يختزن عبد المقصود الراشدي، الرئيس السابق لجمعية الشعلة التي قادها لفترات طويلة، قبل أن يقرر ترك المقعد لغيره، خبرة كبيرة في إدارة العمل الجمعوي، وربما يشهد خصومه، في لاميج وفي حركة الطفولة الشعبية والمواهب والانطلاقة وغيرها من الجمعيات الوطنية الكبيرة التي حركت الفضاء الجمعوي الراقد وأخرجته من عدميته إلى ممكنه، بتمكن الرجل، وسلاسته ومرونته. وميزة الراشدي أنه جعل «الشعلةّ» حياته، فهي ارتبطت به وهو ارتبط بها، زواج شرعي برباط مؤكد، هنا حوار معه عن حال العمل الجمعوي من خلال تجربة «الشعلة»: - منذ 1975 وجمعية «الشعلة» تخوض رهان الوجود والفعل في محيط مغربي تغير كثيرا، كيف تعاملتم مع هذه المتغيرات سلبا وإيجابا؟ < بالفعل، منذ ذلك التاريخ ونحن نحاول أن نراجع شروط العمل من الناحية القانونية والمؤسساتية، ومن الأكيد أننا لم نعد نواجه المشاكل التي كنا نواجهها في سنوات القمع والرصاص، وهذا راجع بالأساس إلى تغير في منظور الدولة للعمل الجمعوي، وأيضا إلى تغير في قيم العمل الجمعوي نفسه، لكنني أقول إننا اشتغلنا دائما وفي كل الظروف على قيم التطوع والفاعلية، من خلال خدمة الشباب المغربي. - لكن هذه المفاهيم التي ذكرت، قد طالها التغير أيضا، كل شيء أصبح اليوم بمقابل، وشباب الأمس ليس هو شباب اليوم؟ < ربما من ميزة جمعية وطنية مثل جمعية «الشعلة»، أنها أخضعت نفسها لظروف التعامل الإيجابي مع كل المتغيرات، ليس على المستوى الاجتماعي فقط ولكن أيضا على المستوى السياسي وفي جانب مراقبة تغير ثقافة الشباب والجيل الجديد. لقد لمسنا أن متغيرات كثيرة حدثت في المجتمع، وأصبح لزاما على المشتغل بالعمل الجمعوي أن يراقبها وأن يطور من أدوات عمله، فهناك أولويات جديدة وهناك أيضا تغير في فضاءات العمل الجمعوي من دور شباب ومن مراكز شباب وفضاءات تقليدية لم تعد تتجاوب في شكلها الحالي مع المرحلة ولا مع المنافسة الشرسة التي يقودها التلفزيون والأنترنيت والقنوات الفضائية في التأثير على الشباب ومخاطبته.. لقد كان علينا حتما أن نعي هذه التحولات. - هل كان لتعزيز المطالبة بفصل الجمعوي عن السياسي أثر إيجابي على الحركة الجمعوية أم إنه ساهم في إضعافها وعزلها؟ < دعوات فصل العمل الجمعوي عن العمل السياسي حتى وإن كانت من الناحية المبدئية مطلوبة وعادية، لأنها تدخل في سياق الفصل بين مجالين مختلفين، إلا أن الحالة المغربية مختلفة تماما، إذ إن العمل الجمعوي نفسه قد نشأ في كنف السياسي، بل هو ربما يكاد يكون أحد أجنحته في ظل مشروع الدولة الوطنية الحديثة. ونحن في جمعية «الشعلة» كنا دائما نعتبر أنفسنا جمعية مناضلة، ولقد تمكنا من التغلغل في أوساط الشبيبة المغربية، بل ورافقنا هذه الشبيبة في مختلف مراحل تطورها، وبالتالي كان السؤال السياسي أيضا انشغالا لنا، لكن من زاوية مختلفة عن نظرة رجل الحزب أو السياسي المحترف، كنا نرى، وهذا أمر أكده الواقع، أن كل عزل للحركة الجمعوية عن محيطها من شانه أن يسقطها في نوع من الانعزالية والتبسيطية لقضايا المجتمع. ثم إنه كان علينا أن نخلق شبابا قويا ومؤطرا تأطيرا جيدا ويمتلك المعرفة والقدرة على التحليل والتركيب، حتى في ظل الشروط المادية الصعبة التي لم تكن تسعفنا أحيانا، وفي ظل رهاننا على تنظيم الملتقيات الوطنية الكبرى التي يذكرها الجميع، وفي تحولنا إلى جهة ناشرة، من خلال «مجلة الشعلةّ» الرائدة ومن خلال العديد من المنشورات ومن الكتب التي جعلتنا في واجهة العمل الجمعوي في المغرب ونقطة تلاق لتطلعات الشباب المغربي. - سجل على الشعلة أنها تحولت إلى إطار تقني أكثر منه إلى إطار لعمل قاعدي، وأصبح عملكم في فترة من الفترات منصبا على النخب لا على قطاعات الطفولة والشباب؟ < هذا غير صحيح، وبالأرقام أقول لك إننا نتوفر اليوم على 80 فرعا في 12 جهة وعلى أكثر من 30 ألف منخرط في المجال القروي والمجال الحضري. هل هذا عمل نخبوي؟ لا أعتقد ذلك، ولكن كل ما في الأمر أننا سعينا إلى تطوير هياكل الجمعية، عبر إدارة حديثة ورصد للتوجهات والاحتياجات والجمع بين المهنية والاحترافية، وكانت النتيجة أننا استطعنا أن نرافق كل الأجيال، ثم أن نكون في مستوى تأطير الحركة الجمعوية في البلاد على مستوى التنظير والتفكير لها. - هل هذا هو مبرر انخراطكم في السؤال الثقافي أحيانا وترجيحه على التربوي؟ < كنا فقط نبحث عن التوازن بين العمل التربوي والعمل الثقافي وعن دور أكبر للجمعية في المجال الثقافي، ولقد تحقق لنا ذلك من خلال الأنشطة الثقافية التي نظمتها الجمعية ومن خلال الملتقيات الوطنية التي هي علامة بارزة في المشهد الثقافي المغربي، والكثير من الأسماء المغربية التي لها حضور في الشأن الإبداعي والفكري قد مرت من أنشطة الجمعية، ونعتبر أن هذا أكبر مكسب يمكن أن تفخر به جمعية وطنية. - بقيت طويلا على رأس «الشعلة» قبل أن تترك المكان لغيرك، حتى أصبحت الجمعية هي عبد المقصود كما يقول الجمعيون؟ < دعني أقلب الأمر، لأقول لك إني أنا الذي ارتبطت ب«الشعلة» وجعلتها كل حياتي ومعنى لهذه الحياة، ولقد عملت خلال تلك السنوات الطويلة ووفرت جهدي ووقتي لها. أنا الآن مجرد مؤسس، ولا خوف عليها من أي كان، إن «الشعلة» تحولت إلى مدرسة للتأهيل والتكوين الجمعوي، بل الكثير من الذين تربوا في الشعلة وهم أطفالا أو يافعون، يعودون إليها بعد أن كبروا وبعد أن دارت الحياة دورتها، وتزوجوا وأصبحوا أصحاب أسر، يعودون لإتمام مهامهم التربوية ووفاء للمكان الذي تعلموا فيه، وخدمة للأجيال الشابةالجديدة. هذا العود يؤكد أن مجهودات العمل الجمعوي الجاد لا يمكن أن تذهب سدى. - لو طلبت منك أن ترسم خطا بيانيا عن العمل الجمعوي في المغرب، كيف سيكون؟ < لقد وقعت عدة متغيرات منها، على وجه الخصوص، سهولة تأسيس جمعية والحصول على وصل الإيداع القانوني، كان الأمر يتطلب نضالا في السابق، وهكذا أصبحنا اليوم أمام أزيد من 40 ألف جمعية. بدون شك هذا رقم جيد، ونحن نحتاج إلى أكبر من هذا الرقم في بلد في بداية انفتاحه على العمل المدني. لكن كما في سائر الأمور، هناك محاذير وهناك تخوفات، فمن هذا الرقم الكبير لا نجد إلا عددا محدودا من الجمعيات لها القدرة على العمل والباقي جمعيات مجمدة ونائمة تستيقظ في الأوقات التي نعرفها. الدولة، بطبيعة الحال، تتحمل مسؤوليتها في تقديم مبالغ مالية إلى هذا النوع من الجمعيات، لكني أعتقد أن المسؤولية ملقاة، بشكل أكبر، على هؤلاء وعلى المجتمع المدني وعلى بعض المزيفين الذين اتخذوا العمل الجمعوي طريقا سهلا للإثراء، سواء كان هذا المال مال الداخل أو مال الخارج.