعان ما تدخلت بعضها مسنودة بتقارير رسمية لتكذيبها، والقول بأن الطفل ليس ابن حي "الكوشة" بمدينة تازة، بل الحقيقة أنه يحمل جنسية فلسطينية وبكاؤه، خوف من هدير القصف وصوت الدبابات الإسرائيلية المقتحمة لغزة. الزملاء في موقع "لكم" لم يتأخروا لإظهار حقيقة الصورة، وتبيان مصدرها، والقول أن الطفل مغربي "قح" من أب وأم "تازويين"، ذلك ما نقله لنا زملاؤنا عبر مقطع فيديو، كانت دقائقه معدودة، وفائدته كبيرة لدحض، اتهامات نشر البهتان والكذب، وتركيب صور دخيلة ضمن أحداث تازة. برلمانيي العدالة والتنمية والفاسي الفهري وأمناء الأحزاب يدخلون على الخط الحكومة المغربية بقيادة العدالة والتنمية، وجدت نفسها أمام أول امتحان، يختبر حكامتها الأمنية في التعامل مع أحداث من هذا النوع، ويظهر مدى صدق الوعود الموزعة على الناخبين أيام حملة انتخابات 25 من نونبر، وكذا نوع التميز الذي ستقدمه في مواكبة الأحداث وفتح قنوات حوار مع الغاضبين لإطفاء لهيب الاحتجاجات. لكن وعكس التوقعات، سقطت حكومة عبد الإله بنكيران في فخ سابقاتها، وأصدرت بيانا "يمسح السماء بليكة"، متجاوزة الأسباب الحقيقية وراء اندلاع المواجهات. "وشهد شاهد من أهلها"، مثل جسده البرلماني البوقرعي، أولا حين ظهر في شريط "فيديو" أولا، وهو يتحدث إلى القوات الأمنية يترجاها فك الحصار عن مداخل الأحياء، الطلب الذي قوبل بالرفض العنيف مع الدفع كما أظهر الشريط ذلك، وثانيا، حين وجه كلمة عبر فيديو ثاني مباشرة بعد بيان الحكومة، يؤكد فيه تجاوزات رجال الأمن خلال تدخلاتهم لفض الاحتجاجات، وناقلا فيه رغبة ساكنة المدينة بالجلوس على طاولة الحوار، شريطة إطلاق سراح المعتقلين الذين سيقوا بشكل عشوائي كما نقلت ذلك تقارير حقوقية خلال الأحداث، مع ضمان رفع العسكرة عن أزقتهم. وأجبرت أحداث تازة، مدير المكتب الوطني للماء وكهرباء علي الفاسي الفهري، للاجتماع بمسؤولين محليين وتابعين لمكتبه، يوم الأربعاء 01 فبراير 2012، أسفر عن الإطاحة برأس مدير الوكالة المحلية للماء والكهرباء، وتقديمه كقربان لمواجهات دامية عاشت على إيقاعها المدينة شهرا كاملا. وقدم المسؤولون جملة من المبادرات الاستعجالية كانت من بينها، إصلاحات في البنية التحتية المرتبطة بشبكات الماء و الكهرباء، ومراجعة قيمة الفواتير وطرح تسهيلات الأداء للمواطنين. وغدت مدينة تازة في تلك الفترة، قبلة، لمختلف القوى السياسية والنقابية والجمعية والحقوقية، إذ زارت المدينة العديد من تنظيمات ونظمت نحوها القوافل التضامنية، خاصة تلك المرتبطة بالتيارات السياسية لأحزاب اليسار. الأمن نال نصيبه من الجرحى والخسائر لم يكن المتظاهرون وحدهم من تعرض لكسور وجروح وردود جراء المواجهات، فقد سجلت إصابات بليغة في صفوف رجال الأمن والقوات المساعدة، كما تعرضت مختلف أجهزتها ووسائل نقلها للتخريب والعبث، وكانت أقوى صورها، محاصرة رجل أمن كما أظهر مقطع فيدو كان قد بث على الإنترنيت من طرف متظاهرين أمطروه بالحجارة، وصورة أخرى لسيارة تلتهمها ألسنة النيران بالكامل، بقربها شباب يهتفون وهم ممسكين بجهاز لاسلكي كان في ملكية شرطي فر من داخل سيارته المحروقة. حصيلة المعتقلين ثقيلة والمدينة لازالت تلملم جراحها وتحاول نسيان الشاب نبيل الزهري الذي فارق الحياة ثلاث وثمانين شهرا، مجموع الأحكام التي وجهت في حق معتقلي أحداث تازة، منهم من قدا عقوبته السجنية، ومنهم من لازال داخل السجن المدني يعد أيام اعتقاله. ومن بين المعتقلين الذين قدوا مدتهم السجنية هم: الخرباوي رضوان : 5أشهر نافذة غلات محمد :أشهر 5نافذة الدكيكي عبد الصمد : 5أشهر نافذة المكي رشيد :5 أشهرنافذة عبد العزيز قرطيط : 5أشهر نافذة محمد اليوسفي :5أشهر نافذة يوسف الشيباني : 5أشهر نافذة هشام شحيت : 4 أشهر نافذة سعيد قصابي : 5 أشهر نافذة قرماد عبد القادر:2شهر قشمار عمار:2شهر يوسف أحجيج:7 أشهر نافذة جادة بوبكر:7 أشهر نافذة لحسن دراجو:7 أشهر نافذة فيما لا يزال كل من طارق حماني (6سنوات نافذة)، جواد اعبابوا 4(سنوات نافذة)، احمد البوبسي (4سنوات نافذة)، قابعين خلف أصوار الزنزانة نتيجة اعتقلاهم خلال الأحداث. ولم تنته مآسي المدينة الجريحة مع عد وإحصاء معتقليها، بل اهتزت يوم السبت 17 مارس 2012 على نبأ وفاة الشاب نبيل الزهري، الذي طاردته قوات الأمن لاشتباهها فيه في حادث سرقة لاسلكي خاص بشرطي والمساهمة في إحراق سيارته، مما أدى إلى سقوطه من أعلى قمة جبل ويفارق بذلك الحياة، وتصدر بعد الحادث اتهامات تجاه رجال الشرطة، تحملها مسؤولية وفاة الزهري وهو ما نفته رواية الرسمية. تازة تتكرر بنفس السيناريو. وتلت أحداث مدينة تازة أحداث أخرى شهدتها مدن الحسيمة وامزورن، صاغت بدورها نفس المشاهد والأحداث والصور رغم اختلاف نقطة بدأ التوترات. فهل ستكون تلك المدن وغيرها الأخيرة في نهج نفس "الستيل" من التدخل الأمني وتعامل مع مظاهر الاحتجاج والرفض للسياسات العمومية والأوضاع الاجتماعية ؟