هناك معارك وثورات مشهورة في التاريخ السياسي للمغرب، بعضها يعرفه أغلب المغاربة، ولكن معظم تلك المعارك وخلفياتها و حيثياتها تخفى على الكثيرين ابتداء من الحرب التي قادها القائد الأمازيغي يوغرطة ضد روما، مرورا بحروب وثورات وقعت في العصور الوسطى، وانتهاء بمعارك العصر الحديث. ومن خلال هذه الرحلة عبر عدد من المعارك والثورات، تتوخى «المساء» أن تلقي الضوء على تلك المعارك والثورات، شخصياتها، وقائعها، وبالأخص تأثيرها على المسار السياسي للمغرب. لا يمكن الحديث عن تاريخ المغرب القديم دون الإشارة إلى اسم طارق بن زياد، القائد الذي استطاع أن يفتح الأندلس وينشر فيها الإسلام. ينحدر هذا القائد من قبيلة أمازيغية يطلق عليها اسم الصدف. وحسب الروايات التاريخية، فإن طارق بن زياد ولد سنة 50 بعد هجرة الرسول (ص)، وأسلم على يد موسى بن نصير الذي، حسب صاحب كتاب «الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى»، كان من التابعين، وعين سنة 77 هجرية (وفي رواية تاريخية أخرى سنة 87 هجرية) على شمال أفريقيا من أجل استعادة الأمن وإصلاح أمورها بعد الفتن التي أعقبت عودة القائد حسان بن النعمان إلى المشرق. يروي بعض الرواة عن موسى بن نصير أن طارق بن زياد كان رجلا عاقلا، كريما، شجاعا، وورعا متقيا. بعد مقتل زهير بن قيس، قام موسى بن نصير بتعيين طارق بن زياد أميرا على منطقة برقة، فأبان عن مقدرات عسكرية كبيرة، أعجب بها موسى بن نصير فقام بتعيينه قائدا لجيشه. ساهم طارق بن زياد بشكل كبير في إخضاع المغرب بأسره باستثناء مدينة سبتة، التي استعصى على جيش موسى بن نصير أن يدخلها فاتحا. وكانت سبتة حينها تحت سيطرة شخص يدعى الكونت جوليان، ويطلق عليه الناصري في كتابه «الاستقصا» اسم يليان، الذي نشب بينه وبين لذريق ملك القوط بالأندلس خلاف بسبب اعتداء لذريق على ابنة يليان التي كانت تعيش في بلاطه. وقد لعب هذا الخلاف لصالح المسلمين، إذ كان المفتاح الذي سهل فتح الأندلس على طارق بن زياد. يقول المؤرخ الناصري إنه لما استقرت الأمور والقواعد لموسى بن نصير بالمغرب بأكمله، أمر طارق بن زياد بالتوجه إلى الأندلس من أجل غزوها، مضيفا أن طارق بن زياد كان نائما وقت العبور نحو الأندلس، وفي المنام رأى الرسول (ص) وبشره بالفتح. كان جيش طارق بن زياد يتشكل من 12 ألف أمازيغي وقلة قليلة من العرب. وفي أحد الأيام توجه جوليان إلى طارق بن زياد الذي كان حاكما على طنجة وكشف له عن الثغرات في الجانب القوطي. راسل طارق بن زياد موسى بن نصير الذي أذن له بفتح الأندلس. ويحكي الناصري في كتابه «الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى» أن طارق بن زياد «أجاز البحر سنة 92 من الهجرة في نحو 300 من العرب واحتشد معهم من البربر زهاء 10 آلاف وصيرهم عسكرين أحدهما على نفسه ونزل به جبل الفتح فسمى جبل طارق به، والآخر على طريف بن مالك النخعي ونزل بمكان مدينة طريف فسميت به وأداروا الأسوار على أنفسهم للتحصن وبلغ الخبر لذريق فنهض إليهم يجر أمم الأعاجم وأهل ملة النصرانية في زهاء 40 ألفا فالتقوا بفحص شريش فهزمه الله ونفلهم أموال أهل الكفر ورقابهم وكتب طارق إلى موسى بالفتح والغنائم فحركته الغيرة وكتب إلى طارق يتوعده إن توغل بغير إذنه ويأمره أن لا يتجاوز مكانه حتى يلحق به». وبالفعل عين موسى بن نصير ابنه عبد الله على القيروان وخرج معه حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع سنة 93 هجرية، واجتاز البحر في اتجاه الأندلس حيث التقاه طارق بن زياد. واحتفظ التاريخ من المغامرة الأندلسية لهذا القائد الأمازيغي بخطبة شهيرة بالرغم من اختلاف العلماء والباحثين بشأن نسبتها إلى طارق بن زياد على اعتبار أنه كان أمازيغيا، وبالتالي يستحيل عليه أن يدبج خطبة بذلك الصفاء اللغوي الباهر، وهناك من الباحثين من يؤكد نسبتها إلى هذا القائد. ومما ورد في الخطبة التي وجهها لحفز أفراد جيشه على مواجهة العدو مايلي: «أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم، وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم، ولم تنجزوا لكم أمرا ذهبت ريحكم، وتعوضت القلوب من رعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية»، يقصد ملك القوط لذريق.