شهد المغرب خلال السنوات الأخيرة حركية مهمة، استهدفت تعزيز حقوق الإنسان، في سياق تفاعل إيجابي مع المتغيرات المحلية المرتبطة بتنامي مطالب المجتمعين السياسي والمدني في هذا الاتجاه، ومع التحولات الدولية الكبرى التي أفرزها انهيار المعسكر الشرقي وما رافق ذلك من تزايد للاهتمام الدولي بقضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان.. وهكذا وفي سياق تكييف المنظومة القانونية والمؤسساتية الداخلية مع المعايير الدولية المتعارف عليها في مجال حقوق الإنسان الذي نصت عليه ديباجة الدستور المغربي لسنة 1996، تم إحداث مجموعة من المؤسسات (المحاكم الإدارية، المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وزارة خاصة بحقوق الإنسان، مؤسسة الوسيط، والي المظالم وهيئة التحكيم، لجنة الإنصاف والمصالحة..). وصدرت العديد من النصوص والتشريعات القانونية التي تصب في هذا الاتجاه كمدونة الشغل ومدونة الأسرة.. وفي ظل هذه الظرفية أيضا، قامت السلطات المغربية بالتصديق على مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المرتبطة بهذا الشأن، وباتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات التي استهدفت الحسم مع ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدها المغرب منذ استقلاله، حيث تم إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وسمح للعديد من المنفيين بالعودة إلى أرض الوطن.. وقد كان لهذه التحولات أثر إيجابي على مستوى تعزيز ودعم حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية، حيث عرفت هذه المنطقة بروز عدد من فعاليات المجتمع المدني المهتمة بالمجال الحقوقي، وتنامي الوعي بهذه الحقوق.. ومن جهة ثانية؛ جاء مشروع الحكم الذاتي ليعزز مستوى هذه الحقوق من خلال تأكيده على مجموعة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتاحة للسكان؛ ضمن ممارسة ديموقراطية لشؤونهم المحلية، وبخاصة وأن تطبيق هذا المشروع في ضوء الحقائق والوقائع التي تجسدت في المنطقة على امتداد أكثر من ثلاثين سنة؛ سيجسد مظهرا إيجابيا من مظاهر حق تقرير المصير. أولا- سكان الصحراء في ظل الانفتاح السياسي كما هو الشأن بالنسبة للمواطنين في مختلف الأقاليم المغربية؛ استفاد سكان الصحراء من جو الانفتاح الديمقراطي والتوسع الحاصل على مستوى هامش الحقوق والحريات الذي شهده المغرب؛ فقد شهدت المنطقة بروز عدد من الجمعيات المحلية المهتمة بحقوق الإنسان(النوادي الجهوية للصحافة، جمعيات المعطلين الصحراويين؛ فروع الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب؛ جمعية المحتجزين والمفقودين المغاربة؛ جمعية العائدين للدفاع عن حقوق الإنسان؛ فروع الجمعيات الحقوقية الوطنية..)؛ كما شهدت تنظيم عدد من الاحتجاجات الاجتماعية المرتبطة بمطلب التشغيل وتعزيز البنيات التحتية الصحية والتعليمية وغيرها.. فيما حرصت هيئات المجتمع المدني الوطنية المرتبطة بحقوق الإنسان على تأسيس فروع لها بالمنطقة؛ ومتابعة الأوضاع الاجتماعية والحقوقية فيها أسوة بباقي المناطق؛ مما جعل شؤون السكان الصحراويين تحظى باهتمام بالغ ضمن تقاريرها الدورية والسنوية.. فقد ورد في التقرير السنوي حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب خلال سنة 2006، الذي أصدرته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان؛ لائحة تضم عددا من الأشخاص المنحدرين من الأقاليم الصحراوية الذين تعرضوا لبعض الانتهاكات والمعتقلين السياسيين لسنة 2006 وطالبت بإطلاق سراحهم وإعمال التسوية النهائية والعادلة لأوضاع المفرج عنهم.. وفي إطار عمل الجمعية لتحديد وقائع الأحداث التي عرفتها مدينة العيون خلال نهاية شهر مايو 2005، من خلال بعثة تقصي الحقائق المنتدبة من طرف مكتبها المركزي؛ تم التأكيد على أهمية الحق في تأسيس الجمعيات وفي حرية الرأي والتعبير، ورفض استعمال العنف من طرف القوات العمومية.. كما تم التأكيد أيضا على أهمية الاهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسكان الإقليم، والحرص على عدم التمييز بين المواطنين، وتغليب عنصر الكفاءة عند ولوج العمل واستبعاد المقاربة الأمنية في تدبيرها للاحتجاجات في المنطقة.. ومن جهتها تابعت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان منذ تأسيسها أوضاع حقوق الإنسان في المنطقة؛ فأنجزت سنة 1999 تحقيقا حول أحداث العيون؛ كما قامت بتحقيق ثان لأحداث السمارة سنة 2002، وأصدرت عدة بيانات من بينها بيان حول إيقاف فرع المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، وحول الموقف الجزائري الداعي إلى تقسيم المنطقة الصحراوية، وحول المحتجزين في تندوف، كما راسلت رئيس المفوضية السامية للاجئين للقيام بتحقيق حول تعذيب مواطنين مغاربة بتندوف.. وفي يونيو من سنة 2005 قرر المكتب الوطني للمنظمة إيفاد لجنة للتقصي حول الأحداث التي وقعت في مدينة العيون في شهر مايو 2005، حيث أصدرت إثر ذلك مجموعة من التوصيات التي تقضي بضرورة احترام حقوق الإنسان وضمان المحاكمة العادلة، والتصدي للقضايا الاجتماعية المستعجلة بالمنطقة؛ والتخلي عن سياسة التمييز لفائدة "الأعيان والوجهاء" في ولوج الوظائف والحصول على الرخص؛ وإيلاء الاهتمام للثقافة المحلية ورفع القيود عن تحرك المجتمع المدني.. إن نشاط هذه الفعاليات الحقوقية في المنطقة مكن من الوقوف على عدد من حاجيات السكان ومطالبهم وأسهم في الضغط باتجاه تلبيتها، كما كان له دور هام في تعزيز تدبير الملف من خلال التوصيات الهامة التي ترد في تقاريرها؛ هذا بالإضافة إلى الجهود التي تبذلها على مستوى التحسيس بمعاناة اللاجئين في مخيمات تندوف؛ حيث انخرطت بجدية كبيرة في فضح الانتهاكات والخروقات التي تطال السكان الصحراويين هناك؛ من خلال الوقوف على معاناة الأطفال والنساء والتجاوزات المرتكبة في حقهم جراء التفريق بين الأسر؛ وحرمانهم من حقهم في التعبير.. ويعد إحداث المجلس الاستشاري الملكي لشؤون الصحراء كهيئة استشارية وإطار تمثيلي للسكان امتدادا لتعزيز هذه الحقوق بالمنطقة؛ وبخاصة وأنه يضم في تشكيلته مختلف التنظيمات والأطياف القبلية والسياسية.. الصحراوية من مقاومين وأعضاء جيش التحرير وأعضاء منظمات وأحزاب محلية تاريخية وممثلي هيئات المجتمع المدني وأعضاء سابقين في قيادة البوليساريو وشيوخ القبائل ومنتخبين في البرلمان والمجالس المحلية والإقليمية.. ثانيا- حقوق الإنسان ضمن مشروع الحكم الذاتي يشكل مشروع الحكم الذاتي في الصحراء الذي تقدم به المغرب؛ مدخلا ملائما لبلورة حل عادل ومناسب؛ كفيل بإغلاق هذا الملف الذي عمر طويلا، وبخاصة وأنه سيمكن السكان في الأقاليم الجنوبية من تدبير مختلف شؤونهم المحلية في إطار ديموقراطي. ومما لاشك فيه أن خيار الجهوية الذي تبناه المغرب منذ سنوات، سيعزز من أهمية وفعالية هذا المقترح. فهو يعبر في مضمونه عن رغبة وإرادة حقيقيتين لطي هذا الملف، وبخاصة وأنه اقترح صيغة حاولت المواءمة بين مختلف المصالح؛ وتضمن مجموعة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية المكفولة للساكنة، ولذلك فقد لقي استحسانا كبيرا من قبل مجموعة من دول العالم؛ بما فيها القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا.. وبإلقاء نظرة على مضمون هذا المشروع؛ يتبين أنه تضمن عددا من الركائز والمقتضيات التي تحرص على صيانة حقوق وحريات الساكنة، وتضمن ممارستها بشكل ديمقراطي. فبموجب الفقرة الخامسة والعشرون من هذه المبادرة؛ "يتمتع سكان الجهة بكافة الضمانات التي يكفلها الدستور في مجال حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دوليا". وتؤكد الفقرة الثالثة منه على أن المبادرة في مجملها تندرج في "إطار بناء مجتمع ديموقراطي حداثي، يرتكز على مقومات القانون والحريات الفردية والجماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهي مبادرة واعدة بانبثاق مستقبل أفضل لسكان الجهة، فضلا عن أن من شأنها أن تضع حدا للمعاناة من الفراق والنفي، وأن تساعد على تحقيق المصالحة". فيما تحدثت الفقرة الرابعة منه على أن المملكة المغربية تكفل "من خلال هذه المبادرة، لكافة الصحراويين سواء الموجودين في الداخل أو الخارج، مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيدا عن أي تمييز أو إقصاء". ومن جهة أخرى؛ تم التأكيد على أن المبادرة ستخول للسكان إمكانية تدبير شؤونهم بأنفسهم بواسطة هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية داخل حدود الجهة، تتمتع باختصاصات حصرية عدة، نذكر من بينها القطاعات الاجتماعية: السكن والتربية والصحة والتشغيل والرياضة والضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية. والتنمية الثقافية بما في ذلك النهوض بالتراث الثقافي الصحراوي الحساني.. كما ستوفر المبادرة للسكان مختلف الإمكانيات المالية الضرورية اللازمة لتنمية الجهة في كافة المجالات(الفقرتين 5 و12 من المشروع).. وتقديرا لحق السكان في التعبير عن رأيهم إزاء هذه المبادرة؛ أكدت الفقرة الثامنة منها على أن نظام الحكم الذاتي، الذي سيتمخض عن المفاوضات، "يخضع لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين، طبقا لمبدأ تقرير المصير ولأحكام ميثاق الأممالمتحدة". وعلى مستوى تعزيز المشاركة السياسية والإسهام في صناعة القرارات الوطنية، جاء في الفقرة الثامنة عشر من المشروع؛ على أنه: "تمثل ساكنة جهة الحكم الذاتي للصحراء في البرلمان وبباقي المؤسسات الوطنية، وتشارك في كافة الانتخابات الوطنية". وبالإضافة إلى ذلك؛ سيتم بموجب هذا المشروع؛ إحداث برلمان للحكم الذاتي بالصحراء؛ يتكون من "أعضاء منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية، وكذا من أعضاء منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف مجموع سكان الجهة"(الفقرة 18 من المشروع). واقتناعا بأهمية النهوض بأوضاع المرأة في المنطقة باعتباره مدخلا لمعالجة مختلف الإشكالات والمعضلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأخرى؛ أشار المشروع إلى أنه "يتعين أن تتضمن تشكيلة برلمان جهة الحكم الذاتي نسبة ملائمة للنساء"(الفقرة 19 من المشروع). ونال موضوع السكان المحتجزين واللاجئين في مخيمات تندوف أو الصحراويين المتواجدين في مناطق أخرى والعائدين إلى أرض الوطن؛ عناية واهتماما من قبل المشروع الذي سعى إلى إعادة الاعتبار إليهم وسعى لضمان كرامتهم وسلامتهم كمواطنين؛ حيث نصت الفقرة الثلاثون منه على أنه: "تتخذ المملكة المغربية كافة الإجراءات اللازمة من أجل إدماج الأشخاص الذين تتم عودتهم إلى الوطن، إدماجا تاما في حظيرته، وذلك في ظل ظروف تكفل الحفاظ على كرامتهم وسلامتهم وحماية ممتلكاتهم". ولهذه الغاية تصدر المملكة بالخصوص عفوا شاملا يستبعد أي متابعة أو توقيف، أو اعتقال أو حبس أو أي شكل من أشكال الترهيب، يبنى على وقائع مشمولة بهذا العفو(الفقرة 31 من المشروع).