من تابع ويتابع الفضائيات ، بخاصة نصوص رسائل الهواتف النقالة التي تنشر تباعا على "الجزيرة مباشر" أو سواها من المحطات ، ومن يتابع منتديات الإنترنت وتفاعلاتها ، يدرك أن ما يجري هو أقرب إلى ثورة أمة منه إلى ثورة شعب هنا أو شعب هناك. مرة إثر أخرى ، يتأكد أننا... إزاء أمة عظيمة لم تنجح سنوات التفتيت والدولة القُطرية وسياسات (القُطر أولا) في جعلها أمما وشعوبا لا تربطها الكثير من الروابط ، فما جرى في تونس وتاليا في مصر ثم ليبيا واليمن كان الحدث الأبرز في كل البيوت ، وصارت الجزيرة هي العنوان الذي يلجأ إليه الناس لمعرفة الأخبار ، وحين شوّش عليها الظالمون طاردها الناس من تردد إلى تردد ومن قمر إلى قمر. كان ما يجري هو عنوان اهتمام وترحيب الصغار والكبار. الرجال والنساء ، الفقراء والأغنياء باستثناء القلة المترفة التي تخشى التغيير خوفا على مصالحها مصداقا لقوله تعالى: "كذلك ما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون". صحيح أن الحشد المذهبي قد ألقى بظلاله على المشهد بعض الشيء ، حيث انقسم الناس حيال الحدث البحريني على وجه الخصوص ، الأمر الذي يستحق معالجة أخرى ، إلا أن العناوين الأخرى لم تشهد أي التباس يذكر ، حيث تفاعل الناس معها بشكل كامل ، بما في ذلك الحراك اليمني ، وسينطبق ذلك من دون شك على سائر التحركات الأخرى القادمة. من المحيط إلى الخليج وقف الناس ويقفون على رؤوس أصابعهم وهم يتابعون الأحداث ، ويتفاعلون بكل مشاعرهم مع الشهداء والجرحى والمعتقلين ، كما يمعنون في عداء الظلم والظالمين وهجائهم ، وحين يتنطع بعض فقهاء السلاطين ، أو الموتورين من أدعياء العلم فيعمدون إلى تبرير الظلم ، أو المطالبة بطاعة الظالمين بدعوى الخوف من الفتنة ، فضلا عن فقه الرفض للمظاهرات والفعاليات الشعبية. حين يحدث ذلك ، يدير الناس ظهورهم لهم وينحازون إلى الثورة والثوار ، وكذلك لأصوات العلماء المنحازين للمستضعفين ، وهم الغالبية بفضل الله. الأمة تشعر بذاتها وحضورها ، وتحسّ أن زمنها قد حان ، وأن زمن الطغيان آخذ في الأفول ، فقد مضى عليها زمن طويل وهي تعيش الذل في الداخل على يد الطغاة ، والإذلال من قبل الخارج ، مع أنها لم تستكن لذلك كله ، بل واصلت المقاومة بدرجات متفاوتة بين بلد وآخر. زمن طويل مرّ على الأمة وهي تتابع نهب ثرواتها من قبل نخب هيمنت على السلطة والثروة ، في ذات الوقت الذي كانت تتابع تبديد ثروتها بطرق رعناء من أجل أن تحصل الأنظمة على رضا الغرب ، بدليل صفقات التسلح الرهيبة التي يعرف الجميع كيف ومن أجل ماذا توقّع. زمن طويل من الظلم والفساد والاستبداد. أما الآن ، فهي تحسّ أن فجر الحرية قد آذن بالبزوغ ، وهي لذلك لا تفرق بين بلد وبلد ، وتؤمن بأن كل انتصار يتحقق هو بمثابة مقدمة لانتصار آخر قادم في الطريق. لقد أحرق البوعزيزي ثياب الذل ، وألقى على الأمة عباءة البطولة والثورة ، وها هي منذ تلك اللحظة لا تتوقف عن اجتراح البطولة والعطاء ، حتى أنها أخرجت أجمل ما فيها من إخاء وتكافل ووحدة. على هذا الإيقاع ، تتنفس فلسطين. فلسطين التي كانت عنوان الصراع ، صراع الأمة مع الغطرسة والطغيان ، وكم كانت رائعة صرخة تلك المرأة الليبية حين قالت إن فلسطين هي المحطة التالية ، وهي ستكون ، فعندما تتحرر الأمة ، وينكسر سياج الحماية من حول دولة العدو ، سيتحقق الانتصار ، وترتفع رايات العزة والكرامة. كرامة الأوطان وكرامة الإنسان. "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم". صدق الله العظيم