فتح المغرب وكان صاحب الراية تحت شمس الصحراء المحرقة، وفي جوها يصنع الأبطال، وفي هذه البيئة ولد عقبة بن نافع بن عبدالقيس الفهري .* *يذكر ابن سعد في طبقاته أن نافع بن عبدالقيس سمى ولده عقبة بهذا الاسم الذي يطلق على عدد من فرسان قريش ممن لهم خبرة ودراية بأمور المبارزة والقتال، فلقد ولد الطفل والصراع يومئذ شديد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، *وبعدما أكمل سنة من عمره هاجر النبي من مكة إلى المدينة، وكان والده من السابقين في الإسلام، فكان أول ما طرق سمعه كلمات الجهاد والفتح والغزو .* *ولما بلغ التاسعة من عمره شاهد وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح مكة وهو يقول لمشركي قريش: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، وشب عقبة ونما على حب الجهاد وساعده على ذلك ابن خالته عمرو بن العاص، وقد نظر عمرو إلى عقبة فعلم أنه سيكون بطلاً من أبطال الإسلام، وعندما أسند الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتح بلاد الشام إلى عمرو بن العاص جعل عمرو في مقدمة الجيش عقبة بن نافع وهو شاب لم يبلغ سن العشرين .* *تأييد إلهي*** *شارك عقبة في فتح بلاد الشام فأظهر من الشجاعة وفنون القتال ما يعجز الواصفون عن وصفه ثم جاء الفتح الثاني وهو فتح مصر ولم يكن اختيار عمرو لعقبة في الفتحين على أساس القرابة وإنما كان على أساس المهارة الحربية والقدرة على القتال، ثم توجه بعد ذلك عقبة إلى فتح بلاد المغرب وكانت أول قيادة فعلية له حينما بعثه عمرو بن العاص على رأس سرية لفتح فزان وهي مجموعة الواحات الكبرى الواقعة في صحراء إفريقيا الوسطى، فانطلق عقبة على رأس السرية يتقدمهم ويرفع لواءه أمامهم ويسبقهم جميعا نور الإيمان الذي أضاء لهم الحياة .* *وعندما اقتربوا من فزان حثهم عقبة على مجالدة وقتال الأعداء بعدما تجمعت قبائل البربر للقاء عقبة إلا أن الله أيده بالنصر، ويمر عقبة بلحظات لو نظر إليها الإنسان أصابه الإحباط، ففي معركة من المعارك وهي معركة خاوار أراد عقبة أن يسلك طريقاً آخر ليحاصر الأعداء ويفاجئهم من خلفهم إلا أن الطريق كان وعراً ولم يكن به ماء، سار عقبة على رأس الجيش حتى أعياهم حر الشمس وحاصرهم العطش، نعم عطش المسلمون حتى كادوا يموتون فلجأ عقبة بن نافع إلى ربه يدعوه ويناجيه فتحدث له الكرامة .* *يتحدث عن هذه الواقعة أبو نعيم في كتابه “حلية الأولياء” فيقول لما فرغ عقبة من الصلاة والدعاء إذا به يرى فرسه ينبش الأرض بحافره فتنفجر المياه من تحته فيشرب المسلمون ويرتوون ويسمى المكان “بماء فرس”، وما من واحد فيهم يحفر حفرة إلا ويتفجر الماء منها، وهكذا كان الله معهم فنجاهم من العطش فاستراحوا ثم دخلوا خاوار ليلا وأهلها نائمون فأسروهم وأسروا ملكهم ورجعوا منتصرين دون أن يفقدوا شهيدا واحدا، ثم بنى عقبة مدينة القيروان والتي مازالت تعرف بهذا الاسم . ويواصل عقبة الجهاد بعدها، لقد علم أن البربر والروم بمقدمه هو ومن معه فاجتمعوا للقضاء عليه ليقضوا بذلك على الإسلام والمسلمين وجمعوا صفوفهم من الرجال والنساء فجعلوا النساء خلف الرجال يشجعنهم على قتال المسلمين والثبات فى المعركة فتقابل عقبة مع جيش البربر والروم فقضى عليهم في موقعة أدنه عاصمة الزاب وهي في الجزائر على حدود الصحراء الكبرى .* *على شاطئ “الأطلنطي”*** *نظر عقبة إلى عدد المسلمين ونظر إلى العدو فتلا قول الله تعالى “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله” ثم توجه بالكلام إلى جيشه يذكرهم بيوم بدر والخندق واليرموك وأن الله معهم، والتقت السيوف وصهلت الخيول واشتد القتال فأظهر عقبة في هذه المعركة من البسالة والجرأة ما خلع قلوب أعدائه من الرعب فكان يصول ويجول بفرسه ممسكاً الراية بيد والسيف باليد الأخرى، فيقتل ويضرب بسيفه ويقطع الرؤوس وأظهر المجاهدون المسلمون في هذا اليوم كل مهاراتهم الحربية حتى كتب الله النصر لهم، وفر الروم والبربر من أمامهم وغنم عقبة وجيشه من هذه المعركة مغانم كثيرة، ثم أسرع إلى طنجة وفتحها ثم اتجه إلى مدينة وليلي وهي تقع في غرب فاس الشمالي وتسمى اليوم بقصر فرعون فحاربه أهلها إلا أن الله كتب له النصر . ثم اتجه إلى السوس الأقصى ففتحها وأتم النصر للمسلمين حتى وصل عقبة إلى شاطئ المحيط الأطلنطي وهنا تذكر كتب التاريخ ومنها الطبقات أن عقبة بن نافع وقف على شاطئ الأطلنطي وقال : يا رب لولا هذا المحيط لمضيت في البلاد إلى ملك ذي القرنين مدافعاً عن دينك ومقاتلا من كفر بك وعبد غيرك .* *وعاد عقبة إلى طنجة فرأى السكون يخيم على المدينة فظن أن أهلها لا يريدون حربا فأرسل الجيش عائداً إلى القيروان وبقي هو في طنجة ومعه ثلاثمائة مقاتل فقط، وهنا يخرج عليه البربر في موقعة تهودة وعددهم يقدر بالآلاف وتقدم قائدهم كسيلة يطلب من عقبة الاستسلام إلا أن القائد البطل أبى إلا أن يموت فى الميدان فاخترق صفوف البربر وقاتلهم مقاتلة شديدة هو وجنوده فقتل منهم عدداً كثيراً حتى نال الشهادة في سبيل الله هو ومن كان معه فرضي الله عنهم أجمعين .* **