عن جوانب التأمل في سياقات الذكرى 34 لجمعية الشعلة للتربية والثقافة ، عن سؤال مستقبل العمل الجمعوي بالمغرب وما تمثله استراتيجية الجمعوي من حيث العمل ووضع تصورات جديدة من أجل البناء المجتمعي للمغرب.. المسار الذي طبع الحركة الجمعوية للشعلة خلال السنوات الأخيرة من خلال مواقفها ومبادراتها وشراكاتها.. الممارسة الجمعوية والتنظيمية والاهتمام بجسد وشبكة الجمعية، والذي طبعه في جل مراحله إيقاع التتبع والممارسة التنظيمية وتطويرها عبر مختلف المراحل والمحطات.. عن كل هذه القضايا، يأتي هذا حوار مع رئيس الجمعية الاستاذ محمد أمدي ، ليتضمن العديد من المرتكزات لأجوبة تضع الشعلة ومن خلالها الحركة الجمعوية بالمغرب أمام تحديات تستدعي الحوار والتفكير في استراتيجية قريبة من التحولات المجتمعيةالتي يعرفها المغرب.. هنا نص الحوار: تحل الذكرى 34 للجمعية، بمنجزاتها ورهاناتها وانتظاراتها، فماذا تقول عن هذه المحطة؟ هذه السنة تحل الذكرى 34 بهيكلة تنظيمية متجددة ومتطورة، وهي مناسبة لكل منخرطي جمعيتنا لاستحضار رصيدها الغني والمتنوع، وتراكم تجاربها الإيجابية ومنجزاتها لفائدة الطفولة والشباب في المجالين التربوي والثقافي، وأيضاً التوقف عند مكامن النقص لمعالجته وتفاديه. وبالمناسبة، أوجه تحية صادقة، مقرونة باعتراف واعتزاز إلى مؤسسيها، ومن خلالهم إلى كافة أطرها التربوية والمتعاطفين معها والمدعمين لها في مجموع جهات المملكة، على ما بذلوه من جهد بسخاء وبإرادة قوية ووطنية خالصة في إغناء رصيد الجمعية وتطوير وسائل عملها وتدخلاتها، والحفاظ على رسالتها النبيلة، باستقلالية ونزاهة وتفاعل إيجابي مع التحولات والمبادرات التي عاشها ويعيشها مجتمعنا. إن موقع الشعلة في المشهد الجمعوي المغربي، وغنى عطاءاتها واجتهاداتها في تقديم الخدمة التربوية ذات الجودة والمضمون لفائدة الطفولة والشباب لمدة 34 سنة، عبر 92 فرعا و 14 جهة مهيكلة في مجموع تراب المملكة، تميز دوما باعتماد رؤية متجددة وأساليب واضحة تتطور وتتكيف باستمرار مع المستجدات التربوية والثقافية المرتبطة باختيارات الشعلة الثابتة منذ تأسيسها، والهادفة الى ترسيخ قيم المواطنة والتربية على الديمراقطية واحترام حقوق الإنسان والتسامح والتعدد والاختلاف والمساواة وتكافؤ الفرص والتضامن والعدالة الاجتماعية، في إطار عمل اجتماعي جمعوي تطوعي مواكب لانتظارات الفرد والجماعة وفي انسجام تام مع التحولات العامة التي يشهدها مجتمعنا. كل ذلك جعل الشعلة تقوي وتنمي علاقاتها وطنياً عربياً ودولياً في إطار شراكات تخدم مشروعها المجتمعي لفائدة الطفولة والشباب، باستقلالية واحترام كامل لالتزاماتها اتجاه شركاتها ومصداقيتها في تدبيرها الاداري والمالي، وهو ما جعلها تحظى باحترامهم وتقديرهم. إن كل منتم للشعلة، لمعتز بهذا الانتماء وبهذا الرصيد الغني والمتنوع من المنجزات، لكن اعتزازنا بماضينا وما حققه السلف من تدبير إداري ومالي صادق وشفاف، لا يشغلنا عن التعامل الإيجابي مع الحاضر والتطلع إلى المستقبل بجدية وحيوية أكثر. فرهان اليوم داخل الشعلة هو إرساء وتثبيت تنظيم جهوي محكم باختصاصات موسعة ومصاحبة فعلية للمكتب المركزي، والذي من شأنه تعزيز وتقوية وتنوع مجال تدخل فروعنا محليا، إضافة إلى استمرارنا في تأهيل أطرنا التربوية بالتكوين والتكوين المستمر، لضمان جودة أدائها التربوي الثابت منه والمتجدد. وموازاة مع ذلك، سنستمر في تنمية شراكاتنا جهويا ووطنيا، ودوليا مع منظمات وهيئات صديقة في منطقة البحر الأبيض المتوسط بضفتيه وباقي الدول الأوربية بجدية ونزاهة ومسؤولية ووطنية صادقة للمساهمة في تقوية وفعالية الدبلوماسية الشعبية خدمة لقضايا مجتمعنا الذي نعتز بانتمائنا إليه. هذه المرة، سطرتم برنامج الاحتفال بالذكرى ونهجتم من خلاله رهان الجهوية ، بماذا تفسرون هذا الاختيار؟ لقد اخترنا هذه السنة إحياء لهذه الذكرى، التجسيد الفعلي للرهان على التنظيم الجهوي، وذلك بإقامة أنشطة تربوية وثقافية وترفيهية محليا وجهوياً. حيث تم تنظيم ندوة فكرية بمدينة آسفي تحت عنوان: «التحولات المجتمعية بمغرب اليوم»، بمشاركة مفكرين وأساتذة باحثين، مع استحضار روح المفكر المغربي عبد الكبير الخطيبي وأبحاثه التي أغنت الحقل الثقافي المغربي. وهي إشارة إلى الأولوية والأهمية التي توليها الشعلة للسؤال الثقافي. أيضا سيقام بمدينة سطات الحفل الختامي للمهرجان الاقليمي الأول للأغنية «نبرات»، والذي يتوج مجهودات يدلها فرع جمعيتنا بهذه المدينة خلال عدة أشهر من العمل المتواصل، تم خلاله إجراء مسابقات إقصائية بين شباب المدينة المنتمين لعدة مؤسسات تعليمية لإبراز مؤهلاتهم وإيداعاتهم في المجال الفني الموسيقي واكبته دورات تكوينية وتربوية وترفيهية ورياضية لفائدة هؤلاء الشباب أشرفت عليها أطر متخصصة. وبمدينة طنجة، سينظم مهرجان لأنشودة الطفل، والذي سيتوج لأول مرة بإعداد مرجع في هذا الموضوع التربوي الهام. وبمدينة بوجدور نظم فرع جمعيتنا المنتدى الاقليمي الثاني للشباب حول محور «الشباب والمشاركة في تدبير الشأن المحلي» ، وذلك بهدف تعميق روح المواطنة لإعادة الثقة بين الشباب والمؤسسات المنتخبة المحلية والجهوية والوطنية ، بالإضافة إلى عدة أنشطة تربوية وفنية وثقافية وترفيهية تقام في مجموع فروع شبكتنا في المجالين الحضري والقروي. من انشغالات الجمعية ، كذلك نشرالكتب وصدور مجلة «الشعلة»، أين وصلت تفاصيل هذا المشروع؟ إن موضوع الندوة الفكرية التي نظمت بمدينة آسفي «التحولات المجتمعية بمغرب اليوم» سيكون هو محور العدد 12 من مجلة «الشعلة» ، وهو موضوع في اعتقادي يستدعي من الباحثين والمفكرين تعميق البحث فيه لإبراز ما شهده مجتمعنا من متغيرات خلال السنوات العشر الأخيرة، وتكفي الإشارة إلى مرجعين في هذا الصدد يؤشران على ذلك: تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة ، وتقرير خمسين سنة من التنمية البشرية ، إضافة إلى المجلة ، ستعرف هذه السنة إصدار عدة منشورات وأبحاث تم إنجازها في إطار بعض المشاريع والملتقيات الوطنية. متغيرات الحقل الجمعوي بالمغرب ، في اعتقادكم هل حان الوقت لتفكير في استراتيجية جديدة تواكب كل التحولات المجتمعية؟ بالنظر الى ما راكمته الجمعيات الوطنية التربوية من تجارب وإنجازات في الحقلين التربوي والثقافي منذ تأسيسها الى الآن، وتعايشها مع زمن المواجهة والمنافسة والشراكة، فإن دورها لازال مركزيا في مجتمعنا، مع استمرارها في التفاعل الإيجابي مع كافة المبادرات الجدية وطنيا ودوليا، وملاءمة فعلها مع المتغيرات المجتمعية التي يشهدها مغرب اليوم، وحاجيات طفولتنا ويافعينا وشبابنا المتجددة والمتنوعة. ولعل المبادرات القوية الجادة والمسؤولة التي يقوم بها رئيس وأعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد المنظمات التربوية في هذه المرحلة لادليل على الدور المركزي لمكونات الاتحاد في الحقل الجمعوي المغربي، يتعين دعمه من طرف القطاعات الحكومية المعنية بقضايا الطفولة والشباب والأسرة والتعليم والثقافة. كما أن المتتبع للمشهد الجمعوي المغربي، يعاين تزايد عدد الجمعيات بالقياس مع الماضي، خاصة بعد التعديلات الأخيرة المدخلة على ظهير 1958. إن هذا التزايد والتنوع في الاختصاصات والمهام ظاهرة إيجابية، وينم عن وعي مجتمعي بأهمية العمل الجماعي المنظم، مع ملاحظة أن الكم يفرز دائما النوع. كما يتعين التمييز بين نوعين من الجمعيات: جمعيات حاملة لمشروع مجتمعي واضح، وأخرى منخرطة في مشروع لم تشارك في صياغته. وبالتأكيد، فإن الجمعيات الحاملة للمشروع المجتمعي التربوي والثقافي لفائدة الطفولة والشباب، المؤمنة بقيم المواطنة والتطوع وتقديم الخدمة العمومية الجيدة ستستمر استمرار تواجد هذه الشريحة في مجتمعنا. واعتباراً للمكانة التي أصبح يحظى بها المجتمع المدني والشراكات المنعقدة معه وطنيا ودولياً، وبالنظر الى ما راكمته الجمعيات الوطنية الجادة من تجارب وإنجازات واجتهادات، أصبح يفرض على كافة المسؤولين الحكوميين المزيد من الدعم في أفق تمثيلها داخل الهيئة الدستورية المهتمة بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية وباقي المؤسسات التي تعنى بقضايا الطفولة والشباب.