تأبى إسرائيل إلا أن تواصل أدوراها التآمرية في حياكة المؤامرات الخبيثة التي بدأتها الحركة الصهيونية بدايات القرن العشرين ضد الدولة العثمانية، والتي أدت إلى إفلاس تركيا، وسقوط دولة الخلافة، وإنهاء دورها كدولةٍ عظمى في ذلك الوقت، وإزاحتها عن مسرح الحياة السياسية الفاعلة، وذلك عقاباً للدولة العثمانية على مواقفها من أحلام وأهداف الحركة الصهيونية، التي كانت تتطلع إلى الحصول على وعدٍ من الخليفة بمنح اليهود وطناً قومياً لهم في فلسطين، ولما رفضت الآستانة تنفيذ أحلام آباء الحركة الصهيونية، وتمسكت بفلسطين أرضاً إسلامية، التفوا متآمرين عليها، وعملوا بكل جهودهم لإضعافها من الداخل، وهزيمتها من الخارج، ووبذلوا جهوداً لإفلاس خزينتها، وإشاعة الفتن والخلافات بين صفوف مؤسساتها السياسية والعسكرية، وشغلوها في الداخل عن سياسات الدول الكبرى، التي كانت تخطط لتمزيق امبراطوريتها، والاستيلاء على دولها، والسيطرة على خيراتها، وقد كان للحركة الصهيونية ما أرادت، فسقطت دولة الخلافة، وانهارت الامبراطورية التركية، وتمزق ملكها، ونهشت الدول الاستعمارية ولاياتها، ونهبت خيراتها، وصدر وعد بلفور الذي مهد لخلق دولةٍ لليهود في فلسطين، ووقع سايكس وبيكو اتفاقية التقسيم والتجزئة العربية، التي صنعت الحدود، وفرقت بين الأخوة والأشقاء، وعقدت حياة العرب إلى يومنا هذا. واليوم تواصل الحركة الصهيونية، وقادة الدولة العبرية، التآمر على تركيا، لإسقاط حكومتها، وإفساد الحياة السياسية فيها، وإشاعة الفوضى والاضطراب في البلاد، وتنشيط الحركات الانفصالية، ومدها بكل أسباب القوة والمنعة، لتمعن أكثر في التخريب والإفساد، ولتمكنها من القيام بعملياتٍ عسكرية، تفقد الأتراك أمنهم، وتشيع بينهم الخوف والهلع، وتبذل وسعها في اشغال الجيش التركي على الجبهات الحدودية مع الأكراد، الأمر الذي كلف الجيش التركي ضحايا في صفوف جنوده، واعتداءاتٍ متكررة على عناصر الشرطة والأجهزة الأمنية. لن تتوقف الجهود الإسرائيلية عن مواصلة التآمر على تركيا، حكومة وجيشاً وشعباً، فقد انحازت تركيا الدولة والشعب إلى جانب الشعب الفلسطيني، وانتصرت لقضيته، وأعلنت مظلومية الشعب الفلسطيني، وكشفت عن عدوانية الدولة العبرية، وفضحت اعتداءاتها المستمرة على الفلسطينيين ومقدساتهم، ورفضت منطق الصمت الدولي، الذي أعطى الإسرائيليين الغطاء والفرصة لمواصلة اعتداءاتهم وظلمهم للشعب الفلسطيني، وأعلنت أنها ماضية في نصرة أهل غزة، وأنها لن تتوقف عن جهودها حتى يرفع عن قطاع غزة الحصار الإسرائيلي الظالم المفروض عليه، وبدأت في أكبر حملةٍ دولية لتعرية ممارسات الجيش الإسرائيلي، وفضح صورته الإعلامية الزائفة، وباشرت في محاكمة قادة الكيان الإسرائيلي بعد أن حملتهم مسؤولية الاعتداء على أسطول الحرية التركية، الذي كان يحمل العلم التركي، ويبحر في المياه الدولية، وحملتهم المسؤولية الكاملة تجاه قتل أبناءهم الذين كانوا على متن سفن قافلة الحرية. وكشفت الحكومة التركية عن أدوارٍ مشبوهة تقوم بها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، التي تحاول أن تجعل من تركيا ساحةً لتنفيذ مخططاتها ضد خصومها، ففضحت خيوط مؤامراتٍ انقلابية، ومساعداتٍ إسرائيلية، لمجموعاتٍ تركية، عسكرية نظامية، وأخرى انفصالية معارضة، لتمكينها من قلب نظام الحكم، والسيطرة على مقاليد الحكم في أنقره، وتنحية حزب العدالة والتنمية عن سدة الحياة السياسية في البلاد، وكشفت الحكومة التركية عن محاولاتٍ إسرائيلية لاضعاف الاقتصاد التركي وانهاكه، وهو الاقتصاد الذي أصبح ينتعش في ظل حكومة العدالة والتنمية بصورةٍ مضطردة، فدعا وزير السياحة الصهيوني ستاس ميزخنيكوف الصهاينة إلى مقاطعة تركيا كوجهة سياحية، ودعا مسؤولون إسرائيليون آخرون إلى منع تركيا من الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي، ومنعها من الاستفادة من امتيازات الأسواق الأوروبية، فقامت الحكومة التركية التي كانت ترتبط قديماً بعلاقاتٍ استراتيجية مع الكيان الصهيوني، بإدراج اسم "إسرائيل" على القائمة الحمراء، كواحدةٍ من أخطر الدول التي تغذي الإرهاب في تركيا والمنطقة، وتهدد الأمن القومي للبلاد، وتعرض أمن تركيا للخطر، وتهدد المواطنين الأتراك في حياتهم وأمنهم وممتلكاتهم، وأكد مجلس الأمن القومي التركي خطورة "إسرائيل" على الأمن القومي الاستراتيجي التركي، وأيد إدراجها لأول مرة منذ العام 1949 ضمن "الكتاب الأحمر" أو الدستور السري، الذي يحدد الاستراتيجيات العريضة التركية الخارجية والداخلية للسنوات القادمة. الحكومة التركية تدرك أنها باتت تدفع ثمن مواقفها من السياسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، وأنها أصبحت في دائرة الأهداف الإسرائيلية والصهيونية، الذين لن يألوا جهداً في ثني تركيا عن سياساتها الجديدة، وسيعملون كل جهدهم لجر تركيا إلى مربعاتها الأولى، وإعادتها إلى سياستها السابقة المؤيدة لإسرائيل، والمدافعة عنها، والمتعاونة معها أمنياً وعسكرياً واقتصادياً وسياسياً، والحيلولة دون اقترابها أكثر من الدول العربية والإسلامية، وإلا فإن أياماً صعبة ستواجه الأتراك، على المستويات الداخلية الأمنية والاقتصادية، وعلى المستوى الدولي والأوروبي، وستعود البؤر الأمنية التاريخية إلى الثورة والانفجار من جديد، وستعود المسألة الأرمينية، والخلافات اليونانية، والأزمات الجورجية، والخلافات القبرصية، وستزداد المسافة بين تركيا وأوروبا، وستبتعد تركيا أكثر عن الشراكة الأروبية، وستبدأ محاولاتها عزلها وتصنيفها، وقد بدأت الحركة الصهيونية في مختلف المحافل الدولية في تشويه صورة تركيا، وأخذوا يتعرضون لسياساتها بالنقد والتجريح، وتصنيف حكومتها بالإسلامية المتطرفة، وأنها تبني علاقاتٍ جديدة في المنطقة على حساب المصالح الغربية والأمريكية، ومؤامراتٌ أخرى كثيرة ستصنعها الحركة الصهيونية لتركيا، عقاباً لها، ومحاولةً لجرها واستعادتها من جديد، إدراكاً منها لأهمية دورها، وقوة نفوذها، وأثرها على مستقبل الصراع في المنطقة، إذ ستكون إسرائيل هي الخاسر الأكبر بعودة تركيا إلى مواقعها التاريخية والحضارية. دمشق في 2/11/2010