إن المتتبع لأدبيات دعاة المعاصرة اليوم، يجد خطابا حداثيا عنيفا ضد الأصالة والأصوليين. إذ يحاول "المعاصرون" وهم الأعلى صوتا في أجهزة الإعلام والمواقع الرسمية إسكات الأصوات الأصيلة بفزاعة الإرهاب. و هو ما خلف عزوفا متزايدا لدى المواطن البسيط الذي تزعزعت ثقته في تاريخه و رموزه وقيمه. و يسفه المعاصرون دعاة تعزيز المرجعية الإسلامية للدولة المغربية ويتهمونهم بالرجعية والظلامية والانغلاق. وهذا الخطاب يجب أن يتعامل معه بحذر لأنه يتسم بالتسرع و الإطلاقية ويجعل كل التيارات الإصلاحية والتجديدية التي تنطلق من المرجعية الإسلامية في سلة واحدة. يقول الأستاذ منير شفيق في كتابه "في الحداثة والخطاب الحداثي"(1999): "إن هذه المنهجية التي تصادر كل إيجابة في مجتمعاتنا وتأبى التوقف عندها... هي ذاتها التي تصادر كل (سلبية) إن جاز التعبير في تاريخ الحداثة الرأسمالية الغربية أو في حاضرها". إن "المعاصرين" تعتبرون واقع الغرب اليوم أرقى ما توصلت إليه البشرية ويطالبون تعميمه على جميع الشعوب. بل إن منهم من يرحب بالاستعمار الفرنسي كما فعل من قبل الروائي المغربي إدريس شرايبي حين تهكم على رجال المقاومة الوطنية. و يصر الطاهر بن جلون أن يسمي نفسه "كاتبا فرنسيا" وليس مغربيا كما أكد ذلك مؤخرا في ضيافة المركز الثقافي الفرنسي بالدار البيضاء. و لا زال العديد من هؤلاء يرددون نفس الخطاب يوميا في الصحافة الفرانكفونية على الخصوص. الإسلام في نطرهم انتهى واللغة العربية ماتت ولم تعد قادرة غلى مواكبة التطور، وملف التعليم يجب تفويته إلى السفارة الفرنسية أو الأمريكية لتريحنا من متاعبه، كما تم تفويت الاتصالات أو النظافة. إن الثقافة المعاصرة في نظر هؤلاء المستلبين تعني كل الفنون الهابطة، كما تعني الاعتراف بالمثلية الجنسية والتطبيع مع إسرائيل. و الحرية الفردية تعني الحق في المجاهرة بالإفطار في رمضان، وحقوق الإنسان ينبغي أن تكون وفق النموذج الغربي الذي يمثل في نظرهم "المرجعية الكونية". وبناء على ذلك، يجب في نظرهم أن نفتح أوطاننا وأسواقنا ومجتمعاتنا وعقولنا وبيوتنا لرياح الغرب بكل ما تحمله بلا استثناء، ومن كل الجهات ولو كانت صهيونية أو متصهينة. وإذا تحدث "الأصوليون" عن مخططات الأعداء وخططهم الاستراتيجية لنهب ثرواتنا واحتلال أراضينا وطمس معالم قدسنا، راحوا يتهمونهم بالفكر المؤامراتي المبني على الخرافة والوهم. وكأن الدول الإمبريالية لم تخطط ولم تتحالف ولم تتآمر يوما على فلسطين و لا على إفريقيا و لا على الإسلام والمسلمين عموما. تطالب المعاصرة بالانفتاح والتسامح وفتح الحوار مع الآخر، لكنها لا تقبل الحوار مع الأصالة والأصوليين، وكأنهم ليسوا "آخر". إن المعاصرة الحقيقية يجب أن تنطلق من ثوابتنا وقيمنا وهويتنا، وبهذا يكون مصطلح "التجديد" أولى من مصطلح الحداثة. وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود في سننه: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها).